كما التقت مصالح ومواقف تيار خياني وفاسد في فتح والسلطة مع تيار
إقصائي انقسامي لا وطني في حركة حماس على تدمير المشروع الوطني وفصل
غزة عن الضفة،فإن هذين التيارين يلتقيان مرة أخرى وبطريقة غير مباشرة
على إفشال مؤتمر فتح وإفشال المصالحة وتكريس الانقسام.
الفعل المدمر لهذه القوى الفلسطينية لا يقل خطورة عما تقوم به
إسرائيل،وبالتالي وكما نندد بكل المساعي الصهيونية لاختزال فلسطين بغزة
و محاولة فصل غزة الأرض والشعب عن فلسطين الوطن والتاريخ،فإننا نندد
بنفس الشدة بكل إجراء تقوم به أي جهة فلسطينية لتعزيز هذا الفصل
والاختزال حيث يبدو أن أطرافا من حماس وفتح معنية بتكريس الانقسام
والانفصال.
في هذا السياق تأتي خطوة حركة حماس بمنع أعضاء مؤتمر حركة فتح من
أبناء القطاع من المشاركة في مؤتمر الحركة السادس وهو المؤتمر الذي
ينتظره الفتحاويون والوطنيون الفلسطينيون منذ عشرين عاما ليس من اجل
حركة فتح بل من اجل القضية الوطنية كما ذكر القيادي في الجبهة الشعبية
كايد الغول.لا نعتقد بان هذا المنع له علاقة بقضية المعتقلين من حركة
حماس في الضفة بل هو جزء من نهج حمساوي استراتيجي خاطئ وخطير يرمي
لتحقيق هدفين: الأول تبليغ رسالة بأن حركة حماس هي السلطة الفلسطينية
الشرعية الوحيدة وخصوصا في قطاع غزة وبتالي فكل شيء يجب أن يمر من
خلالها،والهدف الثاني الحيلولة دون استنهاض حركة فتح.فقد سبق هذا
القرار عمليات تشكيك وتخوين لكل من ينتمي لحركة فتح وتعذيب وإطلاق رصاص
على أقدام أبناء فتح لمجرد انتقادهم لسلوكيات حركة حماس، ومنع التجمعات
والتظاهرات لأبناء الحركة وتلفيق تُهم قذرة بقذارة من لفقها لشرفاء
الحركة، وقبل ذلك تم منع إحياء ذكرى وفاة أبو عمار ومنع الاحتفال
بانطلاقة الحركة الخ.
إذن الأمر ليس ردة فعل على الاعتقالات في الضفة بل مخطط مدروس ومسبق
للحيلولة دوت استنهاض حركة فتح، وحركة حماس تتوقع من وراء ذلك أن تتفرد
بالساحة الفلسطينية.فهل يمكنها ذلك ؟وهل من مصلحتها والمصلحة الوطنية
إضعاف حركة فتح؟.
لا يمكن لحركة حماس أن تنهي حركة فتح لأن فتح ليست مجرد حزب سياسي
بل هي تمثل التيار الوطني يما يعنيه من هوية وثقافة وطنية وتاريخ وطني،
حركة فتح تمثل الاعتدال والوسطية. عندما نتحدث عن حركة فتح لا نقصد
أشخاص بعينهم بل الفكرة بحد ذاتها،صحيح أن أفرادا وقيادات من حركة فتح
مارسوا الفساد والفلتان وتقاطعت مصالحهم ومواقفهم مع العدو الصهيوني،
وصحيح أن تنظيم حركة فتح الراهن مهلل البنيان وشبه مُصادَر من مراكز
قوى معينة،ولكن حركة فتح ليست هؤلاء، حركة فتح هي القطاع الكبير من
الشعب الفلسطيني المؤمن بالوطنية الفلسطينية وبالتحرر الوطني وهي
الأغلبية التي تريد مؤتمرا حقيقيا للحركة لتخليصها مما عَلُق بها من
أدران وخطايا وتخليصها من شخصيات أساءت لها ولا يمكن التخلص منهم إلا
بمؤتمر عام يحضره كل المخلصين من أبناء الحركة.
ومن هنا فإن من يعيق انعقاد المؤتمر إنما يعمل على إبقاء حركة فتح
ضعيفة وإبقاء الفاسدين في مواقعهم، وإضعاف حركة فتح إضعاف للوطنية
الفلسطينية وهو نفس ما ترمي إليه إسرائيل،فهذه الأخيرة تعلم أن عدوها
ونقيضها الرئيس ليس الإسلام السياسي بكل مكوناته بل من يحمل ويعبر عن
المشروع الوطني نقيض المشروع الصهيوني.
