المقولات الديموغرافية والاقتصادية في منهج الإمام علي عليه السلام

د. ياسين الخليفة

تمثل آيات القران الكريم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (السنة الشريفة) وكذلك منهج الإمام علي عليه السلام المصادر الثلاثة الرئيسية لوضع منهجية إسلامية شاملة في الحياة والمجتمع لكل النواح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والديمغرافية والثقافية.

كما انه وللفهم الشامل لمنهج الإمام علي عليه السلام لا بد من التعرف:

أولا: وبشكل عميق على المصدرين الأساسيين (القرآن والسنة)لان منهجية الإمام عليه السلام قد جاءت مطابقة ومفسرة للنصوص المقدسة وللسنة الشريفة وهذا يتطلب منا جميعا العمل المتواصل وبروح الفريق الواحد لوضع نظرية إسلامية متكاملة في كل قضايا وجوانب الحياة لتكون دستورا للعالم الإسلامي خالدا ومتطورا مع تطور الحياة والحضارات.

وبالطبع فان التعرف والفهم العميق لمنهجية الإمام علي عليه السلام بشكل شامل تحتاج لوقت طويل لاستيعاب السفر الهائل من الخطب والحكم والمواعظ والمقولات في جميع ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والقضائية والاجتماعية والديمغرافية وفي قضايا الحرب والسلم.

وكوني ديمغرافيا اقتصاديا فقد شدتني المقولات الديمغرافية التي وضعها الإمام علي عليه السلام في قضايا السكان والتشغيل والفقر والبطالة والتعليم والتأهيل والتدريب والتي تمثل نظرية ديمغرافية متكاملة تقدم الحلول والسلوكيات المطلوبة لحل القضايا الديمغرافية الصعبة التي يوجهها العالم اليوم في مرحلية العولمة والمعرفة والانفجار التكنولوجي الهائل والتوسع الذي لم يسبق له مثيل في عالم الاتصالات والغزو الثقافي المركز لحضارات وثقافات شعوب العالم الثالث من قبل الطغمة الرأسمالية وحكوماتها هذه القضايا الديمغرافية الصعبة والمسؤولة حاليا عن الكثير من الظواهر الاقتصادية والسياسية في العالم واجهتها شعوب العالم في كل مراحل التطور الاقتصادي التي مرت بها الإنسانية وأعني بها مراح العبودية والإقطاع والرأسمالية اليوم.

وقد تصدى لمعالجة هذه القضايا الكثير من الفلاسفة أمثال أفلاطون وكونفوشيوس وأرسطو ثم بعدهم ابن خلدون وصولا لمالتس وماركس وسبنسر وكورادو جيني وسادلر ودبلداي وغيرهم كثيرون وجاءت أفكارهم ونظرياتهم لمعالجة ومواجهة المشاكل السكانية المعاصرة لهم أو السابقة لعصرهم.

وتمثل نظرية توماس روبرت مالتس في بداية القرن الثامن عشر النظرية الأوسع انتشارا والاشمل لمعالجة قضايا السكان ولكنها مثلت تبريرا وأساسا للنظام الرأسمالي وسلوكياته تجاه شعوب العالم المتخلف في مواجهة المشكلة السكانية المتمثلة بالنمو الديمغرافي السريع.

بداية وقبل التعرف على منهجية الإمام علي عليه السلام في معالجة هذه المشكلة السكانية لابد من التعرف أولا على جوهر هذه المشكلة عبر المراحل التاريخية ليتسنى لنا تقدير المنهجية التي وضعها الإمام علي عليه السلام لاستيعابها وحلها.

وتتلخص المشكلة السكانية بعلاقة النمو السكاني مع التنمية الاقتصادية من جانب ومن جانب أخر بالتركيب العمري لسكان المجتمع أي نسب الأطفال دون الخامسة عشرة (سن الإنتاج) ونسب السكان في سن العمل 15-65.

أما منابع هذه المشكلة الديمغرافية فهي تقوم على العلاقة بين ثلاثة عوامل تتفاعل مع بعضها البعض تحت تأثير عوامل خارجية موضوعية وهي:

.......و.........والهجرة ينتج عن تفاعلهم الصراع الأبدي بين الاقتصاد والسكان.

لآجل الفهم الشامل للمشكلة السكانية لابد أولا من إلقاء بعض الضوء على المشكلة الاشمل وهي // المشكلة الاقتصادية //والتي تتمثل بالتناقض بين مقولتين هما:

أولا – الموارد الاقتصادية المتاحة من رأسمال وأيدي عاملة وأرض وما فوقها وما في باطنها من ثروات ومياه وتربة زراعية وكذلك عامل التقنية وعامل العلم والمعرفة وتوحدت هذه الموارد بكل المراحل التاريخية وفي جميع الدول الغنية والفقيرة بأنها محدودة نسبيا يقول تعالى (آية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملت أيديهم أفلا يشكرون).

ثانيا- الحاجات الإنسانية التي يجب إشباعها وتعتبر غير محدودة ولايمكن إشباعها بشكل كتمل لأنها توصف بالدورية والمتجددة والامتناهية بما فيها للحاجات المادية والمعنوية وان حجم الكتلة المنتجة من السلع والخدمات لإشباعها ورغم تطورها الهائل في الفترة الحالية وبلوغها أكثر من خمسين ترليون بالدولار الامريكي كناتج عالمي إلا أن النمو السكاني السنوي لسكان العالم والذي يبلغ الآن قرابة المائة مليون نسمة سنويا لازال يبتلع هذا الإنتاج يضاف إلى ذلك العوامل السلبية الأخرى التي تعقد المشكلة الاقتصادية والسكانية على السواء من بطالة تكلف أكثر من 400 مليون عاطل عن العمل في العالم ومشكلة الجوع الديمغرافي الذي يشمل الآن واحد مليار نسمة من 6.5 مليار الموجودين على الكرة الأرضية اليوم وكذلك ارتفاع معدلات الفقر ونسب السكان العالية تحت خط الفقر كبيرة جدا في كل دول العالم الغني والفقير لتصل أحيانا إلى 40% من سكان بعض الدول.

