التباين بين سياسة الاسلام والسياسة العالمية المعاصرة

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: يُقال أن السياسة المعاصرة لا ترتكن الى مبادئ قابلة للثبات او تأخذ صفة الديمومة حتى لو تعلق الامر بالجوانب الانسانية التي تخص حيوات البشر وشؤونهم، ولعل القاعدة التي اطلقها احد قادة الغرب قبل عقود طويلة من السنوات والتي تشير الى انه (ليست هناك صداقات ولا عداوات دائمة بل هناك مصالح دائمة) تفسر لنا طبيعة السياسة العالمية المعاصرة وما تنطوي عليه من نواقص كثيرة وكبيرة تحط من قيمة الانسان وحرمة حقوقه واستقلاليتة وحفظ كيانه.

فسياسة العالم لا تعدو كونها لهاث متواصل وراء المنافع والمصالح للدول والامم والشعوب بغض النظر عن طريقة هذا اللهاث المحموم وهل هو مشروع او يقف بالضد من المصالح البشرية عموما، وكلنا نعرف ان سياسة التبرير هي التي تقود العالم الآن او لنقل في الماضي المنظور ايضا، فالغاية تبرر الوسيلة هو الطابع العام لهذه السياسة التي لا تحسب حسابا للانسان وحرمته.

ولعل التباين بين سياسة الاسلام وقادته العظام تباينا كبيرا وواضحا في هذا الجانب، حيث الثوابت التي لا يجوز تجاوزها حتى لو تعلق الامر بادارة شؤون الدولة الاسلامية سياسيا، فالعدل والصدق والمساواة وما شابه هي عناصر او مبادئ غير قابلة للتجاوز في سياسة الاسلام، وهكذا سيكون البون شاسعا بين السياستين العالمية والاسلامية، ولعل لب هذا الخلاف يتركز في طبيعة الطرائق التي تتم من خلالها ادارة شؤون الامم والشعوب والتعامل معها.

وقد عالج سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي هذا التباين ورصده بعين المحلل الذي يضع الامور في نصابها، حيث تحدث عن الفارق الشاسع بين السياسة العالمية وسياسة الاسلام واورد عددا من الامثلة الموثقة بمصادر تأريخية لا تقبل التشكيك، حيث ذكر سماحته في كتابه القيّم (السياسة من واقع الاسلام):

(أنّ السياسة الإسلامية تباين السياسة العالمية ـ اليوم ـ وتختلف عنها في أصولها وفروعها، فالسياسة الإسلامية هي غير السياسة المعاصرة التي تمارسها الدول تماماً، وذلك:

لأن الإسلام يتبع في سياسته مزيجاً من: الإدارة والعدل، والحب الشامل، وحفظ كرامة الإنسان، وحقن الدماء. فهو يسعى في أن لا تراق قطرة دم بغير حق، أو تهان كرامة شخص واحد جوراً، أو يظلم إنسان واحد.. بل وحتى حيوان(1) واحد.

أما السياسة ـ بمفهومها المعاصر ـ فهي القدرة على إدارة دفّة الحكم وتسيير الناس والأخذ بالزمام مهما كلّفت هذه الأمور من: إهدار كرامات.. وإراقة دماء.. وكبت حريات.. وابتزاز أموال.. وظلم وإجحاف.. ونحو ذلك، فمادام الحكم لـلحاكم والسلطة خاضعة لأمره ونهيه فهي الغاية المطلوبة لتبرر الواسطة، وإن كانت الواسطة إراقة دماء الألوف.. بل وحتى الملايين جوراً وظلماً.. هذا هو منطق السياسة التي تمارس في بلاد العالم اليوم) .

هذا ما يلاحظه المراقب الحيادي لسياسة اليوم التي تقوم على المصلحة الفردية ثم الجمعية اولا، ولا تضع هامشا للقيم والاعتبارات الانسانية مهما كان ضئيلا، وهكذا أصبح الهدف هو تحقيق المنفعة بأية وسيلة كانت، (فالغاية تبرر الوسيلة) وهذا ما يرفضه الاسلام جملة وتفصيلا.

