قمة عدم الانحياز: مشاكل وتحديات متراكمة تسبقها أزمة في المصداقية

سعي لاضطلاع الحركة بدور دولي وسط تساؤلات حول جدوى استمرارها

 

شبكة النبأ: انطلقت أعمال القمة الخامسة عشرة لحركة عدم الانحياز في منتجع شرم الشيخ المصري تحت شعار التضامن الدولي من أجل السلام والتنمية.

وافتتح المؤتمر بمشاركة 118 عضوا في الحركة، بما فيها 53 دولة أفريقية و38 من آسيا، و26 من أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، ودولة أوروبية واحدة، وبمشاركة ممثلين عن 15 دولة تحمل صفة عضو مراقب، ومندوبي منظمات دولية أُخرى، بمن فيهم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.

وقد ألقى بان كي مون كلمة في حفل الافتتاح دعا فيها إلى إيجاد حل للصراع في منطقة الشرق الأوسط، يستند على حل الدولتين: دولة إسرائيلية وأُخرى فلسطينية.

وقال الأمين العام للمنظمة الدولية إنه لمن الأهمية بمكان أن ينحِّي الفسطينيون خلافاتهم جانبا ويصبُّوا جهودهم على تحقيق السلام، مضيفا: إن المصالحة والوحدة الفلسطينيتان هما أمران أساسيان أيضا، وأنا هنا أقدِّر وأثمِّن الانخراط البنَّاء لمصر في هذا الملف وقيادتها له. حسب CNN.

مؤكدا أن حركة عدم الانحياز تلعب دوراً بالغ الأهمية لإقامة وتحقيق عالم خالٍ من أسلحة الدمار، مشيداً بالتزام رئيسي أميركا باراك أوباما وروسيا ديمتري ميدفيديف بتحقيق خطوات من أجل الخفض الجدي والعميق لترسانة الأسلحة، إلا أنه أضاف أن التحدي ما زال قائماً.

وبدا لافتاً تجاهل الرئيس السوداني عمر البشير مشاكل بلاده وتركيزه في كلمته على الأزمة المالية والاقتصادية العالمية.

وقدم الرئيس مبارك الزعيم الليبي معمر القذافي لإلقاء كلمته باعتباره ملك ملوك أفريقيا.

مطالبة بمجلس امن جديد

وجذبت كلمة القذافي، كعادته، الانتباه حين أقر بأن بلاده كانت على وشك امتلاك القنبلة النووية، وانتقد بحدة النظام الدولي الراهن والأمم المتحدة، وطالب بتشكيل مجلس الأمن والسلم لدول حركة عدم الانحياز.

وقال القذافي: مجلس الأمن الدولي لا يمثلنا وليس لنا أي تأثير عليه، ووصفه بأنه أصبح سيفاً مصلتاً على رقاب الدول غير الأعضاء الدائمين فيه وهو مجلس يعمل بطريقة غير عادلة وغير ديموقراطية وغير نزيهة ووقع تحت سيطرة الدول دائمة العضوية ثم وقع عملياً تحت سيطرة دولة واحدة، في إشارة إلى الولايات المتحدة.

عالم أكثر عدالة في ظل فوضى وفوارق

فيما أكد الرئيس اللبناني ميشال سليمان في الجلسة العامة الأولى للقمة ضرورة اقامة عالم أكثر عدالة وأمناً، كذلك ندد الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة بـ الفوضى والفوارق التي تشوب النظام الدولي، وقال: لا يمكن أن يستمر تهميش بلداننا وإقصاؤها من دوائر صنع القرار التي تتحكم في السياسة الاقتصادية العالمية.

وفي هذا السياق دعا رئيس وزراء الهند إلى إدخال إصلاحات جذرية على عملية صنع القرار في الأمم المتحدة والمؤسسات المالية الدولية.

وحدد الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى شروطاً عدة كي تستطيع الحركة مواجهة التحديات الجديدة أهمها إيجاد آليات ومؤسسات للحركة.

وغادر أمير الكويت منتجع شرم الشيخ بعد حضور افتتاح القمة المقرر أن تختتم أعمالها بإصدار إعلان شرم الشيخ الذي يحدد رؤية دول الحركة لتطوير عملها وكذلك سبل مواجهة التداعيات السلبية للأزمة المالية والاقتصادية العالمية.

تفكيك خلايا الإرهاب

وخلا اليوم الأول للقمة من أي مفاجآت أو أحداث كبرى، فيما تترقب الأوساط السياسية والصحافية اللقاء المتوقع اليوم بين رئيسي وزراء باكستان يوسف رضا جيلاني والهند مانموهان سينغ والذي بدا أنه سيكون الحدث الأبرز في القمة ومهّد له لقاء جمع مسؤولين من البلدين. واستبق سينغ لقاء اليوم بالإصرار على ضرورة تفكيك البنية الأساسية للإرهاب في باكستان.

