الموازَنة الكربونية العالمية وضرورة فهم دَورة الكربون

يتنقل الكربون بين النباتات والحيوانات والأرض والجو في دورة مستمرة

 

شبكة النبأ: الكربون، هو أكثر االعناصر توفرا ووجودا في الكون، واللبنة التي تبني الحياة على الأرض. ويتنقل متداخلا في الأرض وما عليها من غلاف جوي ومحيطات وصخور رسوبية وتربة ونبات وأحياء من خلال ما يسميه العلماء "دورة الكربون."

ويعتبر فهم دورة الكربون ومعرفة كيفية عملها أمرا بالغ الأهمية بالنسبة للتنبؤ بحالة مناخ الأرض في المستقبل.

وكتب العالمان جورج سارمينتو وستيف وُفسي وزملاؤهم في تقرير لهم في العام 1999 بعنوان "مشروع علمي أميركي لدورة الكربون" قائلين "إنه يجب علينا لكي نتنبأ بسلوك نظام المناخ الأرضي في المستقبل أن نكون قادرين على فهم وظيفة عمل نظام الكربون وعلى التنبؤ من ثم بنشوء ثاني أكسيد الكربون وتكوّنه في الغلاف الجوي." بحسب موقع أميركا دوت غوف.

يوجد الكربون في حالته الصافية الأصلية كالماس أو الغرافيت، المادة التي تستخدم في أقلام الرصاص. ويكوّن الكربون عند امتزاجه والتحامه مع الأوكسجين والهيدروجين وذرّات كربونية أخرى مركّبات أخرى هامة وأساسية كالسّكر والدهنيات التي تمد النباتات والكائنات الحية بالطاقة بالإضافة إلى النفط والفحم والغاز الطبيعي التي تزود النشاطات الإنسانية بالطاقة، ويكوّن كذلك ثاني أوكسيد الكربون والميثين والغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.

تستوعب النباتات والطحالب وبعض البكتيريات (الجراثيم) ثاني أوكسيد الكربون وتمتصه من الجو أو المحيطات ثم تحوله إلى سكّريات (ذرات كربونية ملتحمة مع ذرات كربونية أخرى وأوكسجين وهيدروجين) في عملية تعرف بعملية التمثيل الضوئي أو التمثيل الغذائي. تأكل الكائنات الحية من بشر وحيوان السكر كمصدر للطاقة وتزفر ثاني أوكسيد الكربون (كربون ملتحم مع ذرتي أوكسيجين) في عملية التنفس.

وتموت الحيوانات والنباتات وتندفن في الأرض وتتحلل، لكن مركّباتها الكربونية تبقى سليمة وتشكل مصدرا للطاقة للجراثيم التي تتغذى على البقايا وتنتج بدورها ثاني أوكسيد الكربون وغاز الميثين (كربون ملتحم مع أربع ذرات من الهيدروجين) ويبقى بعضهما في التربة وينطلق البعض الآخر في الأجواء.

في أحيان كثيرة تدفن جثث البشر والحيوانات وبقايا النباتات في الأرض أو تغرق وتغطس لتستقر في قاع المحيط حيث تبقى محمية بعيدة عن متناول الجراثيم. وعلى مرّ مئات ملايين السنين تغور البقايا الحيوانية بعيدا في الأرض وتنضغط فيها وتتحلل الأنسجة والعظام لكن الكربون يبقى ليكوّن مركبات تسمى هيدروكربونية هي عبارة عن سلاسل طويلة من الذرات الكربونية الملتصقة ببعضها البعض وبذرات من الهيدروجين. والهيدروكربونات هي المركّب الأساسي في الفحم الحجري والنفط اللذين يشكلان الوقود الأحفوري.

يستخدم البشر الوقود الأحفوري من نفط وفحم حجري لتوليد الحرارة والطاقة والكهرباء، وهم بهذه العملية يتسببون في تحوّل الهيدروكربونات التي في الوقود الأحفوري إلى ثاني أوكسيد الكربون الذي ينبعث منطلقا في الغلاف الجوي. ثم يتحلل الكربون الجوي في المحيطات أو تمتصه النباتات وتستمر الدورة.

تتألف صخور القشرة الأرضية من كربون وتشكلت عبر ملايين السنين بالتحام الكربون مع المعادن. ويكوّن ثاني أوكسيد الكربون الذائب في المحيطات ما يعرف بثاني الكربونات أو ثاني الفحمات (بيكروبونات) الذي يلتحم مع الكلس (الكالسيوم) ليكوّن الحجر الكلسي أو الجيري.

