السير على عجلتين أسلوب اقتصادي للعيش

أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية مرتع الدراجات المستعملة

شبكة النبأ: وسائل النقل التي تسيّرها الآلات والمحركات ليست ذات نفع ولا تجدي في كثير من البلدان النامية. ثم إنها قد لا تتوفر، ويكون غلاؤها وارتفاع أسعارها سببا من أسباب عدم توفرها أحيانا وخاصة بالنسبة لأهل الأرياف وإحجام التجّار المتعاملين بوسائل النقل عن أخذها في اعتبار تجارتهم. ولعل ما يزيد الطين بلّة أن الطرق تكون أيضا من العوائق وغير سالكة لحركة مرور وسائل النقل الآلية. وهذا الواقع هو الذي جعل كيث أوبيرغ يروّج على مدى 25 سنة للدراجات كوسيلة نقل اقتصادية تختصر الوقت وتزيد الإنتاجية وتحقق دخلا إضافيا.

بدأ أوبيرغ مشروعه دراجات للعالم في العام 2005 كمؤسسة غير ربحية بالقرب من العاصمة واشنطن، وعمل منذ ذلك الحين على شحن أكثر من 34,000 دراجة من الدراجات المعروفة بالدراجة الهوائية، أو البسكليت، إلى بلدان أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، وأصبحت الآن أكبر مصدّر أميركي للدراجات المستعملة التي يتبرع بها أصحابها لمنفعة البلدان النامية.

وباعتبار أن معدل قيمة الدراجة الواحدة تقرب من 45 دولارا، تكون القيمة الإجمالية لما تم تصديره من الدراجات نحو 1.5 مليون دولار. غير أن القيمة الحقيقية من وجهة نظر أوبيرغ ليست ثمن الدراجات، بل قيمة التنمية الاقتصادية التي تحركها البدّالات التي تدفع الدراجات براكبيها المزارعين وتسهّل وصول أفراد مئات المجتمعات القروية إلى الأسواق وإلى مقار العمل والمدارس ومراكز الرعاية الصحية.

شبكة من المتطوعين الأميركيين

وعلى أرض موقف للسيارات تابع لأحد مراكز التسوق في شمال ولاية فرجينيا أقبلت ذات يوم أرتال السيارات والشاحنات الصغيرة محملة بالدراجات مختلفة الأحجام والأنواع والأشكال، منها ذات ذراع التوجيه المستقيم أو المنحني الطرفين إلى أسفل أو إلى أعلى، ومنها ذات العجلات العريضة والهيكل والمقعد العريضين لركوب الطرق الجبلية والطينية، ومنها ذات المقعد والهيكل والعجلات الدقيقة اللازمة لخفة السباق، ومنها ما هو بين بين لغرض التنقل والرياضة العادية.

وزاد مجموع ما حملته تلك السيارات والشاحنات من الدراجات المتبرع بها في ذلك اليوم من أيام الربيع عن 100 دراجة. لكن نشاط أوبيرغ في تلقي الدراجات لا يقتصر على موقف السيارات هذا، بل يمتد إلى خمس ولايات ومدينة واشنطن العاصمة حيث يتعاون مع المتطوعين في تنظيم مئات المناسبات للتبرع بالدراجات سنويا. وقد نظم هذه المناسبة، موضوع حديثنا، الكشاف باتريك كيري البالغ عامه الخامس عشر ليفوز بمرتبة الكشاف الأغر في مجموعته من كشافة الصبيان.  قال كيري اعتقدت أن مساعدة الناس الآخرين فكرة جيدة. وهذه فكرة مختلفة. حسب موقع أميركا دوت غوف.

وفي الساحات أو مواقف السيارات التي يتم فيها جمع الدراجات، يعمل المتطوعون الذين يرتدون قمصان "تي شيرت" الحمراء وعليها شعار BFW (شعار دراجات للعالم) على فك أذرع التوجيه المنحنية أو الملوية والبدالات عن الدراجات الصالحة للاستعمال وذلك حرصا على توفير أكبر حيز ممكن لشحن أكبر عدد من الدراجات، ثم يعملون على تجريد الدراجات التي لا تصلح للاستعمال من بعض القطع التي يمكن أن تستعمل قطع غيار للدراجات الصالحة (كأعمدة التبديل والعجلات والأطر الخارجية والداخلية التي قد يندر وجودها في البلدان النامية). ويحث المتطوعون المتبرعين بالدراجات على التبرع أيضا بمبلغ 10 دولارات كمساهمة في تغطية تكاليف الشحن التي تتراوح بين 4,500 و8,500 دولار للحاوية التي تتسع لنحو 450 دراجة.

