منهجيّة العنف ضد المرأة: من يتحمّل اللوم القانون أم المجتمع؟

 

شبكة النبأ: أقيم في العاصمة التونسية ملتقى اقليمي حول العنف على اساس النوع الاجتماعي، بمشاركة خمسين خبيرا من ثمانية دول يورو متوسطية لايجاد خطط عمل لمكافحة التمييز والعنف ضد المرأة.

ويندرج ملتقى، العنف على اساس النوع الاجتماعي: المفاهيم والمعطيات والمنهجية، في اطار انشطة الاتحاد الاوربي ضمن البرنامج الاقليمي "تعزيز المساواة بين الرجل والمراة بالمنطقة المتوسطية". وشارك في هذا اللقاء ممثلون عن مؤسسات حكومية ومنظمات اهلية ومراكز بحوث وهياكل احصاء من تونس والجزائر وفلسطين والمغرب وسوريا ولبنان ومصر ووبلجيكا اضافة الى الاردن.

وقد هدفَ الملتقى الى "صياغة توصيات من اجل بلورة مخطط استراتيجي لمجابهة اثار العنف القائم على اساس النوع الاجتماعي واسبابه". واكدت جوديث نيسة مديرة البرنامج الاقليمي "اهمية العمل المشترك المستند الى تجارب كل بلد على حدة من ناحية وتقاسم المعرفة بين دول الجنوب والشمال من ناحية اخرى للوصول الى اتفاق حول الاستراتيجيات والادوات التي يجب اعتمادها لتعزيز المساواة بين المرأة والرجل".

من جهتها، تحدثت سارة كانون جراية وزيرة شؤون المرأة والاسرة والطفولة والمسنين التي تترأس بلدها منظمة المراة العربية اعتبارا من اذار/مارس الماضي عن "اهمية هذا الاجتماع". واوضحت انه "يكرس تنامي وعي شعوبنا العربية بضرورة التحرك العملي بهدف ارساء خطط عمل مشتركة قادرة على احداث نقلة نوعية في مكافحة التمييز والعنف (...) الذي يعد ظاهرة تعاني منها هذه المرأة في اغلب البلدان العربية".

وعزت جراية تفشي هذه الظاهرة الى "اسباب هيكلية وجذور بنيوية تختزلها النماذج المجتمعية القائمة على المشاريع الحضارية والفكرية المتزمتة والمنغلقة على ذاتها وعلى المرجعيات التشريعية غير المنصفة للمراة وعلى الانساق التربوية والثقافية والاعلامية المكرسة لدونية هذا الجنس البشري". بحسب رويترز.

من جهتها اشارت سكينة بوراوي مديرة مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث "كوثر" ومقره تونس الى ان "النهوض باوضاع المراة العربية مرتبط بمسيرة تحديث الوطن العربي وتطويره". واعتبرت ان "المرأة مسلوبة الارادة لا يمكنها ان تساهم مساهمة فعالة في التنمية ولا حتى في المجال الخاص".

وصيغ "البرنامج الاقليمي لتعزيز المساواة بين الرجل والمراة في المنطقة اليورومتوسطية" في ايار/مايو 2008 وفي اطار مسار برشلونة بدعم مادي من الاتحاد الاوروبي. ويطمح البرنامج الذي يمتد ثلاث سنوات الى تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة ومقاومة العنف ضدها وتثمين صورتها في وسائل الاعلام وتعزيز دورها في المجتمع.

جرائم الشرف: ظلم المجتمع الذكوري للمرأة

ترتجف شفاه سارة من كثرة الألم والتعب.. فنصف جسدها مصاب بحروق بالغة بسبب انفجار الغاز في منزلها، على حد قولها. فقد اعترفت سارة أمام طاقم الأطباء بأنها حاولت إيقاد الفرن، إلا أن النيران اشتعلت أمامها.

ورغم هذه الإفادة، إلا أن الطاقم الطبي في المستشفى يعتقد أن سارة تخفي حقيقة ما، حيث يقول الدكتور زانا أمين، رئيس طاقم الممرضين: "يمكننا معرفة ذلك من الحروق.. فإشعال الفرن نادرا ما يتسبب بمثل هذه الحروق البالغة."وأمين يعتقد أن سارة رشقت نفسها بالكيروسين، وأضرمت النار في نفسها، لذنب قد تكون اقترفته.

ومثل هذه الحالات كثر، فهي مثال جلي على جريمة ارتكبت باسم الشرف، والتي تقدر الأمم المتحدة عددها بالآلاف، علما أنه يصعب حتى الآن التوصل إلى رقم حقيقي لهذه الجريمة.

