أمست الكثير من دول العالم ممن عاشت دهورا طويلة رازحة تحت مفهوم
عسكرة المجتمع، اصبحت اليوم بعدما تحررت من قيد التابوات، من اكبر
الدول مدنية في العالم، والمثال الامريكي والاوربي خير دليل على قولنا
هذا، فقد رزحت هذه الدول كثيرا تحت مفاهيم متعددة واحد ة منها، عسكرة
المجتمع الذي هو غاية كلامنا في هذه السطور، وكل من اطلع على التاريخ
الاوربي او الامريكي، وكيف وصلت تلك الدول الى ما هي عليها اليوم، بعد
ماضي وتاريخ اسود لحكام وطغاة، جعلوا من شعوبهم وقود لاتنطفى لحروب
خاضوها لسنوات طويلة، عسكر فيها المجتمع واصبح ساحات للتجنيد والقتال،
وهناك شواهد كثيرة في هذا المجال، في حروبا خاضتها تلك الدول، ومنها ما
يذكرها التاريخ، الحربين المدمرتين العالمية الاولى والثانية، وماراح
ضحيتها من ملايين البشر لاذنب لهم الا انهم ولدوا في زمن كان يحكمه
حكام طغاة، امثال هتلر، موسوليني، ستالين،...........وغيرهم الكثير من
الحكام.
هنا يصبح التاريخ مهم لهذه الدول، لانها تعلمت من اخطاء الماضي ولم
تسمح لفكرة الشخص الواحد، والحزب الواحد، والفكر الواحد، بالظهور مرة
اخرى، ويعود الفضل الى العلماء المثقفين اللذين ضاقوا ذرعا من
هولاءالحكام، فكان للعقل دوره في هذا المجال، فقد استطاعت تلك الدول
الاستفادة الايجابية من الماضي، من غير التغني بالحضارة وبامجاد
الماضي، وثقافة الكليشة الجاهزة، انما كانت عملية نهضة للواقع والتاريخ
بما يناسب اسلوب عيش المجتمعات الحديثة...
هل اصبح العراق مصنعا للعسكرة؟
ان المتتبع للمجتمع العراقي عن كثب سيجد العسكرة في هذا المجتمع
واضحه، واذا ما تركنا التاريخ البعيد قليلا وغصنا معنا في التاريخ
الحديث، لان الكلام عن التاريخ البعيد وعن العسكرة فيه يضعنا في حيرة
من الصعوبة الخروج منها بسهولة، فالعراقي متعسكر لا شعوريا وشعوريا في
بعض الاحيان، لوأخذنا جزئية بسيطة عن الحضارة وما هي اهميتها
للانسان؟فانا حين اطلعت عن ما كتب عن الحضارة في كتب الانثروبولوجيا
مثلا، لم اجد شعب من الشعوب في العالم لاتوجد فيه الحضارة، فالكل لديه
حضارة كما عرف الحضارة الكثير من العلماء منهم السير ادورد تايلور،
بانها{الكل المعقد الذي يتضمن المعارف والعقائد والاخلاق والفلسفة
والفنون وكلما يكتسبه الفرد من القدرات بوصفه عضوا في مجتمع معين} يتضح
هنا ان الحضارة مجموعة العادات والتقاليد....و.....؟؟؟
فحضارة كحضارتنا مثلا لم تستطع ان تعطينا حياة مدنية تذكرلحد هذه
اللحظة اي منذ 5000 سنة على اقل تقدير !!، فيما دولة مثل امريكا وهي
شعب هجين من كل الاشكال والاديان والالوان وبعمر 500سنة فقط، تعتبر
اليوم من اكبر الدول مدنية في العالم، فهل يكمن الخلل في نوعية الحضارة
؟ ام في نوعيه الانسان نفسه الذي يحب التحرر فيعتقده ويعتنقه بنفس
الوقت، اذا ما تكلمنا عن تاريخ العراق الحديث، سنجده تاريخا مبنيا على
العسكرة، فهو تأريخ ثورات وانقلابات واغتيالات وانتهاكات............واضف
ما شئت فقاموسنا زاهر بهذه المصطلحات.
واذا اخذنا جزئية اخرى من التاريخ الحديث، وهو تاريخ البعث بالعراق
موا فعلوا من عسكرة مدمرة للمجتمع وادخلوا العراق في حروب دائمة، خسر
فيها العراق الكثير من الطاقات على جميع الاصعدة، فاذا سألت جيل
الخمسينيات والستينيات مثلا، معنى كلمة شاب في حياتهم لوجدتها، لاتعني
لهم شي فقط الحرب التي شاركوا فيها وتعسكروا من اجلها، والى اي سبب
يقاتلون فاكثرهم لايعلمون، فهي اهواء لطاغية مصاب بداء العظمة،
فالعراقي متعسكر كما قلنا سابقا، فاي عراقي الان لا يعرف ماذا تعني {اليس-يم}
او { الستاعد_استاريح} مثلا ومن منهم لآيعرف ما{الهاون_المدفع _الكنه-الراجمة-العريف_الساتر_الموضع_و....و..
