رؤى المرجع الشيرازي لحالات العقوق ومعالجاتها

عبد الكريم العامري/باحث اجتماعي

 

- المرجع الشيرازي.. كما هو في جميع البلايا فإن عِلاج العقوق له ركنان الأول الدعاء، والثاني السعي، فعلى الإنسان أن يسعى مرارا ويدعُ، لا أن يدعو دون سعي او يسعى دون دعاء.

- للتعبير الجميل مدخلية في استساغة المعنى، حتى في حال المناجاة مع الرب العظيم تبارك وتعالى، لأنه جميل يحب الجمال.

- ان العبد مُلزَم بمعرفة موقعه وحقيقته كمخلوق تجاه خالقه، ورغم أن الله غني عن ألفاظه إلا أن الانسان ينبغي أن ينتخب الجمل الأروع والأبلغ في الكلام.

 

شبكة النبأ: العقوق؛ من العَق وهو الشَق والقَطع والحفرة الواسعة في الأرض. أطلق (عاق الوالدين) على الولد الذي يؤذي والديه بشق عصا طاعتهما او لايصلهما، فينشقان عنه بسبب سوء موقفه تجاههما. فالعقوق يستعمل في الوالدين، كما تستعمل القطيعة في الأرحام.

إن الحالة الغالبة بين الأرحام هي أن يعق بعضهم بعضا، بسبب المشاكل والتوقعات او اختلاف الأذواق او تضارب المصالح الشخصية، فتحصل بينهم هوة وهذه الهوة قد تزداد بمرور الزمن، وهذا في الأرحام شيء غير نادر اللهم إلا أن يسارع ذوو الأرحام في معالجة ذلك والسعي في إصلاح ذات البين.

نصرة الأقربين

أن الأقربين أعمّ اصطلاحا من أولي الرحم، ولذلك يطلق على من يعيش الإنسان معهم بصورة اشمل وأوسع، كالجيران وطلبة المدرسة، وزملاء العمل، فأفراد هذه الأصناف قد يعيش بعضهم مع بعض ويقترب بعضهم من بعض حتى تصل درجات التأثير المتبادل فيما بينهم حدا كبيرا.

قد يكون هؤلاء الأقربون أولي رحم أي نسبيين او غرباء لا رابطة بينهم، او أنهم قرابة من حيث السبب.

الخذلان عادة يصدر من هؤلاء الأقربين تجاه بعضهم، كأن لا يتساعدون لحل مشكلة ما قد أصابت أحدهم، نظرا الى أن ديدن الناس غالبا الاجتماع حول ذي الثروة او النفوذ ويكونون منفضين عن الفقير باستثناء بعض من هو مثله او أدون منه.

إذا، فهنا قضيتان مهمتان: قضية الدعاء، وقضية السعي نحو تفعيل مضمون الدعاء.. بمعنى أن الفرد كما يحب أن ينصره الأقربون عند حاجته إليهم، كذلك عليه أن يضع في حسبانه تقديم النصرة لهم عند الضرورة وغيرها، لدفع اكبر نسبة ممكنة من احتمالات الخذلان عند الحاجة، فهو اذا اخذل قريبه حين يحتاجه، فليتوقع خذلان قريبه له كذلك.                                             

العلاج في العقوق

يقول المرجع الديني السيد صادق الشيرازي: كما هو في جميع البلايا فإن علاج العقوق له ركنان، الأول: الدعاء، والثاني: السعي. فعلى الإنسان أن يسعى مرارا ويدعُ، لا أن يدعو دون سعي، او يسعى دون دعاء.

فعلى المرء مثلاً، ان يقول: يا رب لا تجعلني ممن يعملون ما من شأنه حصول القطيعة.. ولن يتسنى ذلك بسهولة ما لم يسع الفرد الى دفع او رفع وإزالة المشاكل التي توجب العقوق والشقاء. فلا ينبغي أن نقع في الغفلة او التغافل عن أولي أرحامنا بداعي سوء الظن او النظر في المصالح المادية البحتة، او تتقطع سبل التواصل معهم بسبب الخجل او ما أشبه.