 أضف إلى ذلك التصحر وشح المياه ونفاذ بعض الموارد الغير متجددة والمتجددة على السواء بسب الاستهلاك النهم للبشرية لهذه الموارد وكذلك التلوث البيئي الذي تسببه مئات الآلاف ن المصانع في العالم بما تقذفه في بيئة كوكبنا من غازات وملوثات في مصبات الأنهار والبحيرات وكذلك ارتفاع درجة حرارة الكوكب وما يسببه من ذوبان للثلوج وارتفاع منسوب المحيطات التي تلتهم سنويا مئات الكيلو مترات من اليابسة.

ويشتد الصراع بين الموارد الاقتصادية المحدودة على كوكبنا وبين الحاجات البشرية المادية والمعنوية الامحدودة بل المتزايدة بسب النمو السكاني السريع الذي بدوره يتوقف على عاملين أساسين هما:

الولادة والوفاة//كما قال تعالى ((والذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)) ص. وفي قوله تعالى (إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) ويقول الإمام علي عليه السلام في موضوع الموارد والسكان والحاجات (عياله الخلائق ضمن أرزاقهم وقدر أقواتهم ونهج سبل الراغبين إليه والطالبين لديه). ثم يقول (قدر ماخلق فأحكم تقديره.دبر فألطف تدبيره ووجهه لوجهته فلم يتعد حدود منزلته).

في المنهج: عند تحليلنا للعوامل المؤثرة في السلوك الإنجابي والديمغرافي للأسرة برفض القبول بالمقولات والمنطلقات والمبادئ المالتوسية وهي:

1-اعتبار السكان عنصرا بيولجيا وكذلك عملية الإنجاب

2-اعتبار السكان عاملا مستقلا عن تأثير العوامل الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والبعد الروحي (الانتربولوجيا)

3-اعتبار معدلات الإنجاب العالية العائق الوحيد للتنمية الاقتصادية

 4-كما نرفض مقولات المالتوسية الفلسفية وهي مبادئ الإطلاق والتعددية والأبدية والتجريدية والذاتية معتمدين مبادئ الموضوعية والملموسة والانتروبولوجية والنسبية.

حيث نعتبر أن السكان عامل تابع بان واحد لكل الظواهر الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيولوجية معا

كذلك نرفض الاعتراف بالمقولة المالتوسية التي تفسر الجوع والفقر والبطالة والتخلف فقط بارتفاع معدلات الإنجاب والنمو السكاني.

السكان دالة لثلاثة متغيرات أساسية وهي: الإنجاب والوفيات والهجرة ويعتبر الإنجاب أهمها على الإطلاق لان تغيراته تقود إلى تغييرات في حجم وتركيب السكان كما أن سيطرة الإنسان عليها بطيئة جدا لارتباطها بقضايا اجتماعية وعادات وتقاليد حضارية انتروبولوجية وروحية.

لذا فكل النظريات السكانية انصبت على تفسير هذه الظاهرة ووضع ضوابط لها ولسلوكها أو وضع موانع وطرق لتنظيمها والسيطرة عليها.

 يعتبر الإنجاب ظاهرة ديمغرافية بيولوجية واقتصادية واجتماعية وتعاونية وسلوكية وحضارية وبيئية بان واحد وهنا تكمن صعوبة السيطرة على السلوك الإنجابي لأي شعب من الشعوب الا من خلال عنصر الثقافة والعمل(التشغيل) وخاصة النساء.

 منع الاعتراف بأن البيولوجي والجغرافيا والكيمياء (ومن خلال الصبغيات) تضنع الحدود القصوى للإنجاب وهو قرابة 60 بالألف سنويا ولكنها حدود واسعة وبالتالي فان انخفاض أو ارتفاع معدلات الإنجاب يكمن تفسيرها فقط باستعمال كل المتغيرات الثقافية والسلوكية.

وهكذا فالقدرة على الإنجاب هي طاقة بيولوجية كامنة في الإنسان وهي شرط لازم لاستمرار العنصر البشري وهناك حقائق بيولوجية ثابتة في تحديد قدرات الإنجاب تتعلق بسن البلوغ وسن اليأس وعدد مرات الإنجاب وكلها عوامل بيولوجية لايمكن السيطرة عليها.

ولفهم مقولة الإمام علي عليه السلام الديمغرافية لابد من التعرف على المرحلة الحضارية التي جاءت بها فالمرحلة التي جاءت فيها الديانات السماوية السمحة بما فيها الدين الإسلامي قد اتصفت ديمغرافيا بما يلي في جميع إنحاء العالم.

1- معدلات إنجاب عالية جدا تصل إلى الحدود القصوى البيولوجية 60 بالألف

2- معدلات وفيات عالية جدا أيضا تصل أحيانا إلى مستوى الإنجاب أي تفوق 50بالالف ولذا فان مليارات الولادات في تلك المرحلة قد طواها الموت.

3- معدلات نمو سكاني منخفض جدا لا يكاد يبلغ(1) بالعشرة آلاف سنوياً أي تحتاج البشرية آنذاك لمئات بل أحيانا لآلاف السنين لتحقق تضاعفا سكانيا واحدا ولذا فان عدد سكان الكرة الأرضية عند ولادة السيد المسيح عليه السلام بلغ قرابة200 مليون نسمة وفي بداية التاريخ الهجري لم يتجاوز عدد سكان الكرة الأرضية 250 مليون نسمة وقد احتاج الإنسان للوصول إلى هذا العدد أكثر من آلاف الأجيال.