وركزت كلمات القادة والزعماء على ضرورة تحقيق نظام دولي جديد يكون أكثر عدلاً ويمنح الأولوية لدفع الدول النامية من أجل التغلب على مشاكلها، فيما شن قادة دول هجوماً حاداً على الأمم المتحدة واتهموها في وجود الأمين العام للمنظمة الدولية بان كي مون بعدم الاستقلالية.

كاسترو: ضرورة تأسيس هيكل مالي

من جهته أكد الرئيس الكوبي راؤول كاسترو ضرورة تأسيس هيكل مالي واقتصادي جديد يستند الى المشاركة الفعلية لجميع الدول وخصوصاً الدول النامية، فيما دافع الرئيس مبارك عن استمرار الحركة على رغم اختفاء النظام الدولي الثنائي القطبية، داعياً إلى تبني نظام دولي سياسي واقتصادي وتجاري جديد أكثر عدلاً وتوازناً.

وكان الرئيس المصري حسني مبارك، الذي تترأس بلاده الدورة الحالية للحركة ومدتها ثلاث سنوات، قد استهل المؤتمر بكلمة مقتضبة رحَّب فيها بالحضور، ومن ثم أعطى الكلمة للرئيس الكوبي راؤول كاسترو، رئيس الدورة المنقضية للقمة، والذى أكد تمسك بلاده برفع الحصار الأمريكي المفروض عليها منذ خمسة عقود.

وطالب كاسترو بوقف السياسات الظالمة التي تُمارس ضد دول الحركة، والتي تضاعف من تداعيات الأزمة المالية العالمية.

الرئيس الكوبي: دعوة الى تفعيل سياسات الاقتصاد

وشجب الرئيس الكوبي ما تقوم به إسرائيل بحق الشعب الفلسطينى، وقال إن ملف الصراع العربي-الإسرائيلي سيكون فى مقدمة أولويات الحركة خلال الفترة القادمة، وذلك كجزء من اهتمام وسعي الحركة برفع الظلم عن دول العالم الثالث التى أُسِّست الحركة لنصرتها.

ودعا أيضا إلى تفعيل سياسات الحركة الاقتصادية لمواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية التى أثَّرت بشدة على اقتصاديات الدول الأعضاء.

وقال كاسترو: لابد من إدراك التحديات الجسام التى تواجه الحركة ووضع نظام مالى يساعد الدول الأعضاء على الخروج من عزلتها ويتواءم مع متطلبات الفترة القادمة وطموحات شعوب العالم الثالث.

وأعرب عن عدم رضاه عمَّا أنجزته الحركة خلال الدورات السابقة، وقال إن بلاده تأمل بأن يتم تحقيق الأهداف التى ستضعها القمة للفترة المقبلة.

وأردف بقوله: لقد حاربنا سياسات التدخل العالمى بشؤوننا الداخلية، وقاومنا الامبريالية العالمية، وحافظنا على سيادة واستقلال الشعب الكوبي والتغلب على القيود التى فُرضت على دول الحركة رغم إرادتها.

يتعين على اللجنة الضغط على إسرائيل

وكان أحمد أبو الغيط، وزير الخارجية المصري، قد قال في ختام الاجتماعات التحضيرية للقمة إن بلاده مقتنعة بأن الولايات المتحدة جادة في السعي إلى تحريك عملية السلام في المنطقة إلى الأمام.

وأضاف الوزير المصري قائلا إنه يتعين على اللجنة الرباعية الدولية الضغط على إسرائيل للالتزام بعملية السلام ووقف الاستيطان ورفع الحصار عن قطاع غزة.

من جهة أخرى، نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية عن السفير حسام زكي، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، قوله إن مصر ستقود الحركة خلال السنوات القادمة في كل القضايا التي تهم الحركة مثل نزع السلاح وحقوق الإنسان.

وحول الشعار الذي ترفعه القمة، قال زكي إنه مستوحى من أحد أهم مبادئ الدبلوماسية المصرية، وهو السلام من أجل التنمية، وبالتالي جاء ليعكس هذا المبدأ ويمثل العمل الجماعي من أجل السلام والتنمية.

وقال زكي إن التضامن بين دول الحركة هو أحد أهم مزاياها، وينعكس بشكل كبير في تحركاتها داخل المنظمات الدولية.

تداعيات الأزمة المالية

وستصدر عن القمة وثيقة أطلق عليها إعلان شرم الشيخ تتضمن تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية التي يمر بها العالم وكيفية تجاوز آثارها، حسب مصادر رسمية مصرية.

