انعدام الأمن البشري خطر جديد يحدق بسكان الدول العربية

تداعيات الصراعات السياسية والمناخ تغيّب التنمية البشرية

اعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: على الرغم من تمتع اغلب مناطق الدول العربية بالعديد من المقومات الكفيلة بخلق واقع حياتي مستقر وآمن لحياة الانسان كشف تقرير اخير لاحد منظمات الامم المتحدة ان مواطني البلدان العربية  يعانون نقص كبير في وصول امدادات تلك المقومات اليهم.

فنقص المياه والغذاء الى حد الجوع الذي تعاني منه اعداد كبيرة من شرائح المجتمعات العربية والفقيرة منها على وجه التحديد باتا من ابرز سمات الواقع الانساني المنظور.

فيما ترزح حسب التقرير برامج التنمية البشرية ومحاولات النهوض بالواقع الاجتماعي والاقتصادي العربي تحت نير الانظمة والقوانين الجائرة التي غالبا ما تكون مصادرة للحريات العامة وعرقلة الجهود التنموية، فضلا عن التباين الملحوظ في توزيع الثروات بين سكان البلد الواحد. 

انعدام أساسيات الحياة

لفت برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في  تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2009، والذي جاء بعنوان "تحديات أمن الإنسان في البلدان العربية" إلى أن انعدام العناصر الأساسية لأمن الإنسان بدءا من الحصول على المياه النظيف والتحرر من الجوع إلى الديمقراطية وسيادة القانون، يحرم سكان الدول العربية من قدرتهم على استخدام كل طاقاتهم الكامنة.

وأضاف التقرير، الذي أطلق في العاصمة اللبنانية، أن أنظمة المنطقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية غير العادلة والصراع على السلطة وتوزيع الموارد على فئات معينة من المجتمع وفي بعض الحالات التدخل العسكري الخارجي تعيق كلها أمن الإنسان الذي وصفه بأنه شرط مسبق لتحقيق التنمية البشرية.

وقالت أمة العليم السوسوة، مديرة المكتب العربي ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، "إن قدرة أكثر من 330 مليون شخص في العالم العربي في العيش بصورة مستقرة وتحقيق كل إمكانيتهم مهددة دائما ليس فقط بالصراع والاضطرابات المدنية بل أيضا بالتدهور البيئي والتمييز والبطالة والفقر والجوع". بحسب(CNN).

وأكدت السوسوة أنه إذا ما تمت معالجة عوامل عدم الاستقرار هذه فإن سكان العالم العربي سيحققون التنمية البشرية، وفق التقرير المنشور في الموقع الإلكتروني للمنظمة الأممية.

وأشار التقرير إلى عدة تدابير يمكن أن تزيد من أمن الإنسان في العالم العربي بما في ذلك الضمانات العالمية لحقوق الإنسان والحريات وخصوصا حقوق المرأة وحماية البيئة ومعالجة الفقر والجوع وتوسيع الخدمات الصحية وإنهاء الاحتلال والتدخلات العسكرية التي تتسبب في معاناة الإنسان وتقضي على التنمية الاقتصادية.

وأشار التقرير إلى أن ست دول عربية تمنع تشكيل الأحزاب السياسية بينما ترقى القيود المفروضة على الأنشطة السياسية والمنظمات المدنية في الدول الأخرى إلى حظر كامل وفرض سياسة الأمر الواقع.

وأضاف التقرير أن التدابير الأمنية الوطنية مثل إعلان حالة الطوارئ غالبا ما تستخدم لتعليق الحقوق الأساسية وتعفي الحكام من القيود الدستورية وتمنح أجهزة الأمن سلطات واسعة.

وعلى الرغم من رفاه المنطقة النسبي، أشار التقرير إلى أن شخصا من بين كل خمسة أشخاص يعيش على أقل من دولارين في اليوم، وأن نسبة 20 في المائة من العرب تعيش في فقر.

تهديد حريات وممارسات تعذيب

كما تحدث تقرير عن تهديد للحريات وممارسات تعذيب في بلدان عربية عدة، وجاء في التقرير "تحديات امن الانسان في البلدان العربية" والذي ينظمه برنامج الامم المتحدة الانمائي- المكتب الاقليمي للدول العربية ان "اجهزة الدولة تمارس انتهاكها حقوق المواطنين في الحياة والحرية من خلال التعذيب والاحتجاز غير القانوني."

