الأديبة العراقية كليزار أنور: عُجنت بتراب العراق فتشكّلَ منّي إنسان يحمل خصائص أصيلة

حاورتها: جميلة طلباوي

شبكة النبأ: "مبدعة كريمة صادقة وغاية في عفّة النفس والقلب معا هي الكاتبة العراقية التي حملت إزميل السرد الهادئ الصادق الودود وشرعت منذ أعوام طويلة تضرب بتأن بديع وخطير فوق جدار القصّ لترسم لها اسما وصورة وقلما ونفسا سرديا متوهّجا في سماء القصّة العراقية". هذا ما قاله عنها الكاتب علي حسين عبيد في مقاله قداسة السرد/الأنثى /الحياة، ونحن نقول إنّك حين تقرأ لها ستسمع موسيقى الروح وستدخل أروقة وتقف عند زوايا مندهشا، ثمّ ترتفع فوق السّحاب لترى عوالم من نور الأحرف والكلمات، (كليزار أنور) اسم جميل ومتميّز في عالم السرد العربي، تكتب الرواية والقصة القصيرة والنّقد الأدبي.

صدر لها:

(بئر البنفسج) مجموعة قصصية عام 1999 (عجلة النّار) رواية عام 2003، (عنقود الكهرمان) مجموعة قصصية عام 2006.

هي عضو في الاتحاد العام للأدباء و الكتّاب في العراق و هي زوجة القاص العراقي محمّد الأحمد.

تنشر كتاباتها في أغلب الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية العراقية والعربية.

كما نصافح بنفسجة أو ياسمينة نحييك كليزار أنور ومرحبا بك نسمة جميلة من نسائم دجلة والفرات بين أحضان أصوات الشمال.

قبل أن أفتح خِزانة كلماتي وأرد على أسئلتك وحُسن اختيارها عليّ أن أشكرك على اختيارك لأجمل الكلمات التي كُتبت عني وجعلتها مقدمة وأشكرك لأنكِ فتحت موقعي واطلعتِ عليه بإمعان ومن ثم شكلتِ محاور أسئلتك، وهذه نقطة تضاف إليك كصحفية ناجحة.

* تحدّث عنك القاص علي حسين عبيد في مقال له فقال: لم أشمّ حنانا عراقيا من أية امرأة بالكون عراقي النّكهة و الهوية إلا في قصص كليزار أنور.، ترى ما السرّ في ذلك، هل هو اختيار مسار أدبي أم رسالة تحملينها في هذه الحياة؟

أنا عراقية أولاً.. وأعتز جداً بعراقيتي وبانتمائي لأقدم حضارة على وجه الأرض.. عُجنت بتراب هذا البلد فتشكلَ مني إنسان يحمل خصائص أصيلة أثمر حناناً ومودة وفكراً ناضجاً وهدوءً وطيبةً ووفاءً وحباً يتسع للكون كله. وهذه صفات أغلب العراقيين.. يكفي أن تنظري للوحة عراقية أو تسمعي أغنية عراقية لتجدي فيها فيضاناً من الشجن الذي يغمر المتلقي بالحب واحترامه. صدقيني.. لم أُفكر ذات يوم أن أكتب أو أُوجه كتاباتي نحو مسار معين، إني أكتب للإنسان منه أبدأ وبه أنتهي.

* بدأت رحلتك في السرد بالقصّة القصيرة ثمّ كتبت الرواية ديوان العرب الجديد إن صحّ التعبير، هل ترين بأنّ القصّة القصيرة لم تعد ذلك الجنس الأدبي الذي يتيح الفضاء واسعا للكاتب و يحقّق متعة القراءة للقارئ أم ما زالت بخير؟

بدأت قاصّة وسأبقى قاصّة وحينما يُعرَّف بي أحب أن يُعرَّف بي كقاصّة.. انه ولاءٌ مطلقٌ للقصة. وثقي أي قاص ومن أول قصة يكتبها عينه على الرواية، ويبدأ يخطط لكتابتها. وبرأيي الشخصي: كتابة قصة واحدة ناجحة خير ألف مرة من كتابة عشرات الروايات العادية. صحيح.. العصر عصر الرواية، لكن القصة بخير وستبقى بخير وأنا إحدى القارئات الشغوفات بقراءة القصة وكتابتها بكل أحاسيسي إخلاصاً لهذا الفن الجميل والراقي جداً.