غير أن الأنظار تتجه أساسا خلال هذه القمة إلى اللقاء المتوقع عقده اليوم بين رئيسي الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني والهندي مانموهان سينغ لإحياء محادثات السلام بين القوتين النوويتين الجارتين في جنوب آسيا.

وشهدت العلاقات بين الدولتين الجارتين تدهورا كبيرا إثر اعتداءات بومباي التي أوقعت 174 قتيلا بينهم تسعة من المهاجمين العشرة في نوفمبر تشرين الثاني 2008 ونسبتها نيودلهي إلى مجموعة مسلحة باكستانية تحركت بتواطؤ أجهزة الاستخبارات العسكرية في إسلام آباد.

والآباء المؤسسون لحركة عدم الانحياز كانوا الرئيس اليوغوسلافي الراحل جوسيب بروز تيتو ورئيس الوزراء الهندي الراحل جواهر لال نهرو والرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والرئيس الإندونيسي الراحل أحمد سوكارنو والرئيس الغاني الراحل كوامي نيكروما.

ومن المتوقع ان يتم على هامش هذه القمة عقد اجتماع بين رئيس الوزراء الهندي، مانموهان سينج، ونظيره الباكستاني، يوسف رضا جيلاني، ويمكن أن يعدََّ الساحة لاستئناف الحوار بين البلدين بعد أن كان قد تعثر في أعقاب هجوم نوفمبر الماضي على مدينة مومباي الهندية.

إلغاء حركة عدم الإنحياز ودعوة للعمل الواقعي

لو عدنا الى مدى قدرة حركة عدم الانحياز على تحويل هذه المطالب الجريئة الى أمر واقع. فحركة عدم الانحياز منذ ان تشكلت كمنتدى حرب باردة للدول النامية التي لا تريد ان تأخذ جوانب الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وتكافح من أجل شق طريقها منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.

محللون سياسيون قالوا "ليس هناك سبب جدي لاستمرار وجود حركة عدم الانحياز. وان الحركة "تواجه الكثير من التحديات والمشاكل، وأزمة حقيقية في المصداقية.

 ويعتقد مراقبون ان ترأس أسماء مثل كاسترو أو الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للاجتماع السنوي للمجموعة يجعل قدرة الحركة على تشكيل الشؤون الدولية محدودة.

فمن المقرر ان تتولى ايران رئاسة الحركة بعد مصر في عام 2012.  وان التأثير يعتمد بشكل نسبى على المسؤول، إذ أن الرجلان على وجه التحديد هما الأكثر عزلة وإثارة للجدل.

كاسترو يعيش في أوهام الماضي وينتمي إلى متحف السياسة العالمية، وبالنسبة إلى أحمدي نجاد، أين هو نفوذه الآن؟ فقد تسبب في العديد من المشاكل في العالم وفي منطقتنا. من الذي سيتبعه؟.

فقد اثارت تصريحاته الى حالة من القلق في العالم العربي، وحذرت مصر من خطورة تنامي النفوذ الايراني في المنطقة، وقامت دول أخرى بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران مثل المغرب، كما عززت العقوبات المفروضة على ايران من قبل الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها في المزيد من العزلة لإيران.

لكن هذا ليس وحده الذي يقف عائقًا إمام تحقيق حركة عدم الانحياز لما تطالب به وتصبوا إليه، فالنزاعات الداخلية والتوترات والخلافات بين الدول أعضاء الحركة البالغ عددهم 118، مثل: العداء القديم حول الإرهاب وقضية كشمير بين الهند وباكستان، والغارات على الحدود بين السودان وتشاد، والعداء الذي طال أمده بين إثيوبيا واريتريا، كفيلة ان تحبط من أي نوع من العمل الجماعي الجاد.

ولا يغفل أيضًا حقيقة ان كثير من أعضاء الحركة على مدار تاريخها كانوا على توافق مع القوتين العظميتين حتى الدول المؤسسة للحركة يوغوسلافيا والهند ومصر. واليوم معظم الدول تنجذب نحو الولايات المتحدة، كما يقول عبد الفتاح إمبراطورية النظام العالمي.

يُشار إلى أن حركة عدم الانحياز كانت قد أبصرت النور في عام 1961، أي خلال الحرب الباردة، وتمثِّل الدول الأعضاء فيها ثلثي أعضاء منظمة الأمم المتحدة، وتضم نصف سكان الكرة الأرضية.

ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق قبل نحو عقدين من الزمن، تصارع الحركة لإيجاد دور لها على الساحة الدولية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/تموز/2009 - 25/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م