حرية المعلومات الأساس الصلب للمجتمعات الحرة والمنفتحة

حكومة أوباما وضرورة تحديث قانون حرية المعلومات

 

شبكة النبأ: يُعتبر قانون حرية المعلومات، الصادر في الولايات المتحدة منذ 43 عاما، الحصن الوطيد للديمقراطية بالنسبة للباحثين والصحفيين والمواطنين العاديين الساعين للحصول على معلومات لدى الحكومة الأميركية.

وقانون حرية المعلومات الذي سُنّ في العام 1966 وأدخلت عليه تحسينات مع مرور السنين، يسمح للأفراد والمنظمات (بمن فيهم المواطنون والجماعات غير الأميركية) بطلب الحصول على الوثائق التي لم تُنشر بعد والتي في حوزة السلطة التنفيذية للحكومة الفدرالية دون إلزامهم بتقديم أسباب أو مبررات لهذا الطلب.

وفي الفترة الأولى اللاحقة على سن التشريع كان يعتبر قانونا ثوريا. ولم يكن مثل هذا التشريع موجودا في أي دولة أخرى من دول العالم باستثناء فنلندا والسويد. لكن منذ صدور القانون في الولايات المتحدة أقدمت حوالي 80 دولة على سن قوانين مماثلة، حسبما قال توم بلانتون، مدير أرشيف الأمن القومي، وهو أحد أكبر مؤسسات الأبحاث الأميركية الذي يتولى جمع ونشر المعلومات التي تتجمع نتيجة التقدم بطلبات بناء على قانون حرية المعلومات.

لم يكن الرئيس ليندون جونسون متحمسا للتوقيع على ذلك القانون الذي يستدعي من السلطة التنفيذية للحكومة الفدرالية أن تجعل أي وثيقة متاحة بناء على طلب من الجمهور. واستشعر العديد من المسؤولين أن الشفافية التي دعا إليها قانون حرية المعلومات ستضع قيودا على إمكانية تضمينهم معلومات حساسة في الوثائق، وبالتالي تعويق أداء الحكومة لوظائفها. بحسب موقع امريكا دوت غوف.

ومنذ البداية أصبح قانون حرية المعلومات أداة شائعة يطلبها الصحفيون والباحثون ورجال الأعمال والمحامون وجماعات حماية المستهلكين والمحافظة على البيئة. وساهم القانون في إضفاء صفة الانفتاح على أعمال الحكومة.

والمجالات المستثناة من النشر حسب قانون حرية المعلومات تتضمن: المعلومات الشخصية للأفراد، وبعض المعلومات السرية الخاصة بالدفاع القومي وموضوعات العلاقات الخارجية، وأسرار التجارة والمشروعات التجارية. ولا ينطبق القانون على الفرعين الآخريْن للحكومة: السلطة القضائية (المحاكم الفدرالية)، والسلطة التشريعية (الكونغرس بمجلسيه)؛ ولا على الولايات. فكل ولاية من الولايات لها قانونها الخاص بحرية المعلومات الذي يشمل المعلومات الخاصة بحكومة الولاية.

وفي العام 1996، دخل قانون حرية المعلومات عصر التكنولوجيا الحديثة حينما قام الكونغرس بمراجعة القانون ليتيح للجمهور الحصول على المعلومات بطريقة إلكترونية. فوضعت الهيئات والوكالات الفدرالية معلومات على شبكة الإنترنت حول كيفية التقدم بطلب للحصول على الوثائق.

وفي اليوم الثاني لتوليه المنصب، أي يوم 21 كانون الثاني/يناير 2009، أصدر الرئيس أوباما توجيهاته لوزارة العدل الأميركية بضرورة تعزيز سبل حصول المواطنين على المعلومات. وفي يوم 19 آذار/مارس 2009، أصدر وزير العدل إريك هولدر، الذي تُشرف وزارته على تعامل الهيئات الفدرالية مع طلبات الحصول على المعلومات وإدارتها لها، مجموعة من النقاط الإرشادية لتطبيق توجيهات الرئيس أوباما.

وصرح وزير العدل، الذي وصف توجيه الرئيس أوباما بأنه "تغيير كبير مذهل في الطريقة التي يُنظر بها إلى الشفافية في كل هيئات الحكومة، بأن قانون حرية المعلومات يعكس الالتزام الأساسي لأمتنا بالحكومة المنفتحة" وأن المقصود بالنقاط الإرشادية الجديدة هو "التأكيد على هذا الالتزام وضمان ممارسة تطبيقه."

