السجون الفرنسية تدفع بنزلائها الى الكآبة أو الانتحار

ساركوزي يصفها بالعار وآخرون بسجون العصور الوسطى تحت الأرض

 

شبكة النبأ: تشكل عمليات الانتحار في السجون الفرنسية علامة فارقة في سجل تلك البلاد نظرا، لما يتمتع به ملف حقوق الإنسان ورقي معاييره المتبعة في تلك الدولة.

حيث ارتفعت معدلات الانتحار بشكل لافت وملحوظ، في انعطافة حرجة قد تلزم السلطات الفرنسية بمراجعة شاملة في أداء مؤسساتها الرسمية، والبحث عن الأسباب التي تدفع الى حالات الانتحار، سيما إن تلك الحالات وقعت تحت مظلة مصلحة السجون.

مزيج مسموم من القذارة واليأس    

حين رأت ماري كريستين ميناسبا زوجها ميكائيل جيرار اخر مرة في سجن قذر ومكتظ ببلدة اجين الفرنسية قال انه يتطلع للانضمام اليها ولطفليهما بعد اطلاق سراحه الوشيك. بعد ذلك بيوم واحد في 26 مايو ايار شنق نفسه.

جيرار الذي سجن لارتكاب جرائم ثانوية كان واحدا من اكثر من 80 سجينا انتحروا هذا العام وهي فضيحة قومية في فرنسا التي تفتخر بأنها مهد حقوق الإنسان لكن بها احد أعلى معدلات الانتحار بالسجون في اوروبا.

وقالت سعاد بوكردان وهي مديرة علاقات عامة بباريس ونزيلة سابقة بالسجن بمنزلها في العاصمة الفرنسية "لم يمر يوم دون أن أفكر في شنق نفسي."

ويتحدث النزلاء يائسين عن الزنازين المكتظة حيث يضطر أحدث الوافدين الى النوم على حاشيات على الارض بجوار مرحاض مفتوح والطاولات التي يتناول عليها السجناء الطعام.

ويصف الحراس المثقلون بالأعباء أنفسهم بأنهم ليسوا سوى حملة مفاتيح غير قادرين على منع نشوب المشاجرات بالسكاكين والاغتصاب بين السجناء.

وأظهرت احصاءات للاتحاد الاوروبي صدرت عام 2006 أن معدل الانتحار بفرنسا يبلغ 16 حالة من كل عشرة الاف سجين مقابل عشرة في المانيا وتسعة في انجلترا وويلز. وذكر تقرير حكومي فرنسي أنه بحلول عام 2008 ارتفع المعدل الى 17.

وفي يونيو حزيران وصف الرئيس نيكولا ساركوزي السجون بأنها "عار على الجمهورية" وقد اتخذت الحكومة خطوات طارئة مثل توزيع ملابس للنوم مصنوعة من الورق لمنع حوادث الشنق. لكن خبراء قالوا ان هناك حاجة الى اصلاح جذري. بحسب رويترز.

وقالت ميناسبا أرملة جيرار لرويترز "كان في زنزانة مبنية لستة وكان هناك ثمانية. كان بها كل شيء رجل قتل رضيعا وشخص محكوم عليه بالاعدام بتهمة الاغتصاب."

وتظهر بيانات من الاتحاد الاوروبي أن فرنسا تحبس نحو 125 سجينا في كل مكان مخصص لمئة مكان مقابل 97 في المانيا و96 في انجلترا وويلز.

وزاد عدد سجنائها نتيجة لانتهاج سياسة اكثر صرامة تجاه الجريمة لكن خزائن الدولة المستنزفة بسبب الازمة الاقتصادية تعني أن هناك القليل من المال للسجون والعاملين بها.

وقضت بوكردان مديرة العلاقات العامة شهرين باكبر سجن في اوروبا وهو سجن فليري ميروجي قرب باريس. وتبلغ طاقته 3800 سجين.

وعلى غرار نحو 40 في المئة من نزلاء السجون بفرنسا كانت خمس من زميلاتها بالزنزانة اميات.

وتركت سن زميلة لها بالزنزانة متسوسة لتتقيح لمدة 15 يوما على الرغم من الطلبات المكتوبة للمساعدة. وقالت بوكردان التي سجنت عام 2005 في اطار تحقيق بقضية احتيال مالي ان الحراس لم يستطيعوا منع الهجمات اليومية بالسكاكين وبعضها ضد بعض النساء الحوامل.

