أمريكا وايران: أوباما وروَس واستراتيجية المنطقة الوسطة

خيارات (غير صفريّة) وطريق القوة الناعمة يزعج المحافظين

 

شبكة النبأ: في الأيام المشتعلة التي أعقبت الانتخابات في ايران، كان كل شيء يبدو ممكنا حتى تحقيق الحرية أو على الأقل تحقيق المزيد منها في العام الثلاثين لنشأة الجمهورية الإسلامية، وخلال الأحداث المتتالية ـ الحشود الكبيرة، الضرب، صفارات سيارات الشرطة، والقنابل المسيلة للدموع، والدخان الأسود ـ كانت القضية واضحة فقد شعرَ الإيرانيون بخديعة ما، وأرادوا أن يتم إعادة عدّ الأصوات. وكانوا يدركون أنه لا يمكن أن يكون ذلك النصر حقيقيا في ظل لجوء الثلثين الفائزين إلى استعمال القوة، وفي ظل خوفهم من إعادة الفرز، وفي بعض الأحيان كانوا يتساءلون إذا ما كانت الأمم المتحدة سوف تساعدهم، وكانوا كذلك يتساءلون إذا ما كانت أميركا سوف تساعدهم. فكانت تلك هي طريقتهم لكي يقولوا بمشاعرهم المتأججة إن أخلاقية القصة الإيرانية وما تنضوي عليه من معايير الخطأ والصواب كانت سطحية.

ونشرت خدمة "نيويورك تايمز" تحليلا تناول الاوضاع في ايران، كتبه الباحث روغر كوهين، جاء فيه:

لقد همست إليّ امرأة تجلس إلى جانبي قائلة: «سوف ينتصر الصمت على طلقات الرصاص». وكان اسم تلك المرأة هو زهراء، وكانت تضع على رأسها عصابة خضراء اللون ـ وهو اللون الذي اتخذته حملة الدفاع عن المرشح الإصلاحي المهزوم مير حسين موسوي شعارا لها ـ وكانت تحمل في يدها لوحة مكتوبا عليها «هذه الأرض أرضي». وتعكس تلك الكلمات يقين الشعب الإيراني بأن الرئيس محمود أحمدي نجاد لم يسرق فقط الأصوات، ولكنه أهان كذلك الكرامة الإيرانية.

بعد ذلك، تحرك الحشد ببطء تجاه الشمال دون أن تصدر عنه أي هتافات، فقد كان مجرد تعبير عن النقمة. سألني شاب عن البلد التي أتيت منها، وعندما أخبرته بأنني من نيويورك صاح: «أبلغ تحياتنا للحرية فهي قادمة إلى هنا».

وفي الأيام المشتعلة التي أعقبت الانتخابات، كان كل شيء يبدو ممكنا حتى تحقيق الحرية أو على الأقل تحقيق المزيد منها في العام الثلاثين لنشأة الجمهورية الإسلامية. وخلال الأحداث المتتالية ـ الحشود الكبيرة، الضرب، صفارات سيارات الشرطة، والقنابل المسيلة للدموع، والدخان الأسود ـ كانت القضية بسيطة؛ فقد شعر الإيرانيون بالخديعة، وأرادوا أن يتم إعادة عد الأصوات. وكانوا يدركون أنه لا يمكن أن يكون ذلك النصر حقيقيا في ظل لجوء الثلثين الفائزين إلى الوحشية وفي ظل خوفهم من إعادة الفرز، وفي بعض الأحيان كانوا يتساءلون إذا ما كانت الأمم المتحدة سوف تساعدهم، وكانوا كذلك يتساءلون إذا ما كانت أميركا سوف تساعدهم. فكانت تلك هي طريقتهم لكي يقولوا بمشاعرهم المتأججة إن أخلاقية القصة الإيرانية وما تنضوي عليه من معايير الخطأ والصواب كانت سطحية.

واضاف الكاتب، لكن ما كانت إدارة الرئيس الأميركي أوباما تحاول أن تستخلصه من العلاقات الأميركية الإيرانية خلال الأشهر السابقة، كان عاطفيا وكان أفكارا تتعلق بالخير والشر، فكانت الرصانة تستحوذ على أفكار فريق الرئيس للشؤون المتعلقة بإيران، وذلك ما عرفته قبل أن أنهي المحادثات مع كبار المسؤولين في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي.

فقد أخفقت مقاربة إدارة بوش ذات المرجعية الآيديولوجية القائمة حول «محور الشر» في التعامل مع المسألة الإيرانية؛ بل إن طهران قد نجحت في مد نفوذها الإقليمي وتزايد معدل تطويرها لبرنامجها النووي في ذلك الوقت. وأصبحت إدارة أوباما على قناعة بأن الوقت قد أصبح ملائما للتطبيع من خلال وضع مقاربة جديدة وهادئة للتعامل مع دولة تمثل دورا محوريا بالنسبة للمصالح الاستراتيجية مع الولايات المتحدة ـ بدءا من التقدم في مفاوضات السلام العربية ـ الإسرائيلية إلى الانسحاب السلمي من العراق.

