الأوساط الإسلاموية: اختلاف الآراء ومحدودية البدائل

محاولات تكريس التعددية الثقافية الإيجابية كسلاح ضد الفكر الجهادي

 

شبكة النبأ: تتنامى لدى الخبراء المختصين بشؤون الإسلام السياسي والموظفين الألمان العاملين في هيئة حماية الدستور التقديرات بأنه لا يمكن تجفيف منابع التطرف الإسلاموي من خلال الإجراءات الأمنية وحدها. ومع ذلك لا يوجد توافق على شكل المساعدات الإرشادية والوقائية والتأهيلية التي يمكن توظيفها من أجل مساعدة المتورطين في الخروج من أوساط الإسلامويين.

ألبريشت ميتسغر الباحث في العلوم الإسلامية، ألقى الضوء على هذا الموضوع من خلال المقال التالي الذي نشره موقع قنطرة:

خيارات محدودة وبدائل ضيقة...جدل في أوساط الخبراء الألمان حول السبل الممكنة لمساعدة المتورطين في الخروج من أوساط الإسلامويين من الممكن أن يتغيَّر الناس، ولذا من الممكن أن يعود متطرِّف ما وبغض النظر عن توجّهاته بعد عملية إعادة تأهيله وتغيير فكره إلى أحضان المجتمع المدني. ولكن ذلك يحتاج في بعض الأحيان إلى وجود دعم من المحيط الخارجي، من أجل إنهاء هذه العملية بنجاح. فمن الممكن أن يكون الأمر خطيرًا بالنسبة للمتراجعين الذين يريدون ترك رفاقهم السابقين في الجماعات المتطرِّفة. وعلاوة على ذلك فهم يكونون بحاجة إلى آفاق مستقبلية لما يمكن أن يحصل بعد تراجعهم عن التطرّف.

ويضيف ميتسغر، ومَنْ يتعلَّق بالإيديولوجيات المتطرِّفة، يتحرَّك غالبًا في أوساط متآمرة، يدعم أعضاؤها بعضهم بعضًا على المستوى المادي والعقائدي. ومَنْ يترك مثل هذه الأوساط، يحتاج إلى بدائل. ولذلك توجد منذ فترة طويلة برامج لتأهيل اليمينيين المتطرِّفين ومساعدتهم في الخروج من أوساط التطرّف؛ ومن المفترض أن تُقدِّم لهم هذه البرامج الحماية من احتمال تعرّضهم لأعمال انتقامية من قبل المنزعجين من النازيين الجدد والمساعدة في بناء حياة جديدة.

ويتابع ميتسغر، حتى الآن لا توجد مثل هذه البرامج من أجل الإسلامويين؛ إذ إنَّ ظاهرة الإسلام السياسي تعتبر جديدة في ألمانيا بالمقارنة مع الجماعات اليمينية المتطرِّفة التي تمارس نشاطها منذ أربعين عامًا، في حين أنَّ الإسلامويين يمارسون نشاطهم وخاصة بشكله العنيف فقط منذ فترة قصيرة نسبيًا.

وحاليًا تثير الاهتمام القضية المرفوعة ضدّ ما يعرف باسم "خلية زوارلاند" التي تتم محاكمة أعضائها في مدينة دوسلدورف الألمانية بتهمة تخطيطهم قبل نحو عامين للقيام بهجمات بمواد متفجِّرة على منشآت ومصالح أمريكية. والمتَّهمون في هذه القضية اعترفوا بالتهم الموجَّهة لهم، كما أنَّهم مكَّنوا المحقِّقين من الاطِّلاع على الأوساط الإسلاموية المستعدة لاستخدام العنف في ألمانيا.

