أهمية الاسلوب التربوي في تدارك الانحراف قبل استفحاله

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: يسعى المصلحون والحكماء في الغالب الى وضع خطط فكرية عملية ناجحة لنشر حسن السلوك والتفكير بين عامة الناس ونشر الفضيلة بين شرائح وطبقات المجتمع وكبح جماح الرذيلة بكل انواعها من اجل الوصول الى مجتمع سليم متوازن ينظر الى الحياة بمنظار الخير ونبذ الشر بكل أشكاله.

ولعل الفلاسفة والعلماء الذين أفنوا حياتهم من اجل صنع مجتمعات راقية، وضعوا اللبنات الاساسية لتحقيق ذلك في مؤلفاتهم ومدنهم الفاضلة، ناهيك عن سلوكهم الذي غالبا ما كان يترفع عن الصغائر ويسمو بالانسان الى المثل العليا التي ينبغي أن يتحلى بها الانسان بغض النظر عن انتمائه او عمره او الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها، ولذلك غالبا ما كان الاسلوب التربوي المرهف طريقا لهم واداة يرومون من خلالها تقويم الاخرين ووضع خطواتهم على الجادة السليمة.

وقد ورد في هذا الصدد بكتاب سماحة المرجع الديني السيد صادق الحسيني الشيرازي الموسوم بـ (العلم النافع) وهو كتاب له قيمته التربوية المثلى:

(إذا كان في الناس ـ عموماً فضلاً عن المؤمنين ـ انحراف، فهو في الغالب انحراف سطحيّ في بداية أمره، لا يلبث أن يزول تدريجياً فيما إذا كان أسلوب مناصحتهم حسناً، ولكنه يتعمّق بواسطة الأساليب الخشنة؛ فإنّ السلوك الحسن غالباً ما يؤثّر تأثيراً إيجابياً في الإنسان المنحرف ويقوّم انحرافه. ومن النادر أن لا يؤثّر هذا الأسلوب في التعامل مع الأفراد، خصوصاً إذا كانوا مؤمنين؛ ولذا عندما نبحث في بعض الجوانب المهمّة من تاريخ علمائنا الماضين رضوان الله عليهم، نرى أنّ هذا الأسلوب من الأخلاق في تصرّفاتهم هو الذي فسح لهم الطريق لأن يبدعوا في مجال أعمالٍ ضخمة قد خلّدها التاريخ.

أمّا الذين لم يتوانوا عن إظهار ما في قلوبهم من مشاعر سلبية نحو هذا وذاك، فإنهم لم يستطيعوا إنجاز ما حقّقه أولئك الذين سما بهم سلوكهم الأخلاقي الرفيع في الوصول إلى ما وصلوا إليه).

بهذا المعنى فإن اللين في التوجيه والنصح والتعامل مع المنحرفين، او مع أولئك الذي شرعوا بالسير في المسالك المنحرفة سيكون أكثر جدوى من غيره، وبهذا فإن قوة تأثير الاسلوب التربوي في التوجيه والتوعية ستكون مضاعفة وستؤدي الى نتائج افضل من غيرها، فالعنف والقوة والقسوة المفرطة ليس من شأنها النجاح في غرس السبل الصحيحة في النفوس المتذبذبة بين الايمان وخلافه او تلك التي تضع قدما في ارض الرذيلة والاخرى في ارض الفضيلة، ولقد أثبتت التجارب على نجاح الاساليب التربوية ذات الطابع السمح المهذب او الانساني على وجه العموم.

ويقول سماحة المرجع الشيرازي في كتابه نفسه حول هذا الموضوع:

(الناس عموماً يُستمالون باللين، وتؤلّفهم الرأفة، وتنفّرهم الحدّة. فإذا استطاع الإنسان كسب ودّ الناس واُلفتهم وعدم تنفيرهم عن نفسه، أصبح أكثر توفيقاً في أموره وأعماله.

نحن نحبّ الحلم، ونحبّ الدفع بالتي هي أحسن وغيرهما من الأمور الحسنة، فهكذا الآخرين. مثلاً: لو صدرت منّا زلّة، فماذا نُحبّ أن نُكافأ به، هل سوى الحلم والصفح؟ كذلك لو صدرت من غيرنا تلك الزلّة، فإنّه يحبّ الشيء نفسه، ويُحبّ أن نحلم ونصفح عنه.

فينبغي لنا دائماً أن نُحبّ لغيرنا ما نُحبُّه لأنفسنا، ونظهر لغيرنا من أنفسنا ما نرجوه لنا من غيرنا، فالإنسان عند هذه الأمور التي تحدث، ينبغي له أن يضع نفسه مكان غيره، وغيره مكان نفسه).

ولعل الامر المطلوب في هذا المجال سيتضاعف مع سمو الموقع الاجتماعي او المنزلة الدينية للانسان، فكلما تصاعدت مسؤولية الانسان الدينية والاخلاقية والتوجيهية ازاء الناس كلما تضاعفت مسؤولياته في مجال تربية الآخرين وتحصينهم ضد الانحراف لاسيما أولئك الذين لا يتمتعون بإيمان مستقر له القدرة على حمايتهم من الزلل، وفي هذا الصدد جاء في كتاب سماحة المرجع الشيرازي (العلم النافع) :

إن (السبب المهمّ الذي مكّن المجدّد الشيرازي رضوان الله عليه من محاربة الغزاة المحتلّين في زمانه وتعبئة كلّ الطاقات الشعبية ضدّهم، هو تجنّبه عن الصغائر في الأمور وابتعاده عنها، لعلمه مسبقاً أنّ الإنسان إذا اشتغل ـ وهو بهذا المقام الرفيع ـ بنواقص فلان وفلان لا يسعه المجال لكي ينصرف لمكافحة الاستعمار).

وهكذا تكون طبيعة الاسلوب التربوي على قدر كبير من الاهمية كونها تشكل مصدر التأثير سواء في الاتجاه الصحيح أو الخاطئ، فكلما كان المربي عارفا بمسؤولياته الكبيرة كلما كان اكثر قدرة على التأثير بمريديه وسامعيه من خلال رهافة الحس وقوة الاسلوب وامتلاك الحجة، ولعل العمر البشري لايسع أن يفرط الانسان المسؤول به وبأيامه وسنينه لانه مطالب بالتوجيه والتصحيح وفق الاسلوب الامثل، وفي هذا يقول سماحة المرجع الشيرازي:

(ليس للإنسان عُمران في هذه الحياة، فلو صرف عمره في الأمور التي هي أقلّ أهمية، فإنّه سيُصرف بذلك عن الأمور المهمّة، وبمقدار ما نتأخّر في الأمور المهمّة يتقدم أعداؤنا فيها).

وهكذا ينبغي على الواعظين والمسؤولين على الرعية أن يستغلوا علمهم واعمارهم بالتوجيه التربوي الصحيح الذي يستميل النفوس ويضعها على جادة الصواب دائما.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 8/آب/2009 - 16/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م