واستدرك الكاتب، قد أخبرني المستشار إيراني المولد راي تقية مستشار دينيس روس مفاوض الشرق الأوسط المخضرم الذي كان يعمل على المسألة الإيرانية لصالح إدارة أوباما قبل الانتخابات: «إن اختيار القائد في إيران هو حق أصيل للإيرانيين، ولا يوجد ما نستطيع أن نفعله لكي نتحكم في الأمر». مضيفا: «نحن نحاول أن نتعامل مع إيران ككيان، كدولة بدلا من الانحياز إلى أحد الفصائل. فنحن نريد أن نتعامل بدرجة من العقلانية مع تلك العلاقة لكي تتحول إلى علاقة بين دولتين، بينهما بعض الخلافات وبعض المصالح المشتركة ـ وأن نتجاوز الخطاب المتأجج». وقد ذكرتني كلمات تقية بروس الذي عرف في كتابه «صناعة الدولة» المبادئ الأولى للمصطلح بأنها «يجب أن تكون لديك مبادئ واضحة، وأن تعيد صياغتها لكي تتلاءم مع الواقع».

ولكن الآن، وبينما يتظاهر الحشد المندفع أمامي، كانت حقيقة إيران قد تغيرت، فقد قال الرئيس أوباما في خطابه الافتتاحي: «إلى هؤلاء الذين يتشبثون بالسلطة عبر الفساد والخداع وإسكات المخالفين لهم، اعلموا أنكم على الجانب الخاطئ من التاريخ، ولكننا سوف نمد لكم يدنا إذا كنتم مستعدين لإرخاء قبضتكم». قلما ما أرخيت قبضة بمثل ذلك الوضوح، فقد أُسكِت المعارضون بطريقة قاسية وتم اللجوء إلى الخداع بطرق أكثر وقاحة في إيران بعد 12 يونيو (حزيران).

ومع ذلك، فإن فريق أوباما للشؤون الإيرانية (فريق روس) والمؤلف من ويليام بيرنز وكيل وزارة الخارجية الأميركية الودود، وتوم دونيلون مستشار نائب الأمن القومي النشيط؛ وبونيت تولور، المسؤول المرموق والجاد بمجلس الأمن القومي (الشخص الوحيد بخلاف تقية الذي ذهب إلى إيران)؛ ودينيس ماكدونوف ذي الصلات الاستراتيجية بالبيت الأبيض ـ قد واجه خيارا صعبا ما بين الالتزام بمقاربة التواصل الاستراتيجي مع النظام، وبين التشكيك في شرعيته تحت شعار حقوق الإنسان.

وتابع الكاتب، كانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ـ التي كانت مشاعرها دائما نحو إيران غير سلمية أكثر من الرئيس ـ «تدفع من أجل اتخاذ سياسة متشددة في أعقاب 12 يونيو (حزيران)» وذلك وفقا لما أخبرني به خبير في شؤون الشرق الأوسط ومقرب منها الشهر الماضي. وكان يساندها في ذلك صديقها ونائب الرئيس جو بايدن، ولكنهما لم يعلنا عن ذلك. فقد كانت نبرة الخطاب الأميركي متحفظة، بالرغم من أن شجب أوباما للقمع كان يزداد كلما ازدادت حدته، ولم يتم سحب اليد الممدودة إلى إيران التي تسببت في قدر من الزعزعة في إيران أكثر مما فعلته تهديدات إدارة بوش.

وعندما عدت من إيران، ذهبت لكي ألتقي بأحد هؤلاء المسؤولين البارزين لكي أسأله كيف كان ذلك التواصل. وكانت الإجابة «مؤلم»؛ حيث كان الفريق يلتقي يوميا بعد الانتخابات ويعقدون اجتماعا. وقد أخبرني ذلك المسؤول بأنه: «كان من الصعب أن تضع في اعتبارك كل العوامل المختلفة» وأضاف: «ولكن أخذا في الاعتبار العواقب الوخيمة لوجود نظام إيراني يمتلك القدرة على الحصول على السلاح النووي، فإن القرار في النهاية كان من الضروري أن نستمر في طرح التواصل المباشر معه». وقد أشار إلى أن ذلك الطرح «قد أشير إليه في إطار حملة أوباما» وكان يتم تطويره منذ ذلك. وبمعنى آخر، فإن ذلك له أبعاد عميقة لدى الرئيس الذي يحرك السياسة نحو إيران، التي تقع في قلب الاستراتيجية الدولية التي أحياها والمتعلقة بـ«عصر جديد من التواصل».

واستدرك الكاتب، لكن المدى الذي يستطيع الرئيس أوباما الوصول إليه باسم التواصل قد اتضح في إيران. ففي الوقت الذي خرجت فيه مظاهرات الخميس، بعد الانتخابات بأسبوع تقريبا، كان أقسى شيء استطاع الرئيس أن يجده لكي يصف به تلك الفوضى، هو أن قمع الاحتجاج السلمي «يثير قلقي ويثير قلق الشعب الأميركي». كما أنه قد ساوى بين أحمدي نجاد وموسوي من وجهة نظر الأمن القومي الأميركي، نظرا لأن كليهما يساند البرنامج النووي حتى وإن مات الناس من أجل قضية الانفتاح التي تبناها موسوي.

