ظاهرة اللامبالاة في المجتمع العراقي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ربما أشّرَ بعض علماء الاجتماع نوعا من اللامبالاة في الشخصية العراقية، غير أنهم أظهروا معها بعض السمات التي ترتفع بهذه الشخصية الى مصاف الشخصيات الفاعلة والمنتجة في آن واحد، ومع تقادم الزمن أخذت تطرأ سمات جديدة على الشخصية العراقية تشكل لها إطارا ومضمونا يشي بطبيعتها التي تتأرجح بين التطور والنكوص.

ولعل أحداث مرحلة ما بعد الاحتلال زجّتْ بنفسها بقوة في حياة العراقيين فأثرت على الكثير من طبائعهم وسلوكياتهم إستجابة للحملة الغربية التي حملها المحتلون معهم وهم يخططون ويحلمون منذ مئات السنين بالسيطرة على العالم من خلال اشاعة النموذج الغربي وفرض الثقافة الغربية على جميع الثقافات وامتصاصها او تذويبها في ثقافتهم.

من هنا ظهرت بعض المعطيات التي افرزتها هذه المرحلة وكان من بينها سمة او ظاهرة اللامبالاة التي انتشرت بشكل ذريع بين صفوف العراقيين قادة ومقودين، واذا أضفنا لهذه الظاهرة حالة الاستحواذ والنفعية الفردية التي شاعت على نحو متسارع بين الناس، فإننا سنلمس خطورة الامر وفداحته في آن.

فقد تحولت هذه الظاهرة الى منظومة سلوك ظاهرة للعيان، أخذ يمارسها الفرد العراقي وكأنها الاسلوب الامثل لحياته على الرغم من انها تضج بالنزعة الفردية والمصلحية اللامشروعة كونها تعتمد على قاعدة التفضيل بغض النظر عن الاحقية او الاسبقية، بمعنى آخر، أن انساننا اصبح يلهث وراء مصلحته بكل السبل والطرائق المتاحة له بغض النظر عن مشروعيتها شرعل واخلاقا وعرفا، كم انه لم يعد يبالي بالآخرين بصورة شبه مطلقة، وعلى سبيل المثال هناك شارع في احد الاحياء السكنية يتقابل فيه عشرون بيتا وجها لوجه، يفترض أن يتساوى مصدر الرزق في هذه البيوت، غير الامر ليس كذلك تماما، ففي بيت او بيتين من هذه البيوت العشرين هنالك خمسة موظفين، أي لديهما خمسة مصادر للرزق، وفي اربعة او خمسة بيوت يوجد ثلاث موظفين، في حين تكتفي العوائل المتبقية وهي الغالبية بموظف واحد او ينعدم احيانا، وحين يتم البحث في الموضوع سنصل الى ان المحسوبية والفردية ونزعة التفضيل هي التي تقف وراء هذا الامر، حيث يتم ذلك وفق توجه شبه جماعي من اللامبالاة التي انتعشت بين الجميع.

ولا يختلف الامر حين نتحدث عن جوانب اخرى في الحياة العراقية، فالشارع الذي هو ملك للجميع اصبح يُستخدم من قبل العراقيين بصور غير لائقة ولا تنم إلاّ عن النزعة الفردية المقرونة باللامبالاة تجاه الآخرين، ومثال ذلك حين يحدث زحام في الشارع، فنلاحظ ان جميع السيارات تريد ان تصل الى هدفها بأسرع وقت وذلك على حساب غيرها خاصة اذا حدث ذلك قرب نقطو تفتيش او ما شابه، هنا يتوقف العرف والاخلاق والذوق وتبرز المصلحة الفردية التي لا تبالي بغيرها، أما اذا تحدثنا عن استغلال اصحاب المحال للارصفة فذلك شأن آخر أكثر وضوحا من غيره، حيث يستغل صاحب المحل كل مساحة  الرصيف المخصصة للمشاة أصلا ولا يهمه أمرهم إطلاقا، المهم أن يعرض سلعته على الرصيف وما يتعرض له المواطنون فليس من شأنه، ولعل هذه المشاهد التي قد تبدو للرائي سهلة وبسيطة إنما تنم عن منظومة سلوك ناقصة او عرجاء لانها قائمة أساسا على تفضيل الذات وعدم المبالاة بالاخرين او حقوقهم التي غالبا ما يتجاوز عليها الآخرون من دون التفكير بانعكاسات هذه الافعال الخاطئة، لأن التفكير ينحصر فقط بالفائدة التي ستعود عليهم من تجاوزاتهم افعالهم  الخاطئة هذه.

وهكذا يمكن ملاحظة اللامبالاة وهي تنمو وتترسخ في السلوك والقول، بفعل الوقائع والمستجدات والقيم التي دهمت الواقع العراقي تحت حجة (العصرنة) التي لا علاقة لها بتفضيل الذات او يفترض بها ان تكون كذلك، وعليه فالمطلوب كما نتوقع او نرى:

- التنبيه بخطورة شيوع اللامبالاة كونها ستسحق حاضرنا وتنتقل منا الى اطفالنا كسلوك حياة مريض ولا انساني.

- تدخل المعنيين من مصلحين وعلماء ومثلهم لتصحيح المسارات الخاطئة بهذا الصدد.

- العمل على استنهاض القيم العراقية الاصيلة القائمة على التعاون والتكافل والمؤاخاة وليكن كبار القوم مثلا للصغار عمرا وتجربة.

- ان يتدخل الاعلام بأنواعه كافة في التوعية والتنبيه الى اهمية درء خطر اللامبالاة وعدم الركون الى قاعدة التفضيل سيئة الصيت.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 24/آب/2009 - 3/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م