قد اصابني الغثيان حقيقتا وانا اذكر هذه المصطلحات التي من الصعب ان
تفارقنا بسهولة، وما زاد الطين بله كما ييقولون بعد تاريخ 9/4/2003 فقد
اصبح العراق كله عبارة عن معسكر كبير، فقد غابت الحياة المدنية بالتمام،
فمن السيطرات العسكرية التي تنتشر من الزقاق الذي تعيش فيه الى اي مكان
تذهب اليه، الى انتشار ظاهرة اللاتحاق بصفوف الجيش والشرطة والاصناف
الاخرى من اجهزةالامن المتنوعة في البلد، فقد اصبح طموح اي شاب هو
الانخراط في صفوف هذه الاجهزة، لما فيها من رواتب مغرية لهولاء الشباب
المحرومين، فالكل يبحث عن تكوين مستقبله بشكل سريع لما فاتهم الكثير،
وما توفره رواتب هذه الاجهزة.
وما نريد ان نقف عليه في هذه الظاهرة بشكل خاص، هوانخراط طلبة
الجامعات وباعداد كبيرة في هذه الاجهزة، مما يشكل ظاهرة خطرة قد نلحظها
في السنوات المقبلة، لان خريجي الجامعات في كل بلد يعتبرون عصب المجتمع
الذي يرتقي بهم الى الامام، وان انخراطهم في هذه الاجهزة بشكل كبير
وملفت للنظر، يضع الكثير من علامات الاستفهام؟؟؟؟؟ على اداء كثيرمن
الوزارات المدنية، التي لم تستوعب هؤلاء الخريجيين من خلال خطط تضعها
من اجل الخريجين، فقلت التعيينات في الوزارات المدنية، مما ادى بهولاء
الخريجيين الى الالتجاء للعمل العسكري الامني.
كما يغيب هنا دور وزارة التخطيط من اجل وضع الدراسات والتنبيه على
هذه الظاهرة الخطيرة من اجل المعالجة باسرع وقت ممكن، حتى اطفال اليوم
ما عادت تغريهم الالعاب المعتادة اللاطفال، بل اصحبوا يحبون وتغريهم
الالعاب النارية والمفرقعات وغيرها والاسلحة المصنوعة من البلاستك،
هولاء الاطفال انعكاس على حالة العسكرة الموجودة في المجتمع، فهو يرى
الجندي بالشارع والشرطي يحملون السلاح بشكل علني وكل يوم.
بالاضافة انه لايخلو كل بيت عراقي عن قطعة سلاح واحدة على الاقل،
ومن النادر ان تجد عائلة عراقية في هذا الوقت لاتملك سلاح!!!!!!!
كما واصبح العراقي خبير متفجرات فهو يستطيع تمييز صوت دوي الانفجار
ويعطيك نوعه هل هو عن طريق{عبوة ناسفة_ سيارة مفخخة –حزام ناسف-صحن
طائر.....
حتى انتقل داء العسكرة هذا الى عالم {الكيا} فاي شخص لايستطيع
الركوب في هذه السيارة مالم يفتش من قبل السائق، هذا من غير ان ننسى
الصحوات المنتشرة في كل منطقة وفيما بين البيوت حتى، والعشائر ومجالس
الاسناد وغير فلا مفر من{ انفلونزا العسكرة }في العراق، اخيرا اقول ان
التخلص من هذا موضوع ليس بالامر السهل كما يعتقدالبعض، لان هناك تركة
كبيرة يعاني منها العراق منذ قرون طويلة، ولايقع حل هذه المعضلة على
عاتق الدولة فقط، لان الدولة جزء اساسي من هذه المنظومة الكبيرة
للعسكرة، كما لايكمن الحل في مقالي المتواضع هذا، انما نحتاج الى
ثورة!!! ولكن بالمفهوم السلمي الكل من مكانه، الطبيب والفنان، والاديب،
الاستاذ، والسياسي، وسائق التكسي........و......ولااستثني احدا الكل
عليه ان يشارك من اجل بث الحياة المدنية، علينا ان ندع مفاهيم جديدة
تنتشر ونوفر لها الاجواء المناسبة مثل، الحب، السلام، التسامح،
المواطنة،......وهلم جرا من هذه المفاهيم , التي تبدل الطلقة بالوردة.
|