أمريكا في العراق: صراع لأجل النفوذ في ظل المهام الجديدة

محاولات العودة الى المدن بثوب جديد

 

شبكة النبأ: فيما تعرض السفير الأمريكي في العراق كريستوفر هيل الى محاولة إغتيال فاشلة، أعلنت وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) ارسال ألوية بالجيش جرى تعديلها حديثا الى العراق للتركيز على مهام التدريب والتطوير التي ستغلب على مهمة الولايات المتحدة بعد انسحاب القوات القتالية بعد أغسطس اب عام 2010.

حيث قال مسؤولون عسكريون ان أربعة ألوية للاستشارات والمساعدة تضم ما يصل الى 14 ألف جندي ستبدأ في الانتشار في العراق اعتبارا من الخريف القادم في اطار عملية احلال روتينية تشمل 30 ألف جندي يضمون كذلك ثلاثة ألوية قتالية في الجيش وثلاثة مراكز رئيسية لفرق بالجيش.

ولن تزيد القوات التي سيتم نشرها اجمالا حجم القوات الامريكية في العراق والتي تصل في الوقت الحالي الى 128 ألفا. حسب رويترز

في حين تعرض السفير الأمريكي في العراق كريستوفر هيل الى محاولة إغتيال فاشلة عندما كان متواجدا في الرتل الامريكي الذي تعرض للإستهداف بعبوة ناسفة بمدينة الناصرية.

وقالت دانا براوسير، وهي مسؤولة فريق إلاعمار التابع للسفارة الأمريكية في العراق، في مؤتمر صحفي عقدته بمدينة الناصرية، إن السفير كريستوفر هيل كان متواجداً في إحدى عربات الرتل التابع للفريق أثناء تعرضها لإنفجار عبوة ناسفة، مبينة عدم وقوع إصابات أو أضرار مادية بسبب الإنفجار.

وكان إنفجار الناسفة في الناصرية، إستهدف رتلاً مؤلفا من سبع مركبات مصفحة رباعية الدفع تابعة للفريق الأمريكي لإعمار ذي قار، والحق أضراراً بعدد من الدور السكنية القريبة، دون أن يتسبب بأضرار في مركبات الفريق. حسب أصوات العراق

وأوضحت براوسير أن الفريق كان أنهى زيارة لمجلس محافظة ذي قار قبل دقائق من وقوع عملية الإستهداف، مشيرة الى أن السفير كان في طريقه لإستقبال مجموعة من الطلبة والصحفيين في المعسكر الإيطالي في الناصرية قبل وقوع الإنفجار، أن السفير هيل بدا متوتراً بعد الإنفجار، لكنه أستمر في برنامج زيارته للمحافظة.

وقالت براوسير بشأن خطط فريق إعمار محافظة ذي قار وما إذا كانت ستتأثر بإنفجار الناسفة، إن الإنفجار وجه ضربة قاسية لجهود الفريق لإستقدام المستثمرين ورجال الأعمال للمحافظة بغية المشاركة في عملية إعمارها، بسبب شيوع أنباء الأنفجار بعدما تناقلته وسائل الإعلام العالمية، في دلالة لغياب الأمن بالمنطقة.

وتتولى فرق إعادة الاعمار في محافظات، ذي قار وميسان والمثنى حاليا تنفيذ أكثر من 140 مشروعاً مختلفا بكلفة تتجاوز مبلغ 65 مليون دولار.

من جهة أخرى قال مسؤول محلي بمحافظة ذي قار، إن التفجير الذي استهدف رتل السفير الأمريكي نفذ من قبل جهة غير محترفة سعت لتحقيق ضربة إعلامية، في حين قال مسؤول آخر إن الإرهاب الذي يضرب العالم اليوم ألغى مقولة “رأس المال الجبان وإن الاستثمار الشجاع” هو ما يجب تشجيعه.

وأضاف رئيس اللجنة الأمنية بمجلس المحافظة سجاد شرهان أن أسباب التفجير لم تتضح بعد وبالتالي لم توجه أصابع الاتهام لأي جهة حاليا”، مشيرا إلى أن العبوة “كانت بعيدة عن خط سير الشارع بأكثر من مترين مما يدل على عقلية غير محترفة سعت لتحقيق ضربة إعلامية.

