لم يكن توقيت زيارة نائب الرئيس الامريكي جو بايدن للعراق بعد يومين
من إنسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية بالامر الاعتباطي، خصوصا
ً إذا علمنا بأن جو بايدن هو عرَّاب خطة التقسيم الامريكية للعراق
والتي أثارت غضب العراقيين في عام 2006, فقد جاءت هذه الزيارة تحمل في
طياتها الكثير من التساؤلات والكثير من المشاكل, وخالفت الهدف المعلن
لها وهو تحقيق المصالحة الوطنية والتأكيد من استمرار العملية السياسية
والأمنية بإتجاهها الصحيح.
وما التصريحات التي أطلقها أثناء وبعد زيارته إلا توكيد لما يدور
في عقل هذا الرجل، هذه التصريحات التي أزعجت الحكومة العراقية والتي
ردت على لسان الناطق الرسمي السيد علي الدباغ، وكانت لغة الرد وعدم
التصريح من قبل مسؤولين آخرين إلا بما يوافق رأي الحكومة يدلان على ان
الحكومة العراقية قررت أن يكون لها صوت واحد إتجاه مثل هذه الاثارات.
ولم يكتف السيد بايدن من تأزيم الامور والتي هي أصلا متأزمة في
العراق فقد أطلق شرارة الفرقة بين الحلفاء حينما أعلن أن السيد المالكي
طلب منه التدخل لإلغاء دستور إقليم كردستان، وكأن دستور الاقليم الذي
صوت له الشعب الكوردي -بغض النظر عن ما يحمل هذا الدستور أو اللغط الذي
أثير حوله-، هو دستور يلغى بكلمة أمريكية أو بأمر أمريكي وكأن الشعوب
لا رأي لها.
ومن ناحيةٍ أخرى أعلن جو بايدن لمحطة آي.بي. سي. الامريكية ان
الناطق الرسمي للحكومة العراقية لم يشأ ان يحرج الحكومة والمسؤولين
العراقيين ويظهرهم بمظهر العملاء والتابعين لأمريكا لذا صرح بما يخالف
ما تحدثنا به في بغداد،متناسيا ً أن العراق بلد حر وشعبه شعب حر لا
يرضى بأقل من السيادة ولا أقل من الكرامة، ولو ألقى السيد بايدن نظرة
على مشاعر العراقيين قبل يومين من زيارته لبغداد ومدى الفرح الذي أعتمر
نفوس وقلوب العراقيين برحيل قوات بلاده من المدن العراقية أو بنظرة الى
تاريخ ثورة العشرين التي تمر ذكراها هذه الايام لعرف ولرعوى وخجل من
هكذا تصريحات مهينة ومذلة ولكن الرسالة العراقية قد وصلت للمسؤولين
الامريكيين من وجودهم لم يكن موضع ترحيب وقبول من قبل العراقيين لذا
كان رد الفعل الامريكي باتجاه زرع الفتنة والمطالبة بمصالحة البعثيين
والخارجين عن القانون على لسان نائب الرئيس بايدن.
ولا ننسى أن هذه التصريحات تأتي قبل ايام من تقديم مشروع مناقشة من
قبل السيد بان كي مون الامين العام للأمم من أجل إخراج العراق من طائلة
البند السابع, السيد بايدن صرح قبيل زيارته للعراق أن هذه الزيارة تأتي
من أجل تحقيق الاستقرار السياسي في العراق ولكن جاءت على العكس في كل
شئ إلا اللهم شئ واحد هو زيارة نجله الذي يخدم ضمن القوات الامريكية
العاملة في العراق ومنح الجنسية للمرتزقة المجندين في الجيش الامريكي
من مكسيكيين وفلبينيين وغيرهم من الجنسيات الاخرى.
المهم ان هذه الزيارة كانت فاشلة وهي بذات الوقت مفيدة للعراق حيث
وضعت الحكومة العراقية عند مسؤوليتها الوطنية, وإن أراد السيد بايدن ان
يلوح بسياسة العصا والجزرة للحكومة العراقية فقد اراد ان يقول ان
للحكومة العراقية أن هنالك أوراق لدى الادارة الامريكية قادرة على
اللعب بها في اي وقت تشاء, وهو تذكير للحكومة بأن الارهاب البعثي لا
زال واقفا ً على الابواب مع وجود مشاكلكم الداخلية وخلافات بين الحكومة
الاتحادية واربيل وملفات أخرى فعليكم بقبول إملاءاتنا وإلا سنرفع يدنا
عنكم وهذا ما اشار به في تعليقه للمحطة الامريكة على تصريح الناطق
الرسمي باسم الحمة العراقية،، نعم لقد كان رد الحكومة العراقية بمستوى
المسؤولية ولكن يحتاج الى موقف جماهري معبر عن التفافهم حول حكومتهم
المنتخبة بخروج مظاهرات منددة بالتصريحات حتى لا تبقى الحكومة لوحدها
بمواجهة هذا الاستفزاز والوقاحة وحتى تقطع الطريق على كل المتقولين
والمتصيدين بالماء العكر.
* كاتب-لندن
Alkhatib_66@hotmail.com |