شبكة النبأ: أقام مركز الفردوس
للثقافة والإعلام المهرجان العالمي التاسع للإمام علي بن أبي طالب عليه
السلام تحت شعار: النهج الاقتصادي للإمام علي عليه السلام.. دروس
للحاضر والمستقبل وذلك على مدى ثلاثة أيام من 6 - 11/تموز/2009 حيث
شارك فيه جمع من المفكرين والعلماء والشعراء كما تضمن المهرجان عرضاً
مسرحياً تناول مواقف مختلفة من حياة أمير المؤمنين عليه السلام قدمته
فرقة الغدير.
وكانت فعاليات المهرجان في اليوم الاول الذي عقد في دمشق - السيدة
زينب عليها السلام - قاعة فندق السفير: الاثنين 6/7/2009م،الساعة
السادسة عصراً. على الشكل التالي:
1- الدكتور أكرم حوراني (كلية الاقتصاد): مرتكزات التنمية في الفكر
الاقتصادي الإسلامي في إطار الأزمة العالمية.
2- الدكتور رضا رجب: المال والاقتصاد في حياة الامام علي (ع).
3- الدكتورة رئيفة أبو راس: المبنى الأخلاقي لسياسة الاقتصاد في
نهج البلاغة.
4- الدكتور السيد محسن القزويني: الأزمة الاقتصادية العالمية العلل
والعلاج على ضوء نهج البلاغة.
5- عرض مسرحي.
وفي اليوم الثاني في حلب وعلى قاعة فندق شيراتون الخميس 9/7/2009م
الساعة السادسة عصرا كان البرنامج كما يلي:
1- فضيلة السيد ضياء الديمن حبش/ كلمة المركز
2- الدكتور ياسين خليفة عميد كلية الاقتصاد /المقولات الديموغرافية
والاقتصادية في منهج الامام (ع)
3- الدكتور الشيخ محمد المفتح / معلجة اسباب الفقر وظواهره من فكر
الامام علي عليه السلام.
4- عرض مسرحي
وفي اليوم الثالث وفي حمص على قاعة فندق السفير: السبت
11/5/2009م، الساعة السادسة عصراً، كان البرنامج ما يلي:
1- الدكتور عفيف صندوق: السياسة المالية للإمام علي (ع) العدالة لا
المساواة في توزيع المال بين الجميع.
2- الدكتور إبراهيم عيسى: الاقتصاد مسؤولية الفرد والمجتمع والدولة.
3- الشاعر إبراهيم ديوب.
4- عرض مسرحي.
وفيما يلي بعض نشاطات اليوم الاول:
كلمة مركز الفردوس للثقافة والإعلام في المهرجان العالمي التاسع
لأمير المؤمنين (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين.. والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد
وآله الطاهرين.
نرحب بكم أيها الإخوة الحضور، ونبارك لكم ذكرى مولد مولى الموحدين
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ونسأل الله أن يعيدها
عليكم وعلى الأمة وأنتم في تمام الصحة والعافية.
اعتدنا في مركز الفردوس للثقافة والإعلام منذ سنوات أن نقيم هذا
المهرجان السنوي العالمي لأمير المؤمنين عليه السلام، وندعو لحضوره
مجموعة من المتخصصين والأدباء والشعراء.
وكنا نحاول – نحن اللجنة المنظمة- أن ننتخب للمهرجان شعاراً يلتقي
مع الاتجاه الثقافي السائد في العام الذي يقام فيه.
ومادام العالم هذه الأيام يعيش الأزمة الاقتصادية العالمية، التي
فرضت نفسها على المحافل الدولية والأنشطة الاقتصادية والسياسية بل وفي
وسائل الإعلام، فقد ارتأينا أن يكون الشعار لهذا العام.
(النهج الاقتصادي للإمام علي عليه السلام ... دروس للحاضر والمستقبل).
وإن كنّا لسنا من أهل الاختصاص في التفاصيل الدقيقة للاقتصاد،
ولكننا نستطيع أن نتكلم في عموميات الاقتصاد ومرتكزاته العامة التي
يقوم عليها.
لقد كان المال والاقتصاد كما هو معلوم من أهم الأمور التي فرضت
نفسها على العقل البشري على مرّ التاريخ وقد حاول هذا العقل جاهداً أن
ينتج النظام الأفضل الذي ينظم العملية الاقتصادية في حياة الناس.