عمدة القول هو أن يتوسل المرء بربه ليعافيه عن الابتلاء بعقوق ذوي الأرحام، لما فيه من التفكك الأسري والاجتماعي، فضلا عن سخط الله تعالى.

مداراة الناس في الإسلام

لقد حثَّ الإسلام على مبدأ المداراة بين الناس وجعل للمُدارين جزاء موفورا. والمتواتر عن السيرة النبوية الشريفة أن رسول الله (ص) وهو سيد الأخلاق الحميدة، الذي وصفه الله تعالى في كتابه بقوله: (وإنك لعلى خلق عظيم) سورة القلم/220، كان يعامل الناس معاملة هي الغاية في الحكمة والطيبة، حتى ليظن كل منهم أنه أحب الناس الى النبي، فكان بذلك المصداق الأكمل للمداراة.

نصف العقل

إن كان المرء لا يحب أحدا، فلا يلزمه أن يظهر هذا الإحساس له او يبديه في وجهه، وهذا من الأمور المستحبة، حتى ورد في الحديث النبوي الشريف أن نصف العقل مداراة الرجال. فيعاملهم معاملة يتصورون أنه يحبهم، وهذا ليس من النفاق في شيء، بل من مقتضيات العقل وأصول الأخلاق الرفيعة؛ إذ لا شك في وجود الاختلاف والتفاوت في الأذواق والأساليب والتوجيهات بين الناس، ولكن ليس من الضروري أن يظهر المرء كل ما في قلبه للآخرين، بل من الضروري أن يبدي احترامه لأذواقهم وأساليبهم وتوجهاتهم وآرائهم، كما يمكنه أن يعكس وجهة نظره ورأيه او طبيعة ذوقه وما يرتئيه من أسلوب بالصورة المناسبة والحكيمة، لكي لا يقع الشقاق والفرقة.

على المرء أن يطلب من ربه أن يساعده في تحويل المودة الظاهرية الى حب باطني حقيقي يضاعف الترابط الاجتماعي ويكرس العلاقة الطيبة بينه وبين باقي أفراد المجتمع.

بلاغة المعصومين

هنا تجدر الإشارة الى أهمية وضرورة الاستفادة من بلاغة الائمة (عليهم الصلاة والسلام) لنتعلم من أساليبهم الحكيمة ما يعود علينا بالفائدة والنجاح في التواصل مع الآخرين.

فمن البلاغة مثلاً عدم التكرار في الكلام، أي أن المعنى الواحد إذا كان بحاجة الى التكريس والتكرار، فمن الأجدر أن لا يكون اللفظ نفسه، بل يذكر في قوالب لفظية مختلفة، لكي يكسبه جمالا على جمال، ويجعله أكثر وقعا في نفس المخاطب.

لنتعلم من...

ويشير المرجع الشيرازي الى، أن العبد ملزم بمعرفة موقعه وحقيقته كمخلوق تجاه خالقه، ورغم أن الله غني عن ألفاظه، إلا أن الإنسان ينبغي أن ينتخب الجمل الأروع والأبلغ في الكلام.

نحن من جانبنا ينبغي ان نتعلّم من القرآن الكريم ومن أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) جمال التعبير، لأن اللفظ بمثابة الإناء، والمعنى محتواه. فإذا كان الإناء جميلا ومحتواه أيضا، كان ذلك مدعاة الى القبول والإقبال، أما إذا كان الإناء غير جميل، فلن تكون ثمة ضمانة في تقبّل المحتويات وإن كانت على شيء من الجمال في نفسها. وعلى ذلك؛ فإن للتعبير الجميل مدخلية في استساغة المعنى، حتى في حال المناجاة مع الرب العظيم تبارك وتعالى، لأنه جميل يحب الجمال.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 20/تموز/2009 - 27/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م