الاحداث الدامية التي تقع في اجزاء معينة من العالم العربي،لاتعيرها
اية اهمية بقية الاجزاء الاخرى سواء على المستويين الرسمي او
الشعبي!وقد رأينا ذلك في امثلة عديدة من خلال السياق التاريخي
الطويل،ولكن العدالة الارضية تفرض انتقال الالآم الى بقية المناطق
الاخرى في اوقات اخرى او على الاقل انتقام لحالة اللامبالاة التي تذمها
الشرائع السماوية بشدة وتبغضها الطبيعة الانسانية السوية...
الثورة الحوثية في اليمن والتي مازالت مستمرة منذ عدة اعوام هي
نتيجة طبيعية لحالة الرد الفعلي الشعبي لتسلط الاستبداد المقيت على
البلاد لفترة طويلة من الزمن...وبغض النظر عن الدوافع الحقيقية للثوار
او الاتهامات الباطلة لهم والتي هي من سمات الطرف الاضعف في النزاع على
مر التاريخ،فأن مجرد استيلاء مجموعة عسكرية او مدنية على الحكم بصورة
غير شرعية وتحويله الى ملكية فعلية وترفض بشكل او بأخر بعد ذلك التنازل
عن ذلك الحكم او السماح للاخرين بالمشاركة كما يحدث الان في اليمن على
سبيل المثال،فأنه سبب كافي للقيام بثورة مسلحة لاي فئة قد تشعر بالغبن
والظلم،خاصة بعد ان تستنفذ كافة الاجراءات السلمية للمقاومة والمعارضة
والتي هي وسائل غير ناجعة في العالم الثالث الذي غالبا ما يستخدم العنف
والقسوة والفساد كوسائل مفضلة للتعامل مع المعارضة الداخلية!وهي ناتجة
اساسا من تخلف حضاري احد ابرز مميزاته توارث الاستبداد وشيوعه وهو ما
يتنافى مع التطور الانساني بصورة لا تقبل النقاش!...
الحكم اليمني الحالي هو نموذج مثالي لحالة الفساد المستشري في
العالم الثالث،والحاكم الحالي(علي عبد الله صالح) ومنذ استيلائه على
الحكم عام 1978 ورغم مرور اكثر من ثلاث عقود من الزمن، فأن البلاد
مازالت تتربع في خانة اكثر الدول تخلفا وفسادا في العالم رغم ان
الاستبداد يعتبر فرصة ذهبية لبناء البلاد اذا كان الحاكم وزمرته من
الوطنيين المحبين لاوطانهم مع حبهم لكرسي السلطة!ففي الشدة والصرامة
يمكن التغلب على المعارضة التي قد تكبل اليد في بناء البلاد بسرعة من
خلال ادامة الاجراءات الروتينية في النظم التعددية كما حصل في بعض
الامثلة النموذجية في تايوان وسنغافورة وكوريا الجنوبية التي استغلت
نظمها المستبدة تحكمها بالبلاد في القيام بتطويرها بدون معارضة تذكر
ونجحت نجاحا مذهلا! حتى تطور الى الجانب السياسي وبصورة سلمية...
ولكن الظاهر ان ذلك الاسلوب هو ايضا غير محبب مع النظم المستبدة في
العالم العربي الذي يكاد الواقع ان يكون لسانا صادقا ومعبرا حقيقيا في
وصف تلك الانظمة بالخيانة العظمى للبلاد!...
حالة الوحدة الاندماجية مع الجنوب اليمني عام 1990 لم تحصل وتستمر
الا وفق ظروف دولية مواتية،وايضا لم يستغلها النظام العسكري الحاكم في
تطوير البلاد واحلال العدالة والمساواة بين الجميع،بل استمر وفق منهجه
المتخلف في الحكم والادارة مما انعكس سلبا على رفض قطاعات واسعة من
الجنوبيين لتلك الوحدة وتسببت بحرب كسبها الشمال عام 1994 وايضا لم
يستغل قضائه على التمرد في بناء البلاد وفق اسس وطنية صحيحة حتى يتجنب
حالة الثورات والاضطرابات في المستقبل،فكانت المظاهرات وحالة الرفض
والاستياء بادية على وجوه العديدين في الجنوب بعد ذلك!ومن يدري فقط
تتطور المشاكل الى حالة التمرد الدموي المسلح من جديد في المستقبل...
