سيدولوجيا فانتستيكا

لطيف القصاب

الكذب ظاهرة انسانية لايمكن حصرها في مجتمع انساني دون مجتمع اخر ولكن هذه الظاهرة مثل اغلب الحقائق النسبية تزدهر وتنتعش في مكان وتنحسر وتتضائل في مكان اخر اذ ان الكذب وسيلة دفاع انسانية مهمة لم يستطع بنو البشر المتمدنون ان يتخلوا عنها بسهولة منذ ان هجروا الفيافي والكهوف واستوطنوا المدن والحواضر.

 ان الانسان يكذب احيانا لكي يتجمل كما في الفلم السينمائي المصري المشهور "انا لا اكذب وانما اتجمل" ويكذب الانسان ليدفع اذى محتملا عن نفسه وخاصته كما نمارسه في اوقات الاضطرار الشديد عند تعاملنا مع رؤسائنا في العمل والبيت...، ويكذب الفاشل ويتهم الناجحين بمختلف انواع التهم الباطلة وعلى راسها الفشل ليحقق رضا ذاتيا مزيفا عن ادائه الهزيل في مختلف حقول العلم والمعرفة، ويكذب الكذاب ويكذب لان الكذب لايستتبع الخضوع الا الى ضريبة الاخلاق التي مات الاغلب الاعم من دعاتها ومريديها مع الاسف الشديد.

 وبحسب علماء النفس فان هناك قسما من الناس يُصابون بنوع من انواع الكذب المرضي المزمن يُسمّونه الاطباء (عادة إلزامية الكذب ) ويصطلحون عليه في اوساط المصحات النفسية ومستشفيات المجانين في مختلف دول العالم بمرض (سيدولوجيا فانتستيكا)  وهذا النوع من الكذب لايرتكبه الانسان الفقير لكي يبدو اكثر اشراقا وينال حظوة امام اصدقائه المترفين على غرار دور البطولة الذي أداه ببراعة مشهودة الفنان الراحل احمد زكي في الفلم المصري الذي أتينا على ذكره في بداية الحديث كما ان هذا النوع من الكذب الصلف لايمارسه الشخص لمحض التخلص من ثرثرة زوجته داخل البيت او لكي يتفادى موقفا محرجا امام رؤوسائه في العمل.

انه ببساطة شديدة كذب مرضي يدأب على ممارسته النصابون والمحتالون في كل مكان من ارض المعمورة لينتهي بهم الحال الى ممارسته لاشعوريا اذ انه يصبح لدى هؤلاء يمثل حاجة رئيسية ملحة لاغنى لاحدهم عن تركها ولو ليوم واحد فهم يكذبون تماما كما يأكلون ويشربون.

 وللحقيقة والتاريخ فان هذا النوع من الكذب لايقف عند حد شريحة النصابين والمحتالين فحسب بل تنتشر جراثيم هذا الداء الوبيل بدرجات متفاوتة في اوساط بعض المثقفين كالمؤرخين المرتزقة واضرابهم من مزوري الحقائق والوقائع وكذلك يزدهر هذا المرض العضال في عدد واسع من بيئات السياسيين الملوثة بفايروسات اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس واكذب ثم اكذب حتى تصدق نفسك، وقد قامت احدى الجمعيات العالمية الظريفة في الاونة الاخيرة بتاسيس جائزة في السيدولوجيا فانتستيكا تمنح سنويا لأشهر السياسيين الكذابين في العالم وفي هذا العام حصل أحد مشاهير السياسيين العرب وكنيته العطري على هذه الجائزة حينما كان ينكر بتلقائية عجيبة خبر معرفته بارهابي شهير يقيم على اراضي بلاده بصفة لاجيء سياسي منذ ست سنوات.

 في بداية الامر نشب نزاع حاد بين اعضاء هيئة الحكام المناط بهم تحديد الفائز بالمسابقة والسبب الرئيسي وراء هذا النزاع بغض النظر عن كثرة المنافسين الطامعين بنيل قيمة الجائزة هو اعتراض عدد من المحكمين الاجانب من ذوي الميول الصهيونية على اعطاء جائزة بهذا الحجم الى سياسي عربي تخوض بلاده حربا (ضروسا)  ضد اسرائيل منذ اثنتين واربعين سنة الا ان تاثير اللوبي العربي كان من القوة والنفوذ بحيث استطاع ان يحسم الفوز اخيرا لصالح البطل العربي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 9/أيلول/2009 - 19/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م