لغط حول تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009

مرتضى بدر

التقارير الدولية التي تصدر حول منطقتنا العربية في مجال حقوق الإنسان عادة ما تُواجَه بالرفض من قبل الجهات الرسمية، والقبول من قبل الجهات الشعبية. وبين الرفض والقبول تضيع بعض الحقائق. في الأسبوع الماضي أعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الإصدار الخامس في سلسلة تقارير التنمية الإنسانية العربية تحت عنوان (تحديات أمن الإنسان في البلدان العربية).

التقرير أدرج أبرز التحدّيات التي تواجه أمن المواطن العربي كالبطالة، والفقر، وانتهاكات حقوق الإنسان، خاصة حقوق المرأة، وكذلك تزايد النمو السكاني والذي يصل إلى 395 مليون نسمة في 2015. التقرير أدرج مفهومًا جديدًا للأمن الإنساني، حيث أعطاه وصفة شاملة لمفهوم الأمن .. هذا الأمن الذي أصبح هامشياً نتيجة سطوة أمن الدولة، وأمن القيادات، وأمن السلطات الحاكمة.

 العوامل الجديدة التي أدرجها التقرير في مفهوم الأمن عديدة، منها: البيئة، وندرة المياه، والتصحّر، والاحتباس الحراري، والصراعات القومية، والاختلافات الطائفية والدينية واللغوية. هذه العوامل مجتمعة - بحسب التقرير - أدت إلى الانتقاص من الأمن الإنساني، بدليل تزايد عدد الضحايا نتيجة الصراعات المسلحة، وكذلك انتشار الهجرة، والملفت في التقرير أنّ نصف اللاجئين في العالم هم من العرب!! وقد أدى التدمير البيئي إلى تزايد ظاهرة “اللاجئين البيئيين”.

 لكنّ النقطة التي أثارت الجدل بعد صدور التقرير هي إشارته إلى تجاوز أعداد ضحايا الصراعات في العالم العربي على أعداد ضحايا الاحتلال والتدخّلات الخارجية. هناك من يرى في تلك الأعداد مبالغة مجحفة من قبل معدّي التقرير، وهناك من شكّك في عدم إبراز التقرير لجرائم المحتلين. أستاذ العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة الدكتور مصطفى كامل السيد (الذي سبق له أن قام بإعداد تقرير عام 2007، والذي كان من المفترض أن يكون أحد واضعي التقرير الأخير) انسحب بسبب خلاف على التغييرات الجوهرية التي أُجْرِيت على التقرير النهائي، قال في تصريح لصحيفة (الحياة) الصادرة من لندن: “إنّ عدداً من التغييرات الجوهرية، أبرزها ترتيب الفصل المتعلّق بالاحتلال والتدخّل الأجنبي، الذي أصبح الفصل السابع بدلاً من الثاني، وهو ما فسره بمحاولة التقليل من شأن الاحتلال الواقع في كل من فلسطين والعراق.

 كما تمّ إسقاط فصل كامل عن صراع الهوية يتجاوز ضحاياه محصّلة ضحايا الاحتلال، وتمّ اختزاله في صفحتين فقط”. ومن جانب آخر فقد شنّت جامعة الدول العربية هجوماً على تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2009، الذي أطلقه المكتب الإقليمي للدول العربية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واتّهمت التقرير بالإيحاء بأن الاعتداءات الإسرائيلية على الأطفال الفلسطينيين هي “بسبب كونهم طرفًا في المقاومة”.

من الواضح أنّ هناك اختلاف على الصياغة السياسية للتقرير، فمن جهة يرى معدّو التقرير أنّ التهويل المفرط على دور المحتلّين يعطي مبرراً للحكومات والجهات القمعية للاستمرار في جرائمها في حقوق المواطنين، وانتهاك أمنهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي والغذائي والبيئي، ومن جهة أخرى يرى المعارضون في التقرير محاباةً غير مبررة للمحتلين والتستر على جرائمهم ..

 وبين هذا وذاك يجب أن لا تضيع الحقيقة. وأخيرًا نتساءل: كم يبلغ عدد ضحايا العنف الطائفي في العراق؟ ومن الذي يقوم بتفجير المساجد والأسواق ويخطّط لقتل المواطنين الذين يشاركون في مواكب العزاء؟ كم يبلغ عدد الأطفال الذين راحوا ضحية الصراع القومي والسياسي في الصومال والسودان؟ ولماذا نرمي عجزنا وتخلّفنا دوماً على التدخّلات الأجنبية؟ وإلى متى تستمر العقلية الاستبدادية متحكّمة في عقولنا ومشاعرنا وأعمالنا؟

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 8/آب/2009 - 16/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م