اما في حالة الحوثيين في الشمال وتحديدا في الجبال الوعرة في
صعدة،فأن اتهام السلطة لهم بشتى التهم واصرارها على استمرارية
الحرب(وكأن الحرب مع بلدان اخرى!) وخاصة الاخيرة والتي لم تراعي السلطة
حلول فترة شهر رمضان المبارك ولا وجود مئات الالاف من مواطنيهم
المشردين او الذين تقع المعارك في مناطقهم وحرمة دمائهم واموالهم،لهو
دليل دامغ على مقدار الانحطاط والهمجية التي يتحلها بها ذلك المتخلف
الحاكم وزمرته والتي ابقت البلاد ضمن اسوأ البلاد تخلفا وفقرا واصبحت
مركزا دوليا لتخريج الارهابيين الرعاع الى البلاد الاخرى الذين هم ردة
فعل طبيعية لحالة الحكم المستبدة!...
لايحق للنظام الحاكم، الادعاء بشرعيته او
تخوين الحوثيين فأندلاع المعارك وسقوط الضحايا هو سبب كافي لتخوينه
يضاف الى ابقاءه البلاد في حلقة التخلف المفرغة الرهيبة منذ عقود
طويلة،واتهام حكم الامامة السابق في ابقاء البلاد متخلفة هو غير واقعي
ومنصف كون البلاد تحررت منه منذ نصف قرن تقريبا والاوضاع مثلما هي لم
تتغير رغم المزايا التي حصل عليها النظام الحاكم الحالي ولم تتوفر
للسابقين مثل انتاج النفط وارتفاع اسعاره ووجود جاليات كبيرة في الدول
المجاورة تحول مبالغ طائلة للبلاد تساعدها على تخليصها من مشكلة
البطالة والاستثمار في النشاط الاقتصادي الداخلي...
كذلك فأن اتهام الدول الاخرى بدعم التمرد او تأييده لن يخفف من
اخطائه الشنيعة فسوء الحكم هو مصدر الثورات الرئيسية ووقودها على مدار
التاريخ والتأييد الدولي اذا لم يجد ارضا خصبة فلن يكون له اي تأثير
على الاوضاع،بل العكس ان العديد من الدول وخاصة السعودية تدعمه في حربه
الدموية ضد شعبه وبصورة علنية!...
رغم وجود حالة من الغموض حول اسباب اندلاع الثورات المستمرة
للحوثيين،الا ان تعاملهم بشجاعة وبأخلاق الفروسية مع الكثير من القضايا
التي حدثت معهم من قبيل اطلاق سراح الاسرى من العسكريين فورا بعد
تجريدهم من السلاح هو ميزة نادرة تحسب لصالحهم بعكس ماهو واقع مع
الجماعات الارهابية التكفيرية في العراق وافغانستان وباكستان التي تقتل
وبهمجية ووحشية غير مبررة اطلاقا تتنافى مع تعاليم الدين الحنيف
والرحمة الانسانية وبنذالة وجبن لاحدود لهما،كل من ينتسب ليس فقط
للمؤسسة العسكرية والامنية الغير مقاتلين لهم اصلا بل حتى المدنيين
الابرياء ولجميع الاعمار وخاصة الذين يخالفونهم في الرأي والعقيدة !في
دلالة واضحة على تعارض المنهجين والقائمين عليهما!...
الدماء المهدورة من الجبال سوف تستمر مادامت تلك الزمرة المتخلفة
الحاكمة مستمرة في حكمها وطغيانها،ولن ينفع قبول الثوار لمبادراتهم او
مبادرات الاخرين لايقافها او لمنع وقوعها في المستقبل...وهي حالة
طبيعية ناشئة من الصراع بين الخير والشر او على الاقل دفع الشرور
الناتجة من الحكم الاستبدادي المقيت... |