وكذلك أعلن المتَّهم الرئيسي في هذه القضية، فريتس غيلوفيتس، أنَّه يريد بعد أن يمضي فترة عقوبته تكوين أسرة والعيش على نحو يتناسب مع قواعد الإسلام وتعاليمه. ولكن لو أنَّه تمكَّن في السابق من الخروج من هذا الوسط المتطرِّف، لكان باستطاعته تجنّب عقوبة السجن. وتوجد حاليًا على المستوى الحكومي وغير الحكومي العديد من المبادرات من أجل إرشاد الشباب مثل غيلوفيتس إلى طريق الخروج من الدوائر الإسلاموية المتطرفة. ولكن كلّ ذلك ما يزال في طور التأسيس، ويوجد في هذا الإطار نوع من "العصف الذهني"، مثلما يصف ذلك أحد المراقبين.

ويؤكد ميتسغر، "توجد حاليًا على المستوى الحكومي الألماني وغير الحكومي العديد من المبادرات من أجل إرشاد الشباب مثل غيلوفيتس إلى طريق الخروج من الأوساط الإسلاموية المتطرفة" ولكن من المفترض على المدى المتوسِّط أن تنفذ برامج للمساعدة في الخروج من الأوساط الإسلاموية، يمكن مقارنتها بتلك الموجودة على أرض الواقع من أجل إعادة تأهيل اليمينيين المتطرِّفين. ولكن السؤال هو ما مدى فعالية هذه البرامج وهل يمكن للإسلامويين الذين كانوا يعيشون في عالم منغلق أن يتأثَّروا بها. وفضلاً عن ذلك يُطرح السؤال عن نوعية الاختلافات الموجودة بين اليمينيين المتطرِّفين وبين الإسلامويين، وكيف تنعكس هذه الاختلافات في الجهود التي سيتم بذلها بغية حملهم على الخروج من هذه الأوساط.

ويستذكر ميتسغر، هناك منظمة لديها تجارب وخبرات في هذا المجال، اسمها "مخرج- ألمانيا" Exit Deutschland. وهذه المنظمة تعمل بالتعاون مع أشخاص كانوا في السابق من النازيين الجدد، وخلَّفوا ماضيهم وراءهم وصاروا الآن يساعدون اليمينيين المتطرِّفين في تسهيل عملية خروجهم من أوساط التطرّف. ويبدأ ذلك في الإرشاد المهني ويمتد ليشمل تقديم الدعم والمساعدة في تغيير مكان السكن الذي من الممكن أن يصبح ضروريًا في الحالات الحساسة. ومن المعروف أنَّ اليمينيين المتطرِّفين لا يشتكون عندما يتعلق الأمر باستخدام العنف.

ومنذ فترة غير بعيدة أصبحت منظمة "مخرج- ألمانيا" تتوجَّه ببرامجها أيضًا إلى أناس تورطوا في أوساط إسلاموية متطرفة، ولكن على مستوى أقل. وتقدِّم المساعدة للإسلامويين في برنامج اسمه "مخرج لمساعدة الأسرة". وكلاوديا دانتشكه Claudia Dantschke، الخبيرة المختصة بشؤون الإسلام السياسي ضمن هذا البرنامج تقول: "حتى الآن لا يوجد خارجون من الأوساط الإسلاموية، يمكن أن يتعاونوا معنا". وتضيف: "نحن نقدِّم في البدء المشورة للأسر التي تلجأ إلينا عندما ينضم أحد أبنائها إلى مجموعات إسلامية متطرفة".

ويبيّن ميتسغر، كثيرًا ما يلجأ إلى هذه المنظمة أشخاص اعتنقوا الإسلام، وكذلك أشخاص هم في الأصل مسلمون. وتقول كلاوديا دانتشكه إنَّه حتى الآباء المسلمين المتديِّنين يأتون إلى منظمتنا وتضيف: "وهم يبحثون عن المساعدة في مجال غير إسلامي، ونحن نستطيع في هذا الصدد سدّ فجوة. ولا ينبغي دائمًا أن تتدخَّل على الفور هيئة حماية الدستور". وحتى الآن لا توجد لدى منظمة "مخرج- ألمانيا" تجربة مع الإسلامويين المستعدين لاستخدام العنف. وتقول دانتشكه: "حتى الآن لم نتعامل قطّ مع الإرهاب، بيد أنَّنا سنقدِّم المساعدة أيضًا في هذا المجال، عندما يتم طلب المساعدة منا".