تجرف عوامل الطقس وعوامل النحت المركّبات الكربونية عن صخور القشرة الأرضية إلى المحيط. كما أن الكربون يتسرب إلى أسفل في القشرة الأرضية في عملية تسمى "الاندساس." وتقذف البراكين والينابيع الحارة والحمّات بثاني أوكسيد الكربون والميثين في الجو من جديد.

تحدث المكوّنات الجيولوجية التي تؤلف دورة الكربون، وهي العوامل الجوية وعوامل النحت والاندساس، وتشكّل الوقود الأحفوري خلال ملايين السنين. أما المكوّنات العضوية لدروة الكربون، وهي التمثيل الضوئي والتنفس والتحلل الذي تحدثه الجراثيم، فتحدث خلال أيام أو خلال آلاف السنين.

ويزيد معدل حجم كمية الكربون التي تنتقل عن طريق العناصر العضوية كل عام بنسبة ألف مرة عن كمية الكربون التي تنتقل عن طريق العناصر أو المركبات الجيولوجية كل سنة.

الموازنة الكربونية العالمية

والمشكلة تتمثل الآن في أن دورة الكربون أصبحت غير متوازنة. إذ إن عزل الكربون واحتجازه عميقا في باطن الأرض وتحت قاع المحيطات يستغرق ملايين السنين، لكن البشر أطلقوا كثيرا من هذا الكربون في الغلاف الجوي خلال القرن الماضي.

ووصفت كريستين غوديل، الخبيرة في بيئة الغابات بجامعة كورنل في نيويورك، المشكلة بقولها إنها "كما لو أن الكربون الذي كان حبيسا عميقا قد وُضع في الغلاف الجوي وهو في حالة أكثر نشاطا."

كما أن البشر يتلفون الغابات ويدمرونها مطلقين بذلك مزيدا من ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي متسببين في انخفاض أعداد النباتات والأشجار التي تمتص ثاني أوكسيد الكربون من الجو.

وأصبح الغلاف الجوي مشبعا بالكربون، بثاني أوكسيد الكربون إلى حد أكبر. والمحيطات تمتص وتستوعب بعضه، والبعض يمتصه النبات والتربة. أما كيف يحدث ذلك فعملية ما زالت غير مفهومة.

والكربون الذي يبقى داخل الغلاف الجوي يمتص الحرارة ويحول دون إشعاعها وخروجها إلى الفضاء. ومعروف أنه بدون هذه الحرارة الحبيسة لا تكون الكرة الأرضية صالحة للحياة. لكن الحرارة الزائدة تغيّر المناخ وتصبح الأرض أقل صلاحية لسكناها والحياة عليها. والمبدأ ذاته ينطبق على المحيطات حيث تعمل زيادة الكربون على تغيير التركيب الكيميائي للمياه مما يتسبب في جعل المحيطات مكانا أقل صلاحية للحياة وتموت الحياة البحرية.

إذا فالكربون في الغلاف الجوي مفيد وضار في آن معا مثله كمثل الماء. فالبشر بحاجة إلى الماء كي يحافظوا على بقائهم لكن الكثير منه يغرقهم.

جاء في تقرير للجنة الأمم المتحدة الحكومية الخاصة بتغير المناخ أصدرته في العام 2007 أن "نحو 50 بالمئة من الزيادة الحاصلة في ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي ستتم إزالتها خلال 30 سنة، وستتم إزالة ما نسبته 30 بالمئة إضافية خلال قرون قليلة. أما الـ 20 بالمئة الباقية فيحتمل أن تبقى في الأجواء عدة آلاف من السنين.

الارض وغلافها الجوي نظام مغلق لا يتم خلق الكربون أو إتلافه فيه. وكمية الكربون ثابتة لا تتغير، والكربون يمكن نقله وتحويله من تجمّع إلى تجمّع ومن الغلاف الجوي إلى المحيط ومن التربة إلى الترسبات، غير أن زيادته أو نقصانه غير ممكنين. فالكربون الذي في الغلاف الجوي، على سبيل المثال، لا يمكن أن يطوف وينجرف إلى الفضاء الخارجي. فلا بد له من الانتهاء إلى مكان ما على الأرض، أي إما أن يمتصه النبات أو يتحلل عائدا في المحيطات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 16/أيلول/2009 - 26/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م