الإنسان .. هذا المخلوق الاجتماعي الذي خلقه الله في أحسن تقويم،
يتكون من الروح والجسد، ولأنّه أشرف المخلوقات؛ أراد الله من هذا
المخلوق أن يصعد سلّم التكامل. ومن أجل ذلك أنزل سبحانه وتعالى الشرائع
السماوية؛ لكي تنظّم العلاقة بينه وبين ربه من جهة، وعلاقته مع سائر
الناس في محيطه الاجتماعي من جهة أخرى.
وأما الدولة فقد اخترعها الإنسان، وهي تعتبر من أهم إنجازاته.
والدولة تتكون من أربعة عناصر، هي: الشعب، والأرض (الإقليم)، والحكومة،
والسيادة، وهناك من فقهاء القانون من يرى أنها تتكون من ستة عناصر.
العلاقة بين العناصر المذكورة ينظّمها الدستور الذي وضعه الإنسان،
والدستور يعتبر العمود الفقري لأيّة دولة.
والدولة حالها كحال الإنسان، تنمو، وتتأثر، وتمرض، وقد تشيخ، وربما
تسقط أو تُمحَى من الوجود إذا توافرت فيها عناصر السقوط. في هذه
العجالة لا نرغب في الخوض في الدساتير الجامدة، والأخرى المرنة، لكن
الذي نعلمه أن دساتير الدول الديمقراطية منها والمستبدة تتحدث جميعها
عن الحريات بكل فروعها، وعن فصل السلطات، والحقوق والواجبات، ووظيفة
الحكومة.
وتفادياً لطغيان الحكومة، فقد حددت الدساتير صلاحياتها، وتبنت معظم
الدول مبدأ تداول السلطة. وكون الحكومة هي عنصر من عناصر الدولة، فإن
القانون ينظّم العلاقة بين هذا العنصر والعناصر الأخرى؛ تفادياً لتداخل
السلطات. ولكن حينما تتعدى الحكومة حدود صلاحياتها بهدف البسط
والسيطرة، يحدث خلل في ميزان القوى بين أركان الدولة، وهذا ما يؤدي إلى
بروز أزمات واضطرابات داخلية، ويتسبّب في انتشار الفساد والمحسوبية،
ويؤدي إلى اختلال النظام القضائي، وشلّ السلطة التشريعية.
وحينما يتوقف العمل بالدستور، تعمل الحكومات المستبدة على بسط
سلطاتها، فيتجمّد بذلك مبدأ فصل السلطات. وفي تعاملها مع الجمهور تعمل
على قمع الحريات، وإخماد الاحتجاجات بشتّى وسائل القمع، فتقصي قوى
المعارضة من مراكز صنع القرار، وتفتح أبواب السجون والمعتقلات، وتمنع
حرية الصحافة والتجمّع، وتعمل على تزوير الحقائق، وتبريراً لمواقفها
القمعية تتهم معارضيها بالعمالة للدول الأجنبية. في الحقيقة عندما تمر
أيّة دولة بأزمة كبيرة، فإنّ كيانها يهتز، وسرعان ما ينكشف جوهر وحقيقة
هذه الدولة ومعدنها، ومدى تمتّعها بعناصر القوة.
هناك من الحكومات من تنجح في الامتحان الشعبي والوطني بامتياز،
خاصة حينما تمرّ الدولة بأزمة داخلية خطيرة، وأخرى تسقط مصداقيتها
وسمعتها في الوحل من اللحظات الأولى من الأزمة، فتخسر كل ما جنتها
داخلياً وخارجياً. هكذا نوع من الحكومات قد لا تجد أمامها سوى خيارين،
إما الاستمرار في المزيد من القمع والاستبداد، أو العودة إلى العقل
الجمعي، واحترام إرادة الشعب وخياراته في التغيير والإصلاح.
ويمكن للاستبداد أن يتحكّم في مصير أيّة دولة بُرهةً من الزمن، لكنّ
المؤكد أنّه لن يدوم. وكما قلنا آنفاً، فإنّ الدولة حالها كحال
الإنسان، ومثلما تنكشف حقيقة الفرد وجوهره في حالة الشدة أو الرخاء، أو
في التقلبات الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، كذلك ينكشف جوهر
الدولة حينما تمرّ بأزمات داخلية أو خارجية. فصدق أمير المؤمنين علي
ابن أبي طالب (عليه السلام) حينما قال: “في تقلب الأحوال تعرف جوهر
الرجال” .. هذه الحكمة العلوية تنطبق على الأفراد وكذلك على الدول. |