في ذكرى ولادته: الإمام السجاد(ع) مدرسة العلم والصبر والشجاعة..

اعداد: عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: تتوالى افراح شهر شعبان المعظّم وتورق شجرة النبوّة بقمر زاهر وينبوع متدفق ومحمل جديد من محامل علم الله, مبلِّغ صابر ومعلّم كبير من معلّمي الإنسانية انتهلَ العلم والمعرفة من منهله الحق فشرع بنشره للبشرية...

في اليوم الخامس من شعبان استبشرت الدنيا وتهللت فرحاً بمولد رابع الائمة المعصومين(ع) ذلك هو سيد الساجدين وزين العابدين الامام علي ابن الحسين(ع),  فقد ولد إمامنا زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام في المدينة يوم الجمعة خامس شعبان عام 38هـ.

أمه: هي شاه زنان (أي ملكة النساء) بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى، ملك الفرس، سماها أمير المؤمنين (عليه السلام) مريم وقيل فاطمة. كما قال شيخنا الحر العاملي في ارجوزته:

وأُمه ذات العلا والمـجـد           شاه زنان بنت يزدجــر

وهو ابن شهريار ابن كسرى        ذو سؤدد ليس يخاف كسرى

وروى القطب الراوندي بسند معتبر عن مولانا الباقر عليه السلام انه قال: لما قدموا ببنت يزدجر بنت شهريار آخر ملوك الفرس وخاتمهم على عمر وأدخلت المدينة إستشرقت لها عذارى المدينة وأشرق المجلس بضوء وجهها ورأت عمر فقالت: أفيروزان، فغضب عمر فقال: شتمتني العجلة، وهم بها، فقال له علي عليه السلام: ليس لك إنكار ما لا تعلمه، فأمر (عمر) أن ينادى عليها، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يجوز بيع بنات الملوك وان كانوا كافرين ولكن أعرض عليها أن تختار رجلاً من المسلمين حتى تزوج منه ويحسب صداقها عليه من عطائه من بيت المال يقوم مقام الثمن، فقال عمر: أفعل، وعرض عليها أن تختار فاختارت الإمام الحسين عليه السلام فقال أمير المؤمنين عليه السلام له: احتفظ بها وأحسن إليها، فستلد لك خير أهل الأرض في زمانه بعدك وهي أم الأوصياء الذرية الطيبة، فولد الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام.

الرؤيا الصالحة:

وروي أنها قالت: رأيت في النوم قبل ورود عسكر المسلمين علينا، كأن محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل دارنا وقعد ومعه الحسين عليه السلام وخطبني له وزوجني أبي منه، فلما أصبحت كان ذلك يؤثر في قلبي وما كان لي خاطب غير هذا، فلما كان في الليلة الثانية رأيت فاطمة بنت محمد عليها السلام وقد أتت وعرضت عليّ الإسلام وأسلمت  ثم قالت: إن الغلبة للمسلمين وانك تصلين عن قريب إلى ابني الحسين عليه السلام سالمة لا يصيبك بسوء أحد، قالت: وكان من الحال إني خرجت من المدينة ما مس يدي إنسان.

وروى الشيخ المفيد رحمه الله ان أمير المؤمنين عليه السلام ولى حريث بن جابر الحنفي جانباً من المشرق، فبعث إليه ابنتَي يزدجرد بن شهريار بن كسرى، فنحل ابنه الحسين عليه السلام شاه زنان منها، فأولدها زين العابدين عليه السلام، ونحل الأخرى محمد بن أبي بكر فولدت له القاسم (جد الإمام الصادق عليه السلام من أمه) فهما (أي القاسم والإمام زين العابدين عليه السلام) ابنا خالة.