ولا يقتصر ما يسمى بالوازع لهذه الجريمة على القضايا المرتبطة بالجنس فحسب، بل يمكن أن تقترف بسبب مكالمة هاتفية، أو حوار بسيط أو نظرة بريئة، تروح ضحيتها فتاة بريئة، وقد يكون السبب الرجل نفسه.

ويقول الدكتور ياسين كريم، من أربيل: "زوج إحدى السيدات عاجز جنسيا، وبدلا من الاعتراف بذلك، أرسل زوجته إلى منزل ذويها وأخبرهم أنها غير عذراء."وهذا الأمر بالطبع دفع والد الفتاة إلى رشق ابنته بالبنزين، وإحراقها، وفقا للدكتور. بحسب سي ان ان.

وفي حالات أخرى، تجد القاتل مفتخرا بفعلته، حيث تستشهد الدكتورة إسراء طوالبة، الطبيبة الشرعية، بإحدى الحالات، فتقول: "شهدت إحدى الحالات التي أحضر فيها الجاني رأس شقيقته معترفا بجريمته."

من جانبهم، كرر علماء الدين غير مرة أن هذه الجرائم بعيدة كل البعد عن مبادئ الإسلام والقرآن، حيث يقول الحاج عماد: "إذا قرر رجل قتل زوجته أو أخته بنفسه، فهذا يعتبر ذنب يعاقب عليه في الإسلام بالدنيا والآخرة."

يذكر أن مسرحية عرضت مؤخرا في عمرن، حملت اسم "ميثاق الشرف" لزيادة الوعي وكسر الصمت بشأن جرائم الشرف. فهل يمكن أن تنجح في حث المشرعين لسن قوانين صارمة تردع مرتكبي هذه الجرائم البشعة؟

ففي العراق وحده، لقيت 2334 امرأة حتفها بين عامي 2005 و 2007 فيما يعرف بجرائم الدفاع عن الشرف، وفقا لتقرير أصدرته وزارة حقوق الإنسان العراقية، ونقلته صحيفة "الزمان."

ويقول الدكتور ياسين كريم من المستشفى الذي عولجت فيه سارة: "زوج إحدى السيدات عاجز جنسيا، وبدلا من الاعتراف بذلك، أرسل زوجته إلى منزل ذويها وأخبرهم أنها غير عذراء.. وهذا الأمر بالطبع دفع والد الفتاة إلى رشق ابنته بالكيروسين، وإحراقها."

وتقدر الأمم المتحدة عدده جرائم الشرف في العالم العربي بالآلاف، لكنها، ولاختلاف الظروف تؤكد أنه يصعب حتى الآن التوصل إلى رقم حقيقي لأعداد تلك الجرائم.

ولا تبدو جرائم الشرف "مرفوضة" تماما في بعض المجتمعات، إذ في حالات أخرى، تجد القاتل مفتخرا بفعلته، حيث تقول الدكتورة إسراء طوالبة، الطبيبة الشرعية في الأردن: "شهدت إحدى الحالات التي أحضر فيها الجاني رأس شقيقته معترفا بجريمته."

ووفقا لتقرير منظمة حقوق الإنسان "هيومن رايتس ووتش" فإن "المحاكم الأردنية تتساهل في أحكامها بشأن جرائم الشرف التي ترتكب من قبل أفراد الأسرة ضدّ النساء والفتيات ممن يشتبه بسلوكهن غير الأخلاقي."

وتقول المنظمة في تقرير أصدرته العام الماضي: "تشكل عمليات القتل هذه غالبية جرائم قتل النساء في الأردن. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2008، كان قد تم قتل 16 امرأة في الأردن تحت ذريعة شرف العائلة."

من جانبهم، كرر علماء الدين الإسلامي غير مرة أن هذه الجرائم بعيدة كل البعد عن مبادئ الإسلام والقرآن، حيث يقول رجل الدين الحاج عماد: "إذا قرر رجل قتل زوجته أو أخته بنفسه، فهذا يعتبر ذنب يعاقب عليه في الإسلام بالدنيا والآخرة."

ويبذل ناشطون حقوقيون جهودا للتصدي لمثل تلك الجرائم، من خلال المطالبة بتعديل قوانين تخفف الأحكام على من يرتكبونها، في عدد من الدول العربية، واستبدالها بأخرى صارمة.

القتل على خلفية الشرف لا يقابَل بأحكام رادعة في غزة

ولم يبد حمادة المسجون في قطاع غزة ندمه على قتل شقيقته التي تكبره بعدة سنوات خنقا على خلفية شرف، وهي جريمة تغذيها العادات والتقاليد الفلسطينية.