وقال التقرير "في اعقاب احداث 11 سبتمبر ايلول 2001 اصدر معظم البلدان العربية قوانين لمكافحة الارهاب تقوم على تعريف فضفاض لمفهوم "الارهاب".

ومنحت هذه القوانين الاجهزة الامنية في الدولة صلاحية واسعة في بعض المجالات التي تشكل تهديدا للحريات الاساسية في مواضيع اخرى". بحسب رويترز.

اضاف "تمارس اجهزة الدولة انتهاكها حقوق المواطنين في الحياة والحرية من خلال التعذيب والاحتجاز غير القانوني.

ودونت المنظمة العربية لحقوق الانسان امثلة على ممارسات التعذيب في ثماني دول عربية بين العامين 2006 و2008." لكن التقرير لم يسم هذه الدول.

وقال "شهدت دول عربية عديدة فترات طويلة جدا من الاحكام العرفية او حكم الطوارىء التي تحولت فيها الاجراءات المؤقتة اسلوبا دائما لتوجيه الحياة السياسية.

وغالبا ما يكون اعلان حالة الطوارىء ذريعة لتعليق الحقوق الاساسية واعفاء الحكومة من اية قيود دستورية مهما كانت محدودة اصلا"

واشار الى ان كثيرين من مواطني البلدان العربية يعيشون في حالة من "انعدام الحرية"ولفت التقرير الى ان الامن الشخصي للمواطنين في البلدان العربية "مشوب بالثغرات القانونية وتراقبه وتتولى تنظيمه مؤسسات تتمتع بسلطة الاكراه وتقوم على مصادرة الحريات."

وتحدث التقرير عن ان معظم البلدان العربية انضمت الى الاتفاقات الدولية الرئيسية الخاصة بحقوق الانسان والتي تنص على الحق في الحياة والحق في الحرية.

ودعا التقرير البلدان العربية المعنية الى التزام "بتعديل تشريعاتها وممارسات على المستوى الوطني بصورة تنسجم مع احكام هذه الاتفاقيات"

غير ان التقرير اشار الى "اننا نشهد من الانتهاك لهذه المواثيق اكثر مما نشهده من الاحترام.

فعقوبة الاعدام التي حظرها اكثر من نصف دول العالم وشجبتها الامم المتحدة ما زالت تتوسع بلدان عربية في تنفيذها فتطبيقها لا يقتصر على الجرائم الكبرى كما لا تستثنى منها حالات الجرائم السياسية"

واكد التقرير ان "العلاقة بين الدولة وامن الانسان ليست علاقة سليمة.. ففيما يتوقع من الدولة ان تضمن حقوق الانسان نراها في عدة بلدان عربية تمثل مصدرا للتهديد ولتقويض المواثيق الدولية والاحكام الدستورية الوطنية."

وشدد هذا التقرير على ان "اخفاق الدولة الذي يكمن وراء ازمة دارفور يقدم دليلا واضحا على مدى تأثير اداء الدولة في امن الانسان."

اما بالنسبة لاوضاع اللاجئين فان التقرير اوضح ان المنطقة العربية تتميز بوضع فريد بين مناطق العالم اجمع فهي المنطقة التي تلتقي فيها قضية اللاجئين الاطول عهدا في كل انحاء العالم اي قضية الفلسطينيين بتلك الاحدث عهدا في درافور.

وقال تقرير للامم المتحدة ان الوضع بالنسبة للمدنيين في دارفور لا يزال "مقلقا للغاية" حيث نزح 2.6 مليون شخص ويحتاج 4.7 مليون الى المساعدة.

وتطرق تقرير التنمية البشرية الى مسألة العنف ضد النساء حيث دعا البلدان العربية الى "سن القوانين الكفيلة بحظر زواج الفتيات قبل بلوغهن سن الرشد اي الثامنة عشرة."

وذكر التقرير بان الدراسات تشير الى ان الزواج المبكر والحمل في فترة المراهقة يهددان صحة الامهات والاطفال ويزيدان من تعرض الاناث للعنف.