وأوضح أن لدينا معلومات استخبارية بشأن الحادث لكن سير التحقيق يمنعنا من الإفصاح عنها وسيتم الإعلان عنها في حينه”، مبينا أن أمن المحافظة مستهدف منذ مدة طويلة لكن الأجهزة الأمنية تمكنت بجدارة من المحافظة على الاستقرار بالمحافظة وبرغم التفجيرين الأخيرين في البطحاء والذي استهدف السفير لا تزال محافظتنا من أكثر مناطق العراق استقرار.

ألوية جديدة للتدريب

من جهة أخرى قال مسؤولون بالبنتاجون ان انشاء ألوية جديدة تركز على تدريب قوات الامن العراقية ستضع الاساس للقوة المتبقية التي يتراوح حجمها بين 30 ألف و50 ألف جندي يعتزم الرئيس الامريكي باراك أوباما الابقاء عليهم في العراق في الفترة من أغسطس اب 2010 حتى يناير كانون الثاني عام 2012 وهو الموعد المقرر لسحب كل القوات الامريكية من العراق.

وتتوزع الالوية الجديدة على ألوية الجيش القتالية الموجودة حاليا التي خاضت الحرب في العراق منذ غزوه في عام 2003.

ولكن برايان ويتمان المتحدث باسم البنتاجون قال ان الالوية الجديدة ستكون لها مهمة مختلفة. وأضاف ستكون مهمة هذه الالوية هي تدريب وتقديم النصح لقوات الامن العراقية واجراء مهام بالتنسيق لمحاربة الارهاب وحماية الجهود المدنية والعسكرية القائمة.

وقال انه سيظل في مقدور الالوية الجديدة القيام بعمليات قتالية كاملة النطاق عند الضرورة.

وسيبقي البنتاجون حسبما تقضي خطة أوباما على المستويات الراهنة للقوات الامريكية خلال الانتخابات القادمة في العراق ثم سيبدأ في سحب القوات في أوائل العام القادم مع تغير تركيز المهام من العمليات القتالية الى التدريب والدعم.

ومن المتوقع أن تضم القوة المتبقية التي ستبقى في العراق بعد أغسطس اب 2010 ستة ألوية للاستشارات والمساعدة.

وتنتمي ثلاثة من الالوية الجديدة الى الفرقة الثالثة مشاة. وينتمي اللواء الرابع الى الفرقة الرابعة مشاة. وقال مسؤولو البنتاجون ان الالوية الجديدة تحتلف عن الالوية التقليدية لانها تضم أعدادا أكبر من الضباط الميدانيين والقدرات المدنية العسكرية التي تشمل عاملين مدنيين ومهندسين وشرطة عسكرية ومتخصصين في النقل لدعم جهود التنمية التي تضطلع بها وزارة الخارجية الامريكية.

وقال بيان للبنتاجون سيكون لديهم أيضا عمل مرتبط بالافراد في مجالات مثل سيادة القانون والحكم الرشيد والتنمية الاقتصادية.

وسائل تأثير جديدة

وراء الجدران العالية للسفارة الأمريكية في بغداد يبحث الدبلوماسيون الأمريكيون عن صيغة جديدة للتأثير على الوضع السياسي في العراق، فالجنود الأمريكيون الآن في قواعد كبيرة خارج المدن، والتدخل الأمريكي في الحياة اليومية العراقية  قد اختفى، والقرارات الكبيرة والصغيرة التي كان يتخذها القادة الأمريكان  تصنع الآن بشكل كبير من قبل العراقيين، والجنود الأمريكان لم يبق لديهم ذلك الاتصال المباشر بشيوخ العشائر، ورؤساء البلديات والمتمردين،وأصحاب الدكاكين وهو التغيير الذي رحب به معظم العراقيين.حسب نييورك تايمز

على الرغم من أن الرئيس أوباما كان قد بين بشكل واضح أن أولويته الإستراتيجية في الحرب في المرحلة القادمة ستكون أفغانستان، لكن زيارة نائب الرئيس جوزيف بايدن إلى بغداد الأسبوع الماضي جاءت لتأكيد أن الولايات المتحدة مازالت تهتم بالعراق .

