حرب الكراسي وفوضى الحلول

الدولة التي مرّت بحرب داخلية ممكن أن تكابد حرباً أخرى

تقرير: علي الطالقاني

 

شبكة النبأ: المشاهد الدموية اليومية التي تقع في العراق والتي يذهب ضحيتها العشرات مابين شهيد وجريح خلفوا أرامل وأيتام مروعين غطت الدماء وجوههم وهم يتساؤلون عن الذنب الذي أقترفوه. ماهي إلا أعمال تنم عن حقد على هذا البلد الذي يكابد آلام الحروب وظلم الأنظمة التعسفية التي حكمته من قبل.

ولكن ثمة تساؤلات مهمة، لماذا تستهدف بعض مدن العراق وخصوصا الشمالية منها بواسطة مركبات كبيرة هدت قرى بكاملها على رؤوس أصحابها، وهل أن قوى الضلال لم تكتف بالاغتيالات الفردية وبتفجير العبوات والمركبات الصغيرة لتحصد أكبر عدد من الأرواح بهذه الطريقة؟ وهل هناك نفوذ تدفع بعجلته جهات تريد التوسعة من سيطرتها على هذه المدن؟ وحتى نفهم مايجري فلا بد محاكاة الواقع و متابعة مجريات الأمور فهناك أسباب عديدة لهذه المآسي.

الأمر الأول مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية تسعى بعض القوى عرقلة سير العملية السياسية واستعادة الوجه الطائفي فيها، وتريد أن ترسم مشهد سياسي وفق اصطفافات مذهبية وطائفية، من أجل توظيفه لمصلحتها ضمن الدعاية الانتخابية.

والأمر الثاني عدم وجود قوات أمنية كافية تتمتع بتدريب عال وأجهزة كافية لكشف المتفجرات، ونقص في المعلومة الاستخبارية. كما أن أختراق هذه المدن أمنيا جاء على يد مسلحيها وأطراف خارجية.

إن الحل لهذا اللغز المحير ليس أمنيا فقط، بل يكمن في النظام السياسي الهش فأن زمام الأمور خارجة من يده،  ويعود ذلك لأسباب عديدة فأن كل طرف سياسي يتميز بنقاط قوة و ضعف بشكل مفرط يتحرك لبناء روابط وتحالفات داخلية وخارجية ليحصل على عوامل قوة تغطي الضعف بين صفوفها، ولو صنفنا هذه الأطراف نجد أن القوى الكردية شمال العراق تسعى إلى السيطرة على حقول النفط الغنية والأراضي المتنازع عليها وتعزيز علاقة هذه الاقوى مع الولايات المتحدة الامريكية للتغلب على شيعة العراق وسنته.

القوى الشيعية بدورها تسعى لتشكيل ائتلاف كبير يسطير على الساحة السياسية وقسم آخر منها يسعى الى الانفتاح على القوى الأخرى مع شرط الحصول على مواقع سيادية. أما القوى السنية من جهتها تسعى لتحالفات ودعم خارجي لتحصل على نفوذ أكبر. أما تنظيم القاعدة ما زال مستعدا للتوحد مع بعض القوى السنية إذا لاحت الفرصة وأن التنظيم يحاول استغلال التوتر الحاصل بين العرب والأكراد  للحفاظ على وجوده الذي تقلص في باقي المدن.

تقول أستاذة العلوم السياسية بجامعة سان دييغو "باربرا والتر" لم تعد هناك جماعة قادرة في العراق على إحراز نصر عسكري حاسم، رغم انحسار العنف عن ما كان عليه عام 2006. وتشير بيانات ودراسات أجريت خلال الـ15 عاما الأخيرة التي تم تجميعها وتحليلها عن 125 حربا داخلية حدثت في أنحاء العالم منذ عام 1940، تشير الى أن الدولة التي مرت بحرب داخلية من المحتمل جدا أن تكابد حربا أهلية ثانية وثالثة؛ لأن العنف يميل لأن يفاقم المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي جعلت الحرب تندلع بداية. لكن هذا أيضا لأن الحرب الداخلية غالبا ما تنتهي بغير منتصر واضح ولا تسوية سلام نافذة المفعول. وبمجرد أن يستريح المقاتلون ويعيدوا تنظيم صفوفهم تتكون دوافع قوية لمحاولة إعادة الاستيلاء على الدولة. صحيفة لوس أنجلوس تايمز، 3/8/2009.

إذا أراد العراق أن يتفادى سيناريو العنف، فإنه يحتاج لابتكار حوافز حقيقية للقادة الوطنيين وللأجهزة الأمنية لتقديم صفقة عادلة تتداول السلطة السياسية حسب التصويت الحقيقي للشعب في الانتخابات، وهذا سيقتضي على جميع الأطراف السياسية ومن يتبعها أن تقتنع بنتيجة الانتخابات وبترسيخ المؤسسات الحكومية وأن لا تخدع نفسها بالاعتقاد أن باستطاعتها تحقيق السلام والاستقرار في العراق دون عمل حقيقي ودون محاباة الآخر الذي يترتب عليه حرب الكراسي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 18/آب/2009 - 26/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م