شبكة النبأ: لكل من المعلِّم
والمُتعلِّم سلوك يحدد أفعاله وفق مايتناسب مع الموقع الذي يشغله،
وللعلم أهمية كبرى تجعل من الطرفين موضع اهتمام خاص في حياة الأمم، ومن
هنا كان السلوك أمر في غاية الأهمية في حياتهما.
وبذلك فالمعلم يعد جزءا من البيئة التعليمية للمتعلم ومؤثرا في
تعلمه بدرجة كبيرة، حيث لايمكن تحقيق الاهداف التربوية المنشودة بدون
وجود المدرس الكفوء مهما تكاملت الظروف الاخرى.
إذ إن المناهج والتنظيم التعليمي والاجهزة مع اهميتها تتضاءل
فاعليتها امام هيئة المعلم حيث انها لاتكتسب حيويتها الا من خلال
شخصيته. فهو يؤثر في سلوك المتعلم وفكره وعواطفه، وهو الذي يوجهه
باتصاله المستمر بالمثل والقيم العليا التي يرسمها له، وعليه فهو يحدد
مصير الاجيال الطلابية المعدة لبناء المجتمع وتطويره بعد الانتهاء من
عملية التعلم.
ويساهم المعلم كذلك في دفع عجلة التقدم العلمي والتكنولوجي الى امام
بوتائر متصاعدة لكونه عنصرا فاعلا في تحقيق اهداف التربية بما يتلائم
مع احتياجات المجتمع التنموية المستقبلية.
ان التعليم هو عملية بحث متواصلة تتم في اطار علاقات انسانية مباشرة
بين طرفين هما المعلم والمتعلم، وبذلك فالتعليم عملية اختبار مستمرة
تتبين من خلالها قدرات المعلم الشخصية والعلمية، ويحصل من خلالها
التحول النوعي بصورة تدريجية في القيم السلوكية للمعلم، حيث تنتقل من
كونها قيما مكتسبة الى قيم ذاتية وتصبح جزءا من شخصيته لتحوله الى شخصا
مربيا.
ويعول على المعلم في التغيير الجذري للمناهج الدراسية، وفي مجرى
العملية التعليمية ووسائلها وانشطتها. فيجب ان يتميز بثقافة ودراية
كاملة وان يكون متمرسا بأساليب التربية، فضلا عن تمكنه من المهارات
اللازمة لاستخدام مختلف التقنيات التربوية التي تاخذ بها العملية
التربوية المتطورة في أي مجتمع من المجتمعات التي تسعى الى تحسين نوعية
العملية التعليمية لطلبتها.
يقول الاستاذ الدكتور موفق عبدالعزيز الحسناوي في المعهد التقني في
الناصرية بجمهورية العراق حاول التربويون اعتماد فلسفة حديثة مبنية على
اقامة علاقات انسانية بين الطالب والمدرس، واعتبار هذه العلاقات محورا
اساسيا في خلق اجواء تعليمية صحيحة. وبذلك تغير دور المدرس في ضوء
الفلسفة التربوية الحديثة من كونه مرسلا للمعلومات فقط، الى مهمة
مساعدة الطلبة في تعليمهم واكتشافهم للمعلومات، واصبحت مسؤوليته
التدريسية والتوجيهية والارشادية اكثر من السابق، وتقع على عاتقه مهام
كثيرة فهو لم يعد ناقلا للمعرفة فقط، وانما اتخذ التربية وسيلة فاعلة
للنهوض بالمجتمع وتطويره. واصبح دوره حيويا في بناء شخصية الطالب
وتكوين اتجاهاته الوطنية والتربوية، وهو الذي يوجه نشاط طلبته ويبعث
في نفوسهم الرغبة في الدراسة والاقبال عليها.
وأضاف الحسناوي لايوجد نمط واحد تكون عليه شخصية المدرس الناجح، ومن
الاسباب التي ادت الى صعوبة النجاح في التدريس بشكل تام هو كون المدرس
يتعامل مع الانسان، وهو من اكثر الاشياء تعقيدا لانه عبارة عن سلوك
ومشاعر مختلفة تتباين بدرجة كبيرة بين طالب واخر.