فقد عادت أميركا الرصينة إلى لعبة السياسة الحقيقية، وأصبحت العبارة المفضلة بين فريق إيران هي «إنها ما هي عليه». ولكن السؤال الآن هو هل يمكن أن يسفر ذلك التوجه عن نتائج. هل يمكن أن يلتزم روس بمبادئه الخاصة المتعلقة بالتقريب بين الأهداف المتعارضة بـ«الوسائل المتاحة»؟ فإلى جانب القضية النووية أضيفت قضية الديمقراطية لكي تجعل المعادلة الدبلوماسية تزداد تعقيدا. فقد حل محل صورة الملالي الإيرانيين والأسلحة النووية بالنسبة للعديد من الأميركيين، صورة الشابة الجميلة ندا أغا سلطان التي سقطت قتيلة بطلقة واحدة وهي تغادر مظاهرات 20 يونيو (حزيران)، وهي عملية الاغتيال التي تم تصويرها والتي انتشرت بشكل فيروسي. أيا ما كانت واقعية أوباما ـ وهي فعالة بمثل غريزته نحو الشرق الأوسط ـ فإن الرئيس الذي تم إسقاط الكثير من المثالية عليه لا يمكنه تجاهل تأثير مقتل ندا.

وقد أخبرني عدد من المسؤولين بأن لدى إدارة أوباما قناعة بأن انتخابات أحمدي نجاد قد خضعت للتزوير، ولكنه مستعد من أجل المصلحة الأميركية أن يتجاهل ذلك، وأن يبدأ في المحادثات. لقد أعيدت العلاقات مع الاتحاد السوفياتي في 1933 وقت القمع الروسي الرهيب، ومع الصين في عام 1972 وسط الثورة الثقافية. ولكن بالطبع فإن إراقة الدماء وقتذاك ـ التي كانت لها أبعاد مختلفة تماما ـ لم يتم تصويرها وبثها عبر موقع «اليوتيوب» في جميع أنحاء العالم.

وتابع الكاتب، كان من أوائل الناس الذين التقيت بهم في إيران الخبير الاقتصادي المقرب من موسوي سعيد ليلاز. (وهو يقبع حاليا في السجن، مثل العديد من النخبة الإصلاحية) وقد أخبرني بأن توجه أوباما ـ اعترافه بالجمهورية الإسلامية وتعهده بالاحترام المتبادل ـ قد أثر على الحملة، حيث إنه أزعج المتشددين. مضيفا: «إن الراديكالية تخلف الراديكالية»، مشيرا إلى أن الطريقة التي كان الرئيس بوش يخاطب بها إيران باعتبارها أصل الشرور هي التي فتحت الباب أمام أحمدي نجاد لكي يسوق لمنتج الحط من الغطرسة الأميركية.

وعلى النقيض من ذلك، فإن الرئيس الأميركي الأسود الذي ينحدر جزئيا من أصول مسلمة والذي يستطيع التواصل مع العالم الإسلامي ـ قد استعرض في بداية حملته الانتخابية قدرته على التغيير ـ حيث وضع النظام الإيراني في موضع الدفاع.

وقد أوضح ذلك كريم سادجادبور أحد المسؤولين الإيرانيين المحافظين والخبير في معهد كارنيغي للسلام الدولي: «إذا لم تستطع إيران أن تقيم علاقات طيبة مع رئيس اسمه باراك حسين أوباما يتحدث عن الاحترام المتبادل ويرسل لنا تحياته، تصبح المشكلة في طهران وليست في واشنطن».

وقد أخبرني توم دونيلون مستشار نائب الأمن القومي في واشنطن: «لقد كان التقارب سببا للضغط. لا شك في ذلك».

لقد كانت إدارة أوباما ـ مثلما أوضح لي دونيلون وتقية وغيرهما ـ تعتمد مبدأ لا ندري فيما يتعلق بنتيجة الانتخابات، وحاولت تأكيد عدم تأكدها من نتيجة الانتخابات بتقديم العرض الدبلوماسي إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.

واستذكر الكاتب، في بداية مايو (أيار)، أرسل أوباما إلى خامنئي بخطاب شخصي سري كما ذكرت «الواشنطن تايمز»، يطرح فيه إطار عمل للمحادثات المتعلقة بالقضية النووية (التي يفترض أن خامنئي يشرف عليها) والأمن الإقليمي، كما علمت من أكثر من مصدر أميركي مطلع على الأمر وموثوق به أن خامنئي قد أجاب على الخطاب كتابة، ولكن رده جاء محبطا.

ولكنها ما زالت استجابة ـ وبالفعل فقد رد خامنئي في مارس (آذار) على الرسالة الاسترضائية التي أرسلها أوباما في عيد النيروز ـ عيد الاحتفال بالعام الفارسي الجديد ـ قائلا: «إذا تغيرتم، فسوف يتغير سلوكنا كذلك».

وكانت الإدارة مستعدة لكي تفعل سياسة التواصل بعد انتخابات 12 يونيو (حزيران). ولكن الشيئين اللذين لم تخطط لهما هما الموقف من ما يشبه العصيان المسلح، وتحول خامنئي من الغطاء المتغطرس للوسيط إلى التحالف الواضح مع أحمدي نجاد، ولكن الموقف قد تغير على نحو مفاجئ، حيث أصبح من الممكن أن تساعد مقاربة إدارة أوباما على دفع الجمهورية الإسلامية إلى كارثة محققة، تاركة إياها أكثر انقساما من أي وقت سابق منذ الوقت التالي للثورة في 1979. وبالتالي، فلا عجب من أن أوباما قد استجاب بحذر، محاولا بوضوح وصعوبة أن يتبنى سياسة محددة لذلك الموقف المتفجر، حيث لم يكن يريد أن يقطع الحبل الرفيع الذي يصله بخامنئي، ولكن غضبه مما يراه كان يتزايد.