ويقدم لنا سماحة المرجع الشيرازي في كتابه نفسه، أمثلة واقعية موثقة عن ساسة وقادة الاسلام في مقابل ساسة العصر ويور احداثا مهمة من كلا الجانبين او السياستين لكي يقدم الدلائل الدقيقة التي تدعم وتؤيد ما ذهب إليه سماحته.

ومن الامثلة التي اوردها سماحة المرجع واقعة استشهاد الامام علي بن ابي طالب عليه السلام وهو قائد الدولة الاسلامية وكيف يتعامل مع قاتله فجاء في كتاب (السياسة من واقع الاسلام) حول هذه الواقعة:

(فهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حينما كان على عرش الرئاسة الكبرى للدولة الإسلامية العظمى التي كانت قد ضربت بأطرافها الممتدة على أعظم رقعة من المعمورة، والتي كانت تحسب لها الحساب كل الدول في العالم آنذاك، تراه يعرف قاتله، ويذكر لـه أنه هو القاتل له، لكنه لا يمد إليه يداً بعنف أبداً، لفلسفة العدل، وهي مادام أنه لم يمارس جناية فلا يستحق القتل.

انظر النص التالي:

كان علي عليه السلام يقول لعبد الرحمن بن ملجم: أنت قاتلي وكان يكرر عليه هذا البيت:

 أريـد حيـاتـه ويـريـد قتلي           عذيـرك من خليلك من مراد

فيقول لـه ابن ملجم: يا أمير المؤمنين إذا عرفت ذلك مني فاقتلني.

فيقول له: إنّه لا يحلّ ذلك أن أقتل رجلاً قبل أن يفعل بي شيئاً).

ثم يورد سماحة المرجع الشيرازي أمثلة لكيفية تعامل السياسة العالمة مع بعض الوقائع وكيف تتعامل مع ارواح الناس وحرمة دمائهم، فنقرأ بهذا الصدد في الكتاب نفسه المثالين التاليين:

(- البريطانيون قتلوا في الهند ـفي قصة حرب الأفيونـ حوالي عشرين مليون إنسان- 2-.

2- البريطانيون قتلوا في الهند أيضاً ـأيام المطالبة بالحرية والخروج عن نير الاستعمارـ ثمانمائة ألف إنسان في صورة مجاعة اصطناعية-3-).

ومن هذه الامثلة نقرأ عن سماحة المرجع الشيرازي ايضا:

(4. في الحرب العالمية الثانية راح ضحية الحكم والسيطرة فيها قرابة سبعين مليون إنسان بين قتيل وجريح ومعدوم ومعاق.

5. الاستعمار الفرنسي قتل في الجزائر ـ في حرب التحرير ـ أكثر من مليون من البشر).

وهكذا يتبين لنا البون الشاسع بين السياستين الاسلامية والعالمية ومدى التجاوزات والخسائر الفادحة التي تلحقها سياسات اليوم بالانسان نتيجة لعد التزمها ثوابت او مبادئ انسانية تحفظ قيم الانسان وحقوقه تحت أية ظروف كانت.

....................................................................

هامش:

1- ورد عن رسول الله صلی الله عليه و آله ـ لما أبصر ناقة معقولة وعليها جهازها ـ قوله: أين صاحبها؟ مروه فليستعدّ للخصومة. وقوله صلی الله عليه و آله للدابّة على صاحبها ست خصال: يعلفها إذا نزل. ويعرض عليها الماء إذا مرّ به ولا يضربها إلا على حق، ولا يحملها ما لا تطيق. ولا يكلفها من السير إلا طاقتها. ولا يقف عليها فواقاً. مستدرك الوسائل: ج8 ص300 ح1 باب كراهة كون الإبل محمولة معقولة. وص258 ح1 باب حقوق الدابّة الواجبة والمندوبة، إلى غير ذلك من الروايات تجدها في مكانها.

2- راجع ما ذكره جواهر لال نهرو في كتابه (لمحات من تاريخ العالم).

3- غاندي في كتابه (هذا مذهبي).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 4/تشرين الثاني/2009 - 14/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م