والنقاط الإرشادية الجديدة، التي تنطبق على كل هيئات ووكالات السلطة التنفيذية للحكومة الأميركية تشدد على أن تطرح الوكالات الحكومية على نفسها سؤالا وهي تستجيب للطلب وهو "ما الذي يمكنني أن أسمح بنشره؟" ولا ينبغي للوكالة أو الهيئة الحكومية أن تحتجز المعلومات وتمنع نشرها لمجرد أنه مسموح لها بفعل ذلك.

وتدعو النقاط الإرشادية إلى:

· نشر جزء من السجلات في حال عدم استطاعة نشرها بالكامل.

· ضمان التعقل وتوخي الحذر عند نشر الوثائق كلما كان ممكنا.

· التعامل بروح من التعاون مع الطلبات المقدمة والرد عليها فورا.

· يُستحسن أن يقدم العاملون في الهيئة أو الوكالة تقاريرهم الخاصة بقانون حرية المعلومات إلى وزارة العدل.

تهدف النقاط الإرشادية الجديدة إلى أن تكون الإجراءات الخاصة بقانون حرية المعلومات أكثر كفاءة وسرعة. في العام 2006، أفادت الـ30 هيئة فدرالية التي تلقت أكبر كمية من طلبات الحصول على المعلومات أن عدد الطلبات التي  تلقتها بلغ أكثر من 774 ألف طلب للحصول على معلومات بمقتضى قانون حرية المعلومات.

حرية المعلومات خارج الولايات المتحدة:

اختبرت الدول الأخرى بنفسها الأثر المترتب على وجود مزيد من الشفافية في الحكومة من خلال إصدار قوانين مشابهة لقانون حرية المعلومات.

تمت الموافقة على قانون حرية المعلومات في المملكة المتحدة في العام 2000. لكنه لم يطبق إلا خلال السنوات القليلة الماضية، وساهم القانون مؤخرا في مساعدة الصحفية الأميركية هذر بروك في الكشف عن فضيحة حكومية. وقد استخدمت الصحفية، التي تعيش وتعمل في المملكة المتحدة خبرتها كصحفية متخصصة في التحقيقات بالولايات المتحدة في تقديم طلبات للحصول على المعلومات حول النفقات التي طالب أعضاء البرلمان بأحقيتهم لها.

وأثار طلب الصحفية بروك جدلا عنيفا في مجلس العموم البريطاني حول أحقية حزب العمال الحاكم في الحصول على استثناء من تقديم قائمة بالنفقات حسب القانون الجديد.

واستطاعت صحيفة ديلي تلغراف اليومية الحصول على بعض المعلومات وكتبت سلسلة من الموضوعات حددت فيها 80 عضوا من أعضاء البرلمان البريطاني وادعت أنهم أساءوا استخدام حسابات نفقات الحكومة. وأدى ما تم الكشف عنه إلى استقالة رئيس مجلس العموم.

وتمارس الصين أيضا قدرا أكبر من الشفافية في الحكومة بعد إعلانها في الآونة الأخيرة عن قانون (قواعد الكشف عن معلومات الحكومة). ونتج عن القانون، الذي لم يتجاوز عمره العام الواحد، مزيد من الانفتاح، ومثال على ذلك قرار وزارة المالية نشر ميزانية الحكومة للعام 2009 على الإنترنت في 20 آذار/مارس. كما تم نشر المزيد من المعلومات المتعلقة بالبيئة للجمهور الصيني خلال العام الماضي.

ومثله مثل قانون حرية المعلومات الأميركي، فإن قانون حرية المعلومات الجديد في الصين يفرض على هيئات الحكومة إصدار تقرير سنوي علني عن مدى التقدم الذي أحرزته في الكشف عن المعلومات للجمهور.

مزيد من المعلومات عن الإجراءات التي تتبعها الوكالات أو الهيئات الحكومية الفدرالية في التعامل مع طلبات الحصول على معلومات، على الموقع الإلكتروني لوزارة العدل الأميركية.

قانون حرية المعلومات الأمريكي نموذج يحتذى به

وقال توم بلانتون مدير أرشيف الأمن القومي إن قانون حرية المعلومات في الولايات المتحدة- الصادر منذ 43 عاما، والذي يحافظ على أن تظل الحكومة الأميركية واضحة ومكشوفة ومتميزة بالشفافية - أصبح نموذجا تحتذي به الدول الأخرى.

