هل بدأ عصر الحداثة السياسية العربية؟

أحمد شهاب

بإمكان العالم العربي أن يقطع خطوات واسعة إلى الأمام في طريق الحداثة السياسية. وبمقدوره أيضا إنجاز الكثير من «مشاريع الأمل الإصلاحية» التي تنتظرها الشعوب العربية، إذا ما أنجز مشروع إعادة بناء المجتمعات على أسس وطنية سليمة، تُحترم من خلالها الخصوصيات الثقافية والاجتماعية، وتُعزز الحقوق الوطنية لدول المنطقة، بما يدفع نحو تغيير بيئة التخلف، وتفكيك سياسات التبعية السائدة، وتبديل المناخ الثقافي داخل المجتمعات العربية، والكف عن رهن الإرادة الجماعية للخارج.

ومن دون هذا الحجم من التحولات، يكون من العبث الحديث عن تحول على مستوى الإصلاح السياسي في دول المنطقة، ولا يمكن الادعاء بأن «عصر الحداثة العربية السياسية» قد بدأ. فموقع الدول العربية والإسلامية على الخارطة الدولية، ينبغي أن يتحدد بدقة، وأعني بذلك الموقع السياسي وليس الجغرافي، ذلك أن بقاء حالة انتظار من يُفكر ويُخطط ويُقرر لدول المنطقة من قبل الآخرين، سوف يدفع نحو استمرار حالة الارتباك في طبيعة السياسات الغربية الموجهة إلى المنطقة، والتي يتفاوت أداؤها من حيث التقدم خطوة، والتأخر خطوات، بحسب المصالح الخاصة بها.

إن السؤال الذي كثيرا ما يُطرح من قبل وسائل الإعلام، وبعض الكتاب والمهتمين في شؤون المنطقة، ولكن قليلا ما يتم التوقف عنده كحال بحثية تستحق الفحص والتدقيق، هو سؤال التعثر، والذي يتلخص في الأسباب التي حالت، ولاتزال دون نهوض الديمقراطية داخل دول العالم العربي.. ولماذا فشلت مشاريع الإصلاح في العالم العربي، في الوقت الذي تحرز العديد من الانتصارات في دول أخرى؟.

ويبدو لي أن عدم وضوح الرؤية حول الوسائل التي ينبغي على الفاعلين في حقل الإصلاح تبنيها لتحقيق غرض التحول بصورة طبيعية ومقبولة، كفيل بوأد مبادرات التغيير، مهما بدت فاعلة وحصيفة، والإبقاء على الواقع القائم كما هو، بما يعنيه ذلك من انفلات إرادة التغيير من يد المجتمعات العربية، وسيطرة الأجانب عليها، وهو ما يثير الكثير من القلق، ليس من الغايات التي يستهدفها الغرب، وإنما الخشية على مستقبل العملية الإصلاحية، وإذا ما كانت سوف تستكمل حلقاتها من عدمه، ولاسيما أن القوى الكبرى، وفي مقدمتها راعية الإصلاح في العالم «الولايات المتحدة الأميركية»، وعلى الرغم من كل الضجيج الإعلامي والسياسي والعسكري في المنطقة، لم تحسم حتى الآن العلاقة الإستراتيجية بين أولويات ومتطلبات الإصلاح السياسي ومصالحها الدولية والإقليمية، ولاسيما تلك المتعلقة بأمن إسرائيل، ومستقبل النفط، وهو أمر طبيعي، لأن السياسة في الواقع الدولي تُدار بأولوية المصالح، لا أولوية القيم. إن القيم تُمثل المظهر الخارجي للمشاريع السياسية الدولية، وليس أكثر من ذلك.

إنها صورة تجميلية لتمرير القضايا الأكثر سخونة في عالم السياسة، بالضبط كما رفعت الولايات المتحدة شعار «نشر الديمقراطية» لتسويق مصالحها، والتحكم بالأسواق العالمية.

وإن كان ذلك مشروعا في السياسات الغربية، فينتظر من العالم العربي أن يعي مصالحه، والمطلوب منه، ليس أكثر من الاهتمام بتلك المصالح، وتقديمها على ما سواها، والاستفادة من الظروف الدولية والإقليمية لدعم مسيرة الإصلاح الداخلية، إذ لا يمكن أن تترك مشاريع الإصلاح في المنطقة عُرضة لأهواء وقناعات الدول الكبرى، أو رهن المستقبل السياسي للدول العربية لظروف وعلاقات ومصالح الأمم الأخرى، بل لا بد من أن تكون ثمة مبادرات ذاتية، وبحث جماعي، عن أداوت للضغط من الداخل تكون مدخلا لاستثمار الظروف الخارجية فيما لو كانت إيجابية.

هذه المبادرات هي المدخل لتأسيس نظام ديمقراطي عربي، ويبدو لي أن الشرط الأساس للنجاح في معركة التحول والإصلاح في مجتمعاتنا، هو إحياء مشاعر الثقة بالذات، فلن يتمكن العالم العربي من التقدم إلى الأمام، من دون أن يتخلص من النظرة الدونية للذات، وتعزيز قدرة شعوب المنطقة على الإسهام في مشروع التغيير، وحثها على التفكير في أفضل الطرق للاستفادة من ظروف التحول العالمية، فنحن بحاجة إلى الإصلاح، لأن واقعنا يحتاج الكثير من العمل والإنجاز حتى يتقدم إلى الأمام، وليس لأن الآخر يريد أو ينتظر ذلك.

ما فعلناه حتى الآن، هو نوع من الترميم للتصدعات الداخلية التي تسبب بها الاستبداد القاسي الذي عانت منه دول العالم العربي والإسلامي على مر تاريخها الطويل، وهو ترميم مطلوب وضروري، لكن البقاء عند مستوى الترميمات، من شأنه أن يُخفف من حدة القمع في العالم العربي، لكنه بالتأكيد ليس من شأنه أن يتقدم بالواقع إلى الأمام، هذا إن لم يتراجع بنا إلى الخلف، وتتآكل إنجازات التقدم البسيطة التي أحرزناها خلال الفترات السابقة.

في هذا السياق فإن المطلوب بصورة عاجلة، التفرغ لتشريح وتفكيك أسباب تعثر تجاربنا الإصلاحية، والبحث عن العلة الداخلية لاستمرار التخلف السياسي، وسيادة عقلية الاستبداد، وعن السر وراء تراجعنا إلى الخلف، كلما حاولنا أن نتقدم إلى الأمام، وهو ما يتطلب المزيد من الحراك المؤسساتي المدني، الذي يدفع نحو التأسيس الجدّي لثقافة الديمقراطية.

* كاتب من الكويت

ahmed.shehab@awan.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 29/تموز/2009 - 6/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م