الى روح صديقي عامل الطباعة الهندي : برجو ، الذي انتحر مخافة ان
يفصل من عمله ، ولم يطالب بحقه سوى غريب المتروك
" ان هوميروس هو حديث هذا الصباح.
وليس هتاك، ربما، قديم مثل صحيفة
الصباح "
( شارل بيغي ـ 1916 )
لا شك في أن بعضنا قرأ، قبل أسبوع تقريباً، الخبر المفرح عن إعادة
طباعة مسرحية شكسبير الشهيرة “حلم ليلة صيف”. هذا الخبر المفرح جداً
وليس المفرح فقط، مصدره القاهرة، حيث تم الاحتفال بهذه الرائعة
الشكسبيرية.
حسناً، المسرحية هذه يكثر فيها المهرجون والسحرة، والمخلوقات غير
الإنسانية، وتبادل الأدوار.
يدفعك شكسبير، حين تقرأه بعمق، الى افتكار “بن جونسون” وآخرين.
ويوقظ فيك إنْ أنت تقرأه بعمق الانخراط في حلم من أحلام ليلة صيف، أو
ليلة شتاء.
وهكذا، عاد صاحبنا المغرم بتراجيديات شكسبير الى قصاصة صحيفة كان
احتفظ بها، وأخذ يقرأ خبراً، يشبه حكايات المهرجين والسحرة في بعض
مسرحيات شكسبير حتى غلبه النوم.
حُلْم.
رأى صاحبنا قرابة ثمانين رجلاً وامرأة، ظهروا فجأة عند رأس إحدى
الجادات الباريسية المتفرعة عن “قوس النصر”، ثم أخذوا يضعون أقنعة
بيضاء على وجوههم، واحداً بعد الآخر.
بعد ذلك، رفع أحدهم، أو إحداهن، لا يدري، لافتة ورقية مكتوباً عليها:
“نريد جريدتنا لنا”. وارتفعت لافتة أخرى تقول: “لوموند للعاملين فيها”.
ما هي إلا لحظات، حتى ارتفعت عشرات اللافتات الورقية، والأقنعة
البيضاء، ليختلط المارة بالمتظاهرين، حيث كان البعض يعلن بصوت مسموع
“لا نريد تحويل “لوموند” الى اتحاد لرجال المصارف والشركات الكبرى.
صحيفة المحررين للمحررين والتقنيين”.
نزل صاحبنا، صاحبنا الذي كان يحلم، بمظلة بيضاء على الحشد الباريسي
من محرري “لوموند” وتقنييها. كان يقيم في منطقة بعيدة عن باريس. لكنه
وضع قناعاً أبيض على وجهه، وطار في فضاء رحب، وهو يقول: “شبّيك، لبّيك،
يا شكسبير”.
واختلط بين المقنّعين الذين كانت تراقبهم شرطية بغير اكتراث.
شرطي.
واستيقظ صاحبنا من حلمه، وهو يمسك بقناعه الأبيض.
* إضاءة:
نشرت صحافتنا العربية، المكتوبة والمرئية والمسموعة، نبأ قيام عشرات
من محرري “لوموند” وتقنييها ، بارتداء أقنعة بيضاء والتظاهر في باريس
احتجاجاً على نية “مجلس إدارة الصحيفة” تحويلها إلى شركة يتقاسمها
مساهمون من خارجها.
******
حول مقال " ليلة الاقنعة البيضاء "
جوهر هذا المقال ، التنبيه على حقوق كثير من الصحافيين العرب
المهضومة ، في البلدان الليبرالية ، او ذات الاتجاه الواحد .
كتب الي احد الزملاء من الامارات ، انه لم يتلق زيادة على راتبه منذ
سنة 2000 .
لقد حلم " صاحبنا " بانه ربما تكون له بعض حقوق زملائه في ( لوموند
) الفرنسية ، ولو في الحلم ، ذات يوم .
ولكن ، هيهات .. في ايامنا الحاضرة ، في الاقل ’
ربما يفضح حديث شارل بيغي عن ( صحيفة الصباح ) كثيرا من المسكوت عنه
في وسطنا الاعلامي الذي شيّء الانسان والثقافة.
www.juma-allami.com |