*ركن الاقتصاد:
ولا شك أن العملية الاقتصادية إنتاجاً واستثماراً وتوزيعاً ترتكز
على ركنين أساسيين: الإنسان والمال لكلٍّ دوره، فإذا أهمل ركن أو لم
يُحسن التعامل الصحيح مع طبيعته الواقعية وكيفية تنظيمها وتسييرها فإن
العملية ستختل من أساسها.
ولعل هذه هي المشكلة الأساسية وراء التعقيدات والمطبات بل
الانهيارات التي وقعت فيها الأنظمة الاقتصادية التي أنتجها العقل
البشري في التجربة البشرية التاريخية الطويلة.
*النظام الرأسمالي ومآسيه:
فالنظام الرأسمالي الذي تبلور على يد (آدم سميث) ومن في سربه، والذي
قدم ملكية الفرد على كل شيء بل فتح باب الملكية والتصرف على مصراعيه
أمام الفرد، ويلخص ذلك المقولة الشهيرة (دعه يعمل دعه يمر) وكذلك
القاعدة الرأسمالية التي تقول بترك السوق لوحده لأن هناك ( يداً خفية
تنظمه).
هذا النظام لم يكن اهتزازه الأول هذا الذي نشهده - هذه الأيام - من
الأزمة العالمية، بل تتمثل اهتزازاته ولا جدواه بتلك المآسي التي
تثبتها الإحصاءات العالمية حول الأرقام الفلكية في عدد الفقراء الذي
يتزايد كل عام مقابل ازدياد الثروة الهائلة عند عدد قليل من الأغنياء
قياساً إلى عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر.
*النظام الشيوعي وثغراته:
وليس بعيداً عن هذا – النظام الشيوعي- مع احترامنا للفكر الإنساني
لكننا لا نقدسه، كذلك هذا النظام سواء أكان ردة فعل على النظام
الرأسمالي أو مرحلة حتمية من مراحل التطور البشري كما ينظّر لذلك
القائلون(بنظرية الديالكتيك).
على كل حال، وإن اختلف النظامان في الشكل والأدوات ولكن الخطأ يجمع
بينهما، ألا وهو عدم التعامل الصحيح مع الطبيعة الإنسانية ونزعاتها
وطموحاتها، أو عدم التفريق في التعامل بين المال والإنسان.
هذا النظام الذي حاصر الملكية الفردية، فحاصر بذلك الفطرة الإنسانية
وعاش في خيال الدولة التي تملك كل شيء وتؤمّن للفرد كل شيء ليعطي كل
جهده ويأخذ قدر حاجته، فتراجع الإبداع، وانكمش الابتكار، طالما أن
النتاج الشخصي هو في النهاية يذوب في الملكية العامة إلى غير ذلك من
آثار سيئة ومضاعفات.
*الالتفات إلى المذهب الاقتصادي الإسلامي:
إننا نقدّر أن الفرصة باتت مهيأة لكل المتخصصين بالفكر الاقتصادي
لإعادة النظر في هذه الأنظمة من جهة، والالتفات إلى المفردات
الاقتصادية في الإسلام لصياغة وبلورة المذهب الاقتصادي الإسلامي بصورة
واضحة، ولا أعني بالصياغة إنتاج المذهب الاقتصادي الإسلامي لأنه منتج
وموجود وإنما الكلام في تبيينه مفصّلاً، فالكلام في مقام الإثبات لا
الثبوت.
والإسلام للجميع لكل فرد على هذه البسيطة، فالنبي صلى الله عليه
وآله إنما بعث للناس كافة، وكذلك أرسل رحمة للعالمين.
من هنا كان لابدّ لنا من أن نقف هذه الوقفة ونطل هذه الإطلالة على
الفكر الاقتصادي الإسلامي ممثلاً بالنهج الاقتصادي لأمير المؤمنين عليه
السلام.
ولعلنا كمسلمين وغيرِ مسلمين ملامون لإهمالنا لهذا النتاج الضخم
لأمير المؤمنين عليه السلام في الحقل الاقتصادي، بل في كل حقول النشاط
البشري التي لم يخل حقل منها من كلام نظري أو موقف عملي له عليه السلام
إذا جُمع ورُتِّب فإنه سيشكّل منظومة حياتية متكاملة.
وفي نظرة إجمالية لنتاج الإمام علي عليه السلام في المال والاقتصاد
نستطيع أن نميز نقاطاً ظاهرة في نهجه.
