تركيا: اشتداد الصراع على السلطة ومحاولة لحل المشكلة الكردية

 

شبكة النبأ: بدأت مؤخرا محاكمة جنرالين تركيين متقاعدين ضمن مجموعة من 56 شخصا متهمين بالانتماء لجماعة يمينية غير معروفة تتامر للاطاحة بحكومة رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان. حيث تعد مؤامرة جماعة "ارجينيكون" عاملا من عدة عوامل تسببت في توتر شديد في العلاقات بين حكومة حزب العدالة والتنمية بجذوره الاسلامية والقوات المسلحة العلمانية في الدولة المرشحة لعضوية الاتحاد الاوروبي.

من جهة ثانية تكشف أزمة تحيط بالقرار السنوي الخاص بتعيين عدد من القضاة وأعضاء النيابة العامة في تركيا عن صراع بين العلمانيين وحكومة حزب العدالة والتنمية المنبثق عن حزب اسلامي سابق حول السيطرة على القضاء.

تعديلات لتسهيل التعليم العالي لطلاب المدارس الدينية

وفي اطار توجهاتها العامة رحّبت الحكومة التركية، الاسلامية التوجه، بالاعلان عن اجراء مجموعة من التغييرات على النظام التعليمي تهدف الى تسهيل دخول طلاب المدارس الدينية في الجامعات التركية، وهي خطوة يعارضها العلمانيون الاتراك بقوة.

وكان مجلس التعليم العالي التركي قد اعلن عن تلك التعديلات مساء الثلاثاء، بعد ان كانت قد واجهت عقبات وتحديات في المحاكم، ورفضها كبار الاكاديميين الاتراك باعتبارها ضد العلمنة .الا ان رئيس الوزراء التركي طيب رجب اردوجان، وهو نفسه احد خريجي المدارس الدينية، رحب بتلك التعديلات وقال انها علاج للظلم الواقع على حرية التعليم .وكانت تطبيق تلك التعديلات احد التعهدات التي ألزم اردوجان بها نفسه امام مؤيديه خلال حملته للانتخابات العامة التي اجريت في عام 2002، والتي اوصلت حزب العدالة والتنمية التي يتزعمه الى السلطة.

ويعتبر موضوع التعليم احد ابرز ميادين الصراع بين الاتراك العلمانيين وخصومهم من الدينيين في هذا الحزب، الذي يعتبر وريثا معتدلا للحزب الاسلامي المحظور.ويقول العلمانيون ان حزب العدالة والتنمية يسعى من خلال تطبيق هذه التعديلات الى رفع مستوى الاصطفافات الدينية وتهديد النهج العلماني المتبع في ادارة شؤون البلاد والمجتمع.يذكر ان مهمة المدارس الثانوية الدينية، التي تديرها الحكومة التركية، حسب القانون هي تخريج الخطباء وغيرهم من رجال الدين المسلمين، الا ان العديد يرون فيها تربة لتخريج اجيال تدعم حركات واحزاب الاسلام السياسي في البلاد. وكان نظام القبول الجامعي الصارم في تركيا قد جعل من الصعب جدا على خريجي هذه المدارس الدخول الى الجامعات التركية.وينظر الى هذا النظام قبل اجراء التعديلات الاخيرة على انه مصمم حصرا لمنع خريجي الثانويات الدينية من الحصول على تعليم عال يؤهلهم فيما بعد للحصول على فرص عمل جيدة في الحكومة والمؤسسات الرسمية.

ماذا على المحك في محاكمة جماعة "ارجينيكون"؟

وبدأت محاكمة جنرالين تركيين متقاعدين ضمن مجموعة من 56 شخصا متهمين بالانتماء لجماعة يمينية غير معروفة تتامر للاطاحة بحكومة رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان.

