
الكتاب: ديوان شعر (نقش على الأحداق)
المؤلف: الشاعر معتوق المعتوق
الناشر: دار وحي القلم للطباعة والنشر
والتوزيع
عرض: فريد النمر
شبكة النبأ: ديوان شعر ولائي بامتياز
من الحجم الكبير للأستاذ الشاعر معتوق المعتوق وهو باكورة أعمال الشاعر
طبع بدار "وحي القلم للطباعة والنشر والتوزيع".
وأخذ العنوان حيزا كبير على صفحة الغلاف حيث تم تفعيل عملية نقش
الأحرف عليه و الذي أتى في لونيه البني الغامق والسكري ينحدر منه بيت
من الشعر:
"من لم ينل من آل أحمد كسرة...وجنا كنوز الأرض فهو فقير"
وينحدر تحت هذا البيت أسم الشاعر المحترم كما حمل الغلاف في الصفحة
الخلفية سيرة الشاعر الذاتية.
لا شك إن الخوض في مدارات أي ديوان شعري يحتاج إلى عدة ركائز أساسية
تتمحور حول بيئة النص ومدى القدرة على التناسق والانسجام بين النصوص من
حيث قدرة المحاكاة للنص وتضاريس النص الفنية ومدى تلاؤمها مع أفكار
الكاتب والمتلقي في آن واحد
فلذا نحن هنا أمام ديوان سلس الكتابة مفعم بالحيوية خال من التراكيب
المعقدة سهل الصورة لا يحتاج لعناء فكري وتفكيك لما ورد فيه من بوح هو
مصداقا لعاطفة شعرية متعلقة ليس إلا
الديوان
أحتوى الديوان على إهداء جميل ومقدمة رائعة عكست ما باحت عنه قريحة
الشاعر ومدى تعلقه بالشعر كهاجس وفن يخماره عمر النشئة والبيئة التي
انطلق منها شاعرنا العزيز ومدى حبه وشغفه به
القسم الأول:
قسمت النصوص على الأربعة عشر معصوما عليهم السلام وكان على النحو
الآتي
النبي المصطفى صلى الله عليه وآله خمس قصائد
أمير المؤمنين عليه السلام ست قصائد
الصديقة الزهراء عليها السلام ثلاث قصائد
الحسن الزكي عليه السلام خمس قصائد
الحسين الشهيد وأبطال كربلاء اثنتي عشرة قصيدة
الإمام السجاد عليه السلام قصيدتان
الإمام الباقر قصيدتان
الإمام الصادق قصيدتان
الإمام الكاظم قصيدتان
الإمام الرضا أربع قصائد
الإمام الجواد قصيدتان
الإمام الهادي أربع قصائد
الإمام العسكري ثلاث قصائد
الإمام الحجة عجل الله فرجه ثلاث قصائد
القسم الثاني:
جاء هذا القسم خاص لبعض علماء العترة الطاهرة وخدامها وجاء على
النحو التالي بقصيدة لكل منهم:
السيد علي بهشتي
الشيخ أحمد الوائلي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد أبو القاسم الكوكبي
الميرزا جواد التبريزي
السيد محمد رضا الشيرازي
الشيخ محيي الدين المامقاني
القسم الأخير
"عبرات على قتيل العبرة" قصائد منبرية لعشرة محرم وهي تحكي السيرة
في عشر قصائد متسلسلة كما هي مناسبات شهر محرم بكيفية القراءة ومناسبة
اليوم من اليوم الأول وحتى اليوم العاشر من عاشوراء
القراءة الاتجاهية للديوان
•عفوية اللغة التاريخية وسلامة الذوق:
عبر تصفحي السريع والعابر لديوان "نقش على الأحداق" يتضح للقارئ
للوهلة الأولى في هذا الديوان امتزاج جلي لمكامن شعرية نمطية الخطى
وشاعرية محلقة المعنى سهلة الأسلوب وتعمد الشاعر فيها عدم الركون
للقافية بتنويعها إلا في القليل من النصوص محفزا قدرته الشعرية للتصاعد
بهدوء جميل يغلب عليه عدم التكلف متبعا بذلك "شعراء المهجر " و إليا
أبو ماضي تحديدا كقوله في قصيدة "يا محمد يا محمد",
مع إني لي ذكرى جميلة هنا مع الأستاذ معتوق من خلال هذه القصيدة
تحديدا باستئذانه الجميل لمجاراة قصيدة لي قدمت من خلال مهرجان ترانيم
للسنة الثانية بعنوان "قم تشهد بمحمد" إلا إني فوجئت بجمال السبك
ورصانة الأسلوب الذي اتبعه الشاعر على النهج المهجري العريق الذي قدمه
بكل اقتدار ونجاح:
ذات ليل قد تورد= ساءل الشاعر فرقد
ماله قدح القوافي =بين جفنيك توقد
ماله موج المعاني= صال في الصدر وعربد
بث نجواك وقل لي= فلقد آلمني الصد
ولكن ما نلاحظه أيضا انتقاله السريع لمنهج"شعراء الغري أو الطف
القدامى" كالشبيبي و محي الدين ناسجا بوحه من خلال ما تملي عليه ذائقته