وفي مقابلته مع موقع أميركا دوت غوف في مطلع حزيران/يونيو في مكتبه بجامعة جورج واشنطن، قال بلانتون "إن مبدأ حرية المعلومات مبدأ حيوي وضروري" لأي ديمقراطية لكي تؤدي وظائفها.

ومنذ بدء العمل بقانون حرية المعلومات في العام 1966 سمحت الحكومة الفدرالية بالإفراج عن ملايين الوثائق التي طلبها أفراد أو شركات أو هيئات أو منظمات غير حكومية. والقانون الذي ينطبق على كل هيئات ووكالات السلطة التنفيذية للحكومة الأميركية تشرف على إدارته وزارة العدل الأميركية. ويستثنى من تطبيق القانون بعض الوثائق السرية المتعلقة بالعلاقات الخارجية والمعلومات الخاصة بالدفاع القومي والمعلومات المتعلقة بالأسرار والشركات التجارية.

وذكر بلانتون أن قانون حرية المعلومات ليس مخصصا للصحفيين والباحثين والدارسين فحسب، "فإن الطلبات المقدمة للحصول على معلومات من الحكومة يتقدم بمعظمها مواطنون من كبار السن، وقدامى المحاربي، والشركات التجارية" في الولايات المتحدة.

رقابة على السلطة:

وقال بلانتون إن قانون حرية المعلومات الأميركي صار نموذجا للدول التي وضعت قوانين مشابهة. "كما أننا استخدمنا العملية لدفع مزيد من المجتمعات المغلقة، مثل كوبا وفيتنام وروسيا إلى فتح أرشيفاتها الحكومية."

ووصف بلانتون ما حدث بأنه "ثورة انفتاح" خاصة في فترة الستينات من القرن العشرين التي ارتفع خلالها عدد الدول التي أصبح لديها قانون لحرية المعلومات" من حوالي عشر دول إلى 80 دولة في الوقت الراهن."

كما وصف بلانتون قانون حرية المعلومات بأنه شكل من أشكال "الرقابة على السلطة" وأضاف: "إن الشعوب في دول مثل الهند والمكسيك والأرجنتين والمجر قررت أنه لا بد من حصولها على حق معرفة ما تعتزم حكوماتها أن تفعل؛ وهو درس تعلموه من الفساد وإساءة استخدام السلطة والنظم الدكتاتورية العسكرية والشيوعية الشمولية."

وذكر بلانتون أن "النزعة الطبيعية لأي بيروقراطية هي السيطرة على معلوماتها الخاصة. لكن أعضاء الحكومة هم القيّمون عليها، والسبب الوحيد للاحتفاظ بالأسرار يكون حينما تستطيع الحكومة تحديد الضرر في حالة الكشف عن تلك الأسرار، لكن لدينا نظام فعال للرقابة والتوازن بين السلطات وإجراءات الاستئناف" التي تسمح للمواطنين بالمطالبة بالكشف عن المعلومات.

ومنذ تأسيس أرشيف الأمن القومي في العام 1985، قدم أكثر من 37 ألف طلب للحصول على معلومات. وفي العام 2008 وحده قدّم 1200 طلب، نتج عنها نشر وثائق تقع في 62 ألف صفحة.

وقال بلانتون إن أرشيف الأمن القومي يدعو إلى نشر الوثائق أساسا لفتح نافذة على عملية صنع القرار في الحكومة، "لكي يتسع نطاق السجلات التاريخية."

وأضاف "إننا أصبحنا بصفة أساسية ذاكرة مؤسساتية لقانون حرية المعلومات." وإن أرشيف الأمن القومي أصبحت لديه الآن وثائق تتنوع بين إلقاء الضوء من جديد على أزمة الصواريخ الكوبية في أوائل الستينات من القرن العشرين إلى فضيحة إيران-كونترا في الثمانينات من القرن نفسه.

ثم أشار بلانتون إلى خطوات مهمة أحرزها أرشيف الأمن القومي فقال "إن من بين أكبر الانقلابات التي أحدثناها،" كان القضية التي كسبناها في الآونة الأخيرة لإجبار الحكومة على الاحتفاظ برسائل البريد الإلكتروني للبيت الأبيض ابتداء من عهد الرئيس ريغان خلال الثمانينات. ثم أوضح ذلك بقوله "إن الأرشيف القومي لم يكن يعتبر أن رسائل البريد الإلكتروني من بين السجلات التي ينبغي الاحتفاظ بها، لذا فبدون القضية التي رفعناها، لم يكن من المستطاع الاحتفاظ برسائل البريد الإلكتروني." يُذكر أن الأرشيف القومي الذي ذكره بلانتون هنا هو (إدارة الأرشيف القومي والسجلات) وهو المسؤول عن الاحتفاظ بالسجلات الرسمية في الولايات المتحدة.