وتعد مؤامرة جماعة "ارجينيكون" عاملا من عدة عوامل تسببت في توتر شديد في العلاقات بين حكومة حزب العدالة والتنمية بجذوره الاسلامية والقوات المسلحة العلمانية في الدولة المرشحة لعضوية الاتحاد الاوروبي. المحاكمة بدأت يوم الاثنين.

وفيما يلي بعض الاسئلة والاجوبة عن القضية، بحسب رويترز :

ماهي قضية "ارجينيكون"؟

يتهم الادعاء الجماعة التي تحمل اسم واد اسطوري سكنه الاتراك القدماء بالتامر لنشر الفوضى من خلال تفجيرات واغتيالات عبر تركيا لاجبار الجيش على التدخل والاطاحة بحكومة رئيس الوزراء اردوغان.

وكشف النقاب عن القضية قبل عامين حين عثرت الشرطة على مخبأ به متفجرات في منزل متهالك في اسطنبول. واتهم نحو 200 شخص بينهم ضباط متقاعدون وعاملون بالجيش ومحامون واكاديميون وساسة بالانتماء للجماعة.

قد تستغرق القضية شهورا او حتى اعواما.

ما أهمية القضية؟

ابرزت القضية الصراع بين حكومة حزب العدالة والتنمية والصفوة العلمانية وتضم جنرالات وقضاة واساتذة بالجامعة.

ويتهم علمانيون متشددون الحزب بمحاولة تقويض مباديء العلمانية التي قامت عليها الدولة من خلال ادخال الاسلام الى الحياة العامة. وينفي الحزب الذي يلقى مساندة من طبقة متوسطة لديها وازع ديني اخذ في التزايد بمنطقة الاناضول بوسط البلاد الاتهام ويشير الى ما أقره من اصلاحات ليبرالية منذ توليه السلطة في عام 2002 بهدف ضمان الفوز بعضوية الاتحاد الاوروبي.

واجتذبت تركيا استثمارات بفضل احتمالات انضمامها لعضوية الاتحاد الاوروبي ولكن عدم الاستقرار السياسي والمؤسسي من ان لاخر اثر على اقتصادها البالغ حجمه 740 مليار دولار.

ويجري حاليا تداول الليرة التركية عند أعلى مستوى في سبعة أشهر وتقترب الاسهم التركية من أعلى مستوياتها للعام الجاري.

ولكن من الصعب التنبؤ بنتيجة الصراع السياسي. فقد وصلت اجراءات سنوية لتعيين قضاه ومدعين لطريق مسدود وتقول وسائل الاعلام ان القضاة العلمانيين يضغطون من احل تنحية المدعين المشاركين في قضية "ارجينيكون". ويهدد الخلاف بتوقف العمل في المحاكم وهو ما يؤثر سلبا على المستثمرين.

ماذا يقول الجيش؟

ينفي الجيش اي صلة بجماعة "ارجينيكون" وتعاون مع التحقيق في مؤشر على انه قد يكون مهتما بالتخلص من العناصر المارقة في صفوفه. كما ينفي تقارير وسائل الاعلام بشأن تورطة في محاولة التشكيك في حزب العدالة والتنمية.

ولم يسبق القاء القبض على جنرالات متقاعدين او ضباط عاملين في تركيا حيث اطاح الجيش باربع حكومات منتخبة في الاعوام الخمسين الاخيرة وتمتع لفترة طويلة بمكانة لا يمكن المساس بها بفضل المساندة الشعبية التي يحظى بها.

هل تسهم القضية في تحسين فرص انضمام تركيا للاتحاد الاوروبي؟

تبدو القضية اختبارا مهما للديمقراطية في تركيا حيث يتمتع الجيش بنفوذ سياسي كبير من وراء الكواليس.

ومنذ وصول الحزب للسلطة في عام 2002 حجمت تركيا سلطة الجيش وهو مطلب للانضمام لعضوية الاتحاد الاوروبي.