وترى الخبيرة في شؤون الإسلام السياسي أنَّ هناك مشكلة فيما يتعلَّق باستعداد الإسلامويين المبدئى للخروج من أوساط التطرّف، وتقول: "يوجد هنا مستوى دعائي من الصعب كسره؛ فهؤلاء الأشخاص متديِّنون، وهم يعتبرون أنفسهم مسلمين، كما يتم إدخال الرعب في نفوسهم والإيحاء لهم بأنَّهم سيتركون الإسلام في حال أداروا ظهورهم لهذه الجماعة".

حسب القائمين على المنظمة يلجأ إليها "أشخاص اعتنقوا الإسلام، وكذلك أشخاص هم في الأصل مسلمون"

وحسب رأي بيرند فاغنر Bernd Wagner، مؤسس منظمة "مخرج- ألمانيا"، فإنَّ ميثاق الشرف يلعب لدى الإسلامويين دورًا أكبر وأهم مما هي عليه الحال لدى اليمينيين المتطرِّفين. أما بينّو كوبفر Benno Köpfer من هيئة حماية الدستور في ولاية بادن فورتمبيرغ فيقول: "ربما يكون مصطلح الخروج تعبيرًا خاطئًا"، ويضيف: "وذلك لأنَّ المرء لا يمكنه الخروج من الإسلام. ولهذا السبب فنحن نفضِّل الحديث عن التخفيف من حدة التطرّف".

وبينّو كوبفر يتابع بدقة النقاش حول برامج المساعدة في الخروج من الأوساط الإسلاموية، لاسيما وأنَّ هناك رأيًا يتنامى لدى الموظفين العاملين في هيئة حماية الدستور، مفاده أنَّه لا يمكن للمرء تجفيف منابع الإسلام السياسي من خلال الإجراءات القمعية وحدها. وعلى سبيل المثال يقوم في ولاية شمال الراين فيستفاليا المكتب الإقليمي لهيئة حماية الدستور بإجراء حوارات مع المنظمات والجمعيات الإسلامية والمساجد، ويستطلع قابلية التعاون في البرامج الممكن إجراؤها للمساعدة في الخروج من الأوساط الإسلاموية.

وتستطيع المكاتب الأخرى التابعة لهيئة حماية الدستور اتِّباع هذه الخطوة. ويقول كوبفر: "ميِّزتنا هي السرية. وهذا يجعلنا شركاء قيِّمين يمكن التوجّه إليهم. وعندما يريد شخص ما أن يبقى مجهول الهوية عندما يتحدَّث إلينا، فعندها لا يعرف العالم الخارجي أي شيء عن ذلك. فالثقة تعتبر أسمى ما لدينا".

ويذكر ميتسغر ان عدد من المساجد في ألمانيا قد شكّلَ بيئة خصبة للأفكار المتطرفة، وفق تقديرات هيئة حماية الدستور ولكن مع ذلك لا يوجد إجماع في الرأي حول فعالية مثل هذه التدابير. "عندما يريد المرء حمل شخص ما على الخروج من أوساط التطرّف، فيجب عليه أن يقدِّم له بدائل"، مثلما يقول باحث في العلوم الإسلامية يعمل لدى هيئة حماية الدستور. وهذا الباحث يشكِّك في برامج المساعدة في الخروج من الأوساط الإسلاموية. ويضيف هذا الباحث الذي يفضل عدم ذكر اسمه: "لكن هذه البدائل غير موجودة. وعندما يخرج من أوساط التطرّف أحد اليمينيين المتطرِّفين، فهو يستطيع العودة إلى المجتمع. ولكن الشخص الإسلاموي السابق يكون إمَّا عربيًا أو تركيًا، ومن الممكن أن يتحتَّم عليه مواصلة الحياة مع التمييز. وهيئة حماية الدستور لا تستطيع هنا تقديم المساعدة".