1- ربط المال بالأخلاق:
فهو أولاً يربط المال بالأخلاق بل يجعل المال تحت سلطة الأخلاق
ليأخذ الإنسان وهو محور الأخلاق دوره الطبيعي في قيادة الحياة ولاسيما
في جانبها الاقتصادي كالسفينة التي يقودها ربانها الخبير الحاذق
فينقذها من الأمواج العالية والرياح العاتية.
فقد جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام، والرجل يذم الدنيا فقال
عليه السلام: (إن الدنيا دارُ صدق لمن صدقها، ودارُ عافية لمن فهم عنها،
ودار غنى لمن تزوّد منها، ودار موعظة لمن اتعظ بها.
أقول: إن هذا الوعي الفريد في التعامل مع الدنيا والذي يكرس منهجاً
متوازياً يلبي الحاجة المادية لطبيعة الإنسان والحاجة الروحية
والأخلاقية، لا كلُّ حاجة على حدة بل يتفاعلان ويمتزجان نابعتين من
طبيعة الإنسان، هذا الوعي هو الذي افتقده الإنسان في التجارب
الاقتصادية الفاشلة التي خاضها على طول التاريخ.
2 - الملكية خلافة:
أما ثانياً: فيرى عليٌّ عليه السلام وحين نقول يرى نعني بذلك رؤية
الإسلام، لأن علياً نتاج الإسلام وامتداد النبوات، لأن علياً مع الحق
والحق مع علي يدور معه حيث دار.
يرى عليٌّ أن الملكية البشرية لأشياء الكون ملكية خلافة لا مطلقة،
ليبرز هنا عنصر المسؤولية عن هذه الأشياء في هذه الملكية، ليس كل شيء
مباحاً، وإنما ثمة ضوابط شرعية وأخلاقية تؤطر هذه الملكية لتجعلها
ابتلاءً لا منحةً، يقول عليه السلام:
(إن لله عباداً يختصهم الله بالنعم لمنافع العباد فيقرها في أيديهم
ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم ثم حولها إلى غيرهم).
3- الهدف من الملكية:
أما ثالثاً ففي الإسلام لا تكون الملكية هدفاً ليس وراءه هدف، وإنما
الملكية ليست أكثرَ من مرحلة من مراحل التعامل مع المال فإذا صارت هدفاً
للمسلم المؤمن الواعي فإنها فور الوصول إليها تنقلب إلى وسيلة لبلوغ
هدف آخر، هدف يرتبط بصالح الفرد والمجتمع.
يقول عليه السلام: (فمن آتاه الله مالاً فليصل به القرابة وليحسن
منه الضيافة وليفك به الأسير والعاني وليعط الفقير والغارم).
*الفعل لا الانفعال:
وفي الوقت الذي يستبشر الإنسان حين يسمع هذه الأيام الأصوات التي
ترتفع من خبراء الاقتصاد في العالم بضرورة إعادة النظر بالأنظمة
القائمة وكذلك إعادة النظر بنسبة الفائدة الربوية وربما إلى إلغائها،
بل ربما صرح بعضهم بضرورة تطبيق المنهج الاقتصادي الإسلامي على المصارف
العالمية.
أقول: في الوقت الذي نستبشر فيه بظهور إرهاصات اليقظة في عقول أهل
الاقتصاد وخروجهم من اللاوعي إلى الوعي والشعور، فإننا نشعر أيضاً
مقابل ذلك بالأسف لسببين:
الأول: أن عقول ومشاعر الناس – ومنهم المسلمون- وصلت مرحلة من
الترهل والاستخذاء بحيث لا تبصر أول الطريق الصحيح إلا بعد انصباب مزيد
من المصائب والكوارث التي تهدد الحياة والمصير.
والثاني: ولعله شيء من ممارسة النقد الذاتي- وترتيب البيت الداخلي-
أننا نحن المسلمين بلغ بنا التراجع النفسي وبالتالي العملي الميداني أن
نتغنّى بأصوات ترتفع من هناك من الغرب تلمِّح وربما تصرِّح بأن
الاقتصاد المالي على الطريقة الإسلامية هو الأنجع والأفضل.