* من خلال القصص القصيرة التي نشرتها في أصوات الشمال يلمس القارئ ذلك الخروج عن المألوف بالتعامل مع أشخاص فارقوا الحياة، هل هي وجهة نظر وفلسفة أخرى للحياة؟

أنهُ الوفاء أو دمعٌ نزل من قلبي قبل عينيّ حزناً على أُناس كانوا لي أعز ما في الوجود. كتبت قصة "رياض النور" عندما توفي والدي رحمه الله.. لقد دونت مماته مثلما حدثت كي أُخلد موته الجليل.. والتفاصيل الأخرى في القصة مجرد رتوش لتكون القصة فناً. وإهداء أول رواية كان للراحل أبي: ( كنتُ كقطعة رخام بيضاء صافية.. وحبك كان الأزميل الذي نحت صورة حياتي الجديدة، فأبدع هذا الأزميل تمثالاً رائعاً.. إذ لولاك.. لولا اهتمامك ورعايتك.. لبقيتُ مجرد قطعة رخام بيضاء.. وما أكثر الرخام وما أقل التماثيل!). وكتبت قصة " وردتان" بعد وفاة والدتي رحمها الله.. لا أدري ربما كانت لحظة شوق أو أُمنية لرؤيتها ولو كحلم فرأيتها في وردتان.

فراق الموت أقسى فراق في الوجود .. أنه بابٌ موصود! ويعلم الله كم من الشجون هاجت في داخلي وأنا أرد على سؤالك، وهناك إنسانٌ آخر –عزيزٌ عليّ- غيبه الموت بين ثناياه.. ابن أخي (بيار) طفل في العاشرة من عمره.. أهديته مجموعتي "عنقود الكهرمان" ودائماً –ولا إرادياً- أجده يقفز داخل قصصي ويفرض نفسه بحب أمام عينيّ!

* عنقود الكهرمان قصة مدهشة والأمر يتعلّق بكوكب آخر وأشخاص غرباء أو فضائيين، حدثينا عن تجربتك في كتابة الخيال العلمي؟

ليس من السهل أن يوظف الخيال العلمي أو الباراسايكولوجي في القصة أو الرواية، ولم تكن قصة " عنقود الكهرمان" الأولى، فقد كتبت قبلها قصص أخرى لم تأخذ حظها من الشهرة، فالمأخوذ عني بأني أكتب قصصاً رومانسية وحكايات الحب. أردت أن أُغير هذا المفهوم عني، بأنه بإمكاني أن أكتب في كل الاتجاهات وأقواها.. الخيال العلمي والباراسايكولوجي.. وأن أُقنع القارئ بما أكتبه وأجعله يصدقهُ حتى!

* لا شكّ أنّ للخيال العلمي متعته، لكن هل ترين بأنّ مجتمعاتنا العربية التي تتخبّط في عديد المشاكل يمكن أن تتقبّل هذا النّوع من الكتابة وهل يمكن أن يوظّف كأسلوب للتعبير عن واقعنا؟

موروث مجتمعنا يعود أساسه "لألف ليلة وليلة" و ألف ليلة وليلة 90% منها خيال علمي؟! ولِمَ لا؟ أنهُ نوع من التغيير، يعجبني أن أحرك المياه كي لا تتحول الى مستنقعات آسنة. أرمي الماء بالحصى كي تتسع الدوائر، لا بد من التغيير ولو برمية حجر!