يقول الكثير من العراقيين أنه منذ وصول إدارة الرئيس أوباما  إلى السلطة  فان السياسة الأمريكية تبدو  بعيدة وغير مركزة وهناك عشرات من صناع السياسة العراقيين يحسون أن العراق  قد أزيح عن  محور السياسة الأمريكية بسبب المخاوف المتعلقة بأفغانستان وباكستان، وأن الإدارة الأمريكية لم تقدم المزيد من الأفكار بعد الاتفاقية الأمنية لخروج القوات.

وما زاد القلق هو الإحساس بالانجراف  كما طال أمد بقاء العراق بدون سفير بين فترة مغادرة السفير السابق رايان كروكر و مجيء خلفه كريستوفر .آر. هيل، لكن زيارة بايدن قد شجعت النخب السياسية العراقية وطمأنتهم بأن الوضع في العراق لن يهمل لكن يبقى التساؤل حول مدى تأثير بايدن عبر تلك الزيارة .

في الحقيقة أن المشاكل الكثيرة التي يتأمل حلها،هي التي أعاقت عمل السفراء الثلاثة السابقين وإدارة الرئيس السابق جورج بوش  وهي قضية المصالحة الوطنية بين مختلف الأطراف  وكذلك قانون النفط الذي يتأمل أن يزيد من الدخل العراقي، و قرارات الحدود بين المناطق المتنازع عليها بين الأطراف السياسية . يقول برهم صالح نائب رئيس الوزراء: "تلك، في الحقيقة، هي المهمات التي لم تنجز في مجمل التخطيط الكبير للأشياء، فربما يكون العراق في طريق الاستقرار، أو أن القاعدة تعاني من مشكلة تجميع نفسها من جديد أو أننا لا نحتاج لأن يقوم الجنرال راي أودرينو بمهماته   كل يوم، كل ذلك قد يكون حقيقيا، لكن المعركة الكبيرة  على العراق واستقراره وأمنه،لم يعلن النصر النهائي فيها بعد بسبب التقسيمات الطائفية والعرقية السياسية فهذه قضايا تتعلق بالسلطة والثروات والأرض".

يقول إياد السامرائي رئيس البرلمان العراقي: "لقد رحب العراقيون بالالتزام الأمريكي لكننا نتطلع إلى تفاصيل أكثر وقد قال الأمريكيون أنهم سوف يركزون على دعم المؤسسات وليس الأفراد، حسنا ذلك أمر جيد لكن كيف سيفعلون ذلك؟ وأي المؤسسات سوف يدعمون وكيف؟.

بايدن قال أثناء مغادرته أنه حصل على رسالة  من المسؤولين العراقيين فحواها أنهم  يخشون أن العراق لم يعد يمثل أولوية كبيرة بالنسبة للرئيس أوباما.

بايدن قال أنه تفاجأ لسماع ذلك وأنه حاول الحد من تلك المخاوف وقد اقتبس قول أحد المسؤولين العراقيين ولم يذكر اسمه حينما قال له: "يبدو أننا قد تم نقلنا إلى الرف الأسفل لكن بايدن قال أنه أجابه حسنا، أنت لست كذلك.

بعد أن صار على الأمريكيين أن يتعاملوا مع السياسة العراقية فيجب والحال هذه أن يغيروا لهجتهم، فقد اكتسبوا سمعة قاسية تتمثل في إخبار العراقيين عما يجب أن يفعلوه بدلا عن السؤال عما يريده العراقيون ذلك كان تراث الفترة الأسطورية التي كان فيها الأمريكان مسؤولين كقوة احتلال، أما الآن فالعراق بلاد ذات سيادة في أكثر النواحي  وهذه النظرة تولد التنافس.وعلى الرغم من أن الأمريكان ساعدوا أكثر السياسيين العراقيين البارزين بمن فيهم رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي إلا أنهم  لا يتوقعون إقرار العراقيين بتلك المساعدة  بسبب المخاطر السياسية  التي يولدها التقرب من الأمريكان ولأجل كسب مشاعر عامة العراقيين. يقول عبد الكريم عباس الذي يدير محلا في منطقة مختلطة في بغداد "لقد تمت إعاقة الأمريكان عن العمل لأن وجودهم جعل غالبية الناس مرتابين منهم وهو أمر معقد لأن الكثير من الأطراف لا تريد لهم التدخل في شؤوننا  وليس هناك ثقة في الأمريكان بسبب اعتقاد الجميع أنهم جلبوا النزاع الطائفي حيث عاشت تلك الطوائف سابقا فيما بينها بسعادة".هناك أيضا قانون النفط والذي لم تتفق عليه الأطراف السياسية بعد وهو يمثل تقسيم عائداتها التي تمثل نحو 95% من الميزانية العامة.يضيف جوست هلترمان المحلل في مجموعة الأزمات الدولية: انك لا تستطيع أن تترك.

