حركة حماس بين الزرقاوي وعبد اللطيف موسى !

مهند حبيب السماوي

لم تستطع  اغلب التحليلات والتقارير التي تعرضت للمواجهة العسكرية التي جرت بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وحركة " سلفية جهادية " تطلق على نفسها اسم «جند أنصار الله» " في جنوب قطاع غزة أثر إعلان الأخيرة وعلى لسان زعيمها عبد اللطيف موسى المعروف باسم (أبي النور المقدسي) في خطبة الجمعة من مسجد ابن تيمية في حي البرازيل بمدينة رفح، عن  قيام " إمارة فلسطين الإسلامية...في أكناف بيت المقدس" في قطاع غزة ، أقول لم تستطع هذه التقارير أن تقف على ما يمكن أن أسميه التناقض الصارخ في تعامل حماس مع  عبد اللطيف موسى من جهة  وتعاملها السابق مع زعيم تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي !.

فلم تلبث حركة حماس ما أن سمعت بإعلان عبد اللطيف عن تشكيل أمارته الا وأرسلت عشرات المقاتلين المدججين بالسلاح الخفيف والمتوسط ، فأحاطوا المسجد الذي كان يخطب فيه عبد اللطيف وبيته التي تسكن فيه عائلته وأمطروهما بوابل من الرصاص ودكوه بقذائف مضادة للدروع! حتى سقط عبد اللطيف قتيلا مع زوجته واثنين من أبنائه بعد تفجير المنزل الذي كانوا يتحصنون به! إضافة إلى من قتلوا واعتقلوا من عناصر التنظيم في المواجهات الدامية التي شكلت صدمة رهيبة للكثير من المراقبين للوضع الفلسطيني عموما ولسلوك حركة حماس خصوصا ، حيث لم يتوقعوا منها أن يكون رد فعلها بهذا الشكل من القسوة والعنف والترهيب واسترخاصها للدم على حد تعبير بعض المراقبين .

حركة حماس التي كانت تتعاطف مع أبو مصعب الزرقاوي وما كانت ترتكب يديه الآثمة من جرائم ضد الشعب العراقي..نراها قد قتلت عبد اللطيف وزوجته واثنين من أبنائه بالأضافة الى بعض من أتباعه حالما أعلنوا عن أمارتهم..... وهنا مبعث التناقض الذي يصل الى حد  اللامعقولية والتعامل المزدوج مع الوقائع والأحداث...مع العلم انه لا يوجد فرق كبير من الناحية الأيديولوجية بين جند أنصار الله  الذين هم " فصيل فلسطيني بحت، ذو توجهات إسلامية ووطنية وإن كان يلتقي (فكريا) مع تنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن"، كما يقول الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية الصحفي علي عبد العال الذي يضيف " ومع ذلك فلم تتبن القاعدة عملهم، وتردد أنهم كانوا ينتظرون تنفيذ عمل جهادي كبير حتى يعلنوا انضواءهم تحت لواء تنظيم القاعدة، وربما يكون إعلان الإمارة الإسلامية على غرار "دولة العراق الإسلامية" هو ذلك العمل الذي كان يرجى من خلاله إعلان الانضواء ".

ولعل الانتقادات القوية التي تعرضت لها حركة حماس من قبل  جهات إعلامية على صلة بتنظيم القاعدة تكشف بما لا يدع مجالا للشك بان هذه المجموعة قريبة التوجه من فكر القاعدة حيث اعتبرت هذه الجهات أن حركة حماس قد ارتكبت مجزرة و" نسخة مطابقة لما يفعله اليهود." وبالنتيجة اتهمت الحركة  بالردة. بل قامت بنعي قائد تنظيم "جند أنصار الله" عبد اللطيف موسى، ووصفته بأنه " شهيد " وأنه قتل ومن معه بعد أن "اغتالتهم رصاصات وقذائف مليشيات حكومة حماس." على حد تعبير وصف البيان.