نصف لاجئي العالم عرب

ويعتبر التقرير أن امن الإنسان من مستلزمات التنمية الإنسانية و"أن غيابه على نطاق واسع في البلدان العربية أدى إلى عرقلة مسيرة التقدم".

ومن ابرز التحديات التي يواجهها امن الإنسان الضغوط السكانية، إذ أن عدد سكان الدول العربية سيرتفع، حسب تقديرات الأمم المتحدة، "بحلول عام 2015 إلى 395 مليون نسمة مقابل 317 مليونا عام 2007".

وفي ما يتعلق بالبطالة، يعتمد التقرير بيانات منظمة العمل العربية لعام 2005، مشيرا إلى أن نسبة البطالة "في العالم العربي بلغت 14,4% مقارنة ب6,3% على الصعيد العالمي"، لافتا إلى أن هذه المشكلة ستتفاقم، لان اتجاهات البطالة ومعدلات نمو السكان تشير إلى أن الدول العربية "ستحتاج بحلول العام 2020 إلى 51 مليون فرصة عمل جديدة".

ويركز التقرير على انعدام الأمن لدى الفئات الضعيفة لا سيما على صعيد العنف ضد النساء وشرائح اللاجئين والمهجرين. بحسب رويترز.

ويرى أن العنف ضد النساء "أسري ومأسس" يتراوح بين "العنف الجسدي (ضرب واغتصاب وقتل) وبين ممارسات ثقافية واجتماعية تؤذي المرأة" مثل تشويه الأعضاء التناسلية وتزويجها قبل سن الرشد.

وبالنسبة إلى اللاجئين، يلفت التقرير إلى فرادة المنطقة العربية باعتبارها "المنطقة التي تلتقي فيها قضية اللاجئين الأطول عهدا في العالم أي قضية الفلسطينيين بتلك الأحدث عهدا في دارفور".

وهو يقدر عدد اللاجئين في المنطقة بنحو نصف اللاجئين في العالم وفقا للأرقام التي سجلتها المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) و"عددهم في البلدان العربية نحو 7,5 مليون في 2008 من إجمالي عددهم في العالم البالغ 16 مليونا".

ومعظم هؤلاء اللاجئين من الفلسطينيين يليهم العراقيون وهم يقيمون في الأراضي الفلسطينية المحتلة والأردن وسوريا.

ويلفت التقرير إلى أن عدد النازحين داخل بلدانهم يفوق عدد اللاجئين "ويبلغ نحو 9,8 مليون مهجر غالبيتهم الكبرى موزعة في ست دول عربية هي السودان وسوريا والصومال والعراق ولبنان واليمن".

وفي الميدان الاقتصادي، يعتبر التقرير أن النمو المتقلب "دليل واضح على ضعف الاقتصاد"، خصوصا أن مصدره الرئيسي تقلبات أسواق النفط العالمية، معتبرا "أن النمو المرتكز على النفط أسس بنية ضعيفة في الاقتصاد العربية".

وأشار التقرير إلى تقصير كبير لدى الدول على صعيد أداء الدولة في ضمان امن الإنسان. وقد اعتمد التقييم أربعة معايير لتحديد ذلك هي "مدى قبول المواطنين لدولتهم، والتزام الدولة بالعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وكيفية إدارتها لاحتكار حق استخدام القوة والإكراه، ومدى قدرة الرقابة المتبادلة بين المؤسسات على الحد من إساءة استخدام السلطة".

ولحظ "حالات من التقصير الكبير والمتمادي في تطبيق هذه المعايير تجتمع لتجعل من الدولة مصدرا يهدد امن الإنسان بدل أن يكون سندا له".

وأعطى التقرير أمثلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة والعراق والصومال تتعلق "بالاحتلال والتدخل العسكري" وفيها "الغي بالقوة حق الشعب الأساسي في تقرير المصير".

وجاء في التقرير "من منظور التنمية الإنسانية لن يتحقق السلام الدائم إلا بإنهاء احتلال إسرائيل للأراضي التي احتلتها في 1967 واستعادة الحقوق الفلسطينية وفي مقدمها حق تقرير المصير. وقد ساهم غياب مثل هذا الحل حتى الآن في إحباط التنمية الإنسانية في المنطقة".