وعدا عن الأماكن المتنقلة لجمع الدراجات المتبرعة، هناك مواقع ثابتة هي المحال والمشاغل المتخصصة بالدراجات المنتشرة في ولايات الساحل الشرقي للولايات المتحدة. من تلك المواقع متجر بوب مالاش الذي يفتح متجره "دراجات (بسكليتات) بوب" لبيع الدراجات في ولاية ماريلاند كمركز لجمع دراجات التبرع. وغالبا ما يرتدي القميص الأحمر المطبوع بشعار دراجات للعالم ويقوم بإطلاع الفتية والفتيات على برنامج "إربح دراجة"، وهو برنامج مخصص للطلاب يمنح الطالب الذي يؤدي عددا معينا من ساعات العمل التطوعي في خدمة المجتمع دراجة.

يقول مالاش أنا أحب هذه المنظمة، فهي تساعد البلدان النامية. لكنها أرسلت دراجات إلى منطقة الخليج (خليج مكسيكو) أيضا بعد أن ضربها إعصار كاترينا وإلى الأطفال المحليين المحتاجين. فهي حقا منظمة دراجات للعالم.

الوصول إلى ذوي الحاجة

من جانب آخر شحنت منظمة دراجات للعالم في العام 2008 نحو 10,000 دراجة إلى ثمانية بلدان من البلدان النامية.  وتتولى المنظمات المشاركة في المشروع أمر الدراجات عند وصولها إلى مقصدها.

إذ تشترك منظمة دراجات للعالم مع عشرات من المنظمات غير الحكومية في بلدان مثل غانا وكوستاريكا حيث يوجد توجه نحو دمج النقل والتنقل بالدراجات في مشاريع تنمية المجتمعات. ويقول أوبيرغ إن التبرعات العينية، كالدراجات، تختلف عن التبرعات المالية من حيث إنها تجبر المنظمات غير الحكومية على إيجاد وتطوير مهارات وأساليب إدارية فعالة.

ويقول أوبيرغ إنه لهذا السبب لا يتم التبرع فعلا بالدراجات وإنما تباع بمبلغ يتراوح بين 25 و35 دولارا للدراجة لأن الناس يقدّرون قيمة ما يكسبونه، فإذا منحناهم الدراجات دون مقابل فإنهم سيقفون في الانتظار في طوابير لتسلمها ثم يستديرون ليبيعوها ويحققوا ربحا هابطا من السماء. حسب موقع أميركا دوت غوف.

غير أن هناك مخرجا لأولئك المشترين المحتملين الذين لا يقدرون على دفع الثمن، إذ تعمد المنظمة غير الحكومية المعنية إلى تقديم قرض صغير للمشتري وتمكنه من الشراء. والواقع هو أنه من ناحية نموذجية، تعمل الدراجة باعتبارها وسيلة انتقال ومواصلات على زيادة إنتاجية مستخدمها وأجره بالتالي وتولّد له دخلا يمكنه من سداد دينه وسد احتياجات أسرته في نهاية المطاف.

مؤسسة على عجلتين

وأرسلت منظمة دراجات للعالم في العام 2005 أول شحنة لها عبارة عن حاوية مملوءة بالدراجات إلى شريكتها المنظمة غير الحكومية في غانا "مشروع دراجة القرية." وقد وزعت المنظمة غير الربحية ذات المقر الرئيسي في الولايات المتحدة، 36،000 دراجة تلقت معظمها في السنوات الأخيرة من مشروع دراجة للعالم.