4- انخفاض متوسط عمر الإنسان بسبب كثرة وفيات الأطفال الرضع والني تقترب من 600 لكل ألف ولادة بسبب الظروف المناخية والمعيشية السيئة والعنف ضد الأطفال و سوء التغذية والوضع الصحي المتردي و الحروب.

5- البطالة الهائلة بنسبة لليد العاملة حيث نسبة العاملين لا تزيد عن 15 % من عدد السكان

6- وجود ظاهرة العبودية (السخرة دون اجر) وهي قوة العمل التي قامت على أكتافها حضارات تلك المرحلة الاقتصادية وهي مرحلة الرعي والزراعة البدائية

7- انتشار ظاهرة وأد الأطفال والتخلص من الشيوخ والأرامل من المجتمع.

8- انتشار ظاهرة تعدد الزوجات لأكثر من أربعة وقد تزيد عن عشرة وهي ظاهرة شملت كل المجتمع البشري آن ذاك لامتصاص ظواهر اجتماعية كانت منتشر بشكل واسع مثل الترمل واليتم للأطفال بسبب الحروب والوفيات العالية المبكرة للرجال.

9- تدني المستوى المعاشي والغذائي والصحي وانخفاض أو انعدام الدخل للكثير من طبقات المجتمع.

وكما ذكرنا سابقاً فقد تصدت الكثير من النظريات السكانية لهذا الوضع بالتحليل ومنهم نظريات مالتس وكورا دو جيني ودبلداي وغيرهم وقدوضعت حلولاً أكثرها كان قاسيا ويقع عبئه على الفقراء والجياع واهم هذه الحلول اللاانسانية التي طرحت وأصبحت سائدة سابقاً هي:

1 - نشر الحروب

2 - التخلي عن الفقراء

3 - وأد الأطفال وخاصة الإناث

4 - نشر الإجهاض وإباحته

5 - منع زواج العبيد وحرمانهم من الإنجاب وبالتالي الحصول عليهم بطريقة الأسر.

في هذه الظروف الديمغرافية الصعبة والمعقدة والمتشابكة والقاسية تجيء مقولة الإمام أمير المؤمنين علية السلام لتضع مجالا واسعا ورحبا للحلول أمام الفكر البشري والقادة السياسيين وذلك من خلال طرحها سلوك ديمغرافيا جديداً لتنظيم عملية الإنجاب والنمو السكاني " يقول الإمام عليه السلام" بمقولته الديموغرافية الشهيرة والتي تختزل نظرية بكاملها في عبارة واحدة ألا وهي:

 "قلة العيال احد اليسارين "

هذه المقولة تختزل كل النظريات الديمغرافية السابقة واللاحقة لها وهي تقدم سلوك ديموغرافي جديد يهدف إلى:

1 -السيطرة على عدد الاطفال المرغوب بإنجابهم بدل الوأد بعد الولادة أو ممارسة الإجهاض أثناء الحمل

2- ترك عدد الأطفال المرغوب بإنجابهم مفتوحا حيث لم يحدده الإمام عليه السلام لحكمة وهي أن يتم تحديد عدد الاطفال المرغوب بإنجابهم حسب وضع الأسرة المادي وحسب وضع المجتمع وكذلك حسب المرحلة الحضارية والاقتصادية القائمة أي أنها مقولة تصح لكل زمان ومكان.

3 - رفض فيها الإمام عليه السلام التمييز بين الأحرار والعبيد وجعلها شاملة لكل المجتمع.

4 - لم يستخدم فيها أسلوب الإلزام أو الفرض وتركها لحرية الاختيار عكس ما يحدث في الصين حاليا من تحديد عدد الاطفال بواحد فقط وفي حال إنجاب الطفل الأول أنثى يحق للوالدين إنجاب طفل أخر فانتشرت ظاهرة التخلص من المواليد الإناث حديثي الولادة وذلك بإلقائهم بالترع والبحيرات (أي الوأد)على الطريقة الصينية حيث ظاهرة حب الذكور مازالت عالمية وشاملة (أي إننا نعيش مرحلة ذكورية المجتمع).

5 – ترك الإمام عليه السلام الباب مفتوحا أمام الزوجين لممارسة طريقة "العزل " وقد ذكر الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يمارسون العزل أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينههم. ويقول صلى الله عليه وسلم "تعزل الحرة بأمرها "وهو أسلوب لازال متبعا في أيامنا لتنظيم الأسرة وهو أفضل من الطرق القاسية مثل الوأد أو الإجهاض أو ربط الرحم. أو غيرها من الأساليب اللاحضارية.

6- وقد أراد الإمام عليه السلام من تحديد عدد الأطفال الاختياري للوالدين انه سلوك يتلاءم مع حرية الفرد والمجتمع وذلك حسب الظروف المعاشية والذي عليه يتوقف بالتالي معدل النمو السكاني والتركيب العمري للسكان فمعدل خصوبة المرأة الآن في العالم يتراوح بين طفلين إلى سبعة أطفال لدى بعض الشعوب وعلى هذا المعدل تتوقف معدلات الفتوة الديمغرافية في السكان أي ارتفاع عدد الاطفال (دون سن العمل 15سنة) بحيث يصل لدى بعض الشعوب المتخلفة إلى 50% من السكان بينما هو فقط 20% في دول متقدمة أخرى تعيش ظاهرة الشيخوخة الديموغرافية وعلية أيضاً تتحدد نسبة قوة العمل أي السكان الناشطين اقتصادياً والتي تتراوح بين 20%في الدول المتخلفة لتصل إلى أقصى حد لها وهو 60%في بعض الدول المتقدمة مما يخفض معدل الإعالة الاقتصادية والديموغرافية وعلى هذا يرتفع وينخفض معدل الإعالة الديمغرافية للسكان الناشط اقتصادية من دولة لأخرى. (من شخص واحد إلى أربعة).

