البرنامج النووي الباكستاني ينسخ نفسه في ايران

أوجه شبَه ودروس من التاريخ القريب

 

شبكة النبأ: يركِّز القلق العام بشأن نوايا إيران النووية على منشأة ناتانز لتخصيب اليورانيوم؛ ويشبه هذا الوضع في كثير من الجوانب - في المناقشات العامة والمحادثات السياسية على حد سواء في امريكا والغرب- الوضع في الثمانينات من القرن الماضي عندما كان هناك قلق متزايد بشأن منشأة كاهوتا لتخصيب اليورانيوم في باكستان.

وجاءَ في بحث قدّمه  سايمون هندرسون، زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن. حول موضوع مقارنة متشائمة الى حد ما، بينَ البرنامج النووي الباكستاني ابان إنشائه والوضع الحالي لملف ايران النووي: إن الدروس التي يمكن استخلاصها من تلك التجربة ليست مشجعة، والمقارنة مناسبة بشكل خاص لأن إيران تستخدم نفس تكنولوجية الطرد المركزي عالية السرعة لتخصيب اليورانيوم كتلك التي تستخدمها باكستان. وتُظهر الصور من أجهزة الطرد المركزي الإيرانية بأن بعضها مطابقة للتصميمات الباكستانية التي تم تطويرها من قبل [العالم الباكستاني] المفضوح عبد القدير خان. وتدعي إيران أيضاً بأنها تُشغل أجهزة طرد مركزي أكثر تقدماً باستخدامها التعديلات الخاصة بها.

اليورانيوم ونظائره

يشير هندرسون الى إن نظير اليورانيوم "يو-235" هو مادة إنشطارية، تمر بسلسلة تفاعلات في ظل الظروف الملائمة. وإذا ما تم التحكم فيها، تنتج سلسلة التفاعلات حرارة يمكن استخدامها لتوليد الطاقة في محطة للطاقة النووية. وعندما لا يتم التحكم فيها، تكون سلسلة التفاعلات قابلة للإنفجار. ومع ذلك، يظهر اليورانيوم 235، في 0.7 في المائة من اليورانيوم الطبيعي فقط (اليورانيوم 238 هو أكثر النظائر شيوعاً)، ولذلك ينبغي تخصيب اليورانيوم من أجل زيادة نسبة المواد الإنشطارية.

ويبيّن هندرسون، عند تخصيبه بنسبة تتراوح بين 3 و 5 فى المائة، يمكن استخدام اليورانيوم 235 كوقود في محطات للطاقة. وتصنف "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" أي [يورانيوم] مخصب بنسبة 25 في المائة أو أكثر، كعالي التخصيب. ويستخدم اليورانيوم الذي هو "في النهاية المنخفضة لهذا التعريف" في مفاعلات الطاقة النووية المتخصصة، مثل تلك التي تستخدم في بعض الغواصات. وتَستخدم وسائل التفجير النووي عادة، اليورانيوم المخصب [بنسبة تصل] إلى 90 في المائة أو أكثر، كما هو الحال في القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما في عام 1945.

ويوضح الكاتب، إن البلوتونيوم هو المادة الأخرى المستخدمة في المتفجرات النووية، كما استعمل في القنبلة التي ألقيت على ناغازاكي. ولا يحدث البلوتونيوم بشكل طبيعي، بل هو نتيجة ثانوية لليورانيوم المستخدم في توليد الكهرباء أو مفاعلات البحوث، وعندما يتم فصله أو تعاد معالجته من منتجات النفايات، يعتبر من المتفجرات التي هي أقوى من اليورانيوم 235. وتقوم إيران حالياً ببناء مفاعل لإنتاج البلوتونيوم في أراك، وترفض توفير فرص لـ "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" للوصول إليه.

التجربة الباكستانية

ويشير هندرسون الى انه، في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، كان نفي باكستان لنواياها النووية العسكرية وادعآتها عن الطبيعة السلمية فقط لمصنع كاهوتا قوياً كقوة احتجاجات إيران الحالية. وكان كبار المسؤولين الأمريكيين السابقين قد شهدوا شخصياً إثباتاً لاحتجاجات براءة مثيرة من قبل الديكتاتور العسكري في ذلك الوقت الجنرال محمد ضياء الحق على الرغم من معلومات استخباراتية صارمة كانت تشير عكس ذلك. (في بداية الثمانينات من القرن الماضي، تم التوغل بصورة واسعة داخل شبكة الشراء الباكستانية فى الخارج، وتم استقراء واستنتاج المواصفات التصميمية لجهازها النووي المقصود من عناصر ومكونات تم تقديم الطلب للحصول عليها من بريطانيا). وفي عام 1989، ادعى رئيس الوزراء الباكستاني المتوفي بنازير بوتو في خطاب القاه أمام الكونغرس الأمريكي "نحن لا نملك ولا نعتزم صنع جهاز نووي". للأسف، لم يكن أي جانباً من هذا التصريح صحيحاً. وفي ذلك الوقت، أي تسع سنوات قبل أن تقوم في الواقع باختبار جهازين نوويين، كان لباكستان بالفعل تصميم عملي، يستند على الرسوم المقدمة من الصين، وكانت قد قامت ببناء ترسانة نووية صغيرة.