واهتمت الكثير من الدراسات والبحوث بالعلاقة بين المدرس والطالب، واهمية
نوع العلاقة السائدة بين الطلبة ومدرسيهم وانها تؤثر على في سلوك
الطالب سلبا اوايجابا.
وركزت بعض هذه الدراسات حول الصفات الجيدة التي يفضلها الطلبة في
مدرسيهم، سواء كانت هذه الصفات تتعلق بشخصية المدرس وسيرته الشخصية
اوبتمكنه من المادة العلمية التي يقوم بتدريسها.
وبينت هذه الدراسات الدور الفاعل للمدرس في توفير المناخ الاجتماعي
والنفسي داخل الصف، فقد وجد بأن هناك علاقة قوية بين المناخ السائد في
اثناء التدريس ونوع ونواتج التعلم، فالمناخ الذي يسود فيه الشعور
بالدفء يساعد في تحقيق الكثير من الاهداف التي يسعى المدرس الى تحقيقها،
الى جانب ذلك فأنه يساعد على زيادة دافعية الطلبة للتعلم وزيادة
مشاركتهم الايجابية في الانشطة الصفية.
وفي ضوء ماتقدم نرى انه من الضروري ان يتمتع مدرسينا بعدد من
الخصائص الايجابية التي تجعلهم محبوبين من قبل طلبتهم والافراد
العاملين معهم، وكذلك يؤدون واجبهم العلمي والتربوي والارشادي للطلبة
بصورة فاعلة، ولكي ينالوا رضا الله العلي القدير اولا، ورضا ضمائرهم
ثانيا، ورضا طلبتهم ثالثا.
ومن الصفات التي نرى انه من المناسب للمدرس الناجح الاتصاف بها
ومحاولة تعزيزها بدرجة كبيرة ليكون مدرسا ناجحا في نظر طلبته وزملائه
المدرسين والمختصين في العملية التعليمية هي أن يكون : مؤمنا بعظمة
الخالق العظيم وهدايته للعقل الانساني للابتكار والابداع لغرض تطوير
الانسانية، ذو شعور وطني عالي يضع مصلحة البوطن العليا فوق جميع
الاعتبارات، متمكنا من المادة العلمية التي هو بصدد تدريسها وكفوءا في
ايصال المعلومات للطلبة، متواضعا ولايترفع على الاخرين، متحمسا اثناء
طرح المادة العلمية ليكون قادرا على اقناع الطلبة بأهمية دراستها، يحفز
الطلبة على المناقشة وطرح الاسئلة الذكية والمعمقة اثناء المحاضرة، يرشد
الطلبة دوما للحفاظ على ممتلكات المؤسسة التعليمية العاملين فيها
وممتلكات الوطن العامة وعدم الاضرار بها من قبل الطلبة، مساهما في
تقديم العون والنصح للطلبة دوما وفي جميع المواقف التي يحتاج فيها
الطلبة لذلك العون، عادلا ونزيها في تعامله مع الطلبة وابتعاده عن
التحيز، ملتزما بمواعيد المحاضرات والواجبات المكلف بها من قبل
الادارات المدرسية، متفهما لمشكلات الطلبة ومساهما في حلها ان استطاع
لذلك سبيلا، يكلف الطلبة بأجراء البحوث والدراسات والانشطة العلمية
الاضافية عن المادة، حازما جدا مع الطلبة الذين يحاولون الغش والتهاون
في اداء الواجبات الدراسية المكلفين بها، مشاركا للطلبة في النشاطات
اللاصفية والاجتماعية والترفيهية، متوسعا في اعطاء المعلومات الاضافية
للطلبة وغير مقتصرا على الكتب المنهجية المقررة فقط، حاثا للطلبة على
استخدام المصادر الخارجية ومصادر المعلومات والاتصالات الحديثة
للاستزادة من المعلومات، مثقفا وواسع الاطلاع في مختلف التخصصات، شعوره
