يقضي العرف الديمقراطي بأهمية تحديد مدة تولي السلطة أثناء التداول
السلمي لها بين الأحزاب والشخصيات التي تطرح نفسها عبر صناديق الاقتراع،
فالأربع سنوات هي المدة المتعارف عليها في الدول ذات النهج الديمقراطي
التعددي، وبتقليص هذه المدة لا يستطيع السياسي إكمال برنامجه الانتخابي
الذي قام بعرضه على ناخبيه أثناء حملته الانتخابية، أما تمديدها إلى
أكثر من أربعة سنوات بدون الرجوع إلى صناديق الاقتراع فإنها تعني تحول
السلطة الحاكمة إلى سلطة مستبدة وغير شرعية.
وفي كثير من الأحيان يتم تجديد الثقة بجهة ما لتولي السلطة لأكثر من
ولاية انتخابية في حال أثبتت تلك الجهة أنها صاحبة مشروع انتخابي واضح
استطاعت بولايتها الأولى تطبيق نسبة كبيرة منه، إضافة إلى جديتها في
تطوير مشروعها الانتخابي الذي تعتزم تطبيقه في الولاية الثانية بما
ينسجم وطموحات الناخب وإثبات صدق نواياها لناخبيها.
ومع اقتراب التنافس على تولي السلطة في العراق للدورة الانتخابية
المقبلة لا بد لنا من النظر بعين الأهمية إلى جملة من الأمور التي
تتعلق بمن يستحق أن يؤتمن على مصلحة الوطن والمواطن، إذا أخذنا بنظر
الاعتبار إن معظم المكونات والشخصيات التي تتولى المسؤولية اليوم هي
التي تطرح نفسها للمنافسة وبقوة وإصرار شديدين للوصول إلى مركز صنع
القرار لولاية الأربع سنوات القادمة.
من هنا لا بد لنا من رؤية تحليلية نسلط من خلالها الضوء على مجريات
الأحداث خلال الأربعة أعوام الماضية وما رافقها من ظروف وملابسات أثرت
بشكل مباشر أو غير مباشر على صنع المواقف الايجابية والسلبية التي
تتعلق ببرامج الكتل المشتركة في تشكيلة السلطة وطموحات الناخب العراقي
ومقدار الحاجة لها في الحاضر والمستقبل وعلى المستويات الآتية:
أولاً: المستوى الأمني
لا شك أن الهاجس الأمني كان ولا زال يشكل المطلب الأول للناخب
العراقي وهو مطلب إنساني بكل المعايير كون الشعوب والمجتمعات تميل في
طبيعتها إلى الشعور بالأمن والاستقرار لا إلى العنف والفوضى ولكن
التقدم والرخاء الاقتصادي يأتي مع الاستقرار الأمني الذي يحمي رأس
المال والمستثمر، والحق يقال أن هذا الجانب شهد تقدماً لا بأس به خلال
الأعوام الأربعة الماضية، إذ تم تحقيق نتائج كبيرة ومهمة على الصعيد
الأمني تمثلت في القضاء على معظم بؤر الإرهاب والتوتر في مختلف المدن
العراقية والتي كادت أن تصل بالعراق إلى منزلق الحرب الأهلية، وما تحقق
من انجاز فانه يحسب للحكومة العراقية الحالية كونها استلمت ملفاً أمنياً
غاية في التعقيد والحساسية، غير أن ذلك الانجاز رافقه عدد كبير من
الخروقات القانونية متمثلة في عدد من الانتهاكات الواضحة لحقوق الإنسان
قام بارتكابها البعض من منتسبي الأجهزة الأمنية أما بدوافع شخصية أو
بتحريض من جهات سياسية، صاحبها غض الطرف عن الجهات أو الأشخاص الذين
ارتكبوا تلك الخروقات داخل الأجهزة الأمنية وجعلهم بمنأى عن طائلة
القانون بتأثير واضح من قبل تلك الجهات، الأمر الذي أدى إلى إرباك دور
القضاء والتأثير على استقلاله كسلطة لا تخضع قراراتها لأية ضغوط من أية
جهة أو سلطة أخرى في الدولة.
كما رافق ذلك التحسن الأمني وجود ثغرة فسحت المجال أمام العديد من
قادة الأجهزة الأمنية في زمن النظام البائد ومكنتهم من الدخول إلى أغلب
المفاصل الحساسة في الأجهزة الأمنية الحالية بوصفها جزء من القيادات
التي أسهمت في القضاء على بؤر التمرد في العراق، وبذلك فمن يريد التصدي
للمسؤولية وقيادة البلد في المرحلة المقبلة سوف يكون أمام خيارين؛
الأول، أن يقبل بما هو موجود من القيادات التي بدورها تجر قيادات أخرى
تتحكم بالمؤسسة العسكرية بصورة كاملة وبالتالي تعود بالبلد إلى زمن
الانقلابات العسكرية التي لا يمكن استبعادها، فبعض القيادات السابقة
الموجودة اليوم في الأجهزة الأمنية لا تستطيع الشروع بأعمال انقلابية
مع وجود القوات الأمريكية على أرض العراق باعتبارها راعية للعملية
الديمقراطية، غير أن تلك القيادات المندسة وبمجرد أن تجد لنفسها تفاهماً
مع الجانب الأمريكي أو أية دولة ذات نفوذ في العراق لا يمكن أن تتردد
في التفكير بالشروع للاستيلاء على السلطة عن طريق الإطاحة بالنظام
الديمقراطي ووصول العسكر إلى سدة الحكم.