ويبيّن هندرسون، إن مدى النهج الذي اتخذته باكستان - حليفة الولايات المتحدة - بشكل متعمد يبعث على الدهشة من ناحية ازدرائه لواشنطن. ففي حين كان الجنرال ضياء، مقيداً من قبل عزم الكونغرس الأمريكي على عرقلة [مساعي] باكستان لتطوير أسلحة نووية، [إلا أنه] استغل ببراعة حاجة إدارة ريغان للحصول على مساعدة باكستان في تقويض الجيش السوفياتي في أفغانستان. ففي عام 1984، وافق الجنرال ضياء علناً على طلب الولايات المتحدة بأن لا تقوم باكستان بأعمال تخصيب تتجاوز الـ 5 في المائة، ومع ذلك فقد أخبر العلماء الباكستانيين بتجاهل أي قيود من هذا القبيل. لقد كان من المستحيل تأكيد ما تقوم به باكستان بدون تفتيش [مختبرات] كاهوتا التي لم تكن ولا تزال غير خاضعة للضمانات الدولية. وقد [نجحت] باكستان في إحباط محاولة رصد سرية واحدة على الأقل، عندما اكتشفت جهاز عالي التكنولوجيا، تم إخفاءه بصورة صخرة كبيرة، على تل مجاور. وتشير القصص التاريخية بأنه قد تم إضعاف [مكانة] المسؤولين الأمريكيين من خلال [الوصول] إلى اتفاق شفهي بين الجنرال ضياء والرئيس ريغان بأن لا تقوم باكستان بإحراج الولايات المتحدة بقيامها في الواقع بتجربة جهاز نووي. (لقد كانت وسائل الإعلام في الولايات المتحدة قد ذكرت بالفعل بأن الأقمار الصناعية الأمريكية قد اكتشفت موقع التجارب الباكستاني المقترح في صحراء بلوشستان وكذلك أعمال بناء مرافق الدعم).

ويخلص الكاتب هنا بالقول، لقد فشلت الولايات المتحدة في جهودها لردع باكستان على الرغم من العلاقات الدبلوماسية الودية نسبياً [القائمة بين البلدين ووجود] هدف استراتيجي مشترك في أفغانستان. وربما كان النجاح الأمريكي الوحيد هو تأجيل التجربة النووية الباكستانية حتى عام 1998 (عندما قامت الهند باختبار [جهازها النووي] للمرة الثانية).

المعضلة الإيرانية

وفي عودة لأصل الموضوع يقول هندرسون، إن إيران التي تملك ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم بعد المملكة العربية السعودية وثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي بعد روسيا، تدعي بصورة غير قابلة للتصديق بأنها بحاجة إلى قدرة نووية لسد احتياجاتها من الطاقة. وتؤكد طهران أيضاً بأنها تعتزم بيع اليورانيوم المنخفض التخصيب من [منشأة] ناتانز في جميع أنحاء العالم واستخدامه في مفاعلات مستقبلية تبنى [باستعمال] تكنولوجيا إيرانية. وفي غضون ذلك، تعترف إيران بأنها لا تملك حالياً القدرة [لاستعمال] اليورانيوم المنخفض التخصيب الخاص بها في قضبان الوقود لمفاعل نووي، كما أنها لا تدعي بأنها تعمل على تطوير هذه القدرة. وفي الواقع، سيَستخدم المفاعل الإيراني النووي الوحيد، الذي هو قيد البناء في بوشهر، على ساحل الخليج الفارسي، وقوداً تزوده المصانع الروسية.

ومع ذلك، ففي سعيها لامتلاك أسلحة نووية، يبدو أن العوائق الفنية التي تواجهها إيران [ما زالت] قائمة. ويظهر بأن طهران تتمتع بحرية الوصول إلى المواد الخام، والتكنولوجيا، والخبرة التي تحتاجها. ويتمثل التحدي في إقناع إيران دبلوماسياً بأن مسارها ينبغي أن يقتصر على السير في طريق لا يتضمن حيازة أسلحة نووية.