عالي بالمسؤولية الوطنية والدينية، ذو شخصية قوية، قيما في سلوكه
الاجتماعي مع الاخرين ولاتوجد لديه هفوات اخلاقية، صوته واضحا ومسموعا
لجميع الطلبة وذو نبرات متغيرة بين فترة واخرى لشد انتباه الطلبة
للمادة الدراسية اثناء المحاضرة، متميزا بضبط النفس والتحكم بدوافعه
وعواطفه في مختلف الظروف داخل المحاضرة، انيقا في مظهره وملبسه وعدم
المغالاة غير المبررة فيها، تعامله مرحا مع الطلبة مقرونا بالاحترام
من قبل الجميع، مدافعا عن الحق دائما مهما كانت الظروف والملابسات، سريع
البديهية ولبقا مع الاخرين، ولايتأخر في تصحيح الاوراق الامتحانية
ويسلمه للطلبة بعد وقت قصير من الامتحان، اضافة الى العديد من الصفات
الاخرى التي تتناسب مع متطلبات المواقف التربوية المختلفة والمتغيرة.
ركائز الحضارة الانسانية
وتتصف ركائز الحضارة الإنسانية بمجموع معطياتها بأنها خاضعة
لقوانين الولادة او الخَلق وبلوغ الذروة ومن ثم الأفول او التلاشي
والاختفاء، كما في حياة الكائنات والنجوم والكواكب وكذا الأعراف والقيم
الوضعية، لكن عنصر العلم وحده يتميز دوناً عمّا يحيطه ببسط جناحه على،
الماضي من خلال البناء على الأسس التي سبقته، وعلى الحاضر عن طريق
المكتسبات المتولدة نتيجة الإضافات المرحلية التي أتى بها، وعلى
المستقبل بعدما شرع الأبواب امام تطوير تلك المكتسبات بعمومها، وبذلك
ينفرد العِلم عن باقي مرتكزات الحضارة الإنسانية بإكتسابه صفة الديمومة
والموائَمة لكل عصر..
وبيّن الله تعالى ترتُّب قبول الحق والأخذ به على التذكّر، والتذكر
على الخشية. وحصر الخشية في العلماء فقال سيذّكر من يخشى و إنما يخشى
الله من عباده العلماء.
وسمّى الله سبحانه العلم بالحكمة وعظّم امر الحكمة فقال ومن يؤتى
الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا"، ومعروف ان حاصل تفسير الحكمة هو مواعظ
القرآن والفهم والنبوّة كما في الآية الكريمة " فقد آتينا ال ابراهيم
الكتاب والحكمة. فالكل يرجع الى العلم.
ورجح سبحانهُ العالِمين على كل مَن سواهم فقال هل يستوي الذين
يعلمون والذين لايعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب وقرنَ في كتابه
العزيز بين عَشرة: بين الخبيث والطيّب وبين الأعمى والبصير والظلمة
والنور والحياة والموت والظل والحرور. وإذا تأملنا تفسير ذلك وجدنا
مرجعه جميعا الى العلم.
وقد خصَّ عزوجل في كتابه الكريم العلماء بخمس مناقِب هي، الايمان والراسخون
في العلم يقولون آمنّا به، والثانية التوحيد شهد الله انه لا اله إلا
هو والملائكة وأولوا العلم، والثالثة البكاء والحزن ويخرّون للأذقان
يبكون، والرابعة الخشوع ان الذين أوتوا العلم من قبله.. والخامسة
الخشية إنما يخشى الله من عباده العلماء.
واما ما ذُكِر من الحديث في فضل العلم والعلماء والمتعلِّمين فهناك
أحاديث تنبو عن الحصر ومنها قول النبي الاكرم (ص)، مّن يُرد الله به
خيرا يفقهه في الدين.