أفرييه إيكووا ابتاعت دراجتها قبل سنوات قليلة من مشروع دراجة القرية. وإيكووا ممرضة متنقلة في عيادة بوامادوماسي في غانا تقدم خدماتها الصحية في عشر قرى نائية يتعذر وصول السيارات إليها. ولم يكن بمقدورها إلا خدمة قرى قليلة كل أسبوع عندما كانت وسيلة وصولها المشي على الأقدام. أما وقد صارت لها دراجة هوائية فقد أصبحت تزور كل قرية من القرى العشر مرة أو مرتين في الأسبوع.

مشروع دراجة القرية لا يكتفي بتوفير الدراجات وحسب، بل ويقدم دروسا وتدريبا للنساء على ركوبها، كما وفر التدريب لأكثر من 5,500 شخص على الصيانة والإصلاح في مشاغله. ويقوم المدربون المتطوعون بتعليم المتدربين التطبيقات المنطقية المعقولة كالصيانة وتزييت الأجزاء المتحركة بما فيها سلسلة الدفع وتشحيمها ونفخ العجلات بالهواء الكافي واستخدام محامل أو وسائد منع الاحتكاك الجيدة.

يقول ديفيد بيكام، مؤسس مشروع دراجة القرية إن الناس في البلدان الأقل نموا لا يدركون أن الآليات تحتاج إلى صيانة. ويضيف أن الغرض من التدريب هو أن لا ندرب الناس تدريبا كافيا  كي يجعلوا الصيانة وسيلة كسب معيشتهم، لكننا لمسنا أن هناك أناسا تواقين مندفعين فعلا لاتخاذ هذه الخطوة المهنية.

خطوات منذ العام 2005

وأغبيفي واحد من سكان قرية أداكلو- توكور التي تتوسد جبل أداكلو الغني بخضرته. وهو بالإضافة إلى عمله كمزارع وأب لأربعة أبناء يعمل مديرا لمكتب لتنظيم المجتمع. لكنه رغم ذلك، وبطريقة ما، خصص من وقته جانبا للتدرب على صيانة الدراجات في الدورة التدريبية التي يقدمها مشروع دراجة القرية.

اشترى أغبيفي دراجة كجزء من تدريبه في برنامج الصيانة الذي يتقاضى 15 دولارا كثمن مخفض للدراجة للطلبة المتدربين على الصيانة. وعندما اكتشف أن له ميلا ويملك المهارة لإصلاح الدراجات افتتح أغبيفي مشغلا لإصلاح الدراجات في وسط القرية ويستخدم الآن ميكانيكيين فنيين في مشغله لمساعدته.

يقول أغبيفي: إن دراجتي هي مؤسستي، فهي الوسيلة التي أرعى بها شؤون أسرتي بأقل عدد ممكن من العقبات.

مشروع دراجات هوائية في إحدى قرى بنين

ذهب الأميركي ديفيد بكام إلى غانا في عام 1999 لدراسة السبل الكفيلة بجعل الدراجات الهوائية في متناول عدد أكبر من الناس.

وما لبث أن أنشأ مشروع القرية للدراجات. ومنذ ذلك الحين، تفرع المشروع إلى 12 بلدا أفريقيا، حيث وفر 35 ألف دراجة، ودرب 5500 شخص على صيانة الدراجات، ووزع 15 ألفا من الأدوات. وفي عام 2005، دخل المشروع في شراكة مع برنامج "دراجات للعالم" لتوصيل الدراجات إلى عدة دول إفريقية. حسب موقع أميركا دوت غوف

عصارة تجربة في دولة بنين

وفي غانا إلى شمال بنين للاطلاع حيث الدراجات الهوائية فيها. وصل مراسل موقع أميركا دوت غوف  إلى ناتيتينغو وهي بلدة تتوسد تلة معشوشبة.

ناتيتينغو هي مركز بنين التجاري في الشمال الغربي. وهي تقع على الطريق الرئيسي الذي يربط بين كوتونو العاصمة والميناء الرئيسي في بنين، وبين دولة بوركينا فاسو. ويمر عبر هذا الطريق يوميا العشرات من الشاحنات الكبيرة التي تحمل لوحات أرقام من مالي. وتعتبر رحلة هذه الشاحنات التي تمتد أكثر من ألف ميل (1600 كيلومتر) عبر هذا الطريق غير فعالة ومكلفة وخطرة للغاية.