وفي الختام:
آسفون جداً يا الله لأننا فقدنا أو تزعزعت ثقتنا بدين بل نور أنزلته
لتنير قلوبنا وعقولنا، دين كامل متكامل خطط له أن يرتقي بنا إلى سعادة
الدنيا قبل الآخرة.
آسفون يا رسول الله أننا أهملنا تلك الدموع التي ذرفتها عيناك باكياً
خائفاً على أمتك، أهملنا قطرات العرق التي رشحت من جسدك وأنت تبني
الأمة. هذه الدموع التي تكشف عن روح تتألم لتراجعنا وخذلاننا لمنهج
يعزنا ويكرمنا في الدنيا والآخرة.
آسفون يا علي لأننا خذلناك، وشدة أسفنا توازي شدة خذلاننا لك،
خذلناك حين لم نسألك إذ قلت (سلوني قبل أن تفقدوني).
لم نتصفح عقلك، ولم نقرأ قلبك، ولم نستضيء بوعيك، ولعل الرابية التي
نجلس عليها متفرجين عليك أنت والمخلصين تبذلون المهج والدماء من أجلنا
وأجل أبنائنا ومن أجل الإنسان، لعل هذه الرابية تزدرينا وربما تلعننا.
ولكن ثمة أمل يدغدغ قلوبنا أن قلبك كبير، هذا القلب الذي كان رئيفاً
ورحيماً حتى بقاتلك الذي هدّ بسيفه ركناً من أركان الهدى.
يلوح لنا أملٌ أنك ستسامحنا بل ستشفع لنا وتبكي بين يدي ربك ليغفر
لنا ذنوبنا ويتجاوز عن تقصيرنا.
أخيراً: نرحب بكم مرة أخرى ونتمنى لكم لحظات مفيدة ونافعة، والآن
لنفسح المجال لضيوفنا الكرام، يدلو كلٌّ منهم بدلوه عسى الله أن يجعل
ذلك في صالح أعمالهم وأعمالنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مقتطفات من كلمة الدكتور اكرم حوراني:
الفكر التنموي الإسلامي في مواجهة الأزمة
المالية العالمية
حسب تقرير التنمية البشرية لعام 2007 ، يبلغ عدد سكان العالم
الإسلامي مليار ومئتي مليون إنسان ، موزعين في 24 دولة ، تناثرت معظمها
في أدنى درجات الترتيب لمؤشرات التنمية المعتمدة ، على الرغم من
الثروات الطبيعية والموارد البشرية التي تمتلكها الدول الإسلامية،
والتي تمكنها فيما لو تم ترشيد استخدامها وتعبئتها لخدمة تنميتها
الحقيقية ، وتحقيق آمال شعوبها ، من قلب درجات ترتيبها في مؤشرات
التنمية البشرية.
وبعد أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية، اشتد ت موجة
العداء للإسلام والمسلمين بحجة مكافحة الإرهاب ومقاومة الإيديولوجية
الإسلامية التي تشكل حالياً حسب منظريهم الخطر الوحيد المناهض
لإيديولوجيتهم بعد سقوط وانهيار الإيديولوجيا الاشتراكية .
وقد ساهم ضعف الإعلام الإسلامي ، والتشرذم السياسي والاقتصادي
للدول الإسلامية ، وضعف آليات التنسيق الإسلامية في مواجهة التحديات
التي تفرض على الإسلام والمسلمين ، في إظهار المسلمين بموقف الدفاع عن
النفس وعن الدين ، حيث يجب " التفريق بين الإسلام كدين بثوابته المقدسة
التي لا يجوز المساس بها ، وبين الرؤى والأفكار السياسية للإسلام ،
والتي هي رؤى بشرية تخطيء وتصيب وقابلة للتغير والتطور, وهي التي دفعت
لتعدد الرؤى السياسية والاقتصادية للدول الإسلامية).
وهذه الرؤى المختلفة تزداد اتساعا كل يوم بفعل تحديات الحداثة وسبل
مواجهتها والتي تتطلب مزيداً من الاجتهادات في التفسير المعاصر للنص
الديني، واستنباط الأحكام التي تتلاءم مع واقع العصر ، على أساس تفعيل
مواقع الاتفاق ، وتحييد مواقع الاختلاف و " الإسلام من حيث هو ثقافة
حاضرة في حياة الناس العملية والروحية ، قلما ترك أمراً ليس له فيه قول
صريح أو مضمر ، بدءاً من أمور الزواج والطلاق والإرث ، مروراً بمسائل
البيع والشراء والعقود والعقوبات ، وانتهاء بمسألة الحكم والسلطة
والقيم الأخلاقية ، كما يقدم الإسلام بمصادره الأساسية إجابات جاهزة عن
أسئلة حاضرة.