رؤية في ملء الفراغ

إعلان الرئيس أوباما بأن نهاية أغسطس 2010 سيكون موعدا لإنهاء الحرب بالعراق وسحب القوات الأميركية المقاتلة بحلول ذلك التاريخ مع إبقاء قوات تدريبية، يعني أن العراق في انتظار معركة أخرى خطرة، والمقصود هنا هو معركة النفوذ.

خروج الأميركيين من بغداد يعني أن فراغا ما سيحدث، وبالتالي لا بد أن تكون هناك قوة تعبئ هذا الفراغ، والخطورة هنا هي في غياب السلطات العراقية القوية.

فالعراق يعاني من ضعف في المراكز الإدارية القوية والتي تتمتع بالاستقلال، كما أن حجم الشك الذي يحمله العراقيون تجاه بعضهم البعض يحول دون وجود حكومة مركزية قوية تشكل العمود الفقري للبلاد.

البعض يتهم نوري المالكي بأنه يريد أن يكون صدام حسين آخر، وهناك أيضا الخلافات بين الأكراد، وخلافهم مع المالكي وغيره، وما زلنا بانتظار الانتخابات النيابية العراقية القادمة التي ستكشف عن الخريطة السياسية هناك.

ولذا فإن القلق اليوم هو من سعي دول العراق المجاورة، لملء الفراغ المتوقع من خروج القوات الأميركية، وقد حذر أحد النواب العراقيين من الفراغ بتعليق منطقي، إذ يقول أسامة النجيفي عن الفراغ: إما أن يُملأ بالعراقيين إذا استطاعوا أن يحققوا مصالحة وطنية ويبنوا دولة المؤسسات وجيشا محترفا يدين بالولاء للوطن.. أو، والحديث للنجيفي، إذا لم يتوصل العراقيون إلى وحدة وطنية ومصالحة حقيقية ومعالجة الملفات العالقة في الدستور والمهجرين وكركوك ومسائل التكتل الطائفي والعنصري، فأعتقد أن من سيملأ الفراغ سيكون إيران وسيقع العراق فريسة للأطماع والتجاوزات الدولية.حسب جريدة الشرق الأوسط.

والمطلوب هنا ليس تحريض دول عربية أخرى لملء ذلك الفراغ، بل المطلوب هو أن يكون العراقيون على درجة من الحذر والوعي لكي لا يخرج المحتل الأميركي، ويأتي محتل آخر. فالعراق في أمسّ الحاجة إلى مصالحة تشمل كل ألوان طيفه.

الرئيس الأميركي، وبعد أن بشر بعصر جديد بالمنطقة، يقول إنه ليس بوسع واشنطن حل جميع مشاكل العراق، أو حماية شوارعه أمنيا، قائلا: لا يمكننا تخليص العراق من كل الذين يعارضون أميركا أو يتعاطفون مع خصومنا. وهذا كلام صحيح، فإذا أريد للعراق أن يكون دولة ديمقراطية فلا بد أن يكون هناك من يريد علاقة جيدة مع أميركا، ومن لا يريد أيضا، لكن على واشنطن والدول العربية الفاعلة أن تسعى أولا وقبل كل شيء إلى ترسيخ المصالحة العراقية.

فخطر الانقسام على العراقيين سيكون كبيرا، ويفتح المجال للاستقواء بالخارج، مثلما هو حاصل بلبنان. ولذا فلا بد من تواصل أميركي وأوروبي وعربي أكبر مع العراق، على كافة المستويات ليكون لدى بغداد خيارات أخرى غير إيران. كما لا بد من أن يتنبه العراقيون والأميركيون والعرب لخطورة المرحلة القادمة والتي ستكون بمثابة معركة من أجل النفوذ وملء الفراغ في العراق، ولا شك أنها ستكون معركة قاسية وصعبة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 16/تموز/2009 - 23/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م