قراءة في كتاب: أبناء رفاعة..الثقافة والحرية

بهاء طاهر.. من صعود المثقف الى حصار الثقافة

 

 

 

 

الكتاب: أبناء رفاعة..الثقافة والحرية

المؤلف: بهاء طاهر

الناشر: دار الشروق-القاهرة

عدد الصفحات: 199- قطع متوسط

عرض: رويترز

 

 

 

 

شبكة النبأ: في كتابه (أبناء رفاعة.. الثقافة والحرية) يرى الروائي المصري بهاء طاهر أن المثقّفين هم الذين نقلوا مصر الى العصر الحديث لامتلاكهم قدر من الوعي بأسس الدولة المدنية لكنه يرصد أيضا كيف تراجعَ دور المثقف وضعفَ الايمان بأهمية الثقافة في نهاية القرن العشرين.

ويقول ان المدارس المصرية خرجت جيلا من المثقفين الرافضين لاسلوب محمد علي الذي حكم البلاد بين عامي 1805 و1848 وانهم خاضوا صراعا طويلا امتد حتى نهايات القرن التاسع عشر "لانتزاع الحقوق والحريات... وأبسطها حرية الحق في الحياة" وأدى نضالهم الى تأكيد ذات ثقافية مستقلة عن "التغريب والتتريك" حيث يتفق طاهر مع المفكر المصري جمال حمدان (1928-1993) في أن "الاستعمار العثماني..التركي.. يعد نوعا خاصا ومحيرا ربما من الاستعمار الديني ولولا القناع الديني لعدّ مماثلا للغزو المغولي الوثني."

ويضيف أن أبرز الذين يرجع اليهم الفضل في التوعية بالدولة المدنية ونشر ثقافة الحرية رفاعة الطهطاوي (1801-1873) وعلي مبارك (1824-1893) اللذين "خاضا معركة نشر التعليم في مصر" اضافة الى الامام محمد عبده (1849-1905) وعبد الله النديم (1843- 1896) وقاسم أمين (1863-1908). بحسب رويترز.

وحظي عميد الادب العربي طه حسين (1889-1973) وحده بالنصيب الاكبر في الكتاب من خلال فصلي (الثورة على المثقفين) و(نحن والغرب في أدب طه حسين) اذ يسجل المؤلف أن "كل من يمسك قلما اليوم يدين لطه حسين بفضل التعلم بمن في ذلك من يستخدمون أقلامهم للهجوم عليه وعلى التعليم وعلى التنوير الذي أوجد الجامعة ونشر التعليم الذي أفادوا منه" الا أنه يشدد على أن ثورة يوليو تموز 1952 لم تترك الفرصة للعميد "ولا لنا" لتجسيد ثقافة الحرية في المجتمع.

وطرحت (دار الشروق) في القاهرة طبعة جديدة تقع في 199 صفحة من القطع المتوسط من الكتاب الذي تضمن فصولا عن أدباء أحبهم المؤلف مثل يحيى حقي ويوسف ادريس ويحيى الطاهر عبد الله. والمؤلف من أبرز الروائيين في العالم العربي وحظيت أعماله بكثير من الاهتمام النقدي كما ترجمت الى عدة لغات.

وحصل طاهر على كثير من الجوائز منها جائزة الدولة التقديرية في مصر عام 1998 وجائزة كفافي اليونانية عام 2001 عن مجمل أعماله. وفازت روايته (خالتي صفية والدير) عام 2000 بجائزة جيوسيبي تشيربي الايطالية كأفضل رواية مترجمة للايطالية وفازت روايته (الحب في المنفى) في أكتوبر تشرين الاول 2008 بجائزة الزياتور الايطالية كما فازت روايته الاخيرة (واحة الغروب) بالجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر العربية) في اولى دوراتها عام 2007 . وحصل طاهر هذا العام على جائزة مبارك في الاداب وقدرها 400 ألف جنيه مصري ( حوالي 72045 دولارا) وهي أرفع الجوائز في البلاد.

وفي مقدمة الطبعة الجديدة يقول طاهر "ربما يكون أدق وصف لهذا الكتاب هو صعود الدولة المدنية وانحسارها" فالجزء الاول من الكتاب يرصد الصعود التدريجي لخروج المجتمع المصري من ظلام العصور الوسطى الى أنوار الحداثة والحرية بجهود مثقفين على امتداد نحو 150 عاما أما الفصول الاخيرة من الكتاب فتعرض "خطى التراجع التدريجي والمنظم لمشروع النهضة ذاك بغية العودة من جديد الى المنظومة الفكرية للدولة العثمانية التي يتغزل بها الان الكثيرون على غير علم رغم أنها قد أشرفت بمصر على الهلاك."

ويرى أن فلسفة الحكم في البلاد حتى نهاية القرن الثامن عشر كان قوامها الاستبداد تحت قناع الدين وأن الطهطاوي أدرك "تلك الحقيقة وهي أن مصر كانت على وشك الاندثار... تدين مصر للطهطاوي بأكبر فضل في التغيير الثقافي الذي غير وجه الحياة" اذ أرسى مفاهيم مثل الحرية والمساواة والاخوة الوطنية اضافة الى "الوطن" في مقابل مفهوم "الامة" الذي كانت الدولة العثمانية تحكم باسمه ويشمل الامة الاسلامية كلها.

ويضيف أن مفهوم الامة كان مجرد قناع ديني لا يعني شيئا "أكثر من الوحدة في نطاق العبودية لان تلك الدولة (العثمانية) كانت أبعد ما تكون عن روح الدين وعن حقيقته بما سادها من الظلم والاستبداد والفتك المنظم برعاياها."

وفي فصل عنوانه (الاستغناء عن الثقافة) يرصد المؤلف صعود الثقافة وبروز دور المثقف الطامح الى التغيير والتقدم وكيف كان الثمن باهظا من حياة المثقف وحريته الشخصية الى أن جاء عقد السبعينيات في القرن العشرين انقلابا على ما قبله.

ويضرب أمثلة على ذلك باستبعاد المسرح الجاد والادب الذي يحترم عقل الجمهور ويعتبر ذلك "مذبحة" راح ضحيتها أدباء بارزون بقتلهم معنويا عن طريق الصمت والتجاهل أو منع نشر أعمالهم أو دفعهم الى الهجرة.

فيقول في فصل عنوانه (كيف وصلنا الى الاخوان) ان الحملة التي شنت في السبعينيات على الثقافة استهدفت "طرد المثقفين الحقيقيين" من مصر واستبعاد الثقافة الجادة اذ "كان لا بد من اخلاء الساحة من عناصر الممانعة والمقاومة للمشروع الفكري الجديد وهكذا نجح (الرئيس السابق أنور) السادات في تشتيت مثقفي النهضة والتطوير في منافي الارض واسكات واضعاف من تبقى منهم في مصر وجلب بدلا منهم مجموعة من الوعاظ المهاجرين منذ العهد الناصري الى دول الخليج... كانوا معنيين تماما بابعاد الدين عن قضايا التطور الاجتماعي والحض على طاعة الحاكم" والتركيز على الجوانب الشكلية للعبادات وبمضي الوقت أصبحوا سلطة دينية.

ويلخص طاهر ذلك المشهد قائلا "هكذا صودرت الثقافة في مصر... فهل ندهش بعد هذا حين نرى ثقافتنا العامة وقد نكصت على عقبيها أو كادت الى ما قبل عصر رفاعة.. وهل ندهش حين نقرأ حنينا شاعريا الى عصر الاستعمار التركي الاسود الذي خيم على مصر قرونا."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 31/آب/2009 - 10/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م