 * تقولين في إحدى مقالاتك: الرواية ليست موهبة فقط، بل هي فنّ معماري، وأنت صاحبة رواية مميّزة "عجلة النّار" حدثّينا عن تجربتك في السّرد الروائي؟

نعم.. الرواية فن معماري بحت، فالقصة لحظة توهج تدوّن على الورق، لكن الرواية.. حياة وشخوص وتاريخ وزمان ومكان وفضاء يحتاج مثل أي بنيان إلى أساسٍ رصين كي يعلو. وبالنسبة لي "عجلة النار" كانت تجربة أولى والمختبر الأول الذي دخلته لتأسيس بناء روائي خاص بي.. كانت الدرس الأول الذي تعلمت من أخطائه كيف سأكتب الرواية فيما بعد. والآن بين يديّ المشروع الثاني رواية "الصندوق الأسود" وقد انتهيت من كتابة جزأين منها وبدأت بالثالث وأتمنى أن تكون بمستوى ما أطمح اليه.

* هل ترين بأنّ الكاتبة العراقية التي أبدعت طويلا قد أخذت حقّها من النقد والانتشار أو غيرها من الحقوق؟

لا الكاتبة العربية ولا العراقية أخذت أبسط حقوقها لا في النقد ولا في الانتشار ولا في الطبع ولا حتى بأشياء أخرى!

* بعض الكاتبات يوظفن الجنس في كتاباتهنّ بجرأة متفاوتة يقلن بأنّ الدافع هو التعبير عن واقع مزري، وهنالك مقولة أخرى "إذا أردت الانتشار أو الحصول على جائزة أكتب رواية فيها جنس" وأنت استطعت أن تتميّزي و أن تنجحي دون اللجوء لهذا الأسلوب مارأيك؟ 

لقد بينتُ رأيي بهذا الموضوع في عدة حوارات وأقولها من جديد (الحياء نصف الايمان)والجنس من المواضيع الحساسة.. والله جعله أمراً حلالاً لتستمر البشرية به، وعندما يمارس هذا الحلال تُغلق الأبواب وتُسدل الستائر، فما معنى أن ينشر على صفحات الورق بهذه الإباحية؟ وأنا بالأساس من أسرة محافظة جداً كان لي أبُ وأم وأخوة ومحاطة بسورٍ من العادات والتقاليد الجميلة.. والآن أنا زوجة و أم أخجل أن يقرأ لي –ذات يوم – ابني أو ابنتي أموراً حساسة، فالحرية الحقيقية.. حرية الفكر.. وأريد أن أبقى في عيون الناس إنسانة فاضلة ملتزمة بالأخلاق لآخر يوم في عمري.

* يشاع بأنّ الرجل العربي خاصة المثقف لا يميل للزواج من شاعرة أو أديبة وأنت زوجة القاص العراقي محمّد الأحمد ماذا تقولين عن الزواج بين أديبين؟

العكس هو الصحيح.. وبرأيي هو زواج ناجح لأنه متكافئ. وقبل أن يخطبني القاص محمد الأحمد كنتُ أفضل أن أرتبط بأديب كي لا أنتهي أدبياً يعرف ما معنى الكتابة وظروفها وطقوسها. وجمعنا النصيب لنعيش في بيتنا الجميل المليء بالألفة والمحبة لا كزوجين –فقط- جمعت بينهما مؤسسة أُسرية، بل كصديقين وزميلين وحبيبين.. نقرأ لبعضنا ونتشارك بالرأي ونحضر المؤتمرات سويا وإن دُعيّ واحد منا لا يذهب كلانا. أضاف لي كثيراً وأضفت لهُ.