وفي ناتيتينغو يفوق عدد الدراجات النارية، أو الموتوسيكلات، عدد الدراجات الهوائية بواقع 4 إلى 1، بتكلفة تبدأ من 600 دولار تقريبا. ويكسب العديد من الرجال أرزاقهم من قيادة الدراجة النارية كمركبة أجرة. وقد لاحظت طريقتين هامتين يحبذ فيهما الناس في بنين الموتوسيكلات أو الدراجات النارية. أولا، هناك غياب واضح لتسجيل الدراجات. حسب موقع أميركا دوت غوف.

ولم تكن أية لوحات أرقام على أي من الدرجات النارية. ثانيا، فإن السلطات تغض الطرف عن تهريب الوقود من نيجيريا المجاورة، حيث أسعار الوقود منخفضة. والنتيجة هي أن عشرات الآلاف من أبناء بنين يستنشقون كميات من البنزين يوميا، حيث أن معظم البنزين الذي يباع هناك يتم شفطه من وعاء إلى آخر.

وهناك طابور طويل على الطريق السريع الموجود على مشارف مدينة كوتونو من الأواني التي تتسع لـ 20 لترا من البنزين معروضة للبيع وذلك نظرا لأن محطات البنزين نادرة.

ويضيف مراسل موقع أميركا دوت غوف أما معظم الدراجات الهوائية التي أشاهدها فهو طراز أوروبي مستعمل. وقد شاهدت عدة دراجات من الطراز المستورد من اليابان معروضة للبيع بـ90 دولارا أميركيا – وهذا يمثل ضعف سعرها في غانا. ويقول مراسل موقع موقع أميركا دوت غوف، لم أعثر سوى على ثلاثة أو أربعة مصلّحين في ناتيتينغو كانوا مهتمين بالعدة التي بحوزتي بحيث أنهم لم يتقاضوا مني مقابل التصليح إلا أقل من المبلغ الذي كنت سأدفعه في غانا بمقدار الربع.

وأتيحت لي الفرصة للتحدث حول قطع الغيار مع آبيل، الذي يعمل مصلّحا. وأخبرني أن معظم الدراجات المخزونة في محله بحاجة لإطارات وأنابيب للعجلات. كان لديه قرابة 30 دراجة في المحل وفي منزله، وقال إن بعضها تظل لديه لمدة قد تطول خمس سنوات. وأوضح أن إطارات وأنابيب العجلات المصنوعة في آسيا هي من سقط المتاع لأن الأنبوب الجديد لن يحتفظ بالهواء وغالبا ما نجد فيها تمزقات وتشققات يصعب رتقها.

وقد سمعت نفس الشكوى في غانا، ولكنها ليست بنفس الدرجة من الشدة. يدفع ملاك الدراجات الغانيون مبالغ مقابل الإطارات الأميركية الصنع المثقوبة أكبر مما يدفعوه مقابل الإطارات الجديدة المصنوعة في الصين.

ويبدو أن هناك حاجة ماسة في إفريقيا للكثير من الإطارات. كما قابلت أيضا ساليو، بائع قطع غيار يتجول حول المنطقة في أيام السوق. وأغلب قطع الغيار التي يحتفظ بها في مخزنه خاص بالسيارات بدلا من قطع غيار الدراجات الجبلية الشائعة بشكل متزايد. وقال ساليو إنه يسافر إلى لومي، عاصمة توغو، للحصول على قطع الغيار.

وبما أن لومي ليست بعيدة عن أكرا (حيث لا تبعد سوى 171 كيلومترا)، فقد أدركت أن هناك فرصة محتملة لإقامة شراكة.

وأضاف مراسل موقع أميركا دوت غوف عندما عدت إلى غانا، عادت إلى ذاكرتي رائحة القمصان المتسخة التي ارتديتها  خلال رحلتي  على الدراجة عبر توغو وبنين.

لقد خنقتني رائحة أدخنة العادم. وكانت المدن عبارة عن حشود غاضبة من الدراجات النارية.

إنني لا أستطيع أن أتصور حجم المشاكل التنفسية التي يواجهونها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/آب/2009 - 18/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م