لأول مرة تشعر (إسرائيل) بالخذلان

مرتضى بدر

لم يمر على الكيان الصهيوني منذ تأسيسه المشئوم ساعات صعبة كالتي مرت عليه في هذا الشهر، فلأول مرة شعربالخذلان من قبل الغرب، فلم تستجب غالبية الدول الغربية لصرخات الاستغاثة التي أطلقها لتقديم الدعم لموقفه في المحافل الدولية، وإنقاذه من ورطته ومحنته السياسية. في الواقع، إسرائيل ربما لأول مرة تشعر بالاختناق السياسي، والضغط الإعلامي، والشعور بالخذلان.

في منتصف هذا الشهر وُجّهت لإسرائيل سلسلة من الاتهامات والانتقادات على المستوى الدولي، وانهالت عليها عاصفة من الإدانات الواحدة تلو الأخرى. ربما يدعي البعض بأنني أبالغ في التحليل، أو أسترسل كثيراً في الاستنتاج. سأسرد هنا سلسلة من الشواهد والحقائق لبيان وتوضيح الرؤية والتحليل؛ حتى تستوضح الصورة لكل قارئ ومتابع لتاريخ الكيان الصهيوني، واليكم ما يلي من هذه الشواهد والحقائق.

 أولاً: صحيفة (أفتونبلاديت) السويدية كشفت من خلال مقال لأحد كتابها المرموقين عن الجرائم الوحشية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، واتهم الكاتب جنودًا إسرائيليين بسرقة أعضاء بشرية انتزعوها من جثث القتلى الفلسطينيين. المقال كشف الوجه القبيح للكيان الصهيوني، وخلق جوًا من الكراهية لإسرائيل في المنطقة الاسكندينافية بصفة خاصة، وأوروبا بصفة عامة. حكومة (نتنياهو) حاولت امتصاص النقمة، وطلبت من الحكومة السويدية إدانة المقال؛ حتى تُعاد الهيبة للكيان الغاصب وتُصحّح صورتها، إلا أنّ محاولاتها باءت بالفشل. وقد اصطدم طلبها بالرفض من قبل الحكومة السويدية التي اعتبرت المقال نوعًا من حرية التعبير. في 18 من هذا الشهر برّأ المستشار القضائي السويدي الصحيفة المذكورة من تهمة انتهاك قانون حرية التعبير، وكانت هذه البراءة بمثابة صفعة جديدة للكيان الصهيوني. 

ثانياً: رئيس بعثة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في الانتهاكات التي وقعت خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (ريتشارد غولدستون) نشر تقريره المهم في 16 من هذا الشهر، واتهم فيه إسرائيل بارتكاب جرائم حرب. التقرير خلق صدمة عارمة في إسرائيل وحالة من الاستنفار في حكومتها وجنودها المدانين، وقررت إطلاق حملة دولية لاحتواء ردود الفعل السلبية، والحيلولة دون عقد جلسة لمجلس الأمن، والذي يمّهد لتحويل التقرير إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، والذي قد تترتب عليه ملاحقة قضائية للمسئولين والضباط في الجيش الإسرائيلي.

 ثالثاً: بعد محاولات من قبل العرب والإيرانيين، والتي دامت أكثر من 15 عاماً، طالبت (الوكالة الدولية للطاقة الذرية) لأول مرة من إسرائيل فتح منشآتها النووية أمام المفتشين الدوليين، كما طالبتها بالانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي. رغم أن القرار غير ملزم، إلا أن إسرائيل اعتبرته ضربة موجعة لخططها.

  رابعاً: بعد موافقة (نتنياهو) على توسعة المستوطنات، وبناء أكثر من خمسة آلاف وحدة سكنية في الضفة الغربية، واجهت سيلاً من الانتقادات والاعتراضات من قبل المجتمع الدولي، وخاصة من الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي ربطت توسعة الروابط مع إسرائيل بوقف الاستيطان. ومن جانب آخر، اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) الاستيطان في الضفة الغربية انتهاكًا للقانون الدولي. هذه الإدانات الدولية كانت بمثابة الصاعقة التي نزلت على الكيان الغاصب.

 خامساً: في آخر جمعة من شهر رمضان الذي صادف 18 من هذا الشهر كان لنا موعد مع (يوم القدس العالمي) الذي دعا إليه الإمام الخميني، حيث خرجت الملايين في مسيرات تندد بالكيان الغاصب، وتؤيد الشعب الفلسطيني المظلوم في أكثر من 40 دولة عربية وإسلامية وأوروبية، وبعض الدول في آسيا وأفريقيا. ففي طهران احتشد أكثر من مليوني متظاهر، وفي كلمة ألقاها الرئيس الإيراني كرّر مقولته عن المحرقة (هولوكوست) معتبرًا إيّاها “خرافة”. من جانب آخر القي المرشد الأعلى آية الله خامنئي خطبة العيد وصف فيها “إسرائيل” بالسرطان الذي ينخر جسد الأمة الإسلامية.

  سادساً: في أحدث تقرير كشفته المخابرات الأمريكية رفضت فيه الادعاءات الإسرائيلية المتكررة عن قرب وصول إيران لصنع القنبلة النووية، وأكد التقرير تخلي إيران عن برنامج التسليح النووي في الجانب العسكري منذ العام 2003. هذه المشاهد والتنديدات والانتقادات التي نزلت على إسرائيل في الأيام القليلة الماضية ستكون لها تداعيات وآثار سلبية على صيرورة الحركة الصهيونية وكيانها الغاصب من ناحية، وعلى عملية الصراع من ناحية أخرى.

 وبالرغم من أن الدعم الغربي لإسرائيل كان مطلقاً طوال السنوات الماضية، إلا أنه لن يكون أبديًا، خاصة بعد أن أخذت الشعوب الغربية تشعر باشمئزاز إزاء سياسات النفاق التي تتبعها حكوماتها في الشرق الأوسط. هذا الشهر (سبتمبر) يعد من أصعب الشهور إيلاماً في تاريخ الكيان الصهيوني منذ تأسيسه. أستطيع القول إننا أمام مرحلة أولى من مراحل سقوط نجمة داود الصهيونية، فيجب على الحكومات والشعوب العربية والإسلامية  أن تشدد خناقها على هذا الكيان الغاصب بكل ما تملك من وسائل. وقد تعتبر الفرصة مؤاتية لتوحيد مواقفها تجاه القضية، وتقديم المزيد من الدعم للشعب الفلسطيني، وخاصة قواه المقاومة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 29/أيلول/2009 - 9/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م