الروح التركية في حديقة على أنقاض حائط برلين السابق

 

شبكة النبأ: تقع قطعة ارض بمساحة 350 م2 عند منعطف صغير في الجزء الذي اختارت سلطات المانيا الشرقية عقب الحرب ان تتركه على الجانب الاخر من الجدار المشهور، وقد وضع التركي عثمان كالين يده عليها ليجعلها فيما بعد معلماً سياحياً محليا يقصده المئات لغرض الاستمتاع بأشجار الفواكه والخضار التي زرعها كالين واهتم بها لقرابة 30 عاماً حتى اصبحت جزءً من شخصيته التركية..

ويشعر عثمان كالين بالفخر لاحتلاله رقعة من الارض الحرام بين المانيا الشرقية والغربية ابان الحرب الباردة.

فالكرنب واشجار الكرز وكرمات العنب تزهر في رقعة من الارض تقع على مسافة قريبة من نقطة تفتيش تشارلي كان الرجل المتقاعد استحوذ عليها مصادفة من المانيا الشرقية عندما كان حائط برلين لا يزال قائما.

وبات كوخ كالين مقصد جذب محببا لالاف السياح الذين يبحثون عن المعالم التي تذكرهم بالحرب الباردة والتي بقيت بعد سقوط حائط برلين عام 1989 دون ان يلحق به اذى تقريبا.

ففي احد ايام عام 1983 قرر الرجل التركي الذي تقاعد حديثا في ذلك الوقت ان ينظف قطعة من الارض الوعرة التي تتناثر فيها القمامة على الجانب الغربي من الحاجز الذي كان يفصل شطري المانيا خلال الحرب الباردة كي يتسنى له زراعة الخضراوات هناك. وفي الواقع لم تكن لديه فكرة عن ان الارض تخص برلين الشرقية.

وقال محمد ابن كالين نيابة عن والده البالغ من العمر 84 عاما والذي تخونه ذاكرته حاليا "لقد كان محظوظا جدا.. ربما ما كان ذلك ليحدث أبداً لولا الجدار. لم يحلم مطلقا بامتلاك حديقة مثل هذه عندما اتى الى المانيا."بحسب رويترز.

وتقع قطعة الارض عند منعطف صغير في الجزء الذي اختارت سلطات المانيا الشرقية عقب الحرب ان تتركه على الجانب الاخر من الجدار لجعل الانشاء اسهل.

واصبحت ارضه منذ ذلك الحين رمزا للتقسيم الفريد في المدينة وعلى النهضة بعد الحرب.

ولم يتضح الوضع القانوني لتلك الارض بشكل كامل شأنها في ذلك شأن كثير من العقارات في برلين التي احتلها واضعوا اليد في السنوات التي اعقبت الحرب العالمية الثانية.

واضاف محمد "اريد اضفاء الصبغة القانونية عليها.. من يعرف ماذا سيحدث هنا بعد 100 عام. لكن اذا حاولوا طردنا فسأقاتل مثلما فعل والدي تماما."

والان تبرز الحديقة التي تعج بالفواكة والخضراوات ومساحتها 350 مترا مربعا في عدد من الادلة الارشادية للمعالم السياحية المحلية.

وقال يورج ملامينج وهو متحدث باسم رئيس بلدية كروزبرج ذلك الحي ببرلين الذي تقع فيه الحديقة "لقد اصبحت مؤسسة.. ليست بالضبط مقصدا سياحيا بارزا في برلين وانما تظهر جانبا خاصا جدا للمدينة."

ويأتي ركاب الحافلات والدراجات والمشاة بشكل منتظم الى الحديقة ليستمتعوا بذلك الشريط الخصب حيث لا يزال عثمان ابيض اللحية يأتي ليجلس رغم ان اسرته لا تعمل بها الان.

وبشكل صارخ تتناقض الحديقة المحاطة بسياج من الاسلاك التي تتلاقى عند كوخ خشبي مصنوع من الاثاث القديم والادوات الخاصة بالاسرة مع الصروح اللامعة التي تبلغ تكلفتها مئات الملايين من الدولارات والتي بنيت في وسط برلين منذ سقوط الحائط.

ورغم ان تقديرات مساحي الاراضي تظهر ان الحديقة يمكن ان تساوي ما يزيد على 100 الف يورو (141 الف دولار) فقد رفضت اسرة كالين عروضا لبيعها.

وتابع محمد البالغ من العمر 45 عاما "نقول دائما لا. اذا باعها والدي فمن المحمل ان يموت خلال شهر. سيكون الامر كما لو كان يبيع نفسه. وبالنسبة لنا فعندما نكون هنا (نشعر) كأننا في تركيا."

وينشد سياح من اماكن بعيدة كاليابان الاستمتاع بالخضرة والنباتات التي زرعها كالين الذي ولد في قرية اناضولية عام 1925 وهاجر الى النمسا عام 1964 وانتقل الى جنوب المانيا بعد ذلك بستة اعوام واستقر به المقام اخيرا في برلين عام 1980.

ونمت الحديقة على مدى السنين كما نما الكوخ. فبعدما كان كوخا صغيرا فحسب اصبح الان

منزلا صيفيا من طابقين به مراحيض ومياه جارية وشرفة تطل غربا على المدينة.

بدأ كالين زراعة البصل والثوم بعدما حرث الارض الى ان وصل حرس الحدود من برلين الغربية وحاولوا طرد عامل الانشاء السابق.

وخشية ان يكون جاسوسا غربيا او يحاول مساعدة منشقين على الفرار عبر نفق بدأ حرس برلين الشرقية استجواب كالين الذي نفد صبره سريعا.

ولجأ كالين الى تعبيره التركي المفضل ووصف ضابط برلين الشرقية بانه "ابن حمار" والقى بطاقة هويته عند قدميه عندما طلبوا منه رؤيتها. وبعد فترة خفف المحققون من موقفهم المتشدد.

وقال محمد "الضابط قال.. يمكنك ان تبقى طالما لم يرتفع السياج عن حائطي.. بعد ذلك اصبحوا اصدقاء. وكان يرسل الى والدي النبيذ والبسكويت كل عام."

وعندما سقط حائط برلين وسع كالين قطعة الارض لكنه كاد يفقدها عندما خضعت لسيطرة مقاطعة (ميته) بعد عام من الوحدة.

واصبحت الحديقة لاحقا جزءا من منطقة كروزبرج ببرلين الغربية التي يقول محمد انها تجذب اليها 100 سائح على الاقل في اليوم خلال الصيف.

ولا يزال الالمان يقومون بحملات من اجل عودة الممتلكات التي صودرت من اجل اقامة الحائط و"شريط الموت" المحاذي وقالوا ان تعويض الحكومة غير كاف. وتقول اسرة كالين انها لم تتأثر بهذ النزاع.

وقالت الوكالة الاتحادية للعقارات ان هناك اكثر من اربعة الاف مطالبة قدمت لاستعادة الارض التي كان عليها حائط برلين ولا تزال 147 منها لم تحسم حتى نهاية العام الماضي. ومن غير الواضح ما اذا كانت اسرة كالين ستحصل على مساندة الحكومة لضمان تراث البستاني القديم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 30/آب/2009 - 9/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م