7- ربط الإمام عليه السلام بين عدد الأطفال المرغوب بانجابهم في الأسرة الواحدة والمستوى ألمعاشي لهم حيث وضع أمام الدولة اتباع احد طريقين لرفع المستوى ألمعاشي للسكان اما:

أ- اما باتباع الحل الديمغرافي بتقليل معدل نمو السكان إذا كانت الموارد شحيحة لا تسمح برفع المستوى المعاشي.

ب- اتباع الحل الاقتصادي وذلك برفع وتيرة معدل التنمية الاقتصادية عند وفرة الموارد الطبيعية والبشرية (الكوادر المؤهلة)

ونشير هنا إلى المدارس الاجتماعية التي فسرت الظواهر الديموغرافية بعدة عوامل أهمها:

1- المدرسة الاجتماعية البيولوجية (هربرت سبنسر) والتي تربط بين الظواهر البيولوجية والاجتماعية.

2- المدرسة التاريخية (كارل ماركس) وترى إن العامل الاقتصادي هوالعامل الوحيد الذي يؤثر بشؤون المجتمع السياسية والقيمية.

3 المدرسة الجغرافية (براون) وقد فسر كل ما يحدث في المجتمع بظواهر جغرافية بحته.

وهنا لابد إن ننوه بأن المنهج الإسلامي بمصادره الثلاثة (القرآن الكريم -السنة الشريفة – منهجية الإمام علي عليه السلام) عكس هذه الدارس السابقة مجتمعة ترى بشمولية العوامل المؤثرة في الظواهر الاجتماعية والديمغرافية ومنها يمكن أن نستخلص القوانين والمبادئ التي تتحكم بتطور المجتمع بالإضافة إلى المؤثرات الخارجية (العولمة والتطور الهائل لوسائل الاتصال والانفجار العلمي والتقني والغزو الثقافي لحضارات دول العالم الثالث.

وهكذا لا بد من دراسة المجتمع دراسة ديمغرافية ودراسة تاريخية لجميع المراحل الحضارية ودراسة سيكولوجية الأفراد وسلوك المجتمع وإعطاء دور كبير للعقيدة الدينية والبعد الروحي ودراسة العادات والتقاليد والأعراف والثقافة ووضع الطبقات الاجتماعية وواقع الصفوة العلمية التي تشكل قاطرة التطور الاجتماعي وهذا كله يؤكد الارتباط الوثيق بين حركة التاريخ وعلم الاجتماع والديمغرافيا.

وتعتبرالولادة كاكبر قوة ديمغرافية وقد حددت نواميس الإرادة الإلهية حدودها القصوى البيولوجية بقوانين وسنن ثابتة بحيث لا تتجاوز 60 بالالف سنويا حفظا للبشرية بينما تركت الحدود الدنيا للولادة مفتوحة أمام العوامل الاقتصادية والاجتماعية والحضارية والانتروبيولوجية ليحدد كل شعب وحسب كل مرحلة معدل الإنجاب والخصوبة المرغوب به كنتاج لظروفه الحياتية وقد بلغت الكثير من الشعوب الحدود القصوى للولادة فهي تتكاثر عند الحدود البيولوجية القصوى الصارمة للتزايد البشري أي يقترب من 50بالالف.

وأما الوفاة فتشاء الإرادة الإلهية عكس الولادة أن تحدد حدودها البيولوجية الدنيا وذلك عند معدل لا ينخفض لأكثر من 1 بالألف سنويا بشكل صارم لايتعدى هذا الحد مهما بلغ الإنسان من التقدم العلمي والصحي وتركت الحدود العليا للوفيات مفتوحة أمام العوامل الاقتصادية والاجتماعية والتقنية والصحية والانتروبيولوجية لتحدد معدلاتها التي بلغت في بعض المراحل الحضارية حدودا عالية تقترب من معدلات الولادات بحيث التهمت الوفيات معظم الولادات مما جعل النمو السكاني شبه منعدم أو بطيء لكنها انخفضت اليوم إلى معدلات تتراوح بين 2-5 بالالف لدى الشعوب المتقدمة وأكثر من 15بالالف لدى الشعوب المتخلفة وكذلك أدت إلى تطور التراكيب السكانية ومتوسطات البقاء.

وفي تفسير سلوك هاتين القوتين الديموغرافيتين تصارعت النظريات السكانية في مختلف الحضارات السابقة واللاحقة منذ ألاف السنين لتحديد أو شرح سلوك هذه العوامل وتقديم أفضل وأحيانا أسوأ الطرق لمواجهة مشكلة التزايد السكاني والذي يفوق قدرات الإنتاج الاقتصادي على استيعابها مما يقود لظهور أفات اجتماعية كالفقر والبطالة والتخلف والأوبئة وانخفاض مستوى المعيشة والجوع ونفاذ الموارد الغير قابلة للتجدد وأحيانا المتجددة

يقول تعالى ((وهو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا)) وفي شأن الموارد على كوكبنا فإنها محدودة وليس هناك من تزايد إلا ببعض المعادن التي تقذفها الشهب والنيازك على كوكبنا كل ثانية يقول تعالى((وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس)) هذا المعدن الذي يتشكل في مجرة غير مجرتنا فأنزله سبحانه وتعالى على كوكبنا ليشكل مورداً اقتصادياً وقوة جذب داعمة لتماسك الغلاف الغازي الذي يلف الأرض والذي هو المحيط الحيوي للبشرية حيث تحتاج ذرة الحديد لتشكلها إلى درجات حرارة عالية تقدر بآلاف المرات أكثر من حرارة شمسنا بل شموس المجرة بأكملها يقول تعالى (وجعلنا الجبال أوتادا) لامساك وجذب الغلاف الغازي من بقوة جاذبية معدن الحديد الذي بداخل الجبال بما يعادل ستة أضعاف ارتفاع الجبال.

