حاجة الانسان الدائمة لله سبحانه وتعالى

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: جميع التجارب الانسانية الفردية منها والجمعية تشير الى حاجة الانسان الابدية لمعونة الله تعالى واسناده لأنشطة وتحركات الانسان من اجل ان تكون نافعة وسديدة، ولنا في تاريخ الائمة الاطهار صلوات الله عليهم اجمعين خير دليل على ذلك، فمع وصول الامام الى مرتبة عالية بل عليا من الزهد والايمان والتقوى والتعلق بالله سبحانهن إلا اننا نرى استمرارية طلب التسديد وتعميق التوجه والايمان وزيادة صلابته وتقوية تقواه، وجاء حول هذا الموضوع في الكتاب الثمين لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي الموسوم بـ (حلية الصالحين):

(بعد أن افتتح الإمام دعاءه بالصلاة على محمد وآله، انتقل عليه السلام إلى مقام سؤال حوائجه من الله تعالى مبتدئاً بهذه الكلمات الأربع: (بلّغ بإيماني أكمل الإيمان) أي أنا لا أستطيع الصعود والبلوغ بإيماني إلى أكمل الإيمان من دون عونك وتسديدك يا ربّ، وأنت الكفيل بذلك فأعنّي).

فكيف بالانسان العادي، وهو محاط ومكبل بشهواته وغرائزه، وهو الذي يعاني في الغالب من ارادة بشرية تضعف ازاء الرغائب، فأمر طبيعي ان تزداد حاجة الانسان للدعاء والتعلق بالله تعالى وطلب معونته الدائمة، فالانسان كما يقول المرجع الشيرازي:

(مهما بلغ الإنسان من المراتب العالية ـ سواء الدينية أو الدنيوية ـ فهو بحاجة إلى عون الله تعالى وتسديده.

حتى الذين توفّرت فيهم ملكة العدالة بأعلى درجاتها وأصدق معانيها، واجتنبوا في مقام العمل كلَّ المحرّمات، وأتوا بكلّ الواجبات، وكان عندهم فوق ذلك كلّه ورع كامل، ليسوا بقادرين على النهوض والارتقاء من دون أن يعينهم الله تعالى على ذلك ويأخذ بأيديهم؛ لأنّ الشهوات المختلفة من شأنها أن تحول ـ ولو شيئاًـ دون ذلك.

إنّ الإنسان محاطٌ بالشهوات شاء ذلك أم أبی، والتفت أم تغافل. فقد يتأمّل الإنسان فيلتفت إلى مختلف شهواته، وقد يغفل فلا يلتفت.إنّ الله سبحانه وتعالى أودع فينا الشهوات لكي يختبرنا ويَميز الخبيث من الطيّب).

اذن فالصراع مع الرغائب والغرائز والملذات شديد حيث يخوض الانسان في هذا المعترك المتشابك لكي يتسنى له الخلاص من براثن الاثم لذلك من الصعب ان ينجح في ذلك من دون الرعاية الالهية التي ينبغي ان يواظب بطلبها دائما او طالما بقي على قيد الحياة، وفي هذا الصدد يقول المرجع الشيرازي:

(إنّ الله سبحانه وتعالى أودع فينا الشهوات لكي يختبرنا ويَميز الخبيث من الطيّب.

قد ينجح المرء في كبح بعض شهواته، كالمرتاضين الذين يحقّقون ذلك ببعض الممارسات، ولكن ماذا يفعل الإنسان حيال الشهوات التي لا تعدّ ولا تحصى؟ وإن استطاع الإنسان أن يخفف من غلواء بعضها بالترويض والتمرين فإنّ هذا وحده لا يكون كفيلاً بكبح بعضها الآخر الذي يمكن أن يثقله ويشدّه إلى الأرض).

هكذا تكون معناة الانسان شديدة في مقارعة الاثم ولذلك ينبغي ان تتضاعف حاجته الى الله تعالى مع امتداد العمر وتواصله لان الشهوات البشرية تتكالب عليه وتحاصره طالما بقي على قيد الحياة وهنا يقول المرجع الشيرازي في كتابه القيّم (حلية الصالحين):

(هكذا هو الحال في الشهوات فهي تحيط بنا من كلّ صوب وجانب. ولعلّ أكثر الناس يفهمون هذه الأمور جيداً وإن لم يستطيعوا التعبير عنها بشكل جيد.

إنّ مثَلنا في هذا الطريق مثَل الإنسان البدين أو الشخص الذي يحمل أثقالاً كثيرة، فهو لا يستطيع تسلّق الجبال أو القفز والوثوب بسهولة، وربّما هوی وسط الطريق.

مهما كان الإنسان ذكياً وواعياً ونشطاً، مستوعباً لأطرافه وما يحيط به، غير أنّه لا يستطيع أن يصنع شيئاً مع ما عليه من ثقل الشهوات ـ وهو ثقل واقعي غالباً ما يحول دون الإنسان ورقيّه ـ ما لم يُعنْه الله تعالى ويأخذ بيده).

غير ان حاجة الانسان للرعاية الالهية لا تتحقق بالدعاء فقط او اعتماده على طلب المعونة من الله سبحانه وتعالى، بل ينبغي ان يرافق ذلك عمل ذؤوب ومواظبة لتحقيق الدعاء، وفي هذا المجال يقول المرجع الشيرازي:

(قد يجري الإنسان ألفاظ الدعاء على لسانه فقط، فيكون دعاؤه سطحياً. وقد ينطلق الدعاء من أعماقه، وهذا أفضل من الأول بلاشكّ، ولكنّه أيضاً لا يكفي، بل لا بدّ أن يكون إلى جانب الدعاء والخشوع سعي من قبل الإنسان نفسه لتحصيل ما يطلب من الله مستفيداً مما أعدّه الله سبحانه وتعالى للعباد، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر-1-).

وهكذا ينبغي على الانسان المؤمن ان يقر ويعترف بل ويؤمن بحاجته الدائمة الى الرعاية الالهية كونها هي الطريق الذي يحقق له جميع الحاجات المادية الدنيوية والروحية ايضا، على ان يقرن المؤمن طلبه وحاجاته من خلال الدعاء بالعمل الصالح المطلوب دائما، بمعنى ان الدعاء المقرون بالعمل هو المطلوب من المؤمن كي تبقى رعاية الله تعالة تحف به دائما وابدا.

..............................................................

هامش:

(1) الدعوات: 19 ح11.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 6/أيلول/2009 - 16/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م