وتراثه الشعري المختزن كما جاء في قصيدة "حكايا من نور"
غريبا أتاك النور من ظلمة المسرى= فذوبته عشقا وصيرته حشرا
وسربلته سحرا وجلببته رؤى = فصار رماد الأرض من وهجه تبرا
غير أن إذا ما تأملنا في النصوص بإمعان فإننا نلاحظ خلو النصوص من
الصنعة الثقيلة واهتمامه بسلامة الذوق وصدق الطبع على نحو الإعجاب
العقلي الذي انبثق من خلال إيمانه بالوضوح والسلاسة التي تعني في ذوقه
عدم الإسفاف والابتذال, ولا يعني ذلك بالسهل الركيك والضعيف بل اختياره
اللغة الوسطى وتغليبها بسمات الليونة الشعرية بتلائم حذر مع روح العصر
في تدرج واضح ونلاحظ ذلك جليا بقصيدته " وانطفأ السراج"
إلى جنبيك تنطفئ الشموع= وتسرح حول هدأتك الدموع
تصابب من عيون النجم شعثا= فيسرح من سواكبها الهزيع
الى أن يقول
وأغمض من بريق الفجر جفنا = فلف الفجر وارتحل الطلوع
وهنا تنحو لغته التاريخية نحو الاعتدال والحميمية دائما, فعند
الحديث عن علاقة الشاعر بالتراث الشعري نرى تقاربا واضحا يطغى هنا
وهناك بين بيئته الشعرية وبين ذلك التراث المخبأ والمختزن دون اللجوء
لمحاولة التحرر من الشكل لتقصّيه هدفية النص بالذائقة لا الدهشة
ففي قصيدته "كن حيث أنت" في الإمام علي عليه السلام يقول:
وببئر ذات الخوف بح نداهم= تدلى بالنجاة رشاكا
ويقول:
أأخا المظلل بالغمام أظلك الـ=مجد التليد فهب بهاه بهاكا
في كل نازلة رفعت لأحمد= علما يرف على ذراه لواكا
بيد أن الشاعر في مجمل النصوص استطاع أن يمنح الشكل الشعري القديم
حيوية في ميله للتخفيف من رتابة القافية أحيانا وبميله لغلق ضروب
الصراع المتعلق بقدسية الولاء ومناوئيه وحتميته في أحيان أخرى ورغم
سيطرة القافية على النص في مجمل النصوص مما أدى لأن يركب الشاعر من
أجلها نهايات قلقة في سطور النص
كقوله في قصيدة بعنوان "واحة الواهبين" اذ بدأ القصيدة:
تصاغر دون مداك المدى= وأجفل دون صداك الصدى
نثرت الشموخ على ساحليك وأبحر في مقلتيك الفدا
إذ كانت مفردة "الفدا" أقل وهجا من سابقتها في البيت الأول بتباين
كبير لذا تراه هنا هاربا من رتابة المتجه الشعري التفسيري إلى نفخ جديد
نفخ فيه روحا جديدة نحو شعرية السؤال وجدليته لفتح باب التنويع لقلة
الأبحر الشعرية التي كانت تصلح للتنويع في لغتها إذ نجده يستعين بالصور
المعروفة والمألوفة في أنماطها السهلة دون تلويثها بالعقد اللغوية عدا
ذلك الجانب اللغوي الحتمي لحتميته على وجه اليقين لا لإرضاء المتلقي
ومحبي التراث أو المناسبة
لقول في ذات القصيدة السابقة بقافية أخرى:
دنوت فحفت بك الأعصر= خشوعا بيومك تستبشر
ثم يقول:
أيكتب عنك حديث السماء= وبوح الرسول وما يضمر؟
ولا يكاد يخلو نص من سؤال أو تساؤل هنا أو هناك في هذا الديوان
يثير الإجابة عند المتلقي النبيه, كما نجد في نصوص هذا الديوان إصرار
على انتماء الإنسان والتعلق والإيمان وهذا ما لم يرد الشاعر تجاوزه
وإغفاله في تصويره للجمهور إيمانا منه برسالة الشعر وفاعليته الإنسانية
ودوره في إبقاء جذوة الحب والعلقة كما يراها بثوبها الناصع الجميل كما
جاء في قصيدة "ذكراك فجر"
ذكراك فجر تندى حوله العشب = وبوح نهر تدلى نحوه القصب
ما سر في صدرنا نبض ولا نفس =إلا و"فاطم" في نجواه تنسرب
زهراء يا شعلة في الطور قد سمقت =والسفح من حولها تغتاله الريب
نهواك يا فاطم إسراء أفئدة =يرنم النبض في معراجها الطرب
نهواك يا فاطم دفقا بخافقنا =يعبّه الدم والأنفاس والعصب
ويمكن أن نلخص ذلك: إن واقعية النص عند الأستاذ المعتوق جلية خصبة
حية لما يحسه من علاقة فطرية يلجأ إليها في كل ما ورد بالديوان مع كل
متغيرات البيئة المحيطة بتجاذب عفوي مغذى في قرارات نفسه ووعيه فهو
يختار بطله المناسب ويقتنص مناسبته ليثبت ذاته ولو بكسرة من هوى كما هو
في بيت الغلاف آنف الذكر.