وقال بلانتون إن عددا كبيرا من السجلات كانت متضمنة في القضية، وهي: ما يتراوح بين 130 ألفا إلى 200 ألف رسالة بريد إلكتروني للبيت الأبيض في عهد الرئيس ريغان؛ وما يتراوح بين 200 ألف إلى 500 ألف رسالة في عهد الرئيس جورج بوش "الأب"؛ و32 مليون رسالة في عهد الرئيس كلينتون. والعدد التقديري للرسائل الإلكترونية في عهد الرئيس جورج دبليو بوش هو 220 مليون رسالة.

وفي شرحه للموضوع قال بلانتون " لا أحد سيكون قادرا على فحص كل صفحة من صفحات تلك الرسائل، لكن بما أنها إلكترونية، سيكون بالإمكان استخدام اللوغاريتمات ومحركات البحث للعثور على معلومات فيها."

قانون حرية المعلومات خارج الولايات المتحدة:

قال بلانتون "من بين النجاحات الأخرى التي حققناها، نقل الوثائق التي حصلنا عليها بواسطة قانون حرية المعلومات الأميركي إلى دول أخرى ما زالت منغلقة جدا مثل الصين وكوبا وفيتنام" وروسيا بعد سقوط الشيوعية.

ثم أوضح ذلك بقوله "إن إطلاعهم على ما تقوله الوثائق الأميركية كان تهديدا برواية التاريخ من وجهة نظرنا كأميركيين، وليس من وجهة نظرهم، وكان ذلك بمثابة تحد مثير لهم يدفعهم للانفتاح."

وفي روايته لبعض الوقائع التي حدثت قال بلانتون "إننا قدمنا في العام 1992 عرضا للرئيس الكوبي -آنذاك- فيدل كاسترو مستخدمين حوالي 20 ألف صفحة من الوثائق الأميركية التي حصلنا عليها بواسطة قانون حرية المعلومات. وكان رد فعل كاسترو أن أشار بأصابعه، فجاء ثلاثة من مرافقيه بصناديق من أرشيفهم، وبدأ يُخرج منها وثائق، ويعلق عليها بتعليقات دالة على التعجب، مثل: ‘وماذا عن هذا الخطاب الذي بعثه إليّ خروتشوف (الرئيس السوفيhتي نيكيتا خروتشوف) ليعتذر عن نزع الصواريخ دون إبلاغي مقدما.‘ لا أحد يعلم عن ذلك شيئا في التاريخ الغربي."

وأشار بلانتون إلى أن بعض تلك الاجتماعات مع زعماء الدول الأكثر انغلاقا أدت بالفعل إلى الكشف عن معلومات جديدة، "على سبيل المثال حصلنا من مؤسسة غورباتشوف (التي أسسها ميخائيل غورباتشوف رئيس الاتحاد السوفياتي السابق) على نص اجتماعه مع الرئيس بوش (الأب) في مالطا (في كانون الأول/ديسمبر 1989؛ وتجدر الإشارة إلى أن النسخة الأميركية من هذا اللقاء ما زالت سرية ولم تنشر حتى الآن." من ناحية أخرى قال مالكوم بايرن، نائب مدير أرشيف الأمن القومي والمسؤول عن الأبحاث فيه، إن الأرشيف يعمل مع عدد من الدول لمساعدتها على تطوير وتعزيز قوانينها الخاصة بحرية المعلومات. وذكر أن بلانتون وفريقا من أرشيف الأمن القومي زاروا مؤخرا جمهورية جورجيا وهم يعملون مع المشرعين فيها لإعداد إجراءات عملية الحصول على المعلومات، بحيث تكون فعالة وقابلة للتطبيق.

ساعد أرشيف الأمن القومي أيضا في تدريب الصحفيين وتخصصات أخرى غيرهم بشأن كيفية استخدام قوانين حرية المعلومات للتحقيق في موضوعات معينة. ويهدف التدريب إلى تشجيع الصحفيين على تقليل عدم الثقة في الحكومة بالبحث في كيفية التعامل معها للحصول على المعلومات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 22/تموز/2009 - 29/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م