ندرك جيدا حالة الإرباك التي تسود التحضيرات للحركة ومحاولات البعض
إقصاء مناضلين حقيقيين عن المؤتمر وإفساح المجال لشخصيات فاسدة للصعود
وتبوء مراكز قيادية من خلال التلاعب بعضوية المؤتمر وبقوائم المرشحين
للمركزية والثوري،وندرك أن قيادات نافذة وبالرغم من احتجاجاتها على منع
حماس لأعضاء فتح من حضور المؤتمر وتحميلها مسؤولية ما يترتب على ذلك،و
وبالرغم من التصريحات المتواترة لهذه القيادات حول ضرورة عقد المؤتمر...إلا
أن شكوكا تنتابنا بأن هذه القيادات لا تريد للمؤتمر أن ينعقد أصلا لا
في الداخل ولا في الخارج لأنها لا تريد لفتح أن تنهض من كبوتها وتعود
حركة تحرر وطني حقيقية،ومن هنا تلتقي مصالح الفاسدين في تنظيم فتح مع
تيار من حركة حماس في إضعاف حركة فتح.
استنهاض حركة فتح فيه مصلحة لحركة حماس والعقلاء في حماس يدكون ذلك
–تصريحات الدكتور أخمد يوسف لوكالة أنباء الشرق الأوسط-.فإلى متى ستبقى
حماس متفردة بالسلطة في غزة؟السنوات الأربع التي منحتها لها صناديق
الانتخابات على وشك النفاذ وبعدها ستفقد شرعيتها، فماذا بعد ؟هل ستؤسس
حماس حكومة دينية ربانية لا يشاركها أحد فيها؟وهل سيقبل الشعب والعالم
الخارجي هكذا حكومة؟أم ستضطر حركة حماس للبحث عن شركاء وفي هذه الحالة
وفي حالة غياب حركة فتح لن تجد حركة حماس إلا فصائل منظمة التحرير
المُتَهمة من حماس بالعلمانية والإلحاد وبالتبعية لأبي مازن، وهذه
القوى لن تقبل بشراكة مع حماس بدون حركة فتح، أو شراكة مع جماعات دينية
متطرفة لا تؤمن بالشراكة السياسية بل لا تؤمن بوجود سلطة وحكومة. وعليه
فإن مصلحة حماس تكمن بوجود حركة فتح الوطنية الاتجاه والوسطية المواقف.
الجهل السياسي لا يقل خطورة عن الفساد السياسي،وكما أن الفساد
السياسي كان خير معين لإسرائيل لتدمير السلطة الوطنية والتهرب من
استحقاقات التسوية، إن الجهل السياسي ممزوجا بالحقد عند حركة حماس أضيق
للتيار الفاسد في السلطة ليشكلا خير معين لإسرائيل للاستمرار بتدمير
المشروع الوطني والتهرب من السلام العادل وتكريس فصل غزة عن الضفة،
وحركة حماس بتصرفاتها القمعية في القطاع وبمنعها أعضاء فتح من حضور
المؤتمر تمارس التدمير الذاتي بحق نفسها من حيث لا تدري. صحيح ليست
حركة حماس وحدها تتخوف من استنهاض حركة فتح بل هناك من داخل فتح وداخل
السلطة من لا يرغب في ذلك، إلا أن التصرف المتهور لحماس بمنع أعضاء
المؤتمر بالانتقال من غزة للضفة سيجعل حركة حماس وكأنها السبب في
استعصاء عقد المؤتمر، وفي حالة انعقاده حتى مع حضور أعضاء غزة في آخر
لحظة، فتصرفها هذا سيعطي الذريعة للتيار الفاسد في حركة فتح للتأثير في
مجريات المؤتمر حيث سيوجهون الأمور نحو حركة حماس وممارساتها بدلا من
التركيز على سبل المصالحة الوطنية وسيعيقون اتخاذ أي قرارات مصيرية
لإصلاح الحركة وتصليب مواقفها تجاه التسوية والمفاوضات بذريعة الانقسام
والخطر الحمساوي،كما ستتراجع الدافعية لبحث ملف اغتيال أبو عمار،وبشكل
عام فإن المشاكل الداخلية المستعصية داخل فتح وضريبة المكان والزمان
وقنبلة القدومي ومناورات العضوية ثم أحقاد حركة حماس ومنعها أعضاء غزة
من السفر،كل ذلك يجعل انعقاد المؤتمر أو عدم انعقاده سيان، حيث سيكون
مؤتمرا باهتا،بل سيقول البعض يا ليته لم ينعقد أصلا.
Ibrahem_ibrach@hotmail.com |