الصدق سمة الانسان المؤمن فلنلجأ إليها ونتربَّ عليها

قبسات من فكر الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: شائكة ومتداخلة سبل الحياة الموزعة بين الخير والشر، ولا مناص للانسان من الخوض فيها ومجاراتها طالما كان يشكل أحد اهم عناصر الحياة، فليس بالامكان ان يعتزل الانسان محيطه الاجتماعي او العملي كي يتسنى له تجنب مصادر الشر، ومع ان الشر موجود في ذات الانسان حتى لو اعتزل بنفسه بعيدا عن الناس، إلا أن واقع الحال المعاصر لا يسمح للانسان بالابتعاد عن المحيط والانعزال عنه، لأن هذا يعني (إعتكافا أزليا) للانسان وهو امر صعب على عامة الناس، فالحياة تتطلب من الانسان ان يتحرك وينتج ويبني حاضرا ومستقبلا له ولذويه، الامر الذي يدفعه الى الاختلاط بالوسط البشري سواء في العمل او العلم، وهذا ما سيقوده الى مواجهة منابع الشر المتأتية من المحيط والكامنة في ذاته أيضا.

ولعل الصدق وهو سمة من اهم سمات المؤمنين وأحد ملاجئهم وأساليبهم في التعامل مع الآخرين، لعله مطلوبا في حياة الانسان بل لعله العامل الاهم في نجاحه سواء على المستوى المادي او الروحي، وخلافه سيكون الكذب من أقبح الادوات التي تعمل على هدم الذات وهدم بنائها على الأصعدة كافة، ولعل الخطر الاهم يكمن في توهم الانسان الكاذب بأنه قادر على أن يخفي كذبه على الآخرين وأنه قادر على ان يجعل من الكذب اسلوبا دائما في تسيير اموره وحياته، بيد أن الامر لن يكون كذلك أبدا، إذ يقول الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه الله حول هذا الموضوع في كتابه الثمين الموسوم بـ (الاخلاق الاسلامية) ان:

(التواء اللسان، ليس إلا أثراً من آثار القلب، كما أن استقامته من آثار استقامة القلب.

وكثير من الناس يزعم أنه يتمكن من ليّ قوله، ثم إخفائه على الناس.. لكن لو انطلى ذلك مرة ومرة.. لا ينطلي مرات ومرات.. فالكذوب لا يزال يكذب، حتى تبدو عورته بين الناس، فلا يُصَدَّق في حديث، ولا يقبل له خبر.

وليس الصدق والكذب يدوران مدار اللسان.. إن مدارهما الأفئدة، فإذا صدقت، صدق اللسان، واليد، والرجل.. وإذا كذبت كذبت كلها).

وهكذا لن يكون بمقدور الانسان أن يخفي كذبه مهما كانت قدرته كبيرة في هذا المجال لأن الامر لا يتعلق باللسان وحده بل هنالك (الأفئدة) ودورها في رسم علائم الصدق والكذب في وجوه أصحابها، ولعلنا نتفق على ان الكذب وسيلة من وسائل هدم الايمان والانتقاص منه كونه يرتكز الى ذات ملارائية وكاذبة ولا تمت للايمان بصلة، فالانسان الذي يتمتع بقوة ايمانية كبيرة لن يكون بحاجة الى الكذب في عموم مجالات حياته كونه يستند الى ذات صادقة أخذت من سمة الصدق منهج حياة لها، وفي هذا الصدد جاء في الكتاب نفسه للمام الشيرازي:

(قال الباقر عليه السلام: إن الكذب هو خراب الإيمان)-1-.

الإيمان يأمر بالصدق، فالكذب خرابه، بلا مراء.. والكذاب تعاكس الأقدار بغيته، إنه يكذب ليكسب عزاً أو مالاً أو.. لكنه لا يلبث حتى يُعرف عند الناس بالكذب، فلا يصدق له قول، ولا يوقر له حديث، بل انه يخسر فوق ذلك أحاديثه الصادقة، ووعوده التي ينوي الوفاء بها)..

وهذا ما يذكّرنا بالمثل الشعبي المعروف (يفوتك من الكذاب صدقا كثيرا) بمعنى انه حتى لو جاء بالصدق في حديثه فإن الناس لن يصدقوه لأنهم درجوا على كذبه، ولهذا نجد ان الناس يبتعدون عن الكذاب وفق سجيتهم كونه يسبب لهم متاعب هم في غنى عنها، ناهيك عن هبوط منزلته بين الناس.

وقد جاء في كتاب الامام الشيرازي المذكور آنفا حول هذا الموضوع:

(قال أمير المؤمنين عليه السلام: ينبغي للرجل المسلم أن يجتنب مؤاخاة الكذاب، فإنه يكذب، حتى يجيء بالصدق، فلا يصدق)-2- ان ما ظهر من كذبه مانع عن تصديق ما يأتي به من الصدق فلا ينتفع بمثل هذا الصديق: إن كذبه كذب، وصدقه مشكوك، فلا حديثه ينفع، ولا كلامه يسمع)..

ولعلنا في شهر رمضان المبارك نشعر بحاجة قصوى لتعميق سمة الصدق بين افراد المجتمع، ومن المهم أن نبدأ ذلك بأطفالنا وصغارنا وبمن يجهل أهمية الصدق كاسلوب ناجح في الحياة، وقد لمسنا لمس اليد كيف كان الصدق عاملا هاما من عوامل تطور المجتمعات التي أخذت هذه السمة من ديننا الاسلامي الحنيف الذي أكد في تعاليمه السمحاء على اهمية ان يتسلح الانسان بالصدق طالما كان على قيد الحياة، وأهمية أن يتجنب الرياء وهي شكل آخر من اشكال الكذب إذ قال فيها الامام الشيرازي رحمه الله:

(ومن الكذب: الرياء، فيعمل الرجل عملاً يريد به وجه الناس ورضاهم ـ لغاية أو لغير غاية ـ وهو يرى أنه أراد وجه الله.!

لكن الله لا ينطلي عليه، فهو الخبير بالسرائر.. انه يخسر بذلك ود الناس، ورضا الله فالله يعلم سريرته، فلا يثيبه، ويظهر الناس قصده، فيسقط من أعينهم.

ومن الظريف انه ألفت قلبه إلى الناس، ولم يظهر على ملامحه ما نواه، لكن الناس ـ بعد لأي ـ يعلمون قصده، فتفسد دنياه كما فسد دينه).

ولذا حري بالمؤمن أن يتنبّه بقوة الى أهمية ترويض النفس وتعويدها على اسلوب الصدق كمنهج دائمي للحياة وكذلك اهمية نبذ الرياء والمرائين كونها تفت في عضد لحمة المجتمع وتقوض مبادئ المساواة والعدالة، إذ غالبا ما يروم المرائي من مراآته كسبا كاديا او اقناص فرصة على حساب الآخرين الذي هم اكثر استحقاقا لها منه.

ولعلنا في هذا الشهر المبارك أكثر استعدادا لتوجيه صغارنا بأهمية انتهاج الصدق اسلوبا متواصلا وناجحا في الحياة ليس بالقول فقط وانما في التطبيق العملي لمجريات حياة الانسان، ومن الله سبحانه وتعالى توفيق الانسان.

.............................................................

هامش:

1 ـ الكافي: ج2، ص339.

2 ـ الكافي: ج2، ص341.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 25/آب/2009 - 4/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م