وتتيح القضية فرصة للكشف عن الانشطة المشبوهة لعناصر سرية في قوات الامن واجهزة الدولة التي تعارض الاصلاحات الليبرالية والديمقراطية الرامية لاضفاء المزيد من الشفافية على المؤسسات التركية واخضاعها للمحاسبة.

غير ان الاتحاد الاوروبي اثار تساؤلات بشان عدالة المحاكمة وبصفة خاصة قضية حقوق المشتبه بهم. وقد اعتقل عدد كبير من المعارضين الذين جهروا بموقفهم ضد الحكومة في منتصف الليل وافرج عنهم بعد ايام دون ان يوجه اليهم اي اتهام.

وتتعرض الحكومة لضغوط لاثبات ان الهدف من القضية ليس ملاحقة معارضيها العلمانيين كما يقول الكثير من منتقديها. وثمة انقسام شديد في الراي العام بشأن القضية.

هل ثمة خطر مواجهة كبرى؟

يبدو ان لحزب العدالة والتنمية الذي يتمتع بشعبية واسعة اليد العليا في الصراع على السلطة مع المؤسسة العلمانية القديمة. غير ان مراقبين يقولون ان القضية قد تؤدي الى زعزعة الاستقرار اذ تمادى الادعاء أكثر من اللازم.

وفتح قانون أقر في اخر ايام الدورة البرلمانية الباب امام محاكمة عسكريين متهمين بجرائم ضد الامن القومي وانتهاك الدستور او محاولة الاطاحة بالحكومة امام محاكم مدنية.

خلاف حول تعيين قضاة يبرز الصراع على السلطة في تركيا

تكشف أزمة تحيط بالقرار السنوي الخاص بتعيين عدد من القضاة وأعضاء النيابة العامة في تركيا عن صراع بين العلمانيين وحكومة حزب العدالة والتنمية المنبثق عن حزب اسلامي سابق حول السيطرة على القضاء.

وأنحت وسائل الاعلام الموالية للحكومة باللائمة في تأخير القرار الخاص بتعيين 1500 من القضاة واعضاء النيابة العامة على الاعضاء العلمانيين في المجلس الاعلى للقضاة واعضاء النيابة.

وقالت وسائل الاعلام ان بعض اعضاء المجلس المعروفين بمعارضتهم لحزب العدالة والتنمية يسعون الى عزل القضاة واعضاء النيابة المعنيين بقضية مؤامرة الانقلاب التي يتعرض فيها بعض العسكريين وغيرهم من غلاة العلمانيين للمحاكمة.وتقدم وزارة العدل القائمة ويعتمدها المجلس وعادة ما تعلن في يونيو حزيران.

ولم تعلق لا الحكومة ولا المجلس علنا على أسباب التأخير لكن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان عبر يوم الاربعاء عن شعوره بالاحباط بسبب الازمة. بحسب رويترز.

وقال في أول تعليق له على القضية "هذه القائمة أعدتها وزارة العدل... ومن دواعي الاسف وقوع بعض التطورات غير المتوقعة خلال العملية واجراء بعض المداولات خارج وزارة العدل."

واضاف في مؤتمر صحفي "لن أخوض في التفاصيل أن العملية لم تنته بعد. امل ان يمكن الانتهاء قريبا من القائمة التي ارسلها الوزير."

ويمثل القضاء التركي عادة حصنا للنخبة العلمانية التي تشتبه في ان حزب العدالة والتنمية لديه خطة سرية لتقويض المبادئ العلمانية وهو أمر ينفيه الحزب الذي انبثق عن حزب اسلامي سابق وانتزع السيطرة على السلطة من العلمانيين في 2002.

ويتهم منتقدو الحكومة حزب العدالة والتنمية باستغلال اغلبيته البرلمانية الكبيرة في محاولة السيطرة على مؤسسات الدولة.

وقال سنان أولجن من مركز الدراسات الاقتصادية ودراسات السياسة الخارجية في اسطنبول "هذه الازمة انعكاس اخر للصراع بين العلمانيين والحكومة."واضاف "هذا الوضع غير العادي ينطوي على خطر التحول الى مشكلة سياسية كبيرة."

