الكتاب العرب ومسؤولية رصد الخلل الاجتماعي والسياسي

تجربة الراحل محمد زفزاف زهد في الحياة والأدب

علي حسين عبيد

  

شبكة النبأ: هل قررت أن أكون كاتبا قبل أن أصبح كذلك وانشر قصصي في مجلات وصحف عراقية وعربية معروفة كمجلتي الطليعة الادبية والاقلام العراقية والكاتب العربي والموقف الثقافي السورية والرافد الاماراتية وغيرها؟

وصحف كالجمهورية والثورة والعراق وصحف عربية كالخليج العربي والفينيق والايام البحرينية وغيرها.

الذي حصل حقيقة انني لا اعرف حتى هذه اللحظة اذا كنت قد قررت ان اكون كاتبا للسرد ولكن ما اعرفه هو انني كنت أجد دائما بين يدي قصة لمحمد زفزاف منشورة في صحيفة الجمهورية او مجلة الاقلام او مجلة الطليعة الادبية او مجلة الثقافة لصلاح خالص التقدمية التوجه والمسار آنذاك كذلك، ولقد كانت من المفاجآت السارة لي آنذاك.. وستبقى دائما ... هو عثوري على قصة لزفزاف في هذه الصحيفة او المجلة العربية او تلك عندما كنت اجوب مكتبات العراق وخاصة في شارع المتنبي الشهير ببيع وشراء الكتب والمطبوعات في بغداد.

كنت عندما أفوز بقصة لزفزاف سرعان ما أطويها تحت ملابسي وأهرب من الشارع والزحام والوذ بغرفتي التي غالبا ما أحصل عليها في احد الفنادق القريبة من مقاهى الادباء في بغداد كمقهى حسن عجمي او البرلمان وفيما بعد مقهى الشابندر وفي الغرفة سأشعر بأن نوبة الفرح المسربل بقليل من القلق ستهدأ رويدا وأبدأ بقراءة قصة زفزاف كمن يتناول وجبة طعام بعد جوع طاغ وتضور طويل، كنت احس انفاس الكاتب تلهث بين الكلمات وكنت ارسم ملامح المكان الذي تتحرك به الاحداث والشخوص في مخيلتي كأنني عشتها وعرفتها منذ زمن بعيد، وكنت حينها أستلذ بالألم الذي يطفح فوق سطور الكلمات والحزن الشفيف الذي يشي بروح بالغة النقاء تتلبس الكاتب لحظة تدوينه لسمفونية العذاب المستمدة من الم الفقراء وجوعهم وعذاباتهم، كان يدهشني زفزاف بصدقه وهو يوغل بوصف الشخصية المهمشة المسحوقة  وكان يدهشني ايضا بجرأته في الطرح وقربه الغريب من ارواح الفقراء وكنت كما يقول الكاتب المغربي .... احمد زيادي .... اجد محمد زفزاف متخفيا بين سطور القصة او السرد الذي غالبا ما يتوه علينا سارده او قائله الا انني كنت وهذا ما ساعدني كي اكتب قصة ناجحة فيما بعد كنت ارى زفزاف مجسدا في قصته يرسم لنا عذابه الانساني وألمه الغريب ومعاناته النقية من خلال تفاصيل لا يمل مطلقا من تدوينها تقدم لنا في الغالب لوحة بالغة الوضوح عن عالم الفقر المدقع والفقراء العظماء من ذوي الانفة التي لا تستطيع ان تقهرها عواصف الجوع الهوجاء، وفي الغالب كنت اعثر على شخصيات فقيرة كنت اتمنى ان اصل الى عصاميتها وصبرها وكفاحها الانساني الجميل من اجل العيش بأنفة لا تضاهيها أنفة الاغنياء الكاذبة وكبرياءهم المزيف ومنذ نعومة اظافري كنت اجد في شخصيات زفزاف أناسا فقراء وبرغم هزالهم وضعفهم الجسدي لكنهم لا يرهبون الجوع ولا يحسدون الاغنياء بالمال والفقراء بالفكر والروح وغالبا ما كنت اتمنى ان اكون انا محمد زفزاف بعينه تلك الشخصية التي لم يصرح بها مطلقا في سرده وخاصة في روايته الثعلب الذي يظهر ويختفي ... /الدار البيضاء 1989 ... لكنه كان يسرد حياته ومشاهداته بهدوء وصدق وجرأة قل نظيرها وبودي ان اكرر هنا قولا عن زفزاف للكاتب الزيادي اذ يقول ( محمد زفزاف صريح إلى درجة الإحراج، صادق إلى درجة الفضح، وأنه رجل المبدأ إلى درجة التهور).

واذا اتفقنا على ان محمد شكري في رائعته الخبز الحافي قد كسر طوق الخوف من البوح بالحقيقة في السرد العربي فإن محمد زفزاف كان الخطوة السردية الجريئة التي صرخت بحقائق الواقع العربي بلا خوف الامر الذي مهد لسرد لا يهاب الواقع مهما كان مشوها بل يتصدى له بروح نقية لا ترمي الى الفضائحية بقدر ما تريد ان تضعها تحت الضوء وضمن بقعة الوضوح التي تجعلنا نتمكن من رؤيتها تحت الشمس من اجل التعامل معها بوضوح ايضا وبنفس القدر الذي تفرزه خطورتها ولا انسانيتها.

واخيرا اقول اننا مؤكد سنتفق على ان الراحل محمد زفزاف كان ولا يزال واقفا في الصف الاول مع كتاب السرد العربي الذين توشحوا بوشاح الحقيقة ووجهوا مصابيح الادب العربي الى مواطن الخلل السياسي والاجتماعي في البلاد العربية عموما وهو من القلائل الذين زهدوا بالحياة ومباهجها وهي رهن يديه على ان الكتابة الصادقة الجريئة الانسانية النهج والتوجه كانت مبتغاه الذي لم يحد عنه يوما وهو بذلك يعد واحدا من اشد اقلام السرد العربي قوة ووضوحا في رصد الخلل الاجتماعي والسياسي وعرضه على الملأ بجرأة متفردة خاسرا بذلك مواقع حياتية حصل عليها كتاب آخرون مقابل ضعفهم وقلة وضوحهم وجرأتهم على ان هذا لا يعني غياب الفن والانحياز التام لما هو واقعي في ادب زفزاف بل هناك الصدق الفني الذي يتدفق بأناة ورفق واصالة لا يمكن تجاهلها في لغتة السردية التي وضعت معيار السهل الممتنع في المقدمة من المقاييس التي تفرق بين المزيف والاصيل في كتابة الأدب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/تموز/2009 - 30/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م