وقد سألني بعض المحتجين الذين التقيت بهم في طهران قائلين: «أين أوباما؟». وقد ظهر التغير في موقف خامنئي في خطابه الساخن الذي جاء بعد الانتخابات بأسبوع، عندما أيد أحمدي نجاد وحاول أن يلقي باللوم في الكارثة الدموية على عملاء الغرب «الأشرار». وقد قوض ذلك الموقف ما كان روس وغيره يفكرون فيه في تقريرهم حول السياسة الإيرانية، والذي وضعوه قبل الانتخابات. يقول مسؤول بارز كان مشاركا في وضع السياسة الإيرانية: «لقد كانت النظرية دائما هي أن تتعامل مع المرشد الأعلى لأن القرارات النهائية لم تكن في يد أحمدي نجاد». «ولكنه وقف بعد ذلك إلى جانب أحمدي نجاد، ولكن ما زال عليك أن تبذل الجهد وتغطي تلك الأرض ولكن من الصعب أن تكون متفائلا للغاية».

واضاف الكاتب، ليس واضحا حتى الآن إلى متى يمكن أن تمتد الأزمة في إيران ـ بالتأكيد أسابيع، ومن المحتمل لأشهر، وربما أطول من ذلك. ومن المحتمل أن يرى خامنئي في التقارب مع الولايات المتحدة وسيلة لكي يستعيد التأييد الشعبي، حيث سيصبح من يعمل على التطبيع مع واشنطن بطلا قوميا. ومن المحتمل أن يأتي أحمدي نجاد بالمعتدلين إلى حكومته التي سوف يتم تشكيلها في أغسطس (آب) بنفس الهدف الاسترضائي. وسوف يكون المؤشر الرئيسي هو إذا ما كان سوف يُبقي سعيد جليلي الذي وصف بأنه المهندس الرئيسي للقمع كمفاوضه للبرنامج النووي. فإذا فعل ذلك، فإن المفاوضات ستصبح على الأرجح مضيعة للوقت. بل إنه توجد احتمالية ضعيفة بأن يتم الإطاحة بأحمدي نجاد باسم الاسترضاء. ولكن الشيء المؤكد هو أن أحداث إيران قد جعلت هدف أوباما الطموح بالتقارب، أصبح أكثر صعوبة كما أنه عزز وجهات النظر المتشائمة بشأن طموحات إيران النووية. لقد كان هناك دائما إحساس بالتعاطف مع مكتب المستشار الخاص لوزير الخارجية لشؤون الخليج وجنوب غرب آسيا.

يقع ذلك المكتب إلى جانب المدخل الرئيسي لوزارة الخارجية ضمن سلسلة من الحجرات المبهرجة بعيدا عن المرايا المذهبة والثريا المدلاة في الطابق السابع، حيث يجتمع المسؤولون البارزون. ولمدة أربعة أشهر تبدأ من أواخر فبراير (شباط)، اتخذ دينيس روس من تلك المتاهة كئيبة الألوان منزلا له. ثم في أواخر يونيو (حزيران) تخلى عن أحد الألقاب المبهمة لصالح لقب آخر: المساعد الخاص للرئيس والمدير الأعلى للمنطقة الوسطى.

مهمة روس وأسلوب (المنطقة الوسطى)

وبيّنَ الكاتب، إن مصطلح «المنطقة الوسطى» هو لفظ دبلوماسي أميركي جديد يشمل الأماكن التي لها أهمية بالنسبة للمصالح الأميركية المتعلقة بالحرب والسلام: الأراضي الخطرة بين إسرائيل وباكستان. ووفقا لمنصبه الجديد، فإن روس ينتقل من وزارة الخارجية إلى مجلس الأمن القومي ومن عالم هيلاري كلينتون إلى عالم أوباما، يتحرك مكوكيا بين الاثنين، وهو نوع من الحركة قد ألفناه لشخص خصص سنوات لمحاولة التوفيق بين الإسرائيليين والفلسطينيين في سعي محموم من أجل السلام. وكان روس، 60 عاما، طوال تاريخه يعتقد في إمكانية تحقيق شغفه الأبدي الذي لم يظهر أبدا ـ فقد كان حقا مختفيا ـ في مواصفات اللقبين اللذين حصل عليهما: إيران. ولكن خلف أطناب البيت الأبيض ووزارة الخارجية، فإن إيران هي قضية روس الجديدة.

ولم يضع قبل ذلك روس قدما في إيران مثله مثل العديد من الدبلوماسيين الأميركيين. فثلاثون عاما من انقطاع العلاقات منذ الثورة الإيرانية في 1979 قد جعلت للخبرة المباشرة أهمية قصوى. ولكن لروس مهارة خاصة في تخطي العقبات. فبالرغم من نظرته الباردة وعيونه الزرقاء، فهو قادر على البقاء. وفي الحقيقة فإنه واحد من أكثر القادرين على البقاء في واشنطن، والذين تنقلوا من الإدارة الجمهورية إلى الديمقراطية لمدة تزيد على ربع القرن. وبعدما اتضح في السنوات الأخيرة أن إيران ـ التي كانت مهمشة في مفاوضات كامب ديفيد في 2000 ـ قد أصبحت في قلب قضايا الشرق الأوسط، فقد تحرك معها روس. فقد كان روس يعرف اتجاه الريح. كما أنه لديه التزام نخبوي عميق نحو عملية السلام والأمن الإسرائيلي، وهي القضايا التي تصطدم بها إيران ذات البرنامج النووي المتنامي بقوة كبيرة.