وتأتي الازمة التي وصفتها صحيفة طرف بأنها محاولة "انقلاب" من جانب أنصار الجيش لاسكات التحقيق في ما ارتكبه العسكريون من جرم في وقت تمضي فيه النيابة قدما بالقضية التي لم يسبق لها مثيل الخاصة بمزاعم وجود مؤامرة للقيام بانقلاب على اردوغان.

محاولة لحل المشكلة الكردية

من جهة اخرى قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ان حكومته تعمل لاعداد خطوات تهدف الى حل المشكلة الكردية التي أشاعت العنف والفقر على مدى عقود في جنوب شرق البلاد.

وجاء هذا الاعلان في أعقاب توقعات محللين بأن أنقرة ستكشف النقاب عن اصلاحات خلال شهر لتحبط "خريطة طريق" بخصوص المشكلة يتوقع أن يعلنها في 15 أغسطس اب عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون. بحسب رويترز.

وقال اردوغان خلال مؤتمر صحفي قبل أن يتوجه لزيارة سوريا "سواء سميناها المشكلة الكردية أو مشكلة الجنوب الشرقي أو المشكلة الشرقية أو سميناها المبادرة الكردية فقد بدأنا العمل بخصوص هذا الامر."

ولم يحدد موعدا لاعلان الخطة ولا الاصلاحات التي قد تتضمنها لكنه قال ان وزارة الداخلية تناقش الخطوات التي يمكن اتخاذها مع قيادة الجيش ووكالة المخابرات الوطنية ووزارات أخرى.

كما ستجري مشاورات بخصوص الموضوع مع أعضاء البرلمان من جنوب شرق البلاد الذي يغلب الاكراد على سكانه وستعلن الخطة بعد تقييم نهائي ستجريه الحكومة.

ووسعت حكومة حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه اردوغان والتي تواجه ضغطا من الاتحاد الاوروبي الذي تسعى تركيا للانضمام إليه نطاق الحقوق السياسية والثقافية لاكراد البلاد البالغ عددهم 12 مليون نسمة والذين يشكون منذ زمن طويل من تمييز الدولة التركية ضدهم.

وأشار اردوغان مجددا في المؤتمر الصحفي الى اجراءات لفتح أقسام للغة والاداب الكردية في الجامعات التركية ولاستكمال قناة تلفزيونية حكومية ناطقة باللغة الكردية أطلقت في مطلع العام الجاري. ولم يذكر أي اصلاحات أخرى محتملة.

وحمل حزب العمال الكردستاني بزعامة أوجلان السلاح في وجه الدولة عام 1984 سعيا الى حكم ذاتي للاكراد في جنوب شرق تركيا. وقتل زهاء 40 ألف شخص في الصراع.

وقال محللون سياسيون لرويترز هذا الاسبوع ان الحكومة ستحرص على العمل قبل 15 أغسطس اب لتفادي اعطاء انطباع بأن أوجلان يأخذ زمام المبادرة بخصوص القضية.

وكان محامو أوجلان اتصلوا بأكاديميين وصحفيين هذا الشهر لاستطلاع اراءهم بخصوص "خريطة الطريق" التي يعدها ويستعد لاعلانها يوم 15 أغسطس اب في الذكرى الخامسة والعشرين لاول هجوم مسلح نفذه حزب العمال الكردستاني.

واعتقل أوجلان عام 1999 وهو محتجز انفراديا في سجن باحدى الجزر. ويرجح أن ترفض الحكومة اقتراحاته لانهاء الصراع الذي خرب الاقتصاد في جنوب شرق تركيا المتاخم لسوريا والعراق وايران.

وقالت تركيا عضو حلف شمال الاطلسي مرارا انها لن تتفاوض مع جماعة تصفها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وتركيا نفسها بأنها منظمة ارهابية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 19/آب/2009 - 27/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م