إخوته وأخواته:

علي الأكبر، عبد الله الرضيع ـ الشهيدان في كربلاء اما الإناث فسكينة، فاطمة، رقية

أولاده و بناته: كان للإمام العديد من الابناء منهم: محمد أبو جعفر الباقر (عليه السلام) عبد الله، الحسن، الحسين، زيد، عمر، الحسين الأصغر، عبد الرحمن، سليمان، علي محمد الأصغر.و خديجة و أم كلثوم و فاطمة و علية.

ألقابه ونقش خاتمه عليه السلام: 

أمّا كُناه وألقابه عليه السلام فأشهرها أبو الحسن وأبو محمد الباقر وألقابه المشهورة زين العابدين وسيد الساجدين والعابدين والزكي والأمين والسجاد وذو الثفنات.

وكان نقش خاتمه: الحمد لله العلي وعلى رواية الإمام الباقر عليه السلام: العزة لله وعلى رواية مولانا أبو الحسن موسى الكاظم عليه السلام: خزي وشقي قاتل الحسين بن علي عليه السلام.

روى ابن بابويه عن الإمام الباقر عليه السلام انه قال: ان أبي علي بن الحسين عليه السلام ما ذكر نعمة الله عليه إلا سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله عز وجل فيها سجود إلا سجد، ولا دفع الله تعالى عند سوء يخشاه أو كيد كايد إلا سجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد ولا وفق لإصلاح بين اثنين إلا سجد، وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمي السجاد لذلك.

الإمام ذو الثفنات:

وقال الامام الباقر عليه السلام أيضا: كان لأبي عليه السلام في موضع السجود آثار ناثئة وكان يقطعها في السنة مرتين في كل مرة خمس ثفنات، فسمي ذا الثفنات لذلك.

قال أهل اللغة ان الثفنة مفرد ثفنات البعير أي الموضع الذي يمس الأرض من البعير فيشتد ويغلظ، فيعلم حينئذ ان جبهة زين العابدين عليه السلام وكفّى يديه وركبتيه ظهرت فيها ثفنات من كثرت السجود فكانت تقطع في السنة مرتين.

وروي أيضاً ان الزهري إذا حدث عن علي بن الحسين عليه السلام قال: حدثني زين العابدين علي بن الحسين، فقال له سفيان بن عيينة: ولم تقول له زين العابدين؟

قال: لأني سمعت سعيد بن المسيب يحدث عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا كان يوم القيامة ينادي منادي أين زين العابدين؟ فكأني أنظر إلى ولدي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يخطر بين الصفوف. 

في عبادته عليه السلام:

ان كثرة عبادة زين العابدين أشهر من ان تُذكر، فانه عليه السلام أعبد أهل زمانه كما أشير إليه في ذكر ألقابه عليه السلام ويكفينا في الإشارة إلى هذا المعنى عدم تمكن أحد من الناس على مضاهاة أمير المؤمنين عليه السلام في العبادة إلا هو، فإنه يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة، فإذا دخل وقت الصلاة ارتعش جسمه الشريف واصفر لونه، وإذا شرع فيها كان كجذع الشجرة لا يتحرك إلا ما حركت منه الريح، وإذا وصل في القراءة إلى مالك يوم الدين  ظل يكررها إلى ان يوشك على الموت، وإذا سجد لم يرفع رأسه الشريف حتى يتصبب عرقاً، وإذا أصبح أصبح صائماً وإذا أمسى أمسى عابداً وكان يستمر في صلاته ليلاً حتى يصيبه التعب إلى درجة انه لا يقدر على النهوض إلى الفراش فكان يذهب إليه كهيئة الأطفال الذين لا يقدرون على المشي، وإذا دخل شهر رمضان لم يتكلم إلا بالدعاء والتسبيح والاستغفار، وكانت لديه صرّة فيها تراب قبر الحسين عليه السلام فإذا أراد السجود سجد عليها.

وفي عين الحياة عن حلية الأولياء انه: كان علي بن الحسين عليه السلام إذا فرغ من وضوء الصلاة وصار بين وضوئه وصلاته أخذته رعدة ونفضة، فقيل له في ذلك فقال: ويحكم أتدرون إلى من أقوم؟ ومن أريد أناجي؟ وإذا توضأ أصفر لونه.