يبلغ عدد سكان العالم اليوم بلغ أكثر من 6.5 مليار نسمة وقد بدأ بشخصين آدم وحواء عليهما السلام يقول تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) ويقول تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) وفي تصارع قوتي الحياة والموت سار النمو السكاني عبر آلاف السنين بطيئا حتى بلغ 200 مليون نسمة عند ولادة السيد المسيح عليه السلام وذلك بسبب تفوق قوة الوفيات وبلوغها معدلات عالية التهمت مليارات الولادات والتي بلغت أكثر من 80 مليار عبر مئات الأجيال رغم معدلات الخصوبة العالية وبسبب الحروب وانخفاض المستوى الغذائي والصحي والممارسات اللاانسانية لتحديد النسل منها وأد الأطفال وحرق الأرامل أو طردهم والتخلص من الشيوخ في بعض الحضارات والإجهاض، واستغلال ملايين البشر ومنع زواج العبيد أو إنجابهم ولم تبلغ البشرية المليار الأول إلا في عام 1830م ولكن بعد 100 عام من هذا التاريخ وصل تعداد سكان العالم بين الحربين إلى 3 مليارات وبأقل من نصف قرن وصل إلى 6.5 مليار وذلك بسبب الانخفاض الهائل في عدد الوفيات وخاصة وفيات الرضع وبقاء الخصوبة بمعدلات عالية بحيث يتزايد سكان العالم اليوم بما يقارب 100 مليون نسمة سنويا وهكذا كان لا بد للعلماء من التصدي لوقف هذا النمو الهائل لعدد السكان فوق كوكبنا ذي الإمكانات والموارد المحدودة رغم كل تطوره التكنولوجي.

تاريخيا وسلوكيا تصدت الكثير من الحضارات لهذه الظاهرة بسلوكيات مختلفة بعضها كان وحشيا مثل وأد الأطفال خوفا من الفقر قال تعالى (لا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم) وشعوبا وحضارات أخرى مارست طقوسا قاسية مثل طرد الشيوخ من القبيلة أو التخلص من المرضى بسبب صعوبة الإعالة الاقتصادية مثل شعوب شرق آسيا وبعضهم مارس طقوس حرق الأرامل بعد موت أزواجهن أو معيليهن مثل الهند في حين قام الهنود الحمر بطرد الأرملة بعد مقتل زوجها ونهب ممتلكاتها.

 وهنا تبدو عظمة منهجية إمامنا عليه السلام بمقولته الخالدة في الديمغرافيا والتي قدمت حلا شاملاً و أبديا لمشكلة السكان في كل العصور والمراحل الحضارية بقوله عليه السلام (قلة العيال احد اليسارين) هذه المقولة الديمغرافية تنطوي على أساساً لنظرية في السكان متكاملة وبجملة واحدة اختزل الطرق الديمغرافي جميعها وقدم عليه السلام نظرية تواجه نظريات مالتس وماركس وأعطى سلوكا ديمغرافيا يعتبر الحل الأمثل لكل قضايا السكان في مواجهة التنمية الاقتصادية وتمتاز هذه النظرية بما يلي:

أولا: اتخاذ قرار حر بعدد الأطفال المرغوب بإنجابهم حسب كل مرحلة من مراحل النمو الاقتصادي فهو قرار حر والنظرية لا تضع عددا معينا للاطفال بل تركت العدد مفتوحاً بين الطفلين لتصل إلى أرقام وأعداد تحددها الأسرة والمجتمع حسب كل مرحلة حضارية إذ عدد الاطفال المرغوب بهم في مرحلة الرعي غير عدد الأطفال المرغوب بهم في مرحلة الزراعة أوالصناعة وذلك لان عمالة الأطفال تبدأ مبكرة في مرحلة الرعي والزراعة بينما تتأخر في المرحلة الصناعية إلى ما بعد 15 سنة من العمر وكما ذكرنا سابقاً لجأت الحكومة الصينية لقرار صارم بتحديد طفل واحد لكل أسرة بالإلزام ونتج عنه القاء مئات الآلاف من الإناث حديثي الولادة في الترع والبحيرات وهو وأد للأطفال على الطريقة الصينية مما جعل الحكومة الصينية تتراجع عن قرارها المتسرع والسماح بإنجاب طفل آخر إذا كان المولود الأول أنثى وقد نتج عن ذلك اختلال نسبة الذكور ونسبة الإناث في المجتمع الصيني وقد حددت النواميس الإلهية نسبة الجنس (الذكور والإناث)عند الولادة في كل دول العالم ب 51% ذكور و49% اناث لكل مائة مولود ثم تتوازن وتتساوى هذه النسبة عند العمر 5 سنوات بسبب ارتفاع وفيات الاطفال الذكور قال تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى).

ثانيا: عدد الاطفال المرغوب بهم يحدده الفرد والمجتمع قبل الولادة وبهذا واجه ظاهرة الإجهاض ألقسري أو الاختياري كما وتخلص من ظاهرة وأد الأطفال حديثي الولادة بسبب الفقر حيث يتم اتخاذ قرار عدد الاطفال المرغوب بهم قبل الحمل بطرق منها العزل وقد ذكر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يمارسون العزل أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينههم.