وقال أرون ديفيد ميلير الدبلوماسي السابق الذي كان يعمل لسنوات طويلة مع روس: «إن إيران قد سحبت الأكسجين الموجود في الهواء من كل مكان، حتى أن قضايا مثل الصراع العربي الإسرائيلي أصبحت تبدو ثانوية، وقد رأى دينيس الكتابة على الحائط».

وتابع الكاتب، كان جزء من الكتابة يتعلق بفشل عدم التواصل، فإيران، وعلى مدار جيلين من الدبلوماسيين الأميركيين، كانت هي الفجوة. وقد أخبرني نيكولاس بيرنز الذي كان يعمل نائبا لوزير الخارجية من عام 2005 إلى 2008 (لا تربطه علاقة بخلفه كنائب لوزير الخارجية ويليام بيرنز): «إن الدبلوماسية تتم إقامتها وجها لوجه بين البشر، ولكنني كنت أعمل لمدة ثلاث سنوات، يوما هنا ويوما هناك حول الملف الإيراني، ولم ألتقِ أبدا بأي دبلوماسي إيراني، فلم تفلح الدبلوماسية.

وعلى مدار الأعوام الثمانية التي أمضاها بوش في الرئاسة، أصبحت إيران أقوى. وخلصها التدخل الأميركي من عدوتها طالبان في الشرق وخصمها صدام حسين في الغرب. ووضعت إيران 7.200 جهاز طرد مركزي، وأنتجت ما يزيد على طن من اليورانيوم منخفض التخصيب، وقامت بخطوة حاسمة نحو عتبة القدرة النووية التي قد تؤدي إلى شن هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية. وقد هدد الصقور في إدارة بوش، ولكن كانت أهدافهم، وفقا لتعبير روس، لا تتفق مع وسائلهم. ولم يكن الجيش الأميركي، الذي يخوض حربين بالفعل في العراق وأفغانستان في الجوار، على استعداد لقتال في جبهة ثالثة في العالم الإسلامي، وهي حسابات لم يغفل عنها القادة الإيرانيون.

وقد ذهبت لرؤية فريق روس، وكان ما زال في وزارة الخارجية، لدى عودتي من طهران. ويتحدث روس بلكنة هادئة تحمل بعض الإشارة إلى موطنه في كاليفورنيا. وكان مولعا بعبارات معقدة مثل: إذا لم يستجيبوا، فسوف يتحول انعدام رد الفعل إلى رد فعل. ويعوض الصدق البالغ وابتسامة تلك العبارة الطنانة. وكانت رسالته لي في مارس (آذار): «لدينا ساعة تدق نحو الصراع المسلح؛ لقد فشلت سياستنا السابقة. فلنر إذا كنا نستطيع تحديد مجموعة من أهدافهم التي لا تتناسب تماما معنا. وفي ذلك الحين كان يريد أن يسمع عن الاضطرابات التي شهدتها. وكان رد فعله موزونا: لقد رسم الرئيس طريقا، ويجب أن نتحلى بالحكمة، ولا نقفز في اتجاه أو آخر، وأن نحمل إيران المسؤولية. (ورفض روس طلبي بتسجيل المقابلة).

والتوازن شيء يقدره جيدا هذا الدبلوماسي الحذر. ولكن القضية المتكررة بالنسبة لروس، الذي اعتنق الديانة اليهودية بعد أن نشأ في أسرة غير متدينة لأم يهودية وزوج أم كاثوليكي، هو ما إذا كان قريبا للغاية من المجتمع اليهودي الأميركي وإسرائيل على أن يكون وسيطا نزيها مع إيران أو العرب. وبعد أعوام من العمل مع روس، توصل ميللر في كتابه إلى أنه «يملك ميلا راسخا تجاه رؤية السياسة العربية الإسرائيلية من جانب مصلحة إسرائيل بدلا من جانب الفلسطينيين». وقال لي مسؤول سابق رفيع المستوى في وزارة الخارجية، طلب عدم ذكر اسمه لأنه لا يريد إفساد علاقته بالإدارة: «إن عادة روس السيئة هي التشاور قبل أي شيء مع الإسرائيليين». وقد جنى روس 421.775 دولارا من إلقاء الخطب في العام الماضي، جاء أكثر من معظمها من جماعات إسرائيلية ويهودية، وفقا لبيان بالكشف المالي.

واستدرك الكاتب بالقول، لكن قال روس في كتبه إن رغبته في تحقيق السلام ترشده في محاولته المتوازنة للسير في جميع الساحات الدبلوماسية الممكنة. وقال لي تاكيه: «إنه أكثر شخص يتمتع بمرونة فكرية وبعمق في التفكير وأكثر براغماتي قابلته. ولم أتحدث معه مطلقا في شيء قال لي عنه إننا لا يجب أن نفكر به لأنه سيتجاوز خطا أحمر إسرائيليا. وفكرة أنه يسعى فقط للتفاوض مع إيران ليؤدي ما عليه قبل الانتقال إلى الإجراءات الصارمة خاطئة وزائفة».