* الأمومة هل أضافت الى إبداعك شيئا، نحن نسمع من بعض الأخوات المبدعات أحيانا يقلن إنّهنّ يبذلن جهدا خرافيا حتى يبدعن فالزوج والأولاد لا يتركون لهنّ المجال، كيف حققت المعادلة؟

بالتنظيم تتيسر كل الأمور المستعصية.. وصدقيني كل شيء يضيف للإنسان.. أبسط الأمور و أعقدها ابتداءً من أول خفقة قلب إلى آخر باب يغلق في الحياة، فأنا موظفة وزوجة وربة منزل وكاتبة أيضا.. أعطي لكل شيء حقه وأرتب وقتي على مدار يومي.. في العمل تجديني محاسبة ناجحة وفي البيت ربة منزل من الطراز الأول – واسألي زوجي_ وأجد الوقت الكافي للجلوس للكتابة وفتح الانترنيت للرد على بريدي وإرسال موادي الأدبية للصحف والمجلات والمواقع الأدبية. إذاً.. التنظيم سيد الموقف وهو الذي يجعلك أن تكوني ملكة وقتك.

* أنت من بيئة خصبة بالخيال والأدب والفن من التراث الموروث كألف ليلة وليلة، إلى أسماء كبيرة مثل شاعر العرب الجواهري والرائدة نازك الملائكة..إضافة الى هذه البيئة الرائعة ما هي باقي المؤثّرات التي جعلت حرف كليزار يتوهّج بهذه الروعة؟

الموهبة هي البذرة الأساس التي تُخلق في دواخلنا.. إنها هبة من الله، لكن الموهبة وحدها لا تكفي ولا تصنع أديباً أو فناناً، وكم من بذرة ماتت في تربتها! الموهبة تحتاج إلى صقل بالقراءة وتحتاج للتجربة، للحب، للصفاء، للصدق الذاتي، للإطلاع على الثقافات الأخرى والتزود من بحر الفن بكل أشكاله وفنونه. ويكفي أن تنظري لأي شيء في الوجود لتري عظمة الخالق في خلقه، وبعد هذا كله أليسَ بإمكاننا أن نخلق (بالكلمات) عالماً جميلاً وفضاءً رائعاً؟

*تواجدك في المواقع الأدبية الاكترونية مميّز جدا، إلى أيّ مدى يمكن لهذه المواقع أن تخدم الأديب و الأدب بصفة عامة؟

أنا مع العلم بالأساس، وأحب مواكبة التطور كثيراً، تعلمت رسم الحروف قبل أن أدخل المدرسة، واقتنيت جهاز الكومبيوتر منذ ظهوره في مجتمعنا –رغم غلاء سعره وقتها- وعندما دخل الانترنيت لبلادنا كنت حريصة أن أدخل هذه الشبكة العنكبوتية لتجعل لنا العالم كله مجرد قرية صغيرة. وأقولها: نعم المواقع الالكترونية تخدم ليس الأديب فحسب، بل الإنسانية أجمع لو تعاملنا مع الانترنيت بالمنظور الإيجابي.

كلمة في الختام: ماذا تقولين للمبدعين في الجزائر ولقرّائك من خلال أصوات الشمال؟

لقد تعلمتُ من إبداع الجزائر، فقد قرأت "نجمة" لكاتب ياسين وأنا طفلة في الابتدائية.. وقرأت لواسيني الأعرج وأعجبني أسلوبه في الكتابة.. وقرأت بكل محبة وإعجاب لأحلام مستغانمي وكتبت عن "فوضى الحواس" ولو كان المكان يتسع لمزيد من الكلمات لذكرت كل الكتّاب الجزائريين الذين قرأت لهم وتعلمت منهم فن صياغة الحكاية.

ولقراء أصوات الشمال أقول: ما لا يعرفه الآخرون بأني كنت إحدى المؤسِسات لمجلة أصوات الشمال وكنت عضو في هيئة تحريرها ومنذ أعدادها الأولى قبل أربع سنوات.

تحية لكل إنسان جزائري أبدع فن الصبر والتضحية وشكراً للجميلة.. جميلة الطلباوي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/آب/2009 - 25/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م