 وأتت فاطمة بنت علي بنت أبي طالب عليها السلام إلى جابر بن عبد الله، فقال له: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن لنا عليكم حقوقاً ومن حقنا عليكم أن إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهاداً ان تذكروه الله، وتدعوه إلى البقيا على نفسه وهذا علي بن الحسين بقية أبيه الحسين قد إنخرم أنفه ونقبت جبهته وركبتاه وراحتاه أذاب نفسه في العبادة، فأتى جابر إلى بابه واستأذن، فلما دخل عليه وجده في محرابه قد أنضته العبادة، فنهض عليّ فسأله عن حاله سؤالاً حفياً، ثم أجلسه بجنبه ثم أقبل جابر يقول: يا بن رسول الله أما علمت ان الله إنما خلق الجنة لكم ولمن أحبكم وخلق النار لمن أبغضكم وعاداكم، فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك؟ فقال علي بن الحسين عليه السلام: يا صاحب رسول الله أما علمت أن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلم يدع الاجتهاد له وتعبّد بأبي هو وأمي حتى انتفخ الساق وورم القدم وقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً، فلما نظر إليه جابر وليس يغني فيه قول، قال: يا بن رسول الله البقيا على نفسك فانك من أسرة بهم يستدفع البلاء وبهم تستمسك السماء.

 فقال: يا جابر لا أزال على منهاج أبوي مؤتسياً بهما حتى ألقاهما.

المدرسة السجادية:

إنّ حالة الجمود الفكريّ والركود العلميّ التي أصابت الاُمّة الإسلامية بسبب سيطرة بني أميّة على الحكم كانت تستدعي حركة فكرية اجتهادية تفتح الآفاق الذهنية للمسلمين كي يستطيعوا أن يحملوا مشعل الكتاب والسنّة بروح المجتهد البصير، وهذا ما قام به الإمام زين العابدين (عليه السلام) فانبرى إلى تأسيس مدرسة علمية وإيجاد حركة فكرية بما بدأه من حلقات البحث والدرس في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) وبما كان يثيره في خطبه في صلوات الجُمَع اُسبوعيّاً.

أخذ الإمام (عليه السلام) يحدّث بصنوف المعرفة الإسلامية من تفسير وحديث وفقه وعقائد وأخلاق، ويفيض عليهم من علوم آبائه الطاهرين ويمرّن النابهين منهم على التفقّه والاستنباط.

وقد تخرّج من هذه الحلقة عدد مهمّ من فقهاء المسلمين، وكانت هذه الحلقة هي المنطلق لما نشأ بعد ذلك من مدارس فقهية وشخصيات علمية.

ونلمس من خلال ما ورد عن الإمام (عليه السلام) من أحاديث ترتبط بالعلم والعلماء أنّه قد خطّط لهذه الحركة العلمية تخطيطاً بارعاً ، فهو بالإضافة إلى تفرّغه للتعليم بالرغم من جميع الهموم والآلام التي تركتها له واقعة الطفّ الأليمة وما تلاها من حوادث مؤلمة في العالم الإسلامي نجده يشيد بفضل العلم ويحثّ المستعدّين للتعلّم حثّاً أكيداً قولاً وعملاً، وتكريماً من جهة، كما نجده يرسم للمتعلّمين آداب التعلّم، ويبيّن حقوق المعلّم والمتعلّم، ويرغّبهما في تحمّل هذا العبء ببيان ثواب التعلّم والتعليم، بحيث استطاع أن يجمع عدداً كبيراً من طلاّب المعرفة الذين عُرفوا بالقرّاء باعتبار أنّ قراءة القرآن وحفظه وتعليم تفسيره كانت هي المحور في التعلّم والتعليم حينذاك، ولم يكن للحديث أو السيرة أو الفقه تدوين وتأليف باعتبار الحظر الذي أوجدته السلطة بعد غياب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلم يكن الخط العام في صالح هذه الحركة الفكرية.