ثالثاً - يقول الإمام عليه السلام مؤكدا أن الحل لمشكلة السكان والمشكلة الاقتصادية يأتي بأحد طريقين الحل الاقتصادي ويكون ذلك برفع معدلات التنمية الاقتصادية وتحسين مستوى الحياة فان كانت الموارد لا تسمح بذلك لجأنا إلى الطريق الآخر وهو الحل الديمغرافي أي التحكم بعدد الأطفال المرغوب بهم حسب حاجة المجتمع وهذا احد اليسارين واحد الحلول التي تؤمن الرفاهية الاقتصادية للمجتمع.

رابعا: من المعروف ديمغرافيا بان قدرة المرأة على الإنجاب تصل خلال عمرها الإنجابي إلى ما يقرب من 12 ولادة في المتوسط وهذا ما يقود إلى ظهور ما يسمى بالفتوة الديمغرافية أي ارتفاع نسبة الأطفال دو سن العمل 15 سنة لقرابة 50% من السكان وهذه الظاهرة تشكل عبئا اقتصاديا وديمغرافيا كبيرا في حين الدول المتقدمة تعاني من مشكلة ارتفاع سبة الشيوخ فوق 65 سنة ونسبتهم قاربت 20% من السكان بينما نسبتها لدينا في الدول المتخلفة من 3-5% بسبب انخفاض متوسط العمر بين 40-70سنة بينما هي في الدول المتقدمة تجاوزت 85 سنة وأيضا بسبب قلة الأطفال لديهم إذ لا تزيد نسبتهم عم 20% من السكان وينتج عن ذلك أيضا انخفاض نسبة السكان في سن العمل في الدول المتخلفة لأقل من ربع السكان بينما تصل نسبتهم في الدول المتقدمة إلى 60% وهذا يخفف من عبء الإعالة الاقتصادية والديمغرافية على السكان حيث العامل في الدول المتقدمة يعيل نفسه ونصف شخص أو شخص آخر على الأكثر بينما في الدول المتخلفة يعيل نفسه وثلاثة أو أربعة أشخاص آخرين لقد ربط الإمام عليه السلام بين عدد الأطفال المرغوب بهم والمستوى ألمعاشي للمجتمع (المادي والمعنوي) من خلال دالة طردية بين هاذين المتغيرين في ظل الظروف المحددة للموارد الاقتصادية والطبيعية المتاحة وهكذا أراد الإمام عليه السلام بإعطاء الخيار لكل شعب وكل أسره باتخاذ القرار المناسب بعدد الأولاد للتحكم بالتركيب العمري للسكان ولمواجهة مشكلة الإعالة السكانية وترك الخيار مفتوحا دون إلزام بعدد ثابت لأنه لكل مرحلة حضارية معدلات ديموغرافية مناسبة حسب أسلوب الإنتاج ووفرة الموارد الاقتصادية فهناك دول تسعى لزيادة عدد المواليد لكثرة الاستثمارات لديها أو بسبب قلة السكان مثل (كندا- فرنسا-انكلترا- ألمانيا- الإمارات العربية –استراليا) وكلها تحاول زيادة المواليد بل واستقبال الأيدي العاملة المهاجرة إليها وذلك بسبب وفرة مواردها الاقتصادية والطبيعية وقلة سكانها.

في حين دول أخرى تغص بسكانها رغم سعة البعد الجغرافي لديها لان العبرة في الموارد الاقتصادية وليس في الجغرافيا كما في السودان الذي يمثل الخزان العربي للمياه والأرض الزراعية وفي الطرف الأخر تقف النظرية المالثوسية وهي أشهر النظريات الديموغرافية لتقدم حلولا لا إنسانية للمشكلة الديموغرافية فتشجع على عدم الزواج أو تأخيره وتشجع على الحروب وإفشاء الإمراض للتخلص من سكان العالم الثالث كما لا تسمح بمساندة الفقراء والجياع في العالم وإذا قدرنا الزكاة العالمية بمعدل 2.5% من الناتج العالمي البالغ 50 تريليون دولار فستكون حصيلتها 1.25 تريليون أي 1250 مليار دولار وهي كافية سنويا لحل مشكلة كل فقراء وجياع العالم وحل مشكلة العاطلين عن العمل في العالم.

وتتبنى الرأسمالية العالمية اليوم الفكر المالثوسي لتطرح فكرة المليار الديموغرافي الذهبي من سكان الدول المتقدمة وترى بضرورة التخلص من عدد السكان الزائد وهو 3.5 مليارنسمة والإبقاء على 2 مليارنسمة كقوة عاملة لخدمة الرأسمالية العالمية ذات المليار الذهبي عن طريق خلق التي سماها بوش بالفوضى البناءة والحروب الإقليمية وإفشاء الأمراض المصنعة مخبريا (أنفلونزا الطيور والخنازير و جنون البقر وغيرها) كل هذا للتخلص من سكان العالم الفقير وعدم المساعدة في تطوير اقتصادياتهم وإعالة الفقراء

بينما في الإسلام السمح وهذا رسول الله يقول لأحد أصحابه لقد أستشهد أخوك فلان اذهب فتزوج أرملته وهو يهدف من هذا السلوك لتبني الأرملة هي وأولادها الأيتام وإعالتهم اقتصاديا وليس الزواج منها بهدف التمتع يقول تعالى داعيا لتقليل عدد الزوجات بسبب الضعف الاقتصادي ((وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فمثنى وثلاث ورباع)) وهؤلاء اليتامى هم أبناء زوجاتهم اللاتي تزوجوا بهن بهدف إعالتهم وأطفالهم وهكذا جاءت ظاهرة تعدد الزوجات في المجتمع الرعوي كحل لمشكلة الترمل ومشكلة نقص الذكور بسبب الحروب وكذلك لم يقف الإسلام السمح أمام الزواج المبكر لتشكيل الأسر يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) في حين طالب أفلاطون بوضع سن الزواج للذكور عند العمر 36سنة خوفا من التيتم والترمل بسب الحروب وكثرة القتلى من الذكور وظهور مشكلة الإعالة الديموغرافية والاقتصادية التي قدم الإسلام لها الحل ليتعاضد المجتمع مع بعضه البعض.