بل نرى أن حركة حماس قد وصفت حركة جند أنصار الله  بأنها من أصحاب الفكر التكفيري في إشارة واضحة وجلية على تبني هؤلاء الفكر التكفيري الضال الذي ينشر الخراب والدمار والتخلف أينما حل برحله وسيطر على بلد ما ، ولهذا  وجدت حماس في أفكار عبد اللطيف وأتباعه ما يمكن أن يشكل خطرا كبيرا على وجودهم السياسي والمعنوي وصورتها التي تقدمها للآخرين خصوصا مع ما صرح به الأخير من " إن حكومة حماس إن بقيت على ما هي عليه فهي بمثابة حزب علماني « ينتسب إلى الإسلام زورا مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ".

وهذا يعني أن هنالك خيطا رفيعا، أن وجد أصلا، بين أفكار "جند أنصار الله" وأفكار تنظيم القاعدة وزعيمهم  السابق في العراق أبو مصعب الزرقاوي ، يجعل من غير الممكن أن يتخذ شخصا سليم العقل موقفا مختلفا بالنسبة لنظره إلى تنظيم جند أنصار الله وتنظيم القاعدة في العراق...إلا إذا كانت هنالك أهداف ومصالح تقتضي هذا التعامل المزدوج.

وهذا ما يدفعنا مضطرين إلى التساؤل، كما تعودنا في مقالاتنا،عن السبب الذي يقف وراء الازدواج في نظرة حركة حماس للزرقاوي من جهة وعبد اللطيف موسى من جهة؟

لماذا تجابه حماس عبد اللطيف وجماعته بالسلاح والقسوة والاجتثاث وقتله مع عائلته  بينما تتعاطف وتؤيد أبو مصعب الزرقاوي وأفعاله في العراق؟

لماذا كان موقف حماس مختلفا في هذه القضية؟

وكيف لهم يمكن تسويغ هذه الاختلاف العجيب في النظر لتيارين يحملان نفس التوجه والأفكار والرؤى؟

مالذي يدفع الجندي " الحمساوي" إلى الحزن والبكاء " بحرارة وحماس " حول مقتل الزرقاوي مثلاً ونراه مرة ثانية يرفع السلاح ويقتل عبد اللطيف وأتباعه " بحرارة وحماس أيضا "...وهما ينتميان إلى نفس التوجه الفكري؟

لا يمكن لنا أبدا تفسير سلوك حماس بوجود حالة باثولوجية مرضية كالتي تشعر

بها الأم ، مثلا،  حينما تعشق ابنها وتحبه بجنون  ولكنها لا تستطيع مقاومة الوسواس المتسلط عليها والذي يدفعها بعنف ولاوعي للضغط عليه وخنقه ! فهذا تفسير سيكولوجي لا ينطبق على حماس في حالة قتلها لنموذج عبد اللطيف موسى ال" القاعدي " وتقديرها ونِواحِها على أبو مصعب " القاعدي ".

يبقى هنالك تفسير واحد..يمكن أن يخرج القارئ من حالة الحيرة التي يشعر بها  وهو يبحث عن جواب عن هذا الأسئلة....

الجواب هو المصلحة السياسية !

المصلحة السياسية التي تقتضي قيام البعض بحمل صورة الزرقاوي والبكاء عليه في شوارع غزة كما شاهدنا  ذلك في الفضائيات ..وقيام عين هذه الثلة بقتل عبد اللطيف وأصحابه حالما أعلن راياً يخالف أرائهم.

نعم المصلحة السياسية هي التي تفسر لنا سبب قيام حماس وكثير من الحركات السياسية بعمل من قبيل هذا الذي قامت به  حينما قتلت عبد اللطيف موسى واجتثته اجتثاثا وصل لحد قتل زوجته وأبناءه الصغار وتفجير منزله من غير أدنى حس أو شعور أنساني  لأنه عارض سلطتها السياسية وحكمها الذي يسير نحو التطرف في قطاع غزة....بينما لم تفعل ذلك مع الزرقاوي لأنه لا يمثل تحديا لها ولا لسلطتها أو موقعها ووجودها السياسي، فكل ما يفعله الزرقاوي هو القتل ! والذبح ! والتفجير ! والتفخيخ ! في العراق وهو لا يعني حماس في شيء مادام لا يقوض دعائم حكمها  في قطاع غزة !

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 16/أيلول/2009 - 26/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م