على أطلال مكتباتنا

كاظم فنجان الحمامي

لا مجال للمقارنة بين القفزات العظيمة, التي حققتها المؤسسات العالمية في تقنيات طباعة الكتب وتوزيعها وتصنيفها, وبين التدمير المتعمد الذي اجتاح مكتباتنا, واتلف محتوياتها, فقد تعرضت معظم المكتبات في عموم العراق إلى حملة بربرية شعواء, تعمدت إشعال النيران في الكتب والمخطوطات القديمة, فأحالتها إلى ركام من الفحم والرماد. وتطايرت أوراق الكتب والمراجع والدوريات والأطروحات في أتون النيران المستعرة.

ويبدو أنها كانت بفعل فاعل, وتخطيط مدبر. نفذته نفوس مريضة, وقلوب سوداء حاقدة على العراق وأهله. ثم عصفت السنة النيران بأعرق المكتبات البغدادية. فاندلعت حرائق الجهل والتخلف من جديد لتلتهم مكتبة المتنبي. وكانت الحرائق كارثة ثقافية وإنسانية بشعة, استهدفت تجفيف منابع الثروات العلمية, ورواضع النتاجات الفكرية. وتعرضت المخطوطات للاندثار, والفناء, والتلف, والسرقة، خاصة في ظل صعوبة حفظها في أماكن مناسبة, وافتقارنا إلى دقة التعامل معها بالأسلوب الأمثل, واشتركت هذه الكوارث في تراجع مستوى بعض المكتبات الجامعية إلى الوضع, الذي كانت عليه مكتبات المدارس الثانوية قبل نصف قرن من الزمان.

وصرنا في أمس الحاجة إلى إعادة الحياة إلى مكتباتنا العلمية, ورفدها بالكتب والمراجع, وتسهيل اشتراكها في المنظمات العالمية المرتبطة بقطاع المكتبات والمعلومات مثل: الإتحاد الدولي للهيئات المكتبية (IFLA) . ونظام الفهرسة التعاونية الآلية .(OCLC)

فمكتباتنا العلمية تفتقر اليوم للمراجع, والكتب, والنشرات الحديثة. ولاسيما في التخصصات العلمية الواسعة. وتتصف الكتب القليلة المتوفرة فيها بانتماء معظمها إلى ستينات وسبعينات القرن الماضي, ولم تواكب ثورة المعلوماتية, ونهضتها, التي أطلقت العنان لسفن التجديد والتحديث والتطوير, لتعبر المحيطات العميقة, وتجوب الآفاق العلمية المفتوحة. وكانت تلك النهضة وراء تصاعد وتيرة نشاطات شركات الطباعة, ودور النشر. فازدحمت ساحة مبيعات الكتب خارج العراق بوابل من النتاجات الفكرية والعلمية الغزيرة, وفي شتى المجالات. ولم تقتصر نتاجاتها على الطباعة الورقية الفاخرة, بل تجاوزت حدود الطباعة التقليدية, وراحت توظف كل الوسائل الحديثة المتاحة, في تحقيق الأهداف العلمية النبيلة.

حتى بات بمقدور أي إنسان أن يحصل على ضالته, ويقتني الكتاب المطلوب, عن طريق الشبكة الدولية (الانترنت), حيثما كان, وبمجرد النقر على لوحة مفاتيح حاسوبه الشخصي, أو يتصفح الكتاب عن بعد, وهو جالس في البيت أو المكتب, أو يحصل عليه عن طريق إرسال رسالة مختصرة عبر هاتفه المحمول, وكرست المراكز العلمية, ودور الطباعة والنشر نشاطاتها في سبيل تحقيق المزيد من التبسيط, وتوفير المزيد من التسهيلات, في توزيع المجلات, والكتب, والمراجع, والأقراص المدمجة, والأفلام, والبرمجيات. وفتحت قنوات التبادل والتواصل المعرفي الفوري.

إذن يتعين علينا الآن تقديم الإسناد إلى تشكيلات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي, ودعمها في انجاز مهمتها الرامية إلى الارتقاء بمستوى المكتبات الجامعية التخصصية نحو الأفضل.

ونناشد مكاتب الملحق الثقافي لسفاراتنا في الخارج, بضرورة السعي لتجهيز مكتباتنا بأحدث الكتب والمصادر, وذلك من خلال التنسيق والتعاون المباشر مع دور النشر في الدول التي يعملون فيها. وبهذا الصدد نذكر إنّ بعض أساتذة جامعاتنا استطاعوا, وبجهودهم الفردية المتواضعة, فتح قنوات صغيرة للتحاور مع دور النشر الأوربية, التي أبدت استعدادها لمد يد العون والمساعدة, وأرسلت إليهم الكتب المطلوبة على جناح السرعة, ومن دون مقابل مادي.

وكانت مؤسسة (سبرنجر) من بين المساهمين في هذه المبادرات العلمية الخيرة, وهي شركة ألمانية تأسست عام 1842, ولا تربطنا بها رابطة قديمة. بيد إنها استجابت لنداءات أساتذتنا بمجرد مخاطبتها برسالة مختصرة. فما الذي يمنع مكاتب الملحق الثقافي, المنتشرة في سفاراتنا حول العالم, من المحاولة الجادة في هذا الاتجاه الطيب ؟, وما الذي يمنعها من زيارة الجامعات والمراكز العلمية, والتردد على دور النشر, وحثها على الإسهام في رفد النشاطات العلمية العراقية بما تجود به من مطبوعات ؟. 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 2/آب/2009 - 10/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م