مواكب المسؤولين وخطورة التجاوز على القانون

 

شبكة النبأ: من الامور والظواهر التي تتباهى بها الشعوب والامم امام غيرها، درجة إلتزامها بالنظام واحترامها للقانون بغض النظر عن المركز الوظيفي او الاجتماعي لهذا الفرد او ذاك، ولعلنا لاحظنا او عشنا مظاهر وحالات تدل على حقيقة إلتزام الشعوب بالضوابط والمحددات المشروعة التي سنها المشرع الوضعي او الديني، حيث أظهرت لنا على سبيل المثال شاشات التلفاز اكثر من رئيس دولة او رئيس وزراء وهو يمثل النموذج الأمثل للمواطن من خلال التزامه بالقانون كمواطن تنطبق عليه القوانين المرورية او السارية مثلما تنطبق على اصغر موظف فيها، فكلنا او معظمنا سمع او رأى رئيس الدولة الفلانية وهو يتوقف بسيارته ومن خلفه السيارات الرسمية الاخرى عند اشارة المرور إمتثالا للقانون.

وكلنا او معظمنا رأى او سمع من جانب آخر بهذا الموكب الرسمي او ذاك ولهذا المسؤول الرسمي او ذاك من الحكومة او غيرها وهو يتبجح امام جميع الناس بضربه لإشارة المرور او نظام المرور كليا وامام الملأ متباهيا بفعله هذا كإشاره دالّة على قوة نفوذه وتميزه عن الآخرين، في حين يدل بهذا السلوك على أنه من أسوأ المواطنين سلوكا وأخلاقا في آن واحد.

فأي بون شاسع بين ذلك الذي يتباهى بإلتزامه وضبطه وعدم تجاوزه على القانون برغم كونه مسؤولا كبيرا في الدولة وبين هذا الذي يتباهى ويتبجح بتجاوزه على القانون كي يظهر للناس بأنه مسؤول قوي ومهم وقادر على ضرب القانون والنظام والمواطن في آن واحد.

واذا بحثنا في اسباب ذلك وحاولنا فهم طبيعة ما تقوم به مواكب المسؤولين من تجاوزات، فإننا يمكن نعزو ذلك الى ضعف التوعية والتوجه  ولعل هذا المسؤول او غيره فتح في محيط لا يبالي بالغرس الجديد وأهمية توعيته بل لعله عاش في محيط اجتماعي او دراسي اوعملي يعاني من نقص في هذا المجال وإلا لا يمكن ان يأتي مثل هذا السلوك من فراغ، فلا بد أن تكون له جذور وأسس قام عليها ونما ثم اصبح من هذا النوع الذي يضرب إشارة المرور ويتجاوز على النظام والضوابط الاخرى التي اقرها الشرع والقانون واتفقت عليها الاعراف والتقاليد الاجتماعية كافة.

ويقول المختصون في هذا المجال إن مرد ذلك هو قصور في الوعي والتوجيه والتربية، ويطالب هؤلاء المختصون ان تُفعَّل الأنشطة التربوية بكل صورها واشكالها لزيادة الوعي عند جميع الناس حتى تتكون منظومة السلوك الصحيحة التي تحترم الجميع ولا تعطي أحقية لهذا المسؤول او ذاك بالتجاوز على الناس او على الانظمة المرورية او غيرها.

وينبغي أن لا ننسى دور الجهات الحكومية لا سيما التنفيذية منها في الحد من ظاهرة المواكب الرسمية الخارجة على القانون، وحسنا فعلت الحكومة العراقية مؤخرا حين اصدرت تعليماتها الملزمة بهذا الخصوص، خاصة اذا أدخلنا (شركات الحماية الاجنبية في هذا المشهد) حيث تكون مواكبها المرافقة لهذا المسؤول الاجنبي او ذاك عبءا لا يُطاق على الشارع وكأنها المالك الوحيد لطرق وشوارع البلاد!! فتتصرف كما تريد وترغب في طرق السير وكأن مواكبها هي الوحيدة التي يحق لها استخدام هذه الشوارع وهي اصلا شوارع الناس وملكهم قبل ان تكون ملكا لغيرهم.

ولذلك نلاحظ الاساليب الغير مقبولة التي غالبا ما ترافق تلك المواكب سواء لشركات الحماية او للمسؤولين العراقيين وهي تتملك الشارع لدرجة انها تطلق النار احيانا وهي صورة لا تليق قط بدولة تؤسس وتطور لتجربة سياسية يُفترض بها ان تكون نموذجا للآخر، ناهيك عن ان مثل هذه المواكب المتجاوزة على القانون تسهم بالحط من هيبة الدولة من خلال عدم احترامها للقانون، فالمسؤول الذي يتجاوز بموكبه على القانون يحط من قيمته هو من دون ان يعي ذلك، لأن هيبة الدولة من هيبة المسؤول وضعف الدولة من ضعفه كما هو متعارف عليه..

 لذا فإن ثمة خطورة كبرى تكمن في هذه في مثل هذه التجاوزات التي اصبحت موقع كره ومقت من لدن الناس جميعا، ومن اجل اعادة ترتيب المشهد الحركي وضبطه في المدن والعاصمة نقدم المقترحات التالية:

- أن ترافق الضوابط الاخيرة التي اصدرتها الحكومة بهذا الخصوص عملية تطبيق دقيقة وحقيقية كي لا تبقى هذه القوانين المرورية حبرا على ورق.

- أن يعي المسؤول العراقي خطورة انتهاك الموكب للنظام المروري وأن يفهم ويؤمن بأنه النموذج الأمثل للناس، فلا يجوز له الخطأ، لأنه مثالا للآخرين.

- أن تتوفر لدى المسؤول والمواطن معا حالة الشعور بالمواطنة من خلال دقة الالتزام بالضوابط والقوانين السارية في هذا المجال.

- أن تنطلق حملات توعية تسهم بها الجهات ذات العلاقة الرسمية وغيرها من اجل توعية المسؤولين وغيرهم على اهمية ضبط تحركاتهم في الشوارع العامة وفقا للمتعارف عليه قانونيا واجتماعيا.

- ان يكون لرجال الدين دورهم في هذا الصدد لا سيما في مجال توعية الناس عموما والمسؤولين خصوصا .

وفي حال توافر التوعية المطلوبة وإيمان المسؤول بأنه مظهر من مظاهر هيبة الدولة واحترام القانون، وايماننا جميعا بأن مصدر التباهي هو الالتزام بالقانون والنظام وليس عكس ذلك، فإننا سنلمس غيابا كليا لهذه المظاهر المؤسفة التي تتسبب بها مواكب المسؤولين وما تسمى بشركات الحماية الامنية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 7/أيلول/2009 - 17/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م