سيكولوجية الإنسان وأهمية التقارب الفكري والسلوكي في المجتمع

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: تتطلب طبيعة الإنسان على نحو خاص نوعا من العلاقات الإنسانية التي لامناص منها وهو يخوض غمار الحياة الشائكة بحلوها ومرها وبكل تعقيدتها التي ما لبثت أن تتزايد مع مرور الوقت، حيث يلمس المراقب تطورا متسارعا وهائلا للمصالح الفردية والجمعية في آن مما يتطلب عقدا للصداقات والتحالفات التي تتطلبها طبيعة الاعمال المتداخلة من جانب وطبيعة سيكولوجية الإنسان التي تفرض عليه نوعا من العلاقات الإنسانية العاطفية وغيرها، وبذلك وجد الإنسان نفسه بحاجة الى عقد علاقات الصداقة التي تشبع الجانب الإنساني فيه مع سعيه لعقد العلاقات والتحالفات التي تسنده في تحقيق منجزاته على صعيد العمل او الإنتاج او الفكر وما شابه، لذا فالإنسان في هذه الحالة غير مخيّر في هذا الأمر، فهو لا يستطيع ان يتجنب الصداقات لأنها تمثل ركنا إنسانيا مهما من شخصيته، وطالما ان الصداقة أصبحت امرا لا مناص منه، لذا ينبغي على الإنسان أن يدقق في اختياره لأصدقائه، من حيث طبيعة شخصيته وميوله وأفكاره وما شابه، يقول احد الكتاب في هذا الجانب:

(إنّ صديقك يُعبِّر عن شخصيّتك، فعندما يعرف الناس شخصية صديقك يعرفوك، وعندما يعرفونك يعرفون شخصية صديقك.

والحكمة تقول: صديق المرء شريكه في عقله، فالإنسان يألف الناس الذين يماثلونه ويتقاربون معه في الأخلاق والسلوك والأفكار، لذلك جاء في الحديث النبوي الشريف: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم مَنْ يُخالِل).

فالصّداقة هي التقاء نفسي وفكري يربط بين الأشخاص، ويوحِّد المشاعر والعواطف بينهم).

وبهذا المعنى تكون الصداقة مصدر دعم للإنسان حيث يكون الصديق سندا لصديقه سواء في الاستشارة والتوجيه والتماثل من حيث السلوك والفكر وحتى الأقوال، فكثير من أساليب السلوك والكلام الحكيم يتعلمه الأصدقاء من بعضهم بعضا، ويحدث العكس تماما حين يكون الصديق سيئا، حيث يشكل أصدقاء السوء عقبة أمام كثير من الشباب للنجاح في حياتهم وذلك بسبب تأثير سلوك وأقوال الصديق السيئ على صديقه الخام الذي لم يعرف بعد من الدنيا سوى نقائها ومحاسنها، فيأتي صفحة بيضاء ليرتبط تحت شتى الأسباب (وفي المقدمة منها اختياره غير المصيب) مع صديق السوء الذي يؤثر فيه فتصبح تلك الصفحة البيضاء ملطخة بسواد السلوك والقول السيئ ليتحول هذا الإنسان الخلوق البريء الى شخص آخر قوامه الكلام الرديء والسلوك الأردأ.

لذلك يجب أن تقوم الصداقة على معايير واضحة ودقيقة وفي المقدمة منها الارتباط السليم على أساس الإيمان والنزاهة والترفع عن المصالح المسبقة، لاسيما في الجوانب المادية او الاجتماعية او غيرها، والصداقة وفقا لهذا المفهوم ينبغي أن تقوم بحسب رؤية احد الكتاب على الإخوة النزيهة التي تعتريها النفعية الآنية لا يشوبها التلاعب والغشّ أو المطامع غير المشروعة.

حيث توضح لنا التجربة الاجتماعية والإحصاءات التي تسجِّلها دوائر إحصاء الجريمة أنّ أصدقاء السّوء ليسوا أصدقاء، بل أعداء. فكم جرّت الصّداقات السيِّئة من كوارث ومآسي، وسمعة سيِّئة على الأشـخاص الذين كانوا أبرياء، ولكنّهم تلوّثوا بمخالطتهم لأصدقاء السّوء. وأصبحوا مجرمين، أو شملتهم الجريمة، وسوء السمعة لعلاقتهم بأصدقاء السّوء. ويحذِّرنا القرآن من أصدقاء السّوء، لينقذنا من النّدم بعد فوات الأوان.

قال تعالى: (الأخلّاءُ يَومَئِذ بَعْضُهُم لِبَعْض عَدُوّ إلّا المتّقين). -الزّخرف / 67 -.

وتأسيسا على هذا الكلام فإن اختيار الصّديق هو في حقيقته اختيار لنوع شخصيّتنا وسمعتنا في المجتمع، وربّما لمصيرنا في المستقبل. فكم من أناس أصبحوا صالحين وناجحين في حياتهم بسب أصدقائهم، وكم من أناس خسروا حياتهم، وتحمّلوا الأذى والمشاكل المعقّدة بسبب أصدقائهم.

وفي هذا الصدد يؤكد أحد الكتاب على ان العلاقة مع الآخرين تعتبر من أهم الفنون الاجتماعيـة  فكثير من الناس لا يحسن فن التعامل مع الآخرين، لذا يفشل في كسب الأصدقاء، وتتحوّل عـلاقاته مع الآخرين إلى مشاكل وخلافات. ذلك لأنّه لا يعرف كيف يكسب الأصدقاء، وكيف يتعامل معهم.

وتزوِّدنا دراسات علم النفس، والتجارب اليومية، وما جاء من إرشادات عن الرسول الهادي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام).

كلّ تلك المصادر تزوِّدنا بإرشادات وتعليمات لكسب الأصدقاء والتعامل معهم. كما إنّ هذه التعليمات توضِّح أنّ الإنسان الأناني لا يكسب الأصدقاء، وعندما تتكوّن له علاقة صداقة مع الآخرين فإنّه سرعان ما يخسرهم بأنانيّته، فهو لا يحبّ لهم ما يحبّ لنفسه، ولا يكره لهم ما يكره لها. بل يتصرّف بأنانية ومحاولة استغلال الأصدقاء لمصالحه الشخصية، لذا يبتعد عنه أصدقاؤه. أمّا عندما يشعر الصّديق بأنّ صديقه يتعامل معه بإيثار ويحرص على مصلحته، كصديق له، يحترم هذا الشعور، وتزداد ثقته به وعلاقته معه. .

إذن لكي تكسب الأصدقاء، فلا تكن أنانيّاً مع أصدقائك، بل تعامَل معهم بإيثار، والإيثار هو أن تقدِّم مصلحة غيرك على مصلحة نفسك عندما تشعر أنّه بحاجة إليها، وبهذا سيكون التماثل في الأفكار والمبادئ طريقا الى تقارب السلوك، وبهذه الطريقة نستطيع ان نختار الأصدقاء الذين يدعمون نجاحنا في الحياة من خلال القول والسلوك الصالح.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 16/تموز/2009 - 23/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م