وقد أوضحت إسرائيل التي ترى تهديدا وجوديا في وجود إيران نووية، أن صبرها محدود. ولا يعتقد فريق روس أن الإسرائيليين يخادعون. بل يعتقدون أن إسرائيل ترى إيران من منظور الحياة أو الموت. وقال مسؤولون إسرائيليون إنهم لا يعتقدون أن إيران أصابها الجنون لدرجة أن تضربهم بسلاح نووي، ولكنهم يعتقدون أن تغير ميزان القوة بوجود إيران نووية أو شبه نووية سيكون أمرا حاسما يبدأ معه اليهود في مغادرة إسرائيل.

لذلك ظهرت اهتمامات روس القديمة والجديدة، ممثلة في إسرائيل وإيران، في عد تنازلي خطير. وفي الوقت الذي ينتقل فيه إلى مجلس الأمن القومي للعمل إلى جوار صديقه القديم توم دونيلون، يواجه سؤالا جوهريا: هل يستطيع السياسي المخضرم المثقل بالأعباء الذي كتب مجلدا مكونا من 800 صفحة عن قضية إسرائيل وفلسطين تحت عنوان «السلام المفقود» أن يتغلب على عادات وتعاطف راسخ ليكشف عما هو مفقود؟ يحاول أوباما أن يعيد اكتشاف أسلوب التفكير في الشرق الأوسط. وهو يشكك في موقف أميركا الضعيف تجاه إسرائيل، ويجذب سورية إليه ويسعى إلى المناورة مع إيران أمام مخاطر كبرى. ولن يحقق أسلوب التفكير التقليدي ما يسعى إليه الرئيس.

والقصة التي أدت بروس إلى الانتقال إلى مجلس الأمن القومي غريبة. فقد كان تعيينه الأصلي في وزارة الخارجية فاشلا. وقبل أسبوع من تنصيب الرئيس، تم تسريب مذكرة داخلية من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، حيث كان يعمل. وجاء فيها إن روس «قد قبل دعوة للانضمام إلى إدارة أوباما كسفير متجول، ومستشار رفيع المستوى لوزيرة الخارجية المرشحة هيلاري كلينتون. وفي هذا المنصب الذي يقع مكتبه في الطابق السابع، والمصمم له خصيصا، سيكون السفير روس كبير مستشاري الوزيرة في مجموعة من قضايا الشرق الأوسط، من عملية السلام العربي الإسرائيلي إلى إيران».

ولم تكن كلينتون راضية. وشعر فريق أوباما بمن يزاحمه. ولكن كان أوباما يدين لروس بالمنصب. فقد كان مؤثرا في أثناء الحملة في حشد تأييد المجتمع اليهودي الأميركي.

وبعد شهر من التنصيب، ظل روس منسيا. وجاء المنصب المراوغ في النهاية بتولي ملف إيران في وزارة الخارجية، متخفيا تحت مسمى وظيفي عام، ومعلنا في بيان سري ليلي. ولكن كان ويليام بيرنز، السفير السابق في موسكو، الذي قابله أوباما وأعجب به وهو في أول زيارة خارجية له كسناتور في روسيا، قد تولى بالفعل ملف إيران كمساعد لوزيرة الخارجية.

واضاف الكاتب، كان الوضع غير مريح. وعندما سألت في البيت الأبيض في شهر أبريل (نيسان) ما إذا كان روس هو المسؤول الأول عن ملف إيران، وجدت ردا بأن المسؤول الأول عن إيران في وزارة الخارجية هو ويليام بيرنز. وعندما ذهب بيرنز، الذي عمل تحت قيادة روس في قضايا الشرق الأوسط عندما كان جيمس بيكر وزيرا للخارجية ووجد نفسه حاليا رئيسا له، إلى لندن في شهر أبريل (نيسان) ليطلع الحلفاء على سياسة الولايات المتحدة الجديدة في شأن إيران، لم يأخذ روس معه. ولكن بدلا من ذلك سافر مع تالوار، مسؤول مجلس الأمن القومي المختص في شؤون إيران. وقال لي مسؤول أميركي من أصل إيراني أحيانا ما يقدم استشاراته للإدارة، إنه تلقى اتصالات من البيت الأبيض لسؤاله: «هل سيكون الإيرانيون مستعدين لمقابلة روس؟» وكان ذلك سؤالا منطقيا نظرا لعلاقات روس المعروفة بالمجتمع اليهودي الأميركي وآرائه حول إيران التي تميل ناحية الصقور، ومنها تصديقه على تقرير دعا أوباما إلى «البدء في تعزيز القوة العسكرية على الفور»، الذي أعلنه قبل تعيينه. (ودافع روس في مرات أخرى عن التفاوض غير المشروط مدعوما بتهديد فرض عقوبات صارمة). وعندما كنت في إيران في فبراير (شباط)، قال لي رئيس تحرير صحيفة محافظة، حسين شريعتمداري: «إذا أردت إرسال إشارة متشددة وعدم التغيير في الموقف تجاه إيران، فلا يوجد من يقوم بذلك الدور أفضل من روس».

وفي وزارة الخارجية، كانت هناك مشاكل أيضا. كان روس الذي جمع فريقا من ثمانية أفراد في مكتبه في الدور الأول، بعيدا عن دائرة مقربي كلينتون في الدور السابع. وقد أوضحت منذ البداية أنها تريد فريقا جديدا للعمل في قضايا الشرق الأوسط. وقال لي مارتن إنديك، السفير السابق لدى إسرائيل مشيرا إلى روس: «لم يكن سعيدا».