أما الخيار الثاني هو التصدي لتلك القيادات بكل حزم وعزل الفاسد
منها من أجل بناء أجهزة أمنية مهنية همها الأول حماية الوطن وأمن
المواطن والحرص على تطبيق القانون.
فهل يوجد علاج حقيقي مطروح لدى الكتل السياسية الراغبة في خوض
الانتخابات المقبلة من شأنه التصدي للخطر المحتمل في المؤسسة العسكرية
وتطهيرها من العناصر الفاسدة وبنائها وفق أسس مهنية؟ وهل أن هناك جدية
لدى الكيانات السياسية في الابتعاد عن التخندق الفئوي وتقليص مبدأ
المحاصصة اللذان شكلا حجر الزاوية في بناء القوات الأمنية الحالية؟
ثانياً: المستوى الخدمي
رغم عظم الإهمال والدمار الذي خلفه النظام السابق وموجات العنف
والإرهاب التي نشرها أتباع البعث والقاعدة في العراق والتحدي الكبير
الذي واجهته الحكومة الحالية من تفشي آفة الفساد المالي والإداري في
أغلب دوائر الدولة، كان أمل الناخب العراقي أن يحظى بقدر لا بأس به من
الخدمات التي فقدها في الحقب الماضية والسنوات العجاف التي مرت بالعراق،
ورغم بعض التقدم الذي لوحظ هنا أو هناك، إلا أن هناك قصور واضح وكبير
وتراجع خطير في مستوى الخدمات والبنى التحتية يفوق حجم المبالغ التي تم
رصدها للوزارات الخدمية خلال الأربعة أعوام الماضية كان سببه الفساد
المالي والإداري المستشري في جل دوائر الدولة إن لم نقل كلها، وكان
العامل الرئيس الذي يقف خلف ذلك الفساد هو الفساد السياسي الذي لا يسمح
بمراقبة ومحاسبة ومعاقبة المفسدين، فماذا يمكن أن تحمل البرامج
الانتخابية القادمة من خطط للنهوض بالواقع الخدمي المتردي؟ وهل من حلول
جديدة؟.
ثالثاً: المستوى الاقتصادي
كان من المؤمل أن يكون هناك تقدم ملموس يشهده العراق على المستوى
الاقتصادي والذي تطلع له الناخب العراقي من خلال البرامج الانتخابية
والوعود الكثيرة التي أطلقها الساسة أثناء وبعد العملية الانتخابية
للأربع أعوام الماضية، إلا أننا رأينا أغلب مشاريع القوانين التي
قدمتها الحكومة بخصوص الاستثمار وبخاصة في مجالي النفط والغاز بالإضافة
إلى التشريعات التي من شأنها النهوض بالواقع الاقتصادي ودفع عجلته إلى
أمام قد تم تعطيلها لرغبات سياسية وبدفع من جهات خارجية كما صرح بذلك
أكثر من مسؤول، بل وصل الأمر إلى التشكيك في تراخيص الاستثمار التي
قدمتها وزارة النفط للشركات الراغبة باستخراج وتطوير حقول النفط
العراقية، الأمر الذي جعل المواطن العراقي(الناخب) يفقد الثقة بأغلب ما
يتم التصريح به من قبل المسؤولين حول مستقبل الاقتصاد العراقي، فهل
يعني ذلك إن الحال سوف تبقى كما هي عليه اليوم؟ أم أن البرامج
الانتخابية القادمة سوف لا تعترف بالمصالح السياسية مقابل مصلحة العراق
الاقتصادية؟ وكيف يمكن للمواطن أن يصدق ذلك؟.
قد تكون للأربعة أعوام الماضية ظروف كبلت الجهات المعنية بقيود
كالمحاصصة الحزبية وفرض وزراء غير أكفاء من قبل هذه الجهة أو تلك
بالإضافة إلى جملة من العوامل التي أسهمت في عدم إعطائها المجال لاتخاذ
ما يلزم من المواقف بشأن بعض القضايا باعتبار إن العراق بلد منقوص
السيادة، إلا أننا نتطلع إلى برامج في ظروف تختلف تماماً عن سابقها.
ان مهمتنا كمراكز دراسات ومؤسسات فكر هو تسليط الضوء على مختلف
القضايا التي من شأنها أن تقوم بتطوير افاق العمل السياسي الاستراتيجي
داخل العراق، والمساهمة في ترشيد العملية السياسية ومساعدة المرشح
والناخب العراقي على رؤية افضل واكمل وفق افكار نقدية تهدف للانتقال من
مستويات الفشل الى النجاح.
* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com |