شبكة النبأ: كلنا نتفق على أن هناك
قيما مشتركة تجمع بين الوسط الاجتماعي تمثل رابطا مشتركا يقرّب بينهم
ويزيد من وشائج العلاقات المختلفة بينهم، ولعل طبيعة المتغيرات التي
تحدث في بنية العلاقات الاجتماعية وغيرها ستجعل من (الكيرف) او الخط
البياني للقيم متذبذبا بين الصعود والهبوط القيمي، ومع ان الجذور
والأسس التي تقوم عليها العلائق المختلفة تتدخل في تحصين منظومة القيم
من الخلل الذي قد تتعرض له، لكن في كثير من الاحيان تشكل المتغيرات
الكبيرة في حياة الناس عامل ضغط كبير عليهم، فتتدخل في رسم طبيعة
الحياة الاجتماعية لديهم، وسيحدث هذا في ظل تراجع القيم وعجز الارث
الاخلاقي والعرفي وغيرهما عن معالجة هذا الخلل الكبير في ميزان القيم.
ولسنا في منأى عن المشهد العلائقي الذي تدور رحاه اليوم في المجتمع
العراقي، فلقد تعرض هذا الشعب الى هزات كبيرة ومتتالية للنيل من نظامه
القيمي، وكان للحروب والفتن والحصارات والصراع على السلطة اليد الطولى
في هذا الجانب، حيث ضُربت القيم وحوصرت وحلّ محلها نظام قيمي خطير قائم
على النفعية والمادية والصراع من اجل المكاسب غير المشروعة في تسابق
محموم للحصول على المال او المنصب او المركز بأية طريقة كانت بغض النظر
عن استنادها الى النظام القيمي المعروف او خلافه، وآخر الهزات التي
تعرض لها العراقيون هو المتغيرات الصارخة التي حدثت بعد الاحتلال، فمع
انها أزاحت سلطة فردية أسهمت بشكل او آخر في إضعاف النظام القيمي إلا
انها طبَّقت نظرية (الفوضى الخلاقة) على الواقع العراقي بصورة لا تمت
للجوهر الانساني بصلة، فأسهمت بتغيير كثير من البنى الاخلاقية
والاجتماعية وغيرها وعمّقت القيم المادية لدى الفرد العراقي الذي لم
يكن بحاجة لها أبدا.
ومنها ظاهرة الرشا (الرشوة) التي ظهرت بوادرها في ثمانينيات القرن
الماضي كوليد مشبوه بدأ يقتحم النظام القيمي العراقي خلسة ثم ما لبث ان
اصبح واقعا مفروضا لا مناص منه، وحين أزيح النظام السابق كنا نتواقع ان
نظاما قيميا انسانيا سوف يعود الى منظومة العلائق الاجتماعية والانشطة
الانتاجية والوظيفية وغيرها خاصة ان من جاءوا أعلنوا بأنهم الخط
المعارض، غير ان (الفوضى البناءة) وما رافقها من أخطاء (مقصودة) ضاعفت
من هبوط (الكيرف) القيمي بحيث أصبح الفساد الاداري والمالي أحد أوضح
معالم المرحلة الراهنة في المشهد العراقي.
وبذلك بدأت (الرشوة) تعيش عصرها الذهبي فانتشرت كالخلايا (المسرطنة)
في الجسد الاداري والوظيفي والانتاجي العراقي برمته، لدرجة اننا قد لا
نستطيع ان نستثني دائرة او مرفقا انتاجيا حكوميا او غيره من تغلغل هذه
الظاهرة في نشاطه الوظيفي او العملي حتى بدت هذه الظاهرة وكأنها جزء لا
يتجزء من هذا النشاط، ومع ان بعض اجهزة النزاهة تقوم بمحاولات حثيثة
للسيطرة على شيوع ( الرشوة) والحد منها، إلا أن الفشل بدا واضحا في هذا
الجانب حيث تسللت عناصر فاسدة ومفسدة الى هذه المؤسسة الوليدة وفروعها
ونقلت هذا المرض الخطير الى خلايا جسدها الذي لا يزال غضا، فبدا دورها
ضعيفا وإن كان يسير في الاتجاه الصحيح.
ولذا فإن التنبيه الى الخطر الكبير الذي يحيق بالمنظومة القيمة أصبح
أمرا مفروغا منه، وان تكرار التنبيه بصورة يومية اصبح واجبا على كل من
يهمه امر العراق والعراقيين سواء من ينتسب الى الحكومة او الى الشعب،
فلا يجوز ابدا ان نتغاضى عن ذلك، بل المطلوب المتابعة والتركيز على فضح
العناصر المستفيدة من هذا الوضع مهما كثر عددهم، فالخلايا السرطانية (مع
اليأس في مكافحتها) إلا ان الانسان لا يزال يستقتل (طبيا) في بذل
المزيد من المساعي للقضاء عليها، وهذا هو ما مطلوب عمله من الحكومة
والشعب والاجهزة الرقابية المختصة، وليس الطلب من الاعلام او غيرهم بغض
الطرف عن هذه الظاهرة ومثيلاتها، فالعلاج الصحيح يكمن في التنبيه
والاشارات المتتالية مشفوعة بالمعالجات الميدانية المباشرة التي تشلّ
يد (الراشي والمرتشي) في آن واحد، ولغرض الاسهام في مكافحة الخلايا
المسرطنة (للرشوة) نقدم هذه الخطوات الاجرائية الملزِمة:
- أن تبدأ الجهات المعنية بفرض عقوبات ظاهرة للعيان على الراشي
والمرتشي وأمام الملأ.
- أن تسهم الحكومة بهذا الاتجاه (مكافحة الرشا) لا أن تشير الى عدم
التركيز عليها.
- أن تُنقّى مؤسسة النزاهة وفروعها من العناصر التي تساعد في تضخيم
الخلايا السرطانية (للرشوة) وبفعل حاسم وسريع.
- أن يتدخل رجال الدين بقوتهم المعنوية المعروفة لمنع تضخم هذه
الظاهرة، ويُفضَّل تكرار إصدار الفتاوى المطلوبة بهذا الصدد للتذكير
وإظهار الاهتمام في مكافحة هذا المرض.
- أن يتدخل وجهاء العشائر وشيوخها في حملة توعية شاملة فاعلة وحاسمة
في هذا المجال.
- أن يتدخل المختصون من معلماء ومفكرين ومثقفين في هذه الحملة.
- وأخير هناك دور هام يتمثل بالفرد العراقي الذي ينبغي ان يكون
حريصا على منظومته القيمية اكثر من غيره وا، يبدأ حملته بمكافحة (سرطان
الرشوة) بعدم دفعها لمن يطلبها تحت شتى الظروف وأن يسهم بفضح العناصر
المرتشية في الاعلام والمجالس الاجتماعية وغيرها.
والله من وراء القصد. |