ومع كلّ هذا نلاحظ احتفاء القرّاء والفقهاء والعلماء بالإمام بنحو لا نجد له نظيراً في غيره من العصور ، فإنّ القرّاء كانوا لا يفارقونه في حضر أو سفر حتى قال سعيد بن المسيّب: إنّ القرّاء كانوا لا يخرجون إلى مكّة حتّى يخرج عليّ بن الحسين، فخرج وخرجنا معه ألف راكب.

قال (عليه السلام) مشيداً بفضل العلم وثوابه وأهمّيته: لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج، إنّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى دانيال: إنّ أمقت عبيدي إليّ الجاهل المستخفّ بحقّ أهل العلم، التارك للإقتداء بهم ، وإنّ أحبّ عبيدي إليّ التقيّ الطالب للثواب الجزيل اللازم للعلماء التابع للحلماء القابل عن الحكماء.

وكان (عليه السلام) يكرم طلاّب العلوم ويرفع منزلتهم ويرحّب بهم قائلاً : مرحباً بوصيّة رسول الله (صلى الله عليه وآله). وكان إذا نظر إلى الشباب وهم يطلبون العلم أدناهم إليه وقال : مرحباً بكم أنتم ودايع العلم، ويوشك إذ أنتم صغار قوم أن تكونوا كبار آخرين.

وقد لاحظنا ما جاء في رسالة الحقوق من الإشادة بفضل العالم وحقوقه على المتعلّمين من التعظيم له والتوقير لمجلسه وحسن الإستماع إليه والإقبال عليه وعدم رفع الصوت عليه والدفاع عنه وستر عيوبه وإظهار مناقبه وعدم مجالسة أعدائه وعدم معاداة أوليائه.

كما نلاحظ تأكيده على عدم كتمان العلم وعدم التجبّر بالنسبة للمتعلّمين وحسن الإتقان في فنّ التعليم وعدم ابتغاء الأجر المادّي على التعاليم.

كلّ هذا يشير إلى تخطيط واضح في سلوك الإمام (عليه السلام) لايجاد حركة ثقافية واسعة وتأسيس تيّار ثقافي يتسنّى له أن يقف أمام التيّارات المنحرفة والتخطيط الاُموي الذي لم يرق له تفتّح الوعي الإسلامي عند أبناء المسلمين.

وقد خرّجت مدرسة الإمام زين العابدين (عليه السلام) كوكبةً من العلماء الفقهاء والمفسّرين الذين سطعت أسماؤهم في العالم الإسلامي، وإليهم يعود الفضل في دفع عجلة الإحياء العلميّ في ذلك العصر الرهيب وما تلاه من عصور.

الأخلاق الكريمة:

وقفَ على الإمام السجّاد (ع) رجل فأسمعهُ وشتمَه، فلم يكلمه، فلما انصرفَ قال لجلسائه:  قد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا ردي عليه .فقالوا له: نفعل ولقد كنا نحب أن تقول له ونقول.

قال: فأخذ نعليه ومشى وهو يقول: ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) ، فعلمنا أنه لا يقول له شيئاً، فخرج حتى أتى منزل الرجل فصرخ به فقال: قولوا له هذا علي بن الحسين .قال: فخرج إلينا متوثباً للشر وهو لا يشك أنه إنما جاءه مكافئاً له على بعض ما كان منه.

فقال له علي بن الحسين (عليهما السلام): يا أخي إنك كنت قد وقفت عليّ آنفاً فقلت وقلت، فإن كنت قلت ما فيَّ فاستغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس فيَّ فغفر الله لك. فقبّل الرجل بين عينيه وقال: بل قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحق به.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 29/تموز/2009 - 6/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م