فمن حادثة هنا او حادثة هناك تبرز هذه الروح الغنية المتعلقة بكثافة
بتلك الحقيقة المشبعة في قراراته ومختزناته لتنبري لتصوير ذلك الحدث
بلسان الحالة المتكدسة بالنقوش الحتمية الصلة
كما جاء في قصيدة"عباس يا عباس"وقصيدة" إيه يا أم البنين".
ولهذا لا غرابة هنا من احتلال هذا اللون الشعري قلوب المحبين
والمريدين له حيث يتسع صدر المتلقي له عذوبة وسهولة ولغة لما يحمله من
خصوصية وخصوصية من قيل فيهم, وهو يكفل التجاوب الأوسع مع هكذا شعر بل
ويقدمه شهادة اعتزاز لما يحمل من تنفيس مشترك عند كلا الاثنين المتلقي
والشاعر ولما يشعره بعلاقة حقيقية ورابطة مقدسة في الأصل تصهره في عيون
التشبث بفنه ,وهذا يضفي استدامة تأثيره كما تفعل قصائد الموشحات
والاحتفالات الدينية المغناة لتنقش على شغاف القلوب بجوقة تعزف هواها
بما تترجمه من سهولة وإبداع عند المتلقي
ففي قصيدته "نبضات من قلب موالي" هي مصداق حقيقي لذلك:
رحماك يا ربي ملأت جوانحي= عشق طهورا أحمديا حيدريا
الى ان يقول:
يا أرض قولي ,يا سماء ألا اشهدي= أقصى إفتخاري أن أسمّى جعفريا
ولا يخفى هنا إن استخدام المفردات القدسية تضيف على الصورة الشعرية
تناميا مهما يصبغ الشعر بلون عقدي خالص يؤثر ويتأثر ببيئته الشعرية
الولائية كما يصعب تخطي حدوده الشعوري وهو يرسم بذلك مستوى آخرا بين
العلاقة الشعرية والمناسبة بطابع عفوي فريد يميزه فقط المتتبعون له
ويكاد يكون أمرا مفروغا منه وضروريا في التعاطي الشعري والأدبي في آن
واحد.
في الوقت نفسه إن التمييز بين الشخوص المقدسة في التعبير الشعري هو
في غاية التعقيد لتقارب الصفات والمناقب مما يتطلب الحذر والمعرفة
التاريخية الحاذقة فالذي يعبر عن معالم وآثار ومناقب الشخوص المقدسة
المرتبطة يجب أن يعي فوارق كل شخصية على حدا وتداخلاتها أكثر من
المشتركات الواضحة لهم.
فهنا تقارب بهي يسطع بحذر بين قصيدتين احداهما في الامام الحسن
الزكي بعنوان "قبلة الآمال" وأخرى في الامام السجاد بعنوان "حصن
الشريعة"ففي الأولى يقول:
أمتك أشرعة الآمال تبتهل= يامزنة الجود منك الجود ينتهل
يا بهجة الحور يا بكر الرسالة يا = ريحانة الطهر أنت الطهر ينهمل
ويقول في الثانية:
تساءل النور والأشداء والقلم = والمزن والغيث والأنداء والديم
الى ان يقول:
يدور والجود يربو حول ضفته = والكف تزجى ودور الجائعين فم
ومع هذا نرى إن الشاعر بخيط رفيع ودقيق قد تمكن من جعل الصور ذات
خصوصية جميلة استوعبت كل شخصية بحذر جميل وربط شعوري معبر مما زاد من
قيمة النص من الزاويتين الحسية والشعرية وهكذا وجدنا في هذا الديوان
الكثير من التحرر من تعقيدات اللفظية والتراكيب إلى سهولة التعبير عن
الذوات والتاريخ بشكل جذاب وعذب بفنية الشاعر المرهف لا الكاتب الناثر
مشكلا قناعة خالية من الأقنعة الشعرية والرمزية على حساب السهولة
والرسالة الشعرية كما تضمرها أسارير مدينته الشعرية وقدرتها على التنفس
بكل حرية كما يريد لا كما يريده الآخرون. |