وقالت بوكردان وهي تعرض رسومات بقلم فلوماستر لزنزانتها ورسائل كتبت في السجن "كانت هناك طبقة سميكة من العفن على الجدران والسقف. كانت النساء يمضغن قطعا من الصحف ويستخدمنها للصق اعلانات ديور وشانيل البراقة على العفن."

وقال سيلفيان كورمييه المحامي الذي يتخذ من ليون مقرا له لرويترز كيف أنه أراد تجربة نظام الانذار المزودة به الزنازين لتنبه الحراس خلال زيارة للسجن. وقيل له الا يشغل باله "لا يعمل اي من الانوار وستجازف بالاصابة بصعقة كهربائية."

ولم تستجب ادارة السجن لطلبات متكررة لزيارة السجن واجراء مقابلة مع مدير احد السجون والتحقق من صحة الشهادات التي أدلى بها نزلاء ومحامون.

ويرى مراقبون بعض علامات على التحسن. وتعهدت ميشيل اليو ماري بتحسين الظروف. واعتمد البرلمان قانونا في 22 سبتمبر ايلول يهدف الى تخفيف الضغط على السجون على سبيل المثال من خلال توسيع نطاق العقوبات البديلة كأساور المراقبة الالكترونية.

كما يخفض القانون الجديد الحد الاقصى للمدة التي تقضى في الحبس الانفرادي وهو سجن داخل السجن من 45 يوما الى 30 يوما.

لكن خبراء يريدون اكثر من هذا فهم يريدون سجونا اصغر حجما حيث يستطيع النزلاء الاتصال بأسرهم وتدريبا مهنيا لإعدادهم للعالم الخارجي وخفض معدل العودة الى الجريمة الذي يبلغ 40 في المئة وبدائل للمرضى العقليين الذين يمثلون جزءا كبيرا من نزلاء فرنسا البالغ عددهم 63 الفا.

وقال الدكتور لوي البران الخبير الطبي الذي كتب تقريرا عن السجون لوزارة العدل الفرنسية "نحن بحاجة الى مفهوم جديد للسجن بدلا من استنساخ هذه السجون المقامة وفقا لنموذج سجون العصور الوسطى تحت الارض." وأضاف "نحن بحاجة الى جعل السجن مكانا انسانيا."

وهو يعتقد أن الاستثمارات الخاصة قادرة على التغلب على مشكلة التمويل. لكن اخرين يخشون أن توليفة قلة الاموال العامة وزيادة متوقعة في الجرائم الثانية من قبل المواطنين المتأثرين بالازمة المالية تعني أن الامور ستزداد سوءا.

وتقول سيلين فيرزيليتي من اتحاد حراس السجون في مكتبها الذي يملؤه الدخان بباريس "تسليم ملابس نوم مصنوعة من الورق هذا ليس كافيا... يجب الا يقتصر السجن على تحييد الناس حيث ان له دورا في اعادة دمجهم واعدادهم للافراج."

وترى فلورانس اوبيناس الصحفية البارزة ورئيسة جماعة اوبزرفاتوار انترناسيونال دي بريزون الحقوقية أن المشكلة تكمن ايضا في الرأي العام.

وقالت في مقابلة "معظم الناس يعتقدون أنه يجب أن يؤذي العقاب... من الصواب انزال العقوبة لكن يجب أن نفعل هذا مع اصلاح الاشخاص وليس اصابتهم بمزيد من الانكسار."

لكن اي اصلاحات ستجيء بعد فوات الاوان بالنسبة لميكائيل جيرار زوج ماري كريستين ميناسبا وحالته متكررة للاسف. فبعد مشاجرة مع الحراس على السجائر ألقي في "الحبس الانفرادي."

هناك قام بأول محاولة للانتحار لكنه أنقذ وأخبر زوجته في اليوم التالي بأن هذه المحاولة كانت تهدف للاستفزاز فحسب.

وبعد أن التقى بزوجته أعيد الى "الحبس الانفرادي" حيث قام بثاني محاولة ودخل في غيبوبة. وتوفي في 26 يوليو تموز... قبل أقل من أسبوعين من الموعد المقرر للافراج عنه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/أيلول/2009 - 8/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م