واستدرك الكاتب، لكن تم احتواء التوترات في جو زمالة هادئ، كما يمليه أوباما. واجتهدت كلينتون من أجل دفن خلافاتها الخاصة مع الرئيس بشأن إيران، لتتجنب مصير باول (وزير الخارجية في عهد بوش) ولكي تكون كما يصف إنديك «المساعد الجيد المنضبط». وبينما وصفت كلينتون تصرفات إيران بعد الانتخابات بأنها «تبعث على الأسى وغير مقبولة» في خطاب يتناول السياسة الخارجية في 15 يوليو (تموز)، قالت: «نظل مستعدين للتفاوض مع إيران، ولكن حان الآن وقت التحرك. ولن يظل العرض متاحا إلى ما لا نهاية».

ولكن ظل دورها في الشأن الإيراني إضافيا على نحو واضح. ويقود البيت الأبيض السياسة نحو إيران. وقد أخبرني ماكدونو أن الرئيس يسأل عن إيران «بصورة منتظمة للغاية، وأنه مهتم شخصيا في وضع هذه السياسة». وحاليا سيقرب أوباما روس منه. وكانت النقطة الفاصلة في اتخاذ قرار النقل عندما أثبتت زيارة أوباما إلى السعودية في شهر يونيو (حزيران) أنها لم تكن ناجحة. فلم يحصل على المساعدة السعودية في القضية الإسرائيلية الفلسطينية ولا الموافقة السعودية على قبول معتقلين من غوانتانامو كما كان يرجو.

وكانت النتيجة: وجود حاجة إلى خبرة كبيرة في شؤون الشرق الأوسط من نوعية روس في مجلس الأمن القومي. واتصل أوباما بكلينتون شخصيا ليخبرها بنقل روس.

وكان انتقاله حلا متقنا. فقد أبعد روس عن الخط الأمامي في أي مباحثات ثنائية تجري في النهاية مع إيران، وهو الدور الذي كان روس يأمل في القيام به، ولكن لم ير البيت الأبيض أنه مؤهل له. كما أنه أبعده عن المدار الملاصق لكلينتون وبيرنز، حيث كان دوره غير مريح. وبالتأكيد عزل الانتقال بعض المعينين الجدد في الدور الأول في وزارة الخارجية، وأثار حفيظة بعض العاملين في مجلس الأمن القومي الذين أصبح لديهم مسؤول لم يشعروا بالحاجة إليه، وأصاب مبعوث الشرق الأوسط جورج ميتشل بالقلق. ولكن من الذي يقول إن الحكومة، حتى حكومة أوباما، ليست فوضوية؟ في طهران، قبل الانتخابات، كنت جالسا مع ناصر هاديان، الذي كان يعمل مدرسا في جامعة كولومبيا، وهو حاليا في جامعة طهران. وهو مفكر ذو نفوذ في الشؤون الخارجية تعرف على روس وهو في الولايات المتحدة. وأخبرني هاديان أن إيران تدرس مبادرة أوباما بجدية. وقد كان عضوا في مجموعة من خبراء السياسة الخارجية، الذين اجتمع بهم محمود واعظي في مركز الأبحاث الاستراتيجية في طهران، الذين كانوا يجتمعون كل أسبوعين لمراجعة كيفية الرد على العرض الأميركي. ويعد واعظي التقارير التي تقدم إلى علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس الإصلاحي الأسبق الذي ينتقد بحدة انتخابات 12 يونيو (حزيران) وينتقد خامنئي ذاته.

واضاف الكاتب، قيل لي إن المناقشات كانت مفصلة، ومنها مراجعة لمن مِن الممكن أن يرأس المفاوضات الثنائية في النهاية من الجانب الإيراني. وتم اقتراح اسم واحد وهو علي أكبر ولاياتي، وزير الخارجية الأسبق الذي يعمل كبير مستشاري خامنئي. وفي ضوء ذلك، من المثير للاهتمام أن ولاياتي أثنى على أوباما بعد الانتخابات لبقائه هادئا بشأنها. وقال ولاياتي أيضا: «تقبل أميركا بإيران نووية، ولكن لا تستطيع بريطانيا وفرنسا تحمل إيران نووية». وهذه لغة جديد، على الرغم من مدى صدقها. ويمكن رؤية اللوم الرسمي الغريب لبريطانيا، وإدانة البي بي سي بدلا من صوت أميركا، على أن السلطات الإيرانية تحاول الحفاظ على الخيارات الأميركية متاحة.

وقال لي هاديان: «كان رأيي في جميع الاجتماعات: علينا أن نوافق على التطبيع الكامل والتفاوض الشامل في جميع القضايا. وليس قنصلية أميركية في طهران أو القضية النووية منفردة؛ فذلك لن يفلح. ونظرا لأنني أعرف أننا لا نستطيع التطبيع حتى نحل المخاوف الإسرائيلية، قلت إن روس سيكون مصدر طمأنة مهم، حيث إنه شخص قادر على إقناع اللوبي اليهودي الأميركي بأن أي اتفاق نصل إليه في النهاية قابل للنجاح».

