النرويج... نموذج للنقد الأوربي الشمالي للعالم !

مهند حبيب السماوي

استطاعت الكارثة المالية التي ضربت، من غير أدنى رحمة، معاقل الأسواق المالية الأمريكية، أن تفرض نفسها وتداعياتها السلبية بقوة على الكثير، أن لم أقل جميع، دول العالم الأخر سواء كان الغربي أم الشرقي، إذ مافتئت أزمة القرن، كما أطلق عليها، تلقي بظلالها السوداوية على أسواق العالم الأوربية والآسيوية التي ترتبط عضويا بالولايات المتحدة وبسياساتها الاقتصادية.

الأزمة المالية العالمية التي تجتاح العالم الآن ترجع إلى ما سمّاه المختصون في مجال الاقتصاد بـ"أزمة القروض العالية المخاطر" والتي بموجبها غاص القطاع المصرفي والبنكي الأمريكي في قاع خسائر مذهلة أثرت بالتالي ونتيجة لذلك على اقتصاد العالم وأسواقه التي أصابها التراخي والكساد والضمور مما دفع هذه الدول إلى أتخاذ ردود فعل طارئ لمواجهة التحديات الحرجة والخطرة التي يمر بها اقتصادها.

وقد شذّت عن خط الزلزال الاقتصادي العالمي، من بين دول العالم الغربي، مملكة النرويج وهي الدولة الأوربية التي تمكنت من الانفلات من مرمى نيران الأزمة العالمية عبر اتخاذها سياسات اقتصادية مختلفة ومغايرة أستطاعت من خلالها أن تنفرد من بين دول العالم الغربي الأول، وفقا للتصنيفات الكلاسيكية، بخلق اقتصاد رصين متماسك لم يتأثر مطلقا بالأزمة العالمية التي عصفت بالغرب.

هذه السياسة تمثلت في صياغة ورسم إستراتيجية بنّاءة للتعامل مع الواقع الاقتصادي عبر مايلي:

1- فلسفة التعامل مع النفط.

تتجسد هذه الفلسفة في عدم الاعتماد على النفط في تمويل ميزانيتها، حيث على الرغم من ان النرويج أكبر منتج للنفط في أوروبا والثالث من حيث التصدير عالمياً بعد السعودية وروسيا، الا أنها لا تستخدم الا حوالي 4% من عائدات النفط لدعم ميزانيتها، ولم يكن نجاح هذه الدولة، برأي بعض من المحللين، من جراء الاستفادة من ريع في النفط بل كان النجاح كامناً في كيفية استغلال النفط واستثماره حيث تقوم النرويج بأدخار عائدات النفط الهائلة، وفي هذا نرى رئيس وزراء النرويج السيد ينس ستولتنبرج يقول بان النجاح الأكبر في الاقتصاد النرويجي يكمن في قدرتنا على عدم إنفاق المال لان اغلب الدول لديها نفط وغاز وموارد أنفقت أموالها.

2- التوجه نحو خطط التنمية.

ركزت النرويج جهودها على خطط التنمية في مجالات التكنولوجيا والتعليم والتربية والصناعة والزراعة،وكانت نتيجة تلك السياسات الاقتصادية، أن قل بشكل كبير اعتماد، النرويج على أسعار النفط، وتكوّن، بالتالي، لديهم احتياطي نقدي كبير في صندوق الدولة، وتحسّن مستوى القدرات البشرية، وتطّور القطاع الصناعي، وتكوّن قطاع

خاص، منتج، ومنافس على حد تعبير مستشار التنمية الاقتصادي في مكتب رئيس الوزراء السنغافوري السيد فيليب يو.

3- النأي بنفسها عن الديون عالية المخاطر.

تعلمت النرويج من الأزمة التي مرت بها في مطلع التسعينيات فأخذت على عاتقها الابتعاد عن الديون الكبيرة، ونتيجة لذلك مازالت مصارفها مزدهرة ومستمرة في تقدم القروض للشركات بالإضافة إلى أن سوق العقارات النرويجي لم ينهر ومستمر في العمل بقوة ـ بل قامت الحكومة النرويجية، كما تقول، كريستين هالفورسين وزيرة المالية عام 2008 بشراء الكثير من الأسهم عندما كانت رخيصة وبعدها بفترة زمنية ارتفعت أسعار هذه الأسهم لدرجة كبيرة وعادت بالفائدة على الحكومة وبالتالي نظام معاشاتها الذي يعد ضخم وكبير جدا، وهي كلها عوامل أدت إلى أن يكون نصيب الفرد من الناتج القومي أكثر ب50% من نظيره بريطانيا وفرنسا والمانيا.

وهكذا فالنرويج في إستراتيجيتها هذه توجه نقدين للعالم الغربي من جهة والعالم الشرقي من جهة أخرى سواء كانا بصورة مباشرة أو غير مباشرة، فهي تنتقد العالم الغربي التي أصابته قذائف الأزمة العالمية ولم يفلت منها كما فلتت النرويج بإتباعها إستراتيجية اقتصادية معينة كما شرحتها أعلاه...كما أنها توجه نقدا للعالم الشرقي ولدوله النفطية التي تعتمد في ميزانيتها على النفط وتتجاهل الموارد الأخرى وبرامج التنمية الاقتصادية والصناعية والتجارية، ولهذا تبقى أسيرة لهذه الموارد الطبيعية التي حباها بها الله تعالى والتي ليس لها أي دور في وجودها ولن تدم أبدياً مهما كانت ضخمة...وبالتالي لا تستطيع دولنا النفطية " البائسة " أن تفتخر بأنها صنعت وخلقت شيئا معتد به أمام غيرها من الأمم والحضارات الأخرى أذا كانت تعتمد على الموارد النفطية فقط.  

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/أيلول/2009 - 24/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م