وهنا تبدأ إشكالية التطوير والتحديث والاجتهاد في التفسير ، والتي
يبدو أنها تحتاج لمزيد من تنسيق الجهود على كافة الأصعدة ، وأهمها
الاقتصادية ، لما لها من أهمية في حياة المسلمين ومستويات معيشتهم
والمرتبطة إلى حد كبير بمدى توافر الموارد ونجاح البرامج وخطط التنمية
الاقتصادية المنفذة في دولهم . والتي تتفاوت بمعدلات كبيرة .
وعلى الرغم من ذلك فإن معظم المفكرين يرون أن فشل التجارب التنموية
في البلدان المتخلفة اقتصاديا وضمنها معظم الدول الإسلامية يعود إلى (
قصور وعجز الفكر التنموي الوضعي المستند في جذوره إلى نظريات " التنمية
" ونماذج النمو واستراتيجيات وخطط " التنمية " المستقاة من الفكر
الغربي ، البالغ التعميم والذي لا يتناسب مع الطبيعة الخاصة وهياكل
الدول المتخلفة ).
مقتطفات من كلمة الدكتورة رئيفة ابو راس
إنّ الوضع المتردّي للاقتصاد العالمي اليوم يدعونا إلى وقفة متأنّية،
كما يدعونا إلى مراجعة عميقة للأسس التي بُني عليها هذا الاقتصاد، وهي
في جوهرها أسس مادّيّة.
وتأتي هذه المراجعة العميقة في إطار الفكر الإسلاميّ ذي الرسالة
المتكاملة التي تُعنى بالقاعدة الأخلاقيّة إلى جانب القاعدة الماديّة،
بل تقوّم الثانيّة في إطار الأولى.
ولعلّ هذا التقويم الإسلامي ناشئ عن مراعاة الحالة الإنسانيّة في
ثنائيّتها الوجوديّة المتجليّة في المادّة والروح. يقول السيّد محمّد
باقر الصدر في إطار تحديده للمعالم الرئيسة لرسالتنا الإسلاميّة،
وأوّلها النظرة الروحيّة إلى الحياة والكون بصورة عامّة: "ولا تعني
الروحيّة هذه إنكار المعاني المادّيّة للكون
أو حصر نطاق الوجود في الروح والروحيّات كما يشاء الكثير من الكتّاب
الأوربيّين أن يفسّروا النظرة الروحيّة بذلك. فالإسلام يعترف بالحقائق
الروحيّة والمادّيّة وإنّما يربط تلك الحقائق جميعاً بسبب مشترك أعمق
وهو الله تعالى. فالنظرة الروحيّة في جوهرها إذن عبارة عن إدراك صلة
الحياة والكون بالله وانبثاقها عن قدرته وتقديره، وبهذا المعنى يمكن أن
نعتبر الكون بصورة عامّة روحيّاً لأنّ تلك الصلة بالمبدع الخلاّق، صلة
الخلق والإبداع، تشمل المادّة كما تشمل الروح وتنفذ إلى سياستها جميع
محتويات الكون وحقائقه.
وليست هذه النظرة الروحيّة التي تتمثّل فيها الحقيقة الكبرى للكون
نظريّة مجرّدة، وإنّما تتّصل بالوجود العملي للإنسان كلّ الاتّصال
وتحدّد له موقفه من عالمه الذي يعيشه والحياة التي يحياها ويستمدّ
الإنسان منها أو على ضوئها اتّجاهه العام الذي ينعكس في كلِّ نشاطاته
وأفعاله.
وفي تحليلٍ عميقٍ لماهيّة الاختلاف بين الفكر الإسلامي وبين المنطلق
الماركسي المادّي، يقول السيّد الصدر: "ليس اختلافنا مع الماركسيّة في
حدود مفهومها المادّي للإدراك فحسب، لأنّ المفهوم الفلسفي للحياة
العقليّة، وإن كان هو النقطة الرئيسية في معتركنا الفكريّ معها،
ولكنّنا نختلف أيضاً في مدى علاقة الإدراك والشعور بالظروف الاجتماعيّة
والمادّيّة، ولمّا كانت هذه الظروف تتطوّر تبعاً للعامل الاقتصادي،
فالعامل الاقتصادي إذن هو العامل الرئيسي في التطوّر الفكري.