بينما في حضارات أخرى مورست طقوس الإجهاض ألقسري أحيانا للتخلص من الحمول الغير مرغوب بها وبعضها سن قوانين مختلفة لسن زواج الذكور والإناث لتحديد النسل.

كذلك ظهرت مشكلة الإعالة الاقتصادية:إذ ينتج العالم اليوم كما ذكرنا سابقاً ما قيمته بالدولار الأمريكي من السلع والخدمات ما يقرب من 50 تريليون أكثر من ثلاثة أرباعها ينتج في ثمانية دول سكانها يشكلون أقل من واحد مليار وهذا ما دعته العولمة اليوم بالمليار الذهبي بينما تنتج ال 184دولة الباقية وعدد سكانها يفوق 5.5مليار نسمة الربع الأخر من الناتج العالمي وأيضاً تتوزع الدخول القومية بشكل غير عادل داخل الدول ارأس مالية حيث تمثل ثروة 200أسرة أمريكية قرابة 40% من ثروات أمريكا البالغة15 تريليون دولار سنوياً. يقبع ملايين الأقليات العرقية (زنوج- هنود حمر- المتحدرين من دول أمريكا اللاتينية – ومن المكسيك وشرق أسيا ومن إفريقيا) تحت خط الفقر وفي الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها بينما يرتفع معدل دخل الفرد الأمريكي ليصل إلى أكثر من 50ألف دولار في حين ينخفض دخل الفرد في عشرات الدول الإفريقية والأسيوية إلى اقل من 400 دولار بل 200 دولار في بعضها مثل (مدغشقر واريترييه وموريتانيا والصومال وبنغلادش وجزر القمروغيرها).

المشكلة السكانية الأخرى التي واجهتها البشرية هي ظاهرة العبودية أي العمل بلا أجر (السخرة) وقد شكل السكان العبيد قوة العمل الأساسية لكثير من الحضارات السابقة في حين منع السكان العبيد من الزواج وإنجاب الأطفال لان ذلك مكلف اقتصاديا لمجتمع طبقة السادة.

وقد طالب الإسلام بتحرير العبيد وأعتبر تحرير العبيد(فك الرقاب) وسيلة أو طقسا من طقوس العبادة وساواه بالصيام وجعل الكفارة إما بفك رقبة أو بالصيام أيام معدودات وقد تصدى إمامنا عليه السلام لظاهرة العبودية فانفق كل ماله على تحرير العبيد وفك الرقاب ودعا لذلك وقد ذكر بأنه أعتق ألف مملوك من كد يديه.

أما المشكلة التالية التي نتجت عن النمو السكاني فهي الفقر ويعرف اليوم في أدبيات الأمم المتحدة بعدم قدرة الفرد بالوصول للسلع والخدمات التي تلبي حاجاته المادية والمعنوية (غذاء – كساء – تعليم – خدمات صحية)ويقدر عدد الفقراء اليوم بأكثر من مليار نسمة يعتبرون كلهم إما تحت خط الفقر العالمي أوتحت خط الفقر الوطني الذي يقدر ب 200-400 دولار للفرد سنويا.

 يقول الإمام عليه السلام ((كل شيء خاشع وكل شيء قائم به غني كل فقير وعز كل ذليل وقوة كل ضعيف ومفزع كل ملهوف قسم أرزاقهم وأحصى أثارهم واله الخلق ورازقه)) وواجه الإمام عليه السلام بكل طاقاته ظاهرة الفقر وساواها بالكفر وقال عليه السلام ((لو تمثل الفقر رجلا لقتلته)) وبالوقت نفسه طرح عليه السلام مفهوم حل للصراع الطبقي سلميا حتى لا يتحول الفقراء إلى حاقدين على الأغنياء ويحل التناقض الطبقي بطريقة ماركس بالعنف إذ طالب عليه السلام الفقراء بالتحلي بالعفة وقال((زينة الفقر العفة وزينة الغنى السخاء)) وهكذا قدم الإمام عليه السلام أروع صورة للحل السلمي لمسألة توزيع الناتج القومي وإعادة توزيعه بين الطبقات إذ طالب الفقراء بالعفة والتحمل وطالب الأثرياء بالسخاء والعطاء وهذا لظروف بسبب ظروف الإنتاج الرعوي والتجاري المتخلفة وكان الإنتاج في أدنى مستوياته فما بالكم اليوم والإنتاج لعالمي قد تجاوز العام لماضي 50 تريليوناً وإذا طبق مبدأ الزكاة كما جاء بها الإسلام لكانت مبالغ الزكاة سنوياً تبلغ ما مقداره 1250مليون دولار وهذا يكفي لحل قضية المليار فقير في العالم. وبالأمس تمخض عن قمة الدول الثمانية في ايطاليا التبرع ب 20 مليار دولار لحل مشكلة الفقر في إفريقيا وهذا مبلغ زهيد لايعادل ثمن غواصة نووية.

الظاهرة الاقتصادية والسكانية التي واجهها الإمام عليه السلام هي ((الاكتناز)) أو حجب السيولة النقدية عن الاستثمار والتداول قال تعالى ((إن الذين يكنزون الذهب والفضة سيطوقون بما كنزوا يوم القيامة)).