وقال هاديان إن إيران تنظر إلى الجميع في المزيج السياسي ـ بيرنز وروس وتالوار ووالي نصر (المساعد الأميركي من أصل إيراني الذي يعمل مع ريتشارد هولبروك، مبعوث وزارة الخارجية) وغاري سامور (خبير وقف الانتشار النووي في مجلس الأمن القومي، وتوني بلينكين (مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس جو بايدن) ـ وكان الشعور العام إيجابيا. وقال: «ما فعله أوباما من أجل الولايات المتحدة في العالم الإسلامي غير معقول. وليس من السهل أن ينتقده أي شخص هنا».

وهاديان إصلاحي يؤيد موسوي. ولم تختف إيران التي تحدث عنها بعد الانتخابات، حيث ما زال ولاياتي مؤثرا كما كان، ولكن إيران اهتزت. ويشعر خامنئي الذي بلغ من العمر 70 عاما بأنه معرض للخطر في الوقت الحالي؛ وغير واضح على الإطلاق ما إذا كان مستعدا للتفاوض وهو في وضع مهدد. كما أن شكه عميق في الولايات المتحدة؛ وكانت فكرة معاداة الولايات المتحدة في صالحه طوال 20 عاما من الحكم. وقال ساجادبور من مؤسسة كارنيغي: «ما زال خامنئي يعتقد أن الولايات المتحدة تريد العودة إلى علاقة الراعي والعميل، ويتم استغلال القضية النووية من أجل ذلك الهدف». وحتى إذا اختار التفاوض، هل سيكون سعيا لتحقيق تكتيك إيراني معتاد: بإطالة الفترة الزمنية، في الوقت الذي تعمل فيه أجهزة الطرد المركزي، حتى تظهر الخلافات بين الحلفاء الغربيين أو تتدخل الصين وروسيا للدفاع عن طهران؟

وثمة شيء واضح للعيان، وهو أن إيران ليست في وضع يسمح لها بإجراء محادثات في الوقت الحالي، فليس لديها جهاز أمن قومي قائم، كما أن قادتها يكابدون من أجل تعزيز نظام الحكم داخلها. وقد تحطم الركن الجمهوري داخل الجمهورية الإسلامية من أجل إنقاذ نظام يميني متشدد، ولكن كان ثمن هذه المقامرة العنيفة مرتفعا للغاية من ناحية الدعم المفقود والانقسام الداخلي والانتقادات الخارجية. وأصبحت إيران حاضرة في الوعي العالمي، فتبنت فرقة الروك «يو تو» ومادونا قضية الديمقراطية الإيرانية. ومع تراجع أسعار البترول وصعود المعارضة، توقف نمو إيران إقليميا أو بدأ نموها ينكمش. وفي 29 أبريل (نيسان)، جلس روس مع الملك عبد الله بن عبد العزيز في الدمام بشرق السعودية. وتحدث إلى الملك عن سياسة التواصل التي تنتهجها إدارة أوباما إزاء إيران. تحدث روس، وأفاض في حديثه. وحسب ما أفاد به مسؤول أميركي على إطلاع بالاجتماع، فإنه عندما تحدث الملك السعودي في النهاية، قال لروس: «أنا رجل أفعال لست مثلك. وأنا لا أفضل الكلام كثيرا». وبعد ذلك طرح تساؤلات بها عدد من النقاط تتعلق بالسياسة الأميركية إزاء إيران: ما هو هدفكم؟ وماذا سوف تفعلون إذا لم يفلح ذلك؟ وماذا سوف تفعلون إذا لم يكن الصينيون والروس معكم؟ وكيف سوف تتعاملون مع البرنامج النووي الإيراني إذا لم يكن هناك رد موحد؟ شعر روس بالارتباك نوعا ما، وحاول أن يشرح أن هذه السياسات ما زالت تتشكل.

واختتم الكاتب بالقول، لقد كان هذا الحوار عنصر تذكرة مفيد يذكر بأن إدارة أوباما سوف يكون لديها عمل صعب جدا، حتى مع حلفائها، لتقديم جبهة موحدة لإيران. وربما يكون لدى السعودية خوف عربي قديم من الفرس، وربما كان لدى روس جميع الأفكار حول كيف يمكن للسعوديين استخدام قوتهم البترولية من أجل تقويض الإيرانيين (بما في ذلك بيع المزيد من البترول إلى الصين). ولكن الحقيقة هي أنه كانت للسعوديين علاقات طبيعية مع إيران منذ 1991 وسيشعرون دوما بقدر أكبر من الراحة في جعل الحياة صعبة أمام دولة يهودية أكثر من جعلها صعبة أمام دولة إسلامية. وإذا كان السعوديون يتميزون بالصعوبة، فإنهم أقل بالمقارنة بالروس والصينيين، شركاء الولايات المتحدة داخل مجموعة (5+1) التي تهدف الحد من البرنامج النووي الإيراني. وفي الواقع، فإنه يلوح في الأفق أمام إدارة أوباما اختبار جوهري، حول إيران، بشأن مبدأ السياسة الخارجية الجديد. وقد حددت هيلاري كلينتون ذلك على النحو الآتي: «سوف نمضي باستخدام مقدار أكبر من التعاون بين عدد أكبر من اللاعبين مع تقليل المنافسة، مما يؤدي إلى تغير التوازن بعيدا عن عالم متعدد الأقطاب تجاه عالم متعدد الشراكة».

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 5/آب/2009 - 13/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م