وفي ظل التقدم التقني [الذي أحرزته] إيران، وإنكارها [وجود] نوايا عسكرية، وتصميمها على اتقان جميع جوانب دورة الوقود النووي، هناك خيار واحد دعا إليه البعض وهو قبول برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم إلى درجة بحيث لا يصل إلى الحد الأعلى للنطاق. وتشمل الصيغ المختلفة لهذه الفكرة تأمين التزام إيراني بعدم القيام [بأعمال] تخصيب تتجاوز مستوى معين، ووضع رقابة دولية على نحو أفضل على قدرة تخصيب اليورانيوم الإيراني، أو بناء محطة يملكها المجتمع الدولي وتتم إدارتها من قبل إيران، سواء من داخل أو خارج البلاد.

ويضيف الكاتب، توحي التجربة الباكستانية [وجود] قدر كبير من المشاكل إذا ما تم السير في هذا الطريق. فبصرف النظر عن التحدي المتمثل في إقناع إيران بأنها لا تحتاج إلى أسلحة نووية أو القابلية لتطويرها، هناك ما يدعو للثقة بأن إيران لن تكون نزيهة في الإعلان عن جميع منشآتها [النووية]. وحتى لو تبدي إيران استعداداً لاتخاذ مسار الدبلوماسية باتجاه حل الشكوك المتعلقة ببرنامجها، [إلا أن] المعايير التي ستفرضها الولايات المتحدة ربما تكون أشد من تلك التي سيفرضها أعضاء آخرين في المجتمع الدولي. ومن المرجح أن يبقى موقف إيران كما هو، والذي تعتبره بعض البلدان بمثابة "تكتيك مماطلة" بينما يراه البعض الآخر كتوضيح مهم للتفاصيل. وفي نهاية المطاف، تستطيع طهران القول دائماً بأنه ينبغي أن يُسمح لها [بالحصول] على نفس المنشآت والقدرات [التي تملكها] باكستان المجاورة.

وتوفر سلسلة أجهزة الطرد المركزي مجرد مثالاً عن مدى صعوبة جمع المعلومات اللازمة لتبيين ورؤية نية إيران الحقيقية. إن [عملية] تخصيب اليورانيوم في أجهزة الطرد المركزي ليست مجرد مسألة وضع مخزون سادس فلوريد الكبريت في سلسلة [أجهزة الطرد المركزية] ثم تركها تدور حتى يتم تخصيبها [باليورانيوم] إلى أكثر من 90 في المائة كما يتطلب لصنع قنبلة نووية. وبدلاً من ذلك، هي خطوة عملية تقوم فيها مجموعة واحدة من أجهزة الطرد المركزي (سلسلة) [بعملية] تخصيب إلى مستوى معين، ثم تقوم سلسلة أخرى - أحياناً مع عدد مختلف من أجهزة الطرد المركزي –[بنفس العملية]. وتعمل السلاسل الباكستانية في أربع مراحل، حيث تستخدم في المراحل الأولى ما يصل إلى 164 جهازاً للطرد المركزي في كل سلسلة، وأقل من ذلك بكثير في المرحلة النهائية.

ويذكِّ هندرسون، في عام 2007، أفادت "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" أن إيران تستخدم سلاسل مكونة من 164 جهازاً للطرد المركزي في كل سلسلة. إن إتقان استخدام مثل هذه السلسلة، الذي [هو موضوع] يغضب المحللين، يتمشى مع السعي للحصول على يورانيوم منخفض التخصيب وعالي التخصيب على حد سواء. ولا تحدد أحدث تقارير "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" عدد أجهزة الطرد المركزي التي تملكها إيران في كل سلسلة، فضلاً عن العديد من السلاسل التجريبية الصغيرة. وتثير خطط إيران لامتلاك عشرات الآلاف من أجهزة الطرد المركزي في [منشأة] ناتانز قلق أكبر. إن امتلاك باكستان لما يقدر بأحد عشر ألف جهاز طرد مركزي في [مختبرات] كاهوتا يتيح لها القدرة لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم العالي التخصيب في كل سنة لصنع ستة إلى عشر قنابل ذرية.

ويختم هندرسون بالقول، إن التحدي النووي الإيراني الذي يواجه المجتمع الدولي اليوم، يحمل تشابه صارخ لذلك الذي واجه الولايات المتحدة مع باكستان قبل عشرين عاماً ويخيّم شبحه على ذلك التحدي – وهذه فكرة منبّهة عند النظر في آفاق التعاون مع إيران.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 16/آب/2009 - 24/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م