ويقول حمادة الشاب الاسمر قصير القامة وهو في العشرينات من عمره لمراسلة وكالة فرانس برس "سلمت نفسي للشرطة ولا ابالي بالحكم علي حتى لو كان السجن مدى الحياة، فانا مقتنع بما فعلته".

ولا ينتظر هذا الشاب الذي كان يجلس الى جانب شرطي حراسة في سجن في مدينة غزة تقرير الطبيب الشرعي حول "عذريتها (الضحية) او لا،" قائلا "انا متأكدا من حكمي عليها وهذا يكفي". بحسب رويترز.

ورفض حمادة الذي بدا مبتسما طوال فترة المقابلة التي استمرت نصف ساعة تذكر كلمات توسل الضحية له بعدم قتلها في لحظات عمرها الاخيرة بينما كان يخنقها.

وعثر على جثة الشابة التي تكبر شقيقها بسبع سنوات بعد ساعات على مقتلها خنقا في حقل زراعي قرب منزلها قبل ان يسلم القاتل نفسه للشرطة التابعة للحكومة حماس المقالة.

وافاد مركز الميزان لحقوق الانسان في بيان ان تحقيقاته الميدانية افضت الى ان الضحية قتلت "خنقا بواسطة قطعة قماش مبللة".

وهذه الحادثة ليست الاولى من نوعها على خلفية الشرف في قطاع غزة، حيث باتت جرائم الشرف "ظاهرة مقلقة" وفقا لناشط حقوقي في القطاع.

وفي احصائية للمركز الفلسطيني لحقوق الانسان "قتل 6 مواطنين في قطاع غزة على خلفية الشرف بينهم ثلاث نساء" خلال شهر نيسان/ابريل الماضي. وقد قتلت 12 فلسطينية في غزة في العاميين الماضيين بحسب توثيق المركز الفلسطيني. وتؤيد عائلة الفتاة الضحية قتلها، وقد كلفت محام للدفاع عن ابنها القاتل.

ويقول شقيق حمادة من امام منزل العائلة "لم اكن اعلم انه سيقتلها ولكن بعد ان فعل ذلك لم اغضب منه ولم يغضب اي احد منا، فهذه نتيجة طبيعية لافعالها التي بات يعلمها جميع سكان الحي". وتتحدر الفتاة الضحية من حي فقير وسط غزة.

وتعزو الاخصائية الاجتماعية والمحاضرة في جامعة في غزة رضا عبد العال القتل بدواعي الشرف الى ان "قيمة الشرف من اغلى القيم في المجتمع اضافة الى العادات الاجتماعية و التنشئة الاجتماعية والدينية التي ترفض استيعاب هذه الحالة (الزنى)".

وغالبا ما تصدر احكام مخففة على مرتكبي جرائم القتل على خلفية الشرف اذا تمت عملية الاعتقال وفقا لحقوقيين.

ويؤكد عاهد ابو سيف وهو مستشار قانوني في وزارة الداخلية في الحكومة المقالة "جرى العمل حسب المحاكم والسوابق القضائية ان تتراوح الاحكام ما بين 6 اشهر و 3 سنوات فقط في حالات القتل على خلفية الشرف". ويقر ان "القاضي ياخذ بعين الاعتبار العادات و التقاليد وطبيعة المجتمع والحالة النفسية للمتهم عند النظر في مثل هذه الدعوات".

لكن المحامي ناصر الدين مهنا يشير الى انه في "بعض الحالات النادرة تحكم المحكمة على المتهم المدان بحكم مع وقف التنفيذ او الاكتفاء بمدة التوقيف اذا ما اقتنعت بالدوافع التي ادت الى وقوع الجريمة".وتعتمد المحاكم في غزة على قانون العقوبات الفلسطيني المطبق منذ عام 1936.

واعتبر المركز الفلسطيني ان هذه الاحكام توفر "الحصانة للقتلة من خلال تنفيذ أحكام مخففة بحق مقترفي هذه الجرائم، حيث لا تتجاوز العقوبة القصوى (..) 24 شهرا".

وطالب المركز ب "عقوبات رادعة في الجرائم على خلفية قضايا الشرف والتعامل معها كأي جريمة قتل عمد، مع مراعاة أحكام القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، علما انه كثيرا ما تبين التستر وراء هذه الجرائم للاستفادة من تخفيف الاحكام".