وقال (ص) مَن جاءه الموت وهو يطلب العلم ليحيى به الإسلام كان بينه
وبين الانبياء درجة واحدة في الجنة. وقال (ص) رحم الله خُلفائي فقيل
ومَن خلفاؤك يارسول الله فقال، الذين يحيون سُنّتي ويعلّمونها عباد
الله. وقال (ص) فقيه واحد أشدُّ على الشيطان من الف عابد.
مما تقدم تتضح لنا جليا اهمية العلم والتعلّم في حياة الانسان
والمدى الكبير من تلاصق صفة التعظيم والتوقير والرفعة للمُعلّم
والمُتعلّم على السواء. ولكن هناك امور عديدة تجب على كل واحد منهم
وكذا امور اخرى تتعلق بهما معاً.
من هنا، يجب على المعلِّم والمتعلِّم ان يقصدا بعملهما وجه الله
تعالى وامتثال أمره وإصلاح النفس وارشاد العباد الى معالم الدين
ولايقصدا غرض الدنيا من تحصيل مال او جاه او شُهرة او تميُز عن الاشباه
او المفاخرة للأقران او الترفُّع على الاخوان ونحو ذلك من الاغراض
الفاسدة التي تُثمر الخُذلان من الله تعالى وتوجِب المَقت وتفوّت الدار
الآخرة والثواب الدائم، فيصيرا كما قال عز من قائل من الأخسرين أعمالاً،
الذين ظلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يُحسنون صُنعا.
وقد نبّه رسول الله (ص) الى اهمية التحلّي بالصفات والاخلاق الحميدة
التي يجب على اهل العلم وطالبيه إمتلاكها وحذّر تحذيرا شديدا من
خِلافها، فقال (ص) " مَن طلبَ العِلم ليجاري به العلماء اوليُماري به
السفهاء او يَصرف به وجوه الناس اليه أدخلَهُ الله النار.
وقال (ص) أشدُّ الناس عذابا يوم القيامة عالمٌ لم ينفعهُ عِلمهُ.
وقال (ص) من قال انا عالم فهو الجاهل.
ضرورة حِفاظ صاحب العِلم وطالبه على القيام بالشعائر الإسلامية
وظواهر الأحكام كإقامة الصلاة في مساجد الجماعات وإفشاء السلام للخواص
والعموم مبتدءاً ومجيباً، والامر بالمعروف والنهي عن المُنكر والصبر
على الأذى بسبب ذلك، صادعاً بالحق باذلاً نفسه لله، متأسيا في ذلك
بالنبي (ص) وآل بيته (ع)، متذكراً مانزل بهم من المحن عند القيام
بأوامر الله تعالى.
كما يجب ان لايرضى من أفعاله الظاهرة والباطنة بالجائز بل يأخذ نفسه
بأحسنها وأكملها، فإن العلماء هم القدوة واليهم المرجع، وهُم حجة الله
على العوام، وقد يراقبهم للأخذ منهم مَن لاينظرون اليه ويقتدي بهم مَن
لايعلمون به.
وكذا لايجب لصاحب العِلم او طالبه ان يسأل أحداً تعنتاً او تعجيزاً
بل ان سؤال متعلّم لله او معلّم لهُ منبهٌ على الخير، قاصد للإرشاد او
الاسترشاد، فهنا تظهر زبدة التعليم والتعلُّم، فأما اذا قصد مجرد
المراء والجدل وحب الغلبة فإن ذلك يثمر في النفس ملكة رديئة وسجية
خبيثة ويستوجب المقت من الله تعالى، وفيه بالاضافة الى ذلك عدة معاصي
كأيذاء المخاطب او تجهيله او إظهار الثناء للنفس وتزكيتها..
وقد اكد الله تعالى على لسان نبيه وأئمته الأطهار تحريم المراء،
فقال (ص): لا تمارً أخاك ولا تمازحه ولا تعِده موعداً فتخلفه. وقال
(ص): ذروا المراء فإنه لاتُفهم حكمته ولا تؤمن فتنته. |