والاكتناز ضار بالمجتمع إذ يقود إلى بطالة عناصرالانتاج جميعها (بطالة العمال والأراضي الزراعية وبالتالي خفض الإنتاج وانتشار وتفشي ظاهرة الفقر لذا طالب الإمام عليه السلام الأمة بالعمل وإحياء الأرض والاهتمام بالثروة الحيوانية لأنهما المصدر الرئيسي للإنتاج آن ذاك فقال عليه السلام ((فإنكم مسئولون عن البقاع والبهائم)) أي إحياء الأرض الزراعية الموات والاهتمام بالثروة الحيوانية وخلق فرص عمل للعاطلين عن العمل لحل مشكلة البطالة في المجتمع وتحريك السيولة النقدية المكتنزة والمعروف اليوم أن خلق فرصة عمل واحدة تكلف أي دولة في العالم مبلغ 10ألاف دولار لاستثمار وخلق وإيجاد فرص عمل والقضاء على ظاهرة البطالة المتفشية اليوم والتي تقدر بأكثر من 400 مليون عاطل عن العمل في العالم يقول تعالى ((فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)) ويقول الإمام عليه السلام (أنظروا الى النملة في صغر جثتها ولطافة هيئتها لا تكاد تنال بلحظ البصر ولا بمستدرك الفكر كيف دبت على أرضها وحبت على رزقها وتنقل الحبة إلى حجرها وتعدها في مستقرها وتجمع في حرها لبردها وفي وردها لصدها) لله درك يا أمير المؤمنين على هذه البصيرة النفاذة إذ أكد العلم اليوم بأن النملة هي أقوى كائن على وجه الأرض تستطيع حمل مايفوق 20 ضعف وزنها بينما الإنسان لا يستطيع حمل أكثر من وزنه إلا بضعف أو ضعفين وهكذا دأب أمير المؤمنين بالحث على العمل والبذل والعطاء واستغلال المال في عمل الخير ونفع الأمة يقول عليه السلام (فمن أتاه الله مالا فليصل به القرابة وليمسن منه للضيافة ولفك به الأسير والعاني وليعط منه الفقير والمحروم) ويقول في أهل الاكتناز هلك خزان الأموال وهم أحياء وأعتبرهم حراس على أموالهم فقط يقول عليه السلام (يا ابن أدم ما كسبت فوق قوتك فأنت فيه خازن لغيرك) ويقول(لا غنى كالعقل ولا فقر كالجهل) وفي هذا محاربة للامية والتخلف ودعم للعلم والمعرفة ويقول عليه السلام (لا مال أعود من العقل)

تأكيدا لمقولة أمير المؤمنين عليه السلام هذه فاقتصاديات العالم اليوم تنقسم إلى ثلاث مجموعات = دول ذات اقتصاد الموارد = ومجموعة دول اقتصاد التكنولوجيا ومجموعة دول اقتصاديات المعرفة وهي أقوى اقتصاديات العالم وقد بلغتها اليابان حيث تنتج اليابان اليوم باقتصاد المعرفة (العقول) أكثر من 8 تريليون دولار سنويا مع العلم إن اليابان بمساحتها الجغرافية الصغيرة (تقدر بمساحة العراق) وعدد سكانها 122مليون نسمة ولا تملك أي ثروة باطنية أو أراضي زراعية بل تملك ثروة المعرفة والعقول فقط ويبلغ إنتاجها ضعف إنتاج دولة كبرى مثل الصين عدد سكانها يزيد على 1300مليون نسمة أي أكبر من سكان اليابان بأحد عشر مرة ومساحتها أكبر من مساحة اليابان بعشرين مرة 9 مليون كم2.

 وهكذا أعتبر الإمام عليه السلام أن عنصر رأس المال وعنصر الأيدي العاملة وعنصر الأرض كلها ذات إنتاج محدود بدون عنصر العلم والمعرفة يقول في هذا (المال بلا علم بدون فائدة ولا مال لمن لا تدبير له) وهكذا تتعدد المقولات الاقتصادية والسكانية عند الإمام عليه السلام لذا رسم لنا صورة لعملية التنمية الشاملة في الديمغرافيا والتنمية والاستثمار وكحل لمشكلة البطالة وتحريك السيولة النقدية لخير وصلاح الأمة يقول تعالى (إن الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم).

ويقول تعالى أيضا (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له) وقد أهتم أيضاً أمير المؤمنين عليه السلام بالبعد الثقافي والتاريخي للشعوب كما جاء في رسالته لمالك ابن الاشتر في مصر (اعلم يا مالك أني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور ولا تنقص سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة ولا تحدثن سنة تضر بشيء من ماضي تلك السنن).

هذا تأكيد من أمير المؤمنين عليه السلام على أهمية الأعراف والعادات والتقاليد في المجتمع خاصة الصالح منها والاعتراف بالتراث الحضاري لشعوب كأحد المصادر المرجعية في تسيير المجتمع وذلك باتباع نهج القران الكريم والسنة الشريفة ومنهج الإمام عليه السلام يقول تعالى.

(ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنن الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا)ويقول تعالى أيضاً(ولن تجد لسنة الله تحويلا) وهذا يدل على ربط الفكر الاجتماعي والديموغرافي عند الإمام عليه السلام والنهج الإسلامي من بالاستقراء التاريخي لسنن ونواميس الساحة التاريخية للشعوب.

قال تعالى(أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم دمر الله عليهم للكافرين أمثالها).

كل ذلك في نظام اجتماعي وكوني هائل قال تعالى ((والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز الحكيم)) صدق الله العظيم

* ورقة مقدمة الى المهرجان العالمي التاسع للإمام علي بن أبي طالب الذي عقد تحت شعار: النهج الاقتصادي للإمام علي عليه السلام.. دروس للحاضر والمستقبل، في مدينة حلب في دولة سوريا

www.alferdaows.com

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 25/تموز/2009 - 2/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م