بدوره يجزم حسن الجوجو رئيس المجلس الاعلى للقضاء الشرعي (التابع لحكومة حماس) بانه "لا يجوز باي حال من الاحوال القتل على خلفية الشرف، سواء كانت المغدورة زوجة او بنت فهذا تعدي على صلاحيات الجهات المسؤولة". وتابع "اذا كانت القضية متعلقة بالبنت فلا يجب ان تؤخد بالشبهات والاصل ان يرفع الامر للشرطة وللجهات المسؤولة للتحقيق فيه".

توجيه تهمة القتل العمد لقاتل شقيقته بداعي "الدفاع عن الشرف"

وفي نفس السياق وجّه المدعي العام لمحكمة الجنايات الكبرى تهمة القتل العمد لشاب اردني قتل شقيقته طعناً بالسكين بداعي "الدفاع عن الشرف" قبل ان يسلّم نفسه للشرطة...

وقال المصدر لوكالة فرانس برس ان "المدعي العام وجّه تهمة القتل العمد لشاب (19 عاما) قتل شقيقته (22 عاما) في منطقة سحاب (جنوب عمان) بداعي الدفاع عن الشرف لكثرة تغييبها عن المنزل، قبل ان يسلّم نفسه للشرطة".

واضاف ان "الضحية كانت تغيبت عن منزل ذويها سابقا ما دفعهم لتقديم بلاغ للشرطة بتغيبها عن المنزل وقام الامن بدوره بالقاء القبض عليها واحتجازها الى ان افرج عنها..

واوضح ان "احد اقارب الفتاة تسلمها من سجن الجويدة (جنوب عمان) ورافقها الى منزل عائلتها، ولدى مشاهدة شقيقها لها في المنزل قام بطعنها عدة طعنات بواسطة سكين جيب كانت بحوزته ما ادى الى وفاتها". وقال المصدر ان "المدعي العام قرر توقيف المتهم 15 يوما على ذمة التحقيق".

ويشهد الاردن سنويا 15 الى 20 جريمة قتل تصنف على انها "جرائم شرف".ورفض مجلس النواب الاردني مرتين تعديل المادة 340 من قانون العقوبات التي تفرض عقوبة مخففة على مرتكبي جرائم الشرف رغم ضغوط تمارسها منظمات تعنى بحقوق الانسان لتشديدها.

سوريا تلغي تشريعا يعفي مرتكبي جرائم الشرف من العقاب

وفي سوريا أصدر الرئيس بشار الأسد، مرسوما تشريعيا بإلغاء مادة في قانون العقوبات السوري تتعلق بجرائم الشرف واستبدالها بأخرى تجرّم مرتكبي تلك الجرائم لكنها تمنحهم عذرا مخففا.

والمادة الملغاة، وفقا للمرسوم، تحمل رقم 548 من قانون العقوبات وتعفي مرتكب جريمة القتل بدافع الشرف أو الإيذاء من كل عقوبة ويحلله من أي مسؤولية أو عقاب على فعله، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء السورية الرسمية.

 وسيتم استبدال المادة 548 من قانون العقوبات ببند جديد، ينص على أن "يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد على ألا تقل العقوبة عن الحبس مدة سنتين في القتل."

ونقلت الوكالة السورية عن أحمد يونس وزير العدل قوله إن "المرسوم تصويب لمعالجة الحالات التي تنطبق عليها هذه المادة بما يتوافق مع أحكام القانون وقواعد العدالة."

وأوضح الوزير أنه "كثرت في الآونة الأخيرة جرائم القتل أو الإيذاء بحق الزوجات وغيرهن من القريبات بداعي مفاجأتهن بجرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء أو في حالات مريبة مع آخر."

وأضاف أن نص المادة 548 عقوبات الملغاة "يعفي مرتكب جريمة القتل أو الإيذاء سنداً لهذه المادة في هذه الحالات من كل عقوبة ويحلله من أي مسؤولية أو عقاب على فعله."

وقال الوزير يونس إن "هذا الإعفاء يجانب القواعد العامة في التشريع السوري التي أناطت الحق بالعقاب وتقرير المسؤولية بالسلطة القضائية المختصة مبيناً أن النص السابق للمادة 548 المذكورة الملغاة كان مثاراً للجدل والانتقاد منذ صدور قانون العقوبات في عام 1949."

وكانت منظمات حقوقية وجماعات حقوق إنسان، طالبت غير مرة عددا من الدول العربية منها سوريا ومصر والأردن والعراق، بتعديل قوانين تمنح أحكاما مخففة لمرتكبي جرائم القتل بدافع الشرف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 26/آب/2009 - 5/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م