النزعة التبريرية لدى الشباب... المخاطر والمبررات

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: كما ذكرنا في كتابات سابقة أن الشباب هم الشريحة الاكثر نشاطا وحيوية من بين شرائح المجتمع كافة، وأن دورهم سرعان ما ينعكس على الاداء الجمعي سواء في جانبه السلبي او الايجابي، وقد لوحظت حالة التبرير في اقوال وسلوك الكثير من الشبان إتكالا وتهربا من المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، فثمة بعضهم من يلقي بفشله في هذا الجانب او ذاك على الحتمية القدرية وعلى القضاء وما شابه في محاولة للتملص من الاخطاء الشخصية التي يقع فيها هؤلاء الشباب والتي يتولد أغلبها من ضعف او ضمور الارادة والقدرة على الانتاج والتواصل بنجاح في مجالات الحياة كافة.

وقد اعتاد الكثير من الشبّان، والأكثر من الفتيات أن يلقوا بتبعة الفشل أو الخسارة أو أيّة حالة سلبية تواجههم على (شماعة) القضاء والقدر .

فمن السهل أن تُطلق فتاة لم توفّق في الحصول على الزوج المناسب، القول: المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين. وهي تستسلم لحالة انتظار المقسوم وكأنّه قدر محتوم وليس سعياً لطلب او تحقيق الاختيار الأمثل، فعلى سبيل الفرض حتى لو لم يسمح حياء الفتاة باختيار شريك الحياة، فإن بمقدورها رفض مَنْ يتقدّم إليها إذا لم يكن ضمن المواصفات التي تريد، وقبول مَنْ يحوز عليها، أي أنّها هي صاحبة الاختيار بالنتيجة . 

وهكذا لن يكون منطق التبرير مقبولا ناهيك عن كونه المسبب الأول للخمول والكسل والاكتئاب والركون الى اليأس في حالات كثيرة، ثم الفشل الأكيد للشابة او الشاب الذي يحاول أن يُنسب نتائج أخطائه الى الحتمية القدرية التي غالبا ما تكون منطقا تبريريا لا يقود الانسان الى النتائج المرجوة .

ولعلنا لا نأتي بجديد حين ننفي بأن القدر او التعاليم الاسلامية لا تحد من حرية الانسان في العمل الخلاق المبدع الذي يصب في صالح الانسان، بل هناك محددات (فطرية) تتلخص بعدم الإضرار بالآخرين أو التجاوز على حرياتهم وحقوقهم وهي مزروعة في ذات الانسان منذ نشأته، وما عدا ذلك فإن القدرية لا تعني ركون الانسان الى التفرج على ما يحدث له من انتكاسات او عقبات في حياته، بل يجد ويعمل ويثابر من اجل ان يتجاوزها ويعبر الى ضفاف النجاح والتطور المتصاعد.

نعم نحن كمسلمين نؤمن بالقضاء والقدر، لكنّنا نؤمن أيضاً بأنّنا نصنع قدرنا بأيدينا، وأن ما لا خلاصَ منه فهو في يد الله كـ  (الموت) والكوارث الطبيعية وما شاكل، أمّا القسم الأكبر من قضايانا فبأيدينا، ويمكننا من خلال المثابرة والسعي أن نصل الى ما نخطط له من نجاحات.

من جانب آخر قد يلجأ بعض الشباب الى منطق التبرير كونه الاسهل والأقل ضررا من حيث الجانب النفسي، وقد يتردّد على ألسنة بعض الشبان الذين عاشوا تجارب عاطفية صعبة، أو فقراً اُسرياً شديداً، أو ضغوطاً اجتماعية حادّة: ما بأيدينا خلقنا تعساء .

وكأنّ هؤلاء الشبان واُولئك الفتيات قد تخفّفوا من العبء النفسي بالقائه على مشجب القضاء والقدر، فالقضاء هو المسؤول عن فقرهم، والقدر هو المسؤول عن فشلهم الدراسي، والقضاء والقدر هما المسؤولان عن اختيارهما السيِّئ وغير المدروس في الزواج أو في غيره .

وهنا ستبرز عدة تساؤلات تواجه الشاب والشابة في آن واحد ومن جملتها:

أين هو عقلك إذن ؟ هذا الذي بيده الكثير من مفاتيح الحلّ ؟ وأين هي إرادتك إذن ؟ هذه التي تقهر المستحيل وتصنع المعجزات ؟ وأين طاقاتك الخلاّقة والمبدعة كشاب أو كفتاة ؟ وأين ثقافتك وتعليمك وخبرتك في الحياة ؟ وأين المفاهيم والتعاليم الاسلامية النهضوية في (السعي) و(الجهاد) و(التغيير) ؟.

وهكذا لا ينبغي للشباب أن يتخذوا من القضاء والقدر حائلا بينهم وبين سعهم لتحقيق حياة أفضل وأكثر ملائمة للعصر وللانسان، لأن الاسلام وتعاليمه الواضحة لا تمنع المؤمن عن السعي المتواصل لتحصيل العلم وتطبيقه في مجالات الحياة كافة خدمة للمسلمين وللانسانية جمعاء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 20/آب/2009 - 28/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م