ويختم ميتسغر مقاله مستدركاً، لكن هذا الشعور بالتعرّض للتمييز يدفع بالذات المسلمين ذوي الأصول المهاجرة إلى أحضان الإسلامويين. وهم يجدون هناك وطنًا جديدًا، ويجدون المأمن. ويقول موظف في هيئة حماية الدستور: "تكون لديك جماعة لطيفة، وتكون أيضًا شخصًا معيَّنًا، وتجد أصدقاء جددا. فإلى أين ستذهب عندما تخرج؟ إلى أصدقائك القدامى الذين أصبحوا في هذه الأثناء لصوص سيَّارات؟ هذا هو البديل بالنسبة للكثيرين.

التعددية الثقافية الإيجابية كسلاح ضد الفكر الجهادي"

وفي نفس السياق يرى الباحث في شؤون الإرهاب وأستاذ علم الاجتماع المعروف، بيتر فالدمانّ أنَّ الإيديولوجية تلعب دورًا ثانويًا في عملية نشوء التطرّف وأنَّ مشكلات الهوية والاعتراف تحتل لدى الإسلامويين في الغرب مكان الصدارة.

وقال فالدمان معلِّقاً على مسألة وجوب التفريق بين الإرهابيين الذين يدافعون في الدرجة الأولى عن حقوق أقليات مسلمة وأراضيها وبين الإرهابيين الذين ينشأون في الغرب فيما يعرف باسم "خلية زوارلاند". وبيّنَ بالقول، على الأرجح أنَّها ليست الحالة الوحيدة وكذلك بعد هجمات مدريد في الحادي عشر من آذار/مارس 2004 تبيَّن للمسلمين الذين كانوا يعرفون الجناة أنَّ بعض هؤلاء الذي شنّوا الهجمات لم يكونوا يعرفون على نحو مدهش سوى القليل عن الإسلام.

واضاف فالدمان، على أي حال يجب التفريق بين الإرهابيين الذين يدافعون في الدرجة الأولى عن حقوق أقليات مسلمة وأراضيها، مثل الشيشان والفلسطينيين أو الشيعة في جنوب لبنان، وبين الإرهابيين الذين ينشأون في الغرب. فالإرهابيون من النوع الأول يعتبرون مندمجين بشكل سلس ضمن مجموعتهم العرقية، وفي المقابل ينشأ التطرّف لدى النوع الثاني من الإرهابيين بالتحديد من كون هويَّتهم غير واضحة، وهم لا ينتمون حقًا إلى أي من المجتمعين سواء بصفتهم أفرادًا في بلدهم الأصلي أم في البلد المضيف.

وتابع فالدمان، من الممكن لي تصوّر أنَّ هؤلاء الإرهابيين بالذات يمكن أنَّهم كانوا قبل ثلاثين أو أربعين عامًا ماركسيين متحمِّسين، وهذا يعني حسب رأيي أنَّ الإيديولوجية تعتبر مسألة ثانوية؛ حيث يحتل مكان الصدارة لدى الإسلامويين في الغرب حلّ مشكلتين؛ هما مشكلة الهوية (من أنا، وأين أنا؟)، والتي يجاب عليها من خلال الفكر الإسلاموي إجابة واضحة، ومشكلة التمتّع بالاعتراف من قبل الآخر (كيف يمكن لي أن أجبر المجتمع المضيف على التعامل معي بشكل جاد؟).

وختمَ فالدمانّ حديثه بالقول، ان الاندفاعات والميول الفردية والجماعية نحو التطرّف تعدّ مسألة عاطفية للغاية؛ كما أنَّها غالبًا ما تنبعث من خلال مجموعة من الأحداث السياسية الدولية التي يتم اعتبارها من ناحية على أنَّها مهينة وظالمة بالنسبة للمسلمين، ومن ناحية أخرى من خلال تجارب الإهمال والتمييز التي يتم خوضها محليًا (في الغرب).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/تشرين الثاني/2009 - 15/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م