مبدأ المشاركة و وظائف المدير الناجح

قبسات من فكر الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: قيل قديما (إن الفرس بخيّالها أو بفارسها)، بمعنى أن الخيول المتميزة لا يمكن أن تُظهر مهاراتها إلاّ عن طريق الخيّال الذي يمتطيها ثم يحفزها بطرائقه الخاصة ومهاراته التي تختلف عن مهارات غيره، وينطبق هذا المثل العريق على أغلب مجالات الحياة ووسائل العمل وغيرها، فالطيار غير الماهر مثلا لو سلمته قيادة أحدث الطائرات فإنه سيفشل بإظهار إميازات هذه الطائرة، وكذا الحال مع احدث الآلات والاجهزة وما شابه، وينطبق هذا المثل أيضا على قيادة التجمعات العملية والفكرية، فالعائلة مثلا تأخذ نجاحاتها من قيادة الاب والام لافرادها وكذا الجامعة والمعمل والحزب وما شابه ذلك.

وطالما اننا نتحدث هنا عن فن الادارة وعن مهارات المدراء وقدراتهم المتباينة في قيادة منشآتهم، فإن المهارة الفردية في الادارة تحتاج الى تخطيط وبرمجة دقيقة تضع الخطوط العريضة مع تفاصيلها لتسيير الاعمال الادارية والانتاجية في ذات الوقت، بمعنى أن هنالك عدة جوانب ينبغي على المدير الناجح تحقيقها من خلال مهاراته وذكائه المدعوم بتخطيط دقيق مبرمج يستند الى خبرات عملية وعلمية راسخة، ولذلك فإن ثمة مهام او وظائف عديدة تقع على عاتق المدير، وقد تطرق الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي لهذا الموضوع في كتابه القيّم (الادارة ج1) فقال:

إن (أمام المدير قسمان من الوظائف:

الأول: الوظائف الإدارية.

الثاني: وظائف المؤسسة، وهي عبارة عن تحقيق الهدف الأساسي من المؤسسة الذي هو إشباع حاجات الإنسان ورغباته عن طريق إنتاج أو توزيع السلع أو الخدمات ومن ثم فهناك نشاط آخر غير النشاط الإداري ينبغي على كل منشئة أعمال أن تقوم بها).

ولعلنا نتفق على ان التخطيط يأخذ حيزا واسعا من الاهتمام كونه العنصر او المقوّم الذي يساعد على تحقيق أفضل النتائج سواء في الجانب الاداري او الجانب الانتاجي او غيرهما، وفي هذا الصدد جاء في الكتاب المذكور أعلاه للامام الشيرازي:

(هناك نوعان من النشاط يجب على المدير مراعاة هذا تارة وهذا تارة، وهما متشابكان تشابكاً شديداً، مثلاً عند القيام بأعباء وظيفة الإنتاج في المثال السابق أو التسويق أو غيرهما من وظائف المنشئة لا بد للمدير المسؤول من تخطيط هدفه وسياسته وتنظيم العمل وتنمية الهيئة الإدارية وتوجيه العاملين على التنفيذ ورقابة النتائج وتقسيم أوقاته وأفكاره وأنشطته وأعماله بين هذا الجانب وهذا الجانب، ومن الواضح أن وظائف الإدارة لا تقتصر على الرئيس الأعلى للمنشئة، وإنما هي مجموعة أنشطة للإداريين على اختلاف أنواعها، فهناك الرئيس الأعلى وهناك المديريون الإداريون كإدارة الإنتاج وإدارة التسويق وإدارة المال وإدارة الأفراد إلى غير ذلك).

وهنا سنلاحظ أن المدير ليس هو الطرف او القائد الوحيد في عملية الادارة والانتاج والتسويق وغيرها، نعم هو يمتلك زمام الادارة والتوجيه والامر والتصحيح، غير أن الانفراد بالقيادة سيقود الى خسائر غير محسوبة، لأن العمل المشترك أيا كان نوعه هو الذي يتشكل من مجموعة رؤى وتجارب تتداخل وتتلاقح مع بعضها كي تتبلور وتتمخض عنها خطط وأفكار تدفع المؤسسة او المنشأة الى أمام، فالشراكة مبدأ مهم وغالبا ما يقود الى النجاح وفقا لضوابط مبرمجة سلفا، وقديما قيل أيضا (من استشار الناس شاركهم بعقولهم) ولن يكون هنالك تقاطع بين أن يكون الخيّال او المدير ناجحا وبين الاستفادة من خبرات ومواهب الآخرين المتمرسين.

وعلى الرغم من تعدد المنشآت وأنواعها وطبيعة انتاجها لكنها تتقارب في كثير من الوظائف والمهام المتشابهة لا سيما في جانب إدارة المال وحساباته، وفي هذا الجانب يقول الامام الشيرازي في كتابه (الادارة ج1):

(ولو اتخذنا منشئة صناعية كنموذج للدراسة فإننا نجدها تقوم بالمتعدد من الوظائف المختلفة والتي من أهمها:

الأول: وظيفة الإنتاج.

والثاني: وظيفة التسويق.

والثالث: وظيفة المال.

والرابع: وظيفة الأفراد).

وهذا يتطلب جهدا مشتركا ومخططا له ويتطلب مهارات قيادية كبيرة سواء في الجانب الاداري او الانتاجي، لذلك فالمدير الناجح ليس هو المدير الذي يعتمد خبرته ومهاراته ويترفع على الافكار والمهارات والخبرات الاخرى، بل يتطلب تنوع الوظائف وتوزعه بين الادارة والانتاج والتوزيع والاعلام، يتطلب مبدأ المشاركة الذي يحفظ للمدير مركزه ومكانته ويقدم له خبرات ومهارات مضافة الى رصيده فيجتمع الرافدان، رافد المهارات الفردية للمدير مع رافد مهارات الآخرين لتصب جميع المهارات والخبرات في صالح تطور وتقد المؤسسة الادارية او الانتاجية او كليهما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 29/تموز/2009 - 6/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م