محاولة لتنظيف صابون الحصة

كاظم فنجان الحمامي

للعرب تجاربهم الغنية الموروثة في صناعة الصابون منزليا من زيت الزيتون, والصودا الكاوية, والماء. وبالمقادير التي وضعها سيدنا سليمان (ع), وكان أول من علم الناس طرق صناعة الصابون. ومازالت تلك الطرق والمقادير راسخة في ذاكرة المدن والقرى العربية العريقة.

ولكل إنسان في كوكب الأرض ميول ورغبات محددة لاستخدام أنواع معينة من الصابون ومساحيق التنظيف. وتتباين الرغبات من إنسان لآخر اعتمادا على قناعاته الشخصية المستمدة من التعامل اليومي مع هذه المواد.

والناس أحرار في تفضيل صنف على آخر, ولديهم القدرة على تمييز أجودها نوعا, وأغناها رغوة, وأزكاها عطرا, وأجملها شكلا, وأبهاها لونا, من الماركات العالمية, من مثل لوكس, ودوف, وفا, وكامي, وزيزت, ونيفيا, وأكوا, ولايفبوي, وبرونلي, وغيرها كثير.

وجميع هذه الأنواع ملفوفة من الداخل بورق ابيض سميك مشبع بالزيوت العطرية المنعشة, ومغلفة من الخارج بغلاف رقيق مصقول ملون جميل وجذاب, ومثبت عليه تاريخ الإنتاج, ومدة الصلاحية, ومكونات المادة, والوزن الصافي, وتحذيرات صحية عامة, واسم الدولة المنتجة, وجهة الإنتاج, وموقعها على الشبكة الدولية, وأشياء أخرى.

اما صابون الحصة التموينية الملطخ بالألوان المنفرة والمقززة, فلا ينتمي إلى أي صنف من الأصناف العالمية المعروفة. بل انه لا يرتقي إلى مستوى صابون (الجمال), أو (عطور), الذي كانت تنتجه محليا الشركة العامة للزيوت النباتية, قبل أن تحال على التقاعد القسري, وتضطر للرقود في دار العجزة.

ويتفق الناس جميعا على إنّ صابون الغار (الركي) أرقى بكثير من صابون الحصة, من حيث الطراوة والجودة والشكل والرائحة والوزن. فالأخير أقرب إلى (طين الخاوة) منه إلى الصابون. وكانت بعض الأنواع الرديئة منه مغلفة بغلاف يحمل اسم الماركة التجارية (فا), مرسومة بألوان باهتة, وبطريقة تبعث على الارتياب.

ويكاد يكون الغلاف الشفاف هو الزي الرسمي العام للصابون المجهول الهوية, والذي تكتب عليه أحيانا عبارة: (صُنع خصيصا للعراق), ومن دون الإشارة إلى الجهة, التي صنعته (خصيصا لنا), وكأنها مكرمة جادت بها علينا أكف الأسخياء.

وفي هذا نقول: ليس هنالك أسهل وابسط وأسرع من شراء أجود أنواع الصابون, وبأرخص الأسعار من منابعها العالمية الأصيلة, وبتخفيضات مغرية. خصوصا إذا كانت الكمية المطلوبة كبيرة جدا, بحيث تغطي احتياجات محافظة بكاملها.

فكلما تعاظمت كمية المادة المستوردة صغرت قيمة الرزمة الواحدة, فما بالك إذا كانت الكمية مخصصة لتغطية احتياجات بلد بحجم العراق.

 وما بالك إذا كان باب التنافس مفتوحا على مصراعيه, وكانت الطلبيات معلنة في مواقع الشبكة الدولية, أو مرسلة بشكل دعوات مباشرة إلى شركة (كامي), و(دوف), و(لوكس), وأخواتها (دي لوكس), و(هاي لوكس). وما الضير من وضع شروط تقضي بوجوب التعامل المباشر, والحصري مع الإدارات الرئيسية للشركات المصنعة, ونتجنب التعامل مع السماسرة والوسطاء.

عندئذ سيحتدم الصراع بين كبريات الشركات العالمية, فتشترك جميعها في حلبة التنافس, لتفوز في النهاية, الشركة الأفضل بعقد التجهيز. وهذا يكفل لنا إبرام العقود مع من يتقدم لتجهيز العراق بأفضل الأصناف وأرخصها. ويحق لوزارة التجارة حينذاك أن تكتب على غلاف قطعة الصابون, باللغة العربية, واللغة الكردية طبعا, عبارة تقول: (نحن في خدمة العراق وأهله), وبتوقيع وزير التجارة.

 وينبغي الحذر من منح الشركات العالمية عقودا رسمية تبيح لها احتكار التجهيز لسنوات. فنحن أحرار في التعامل مع المنتوج الأجود والأفضل والأرخص و(الأكشخ).

وأكاد اجزم إنّ الكلفة ستكون اقل بكثير من كلفة شراء صابون الحصة ذي الألوان الترابية والقوام الطيني, عندئذ سيكون المواطن الكريم راضيا ومسرورا ومقتنعا بالصنف الجديد.

ختاما نقول: إنّ معامل الصابون في السودان تنتشر في كل ولاياته الفقيرة, وتغطي الاستهلاك المحلي, وتصدر الفائض من إنتاجها إلى تشاد والنيجر والصومال وإثيوبيا.

إذن ما الذي يمنعنا من إحياء معاملنا التابعة لشركة الزيوت النباتية, وتطوير خطوطها الإنتاجية ؟.

أليست هي الأقدم والأكبر على صعيد الوطن العربي كله ؟.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 16/تموز/2009 - 23/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م