وأشار إلى أن عامل الاحتلال والتدخل العسكري "يؤديان إلى تهجير الشعوب ويزرعان بذور التوتر ويعززان الجماعات المتطرفة التي تلجأ إلى العنف"، إضافة إلى أنهما يساعدان الأنظمة على "أن تتخذ من حماية الأمن القومي ذريعة لتأخير مسيرة الديمقراطية".

ودعا التقرير الدول إلى سلسلة تدابير من اجل تعزيز امن الإنسان، بينها تسوية النزاعات وتعزيز حكم القانون وحماية البيئة وحماية الفئات الضعيفة وإعادة توجيه دفة الاقتصاد مع القضاء على الجوع وإصلاح القطاع الأمني واستقلالية القضاء وغيرها من الخطوات، مشيرا إلى أن "المماطلة ستزيد من انعدام امن الإنسان".

وحمل التقرير الذي يقع في نحو 300 صفحة عنوان "تحديات امن الإنسان في البلدان العربية". وهو يتبنى التصنيف الشامل للمخاطر التي تتهدد امن الإنسان ويقوم على "تحرر الانسان من التهديدات الشديدة المنتشرة والممتدة زمنيا التي تتعرض لها حياته وحريته".

وهو التقرير الخامس من سلسلة تقارير التنمية الإنسانية العربية التي يرعاها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ويضعها، من وجهة نظر مستقلة، عدد من المثقفين والباحثين في البلدان العربية.

تغيير المناخ

واضاف تقرير الامم المتحدة ان المنطقة "توشك ان تقع ضحية مباشرة لتغيير المناخ" وتحدث عن ندرة المياه في البلدان العربية مشيرا الى مخاطر التصحر والضغوط البيئية التي تهدد امن الانسان.

وجاء في التقرير "يهدد التصحر المتواصل نحو 2.87 مليون كيلومتر مربع او نحو خمس المساحة الاجمالية للمنطقة العربية."

وهذا التقرير هو المجلد الخامس من سلسلة تقارير التنمية الانسانية العربية التي يرعاها برنامج الامم المتحدة الانمائي ويضعها عدد من المثقفين والباحثين في البلدان العربية.

وقال التقرير "تواجه المنطقة العربية تحديات متعاظمة تهدد امن الانسان نتيجة للضغوط البيئية. وقد تفضي النزاعات المترتبة على المنافسة على الموارد الطبيعية المتناقصة الى رفع نسبة التوتر في العلاقات بين الجماعات والسكان والدول العربية وغير العربية."

وتحدث التقرير عن ندرة المياه حيث "يقدر الحجم الاجمالي السنوي لموارد المياه السطحية الموافرة في البلدان العربية بنحو 277 مليار متر مكعب سنويا لا ينبع منها في المنطقة العربية سوى 43 في المائة.وتمثل موارد المياه المشتركة مع بلدان مجاورة خارج المنطقة قرابة 57 بالمائة من اجمالي الاحتياجات العربية." بحسب رويترز.

واشار التقرير الى ان مخزون مصادر المياه الجوفية المتجددة يستهلك اسرع مما يتجدد مؤكدا ان تلوث المياه في البلدان العربية يمثل تحديا خطيرا.

وحسب التقرير فان مستوى التلوث الجوي في البلدان العربية هو على العموم بين النسب الدنيا في العالم.

اما بالنسبة للاحتباس الحراري فان تقرير التنمية البشرية يشير الى ان السودان ولبنان ومصر وبلدان شمال افريقيا هي الاكثر تأثرا بتغيير المناخ في المنطقة.

وحسب تقديرات الامم المتحدة ستضم البلدان العربية نحو 395 مليون نسمة بحلول العام 2015 (مقابل 317 مليونا في عام 2007 و150 مليونا في عام 1980)

وتطرق التقرير الى الضغوط الديمجرافية حيث "يتمثل الجانب الاوضح والتحدي الاكبر في الصورة الديمجرافية للمنطقة في ارتفاع نسبة الشباب.

"فالشباب هم الشريحة الاسرع نموا بين سكان البلدان العربية. ولا يتعدى نحو 60 في المائة من السكان الخامسة والعشرين من العمر ما يجعل المنطقة واحدة من اكثر بقاع العالم شبابا." ويبلغ متوسط معدل العمر في المنطقة 22 سنة مقابل متوسط عالمي يبلغ 28 سنة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/تموز/2009 - 30/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م