وإذا كان الإسلام ديناً عالميّاً يتناول الحياة الإنسانيّة من جميع
جهاتها فلابدّ أن يكون له موقف معيّن إزاء ما يطرأ على مظاهر الحياة
الإنسانيّة من تبدّل وتغيّر.
وما يطرأ على مظاهر الحياة الإنسانيّة من تغيّر تارةً يمسُّ الطبيعة
المادّيّة التي تحيط بالإنسان، وأخرى يمسّ النظم الاجتماعيّة
والاقتصاديّة والسياسيّة لهذه الحياة.
والقسم الأوّل من التغيّرات يظهر فيما أتيح للإنسان المعاصر من
التقدّم العظيم في أساليب انتفاعه بالطبيعة المادّيّة والسيطرة عليها
واستخدامها في تحسين شروط حياته اليوميّة، وهذا ما لم يقف الإسلام منه
موقفاً سلبيّاً.
أمّا القسم الثاني من التغيّرات فيظهر في النظم الاجتماعيّة
والاقتصاديّة المبتدعة التي تمخّضت عنها الحضارة الغربية، ومفاهيم
الإنسان الغربي عن الكون والحياة والإنسان. وموقف الإسلام من هذه النظم
ممَّا قد يستحدث فيها من تغيير وتبديل ليس موقف الرفض المطلق وليس موقف
القبول المطلق. فمثلاً لا يمكن أن يقبل الإسلام وجهة النظر الغربيّة في
حيوانيّة الإنسان ومادّيّته ومشروعيّة الرّبا والمسألة الجنسيّة، ولكن
ليس في الإسلام ما يحول بين العمّال وبين أن ينظّموا أنفسهم ويعهدوا
إلى هيئة منهم تتولّى النظر في مصالحهم.
وهكذا أرسى الإسلام دعائم التوازن في الحياة الإنسانيّة لتحقيق
التكامل العام في جميع الميادين.
ويُعدّ الإمام الجليل عليّ ع من روّاد المدرسة الإسلاميّة ذات
المنحى المتكامل، ولذلك فقد اعتنى عناية كبيرة بالمبنى الأخلاقي
للسياسة الاقتصاديّة على مستوى الفرد والمجتمع، وبما يكفل إرساء
القواعد الحافظة لحقوق الجميع في إطار حياتهم الاجتماعيّة.
ويمكننا الاستهداء في هذا المجال بالقراءة المعمّقة لسياسته تلك،
والتي قدّمها الدكتور محسن باقر الموسوي في كتابه القيّم "الفكر
الاقتصادي في نهج البلاغة".
ولعلّ أبرز معالم هذه القراءة تظهر في الفصل الثالث الذي تناول
الفقر في نهج البلاغة وتَعرِض لدراسة أسبابه وعلاجه والوقاية منه.
كلمة الشكر التي تقدم بها مركز الفردوس
أيها الجمهور العزيز والحضور الكريم
- نتقدم بالشكر لكل الإخوة والأخوات من الجمهور الكريم وأتمنى أن
نكون قد وفقنا بتقديم كل ما هو مفيد ونافع لكم في الدنيا والآخرة، ونحن
نرحب بكل الملاحظات حول الأخطاء والنواقص فالكمال لله وحده.
- وكذلك أشكر الإخوة المحاضرين الذين تجشموا عناء السفر للمشاركة في
هذا المهرجان الذي هو للجميع وأسأل الله أن يجعل ذلك في صالح أعمالهم.
- وكذلك أتقدم بالشكر لفرقة الغدير وأسأل الله لهم مزيداً من التقدم
في العمل الفني الملتزِم والمبارك.
- وأتقدم إلى إدارة فندق السفير الذين بذلوا جهدهم في تقديم الخدمات
اللازمة لإنجاح هذا المهرجان.
- وأخيراً لن نقول وداعاً لدمشق وأهلها بل نقول إلى اللقاء في العام
القادم بإذن الله مع شعار جديد للمهرجان ونسأل أن يديم رعايته وتوفيقه
لنا ولكم.
- كما أرجو من الجميع الدعاء لنا لعل الله يوفقنا لإنجاح هذا
المهرجان في اليومين الباقيين في حلب وحمص.
|