عوامل التقارُب بين الإسلام واليابانيين في رحلة تاريخية

 

شبكة النبأ: المصادفة وحدها قادت الكاتب المغربي عبد الرحيم بنحادة الى مقبرة في طوكيو اكتشف أنها لرحالة مسلم دعا لأن يكون الشرق للشرقيين كما شدد على وجود عوامل للتقارب بين اليابان والعالم الاسلامي منذ أكثر من مئة عام.

وقال بنحادة عميد كلية الاداب والعلوم الانسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط ان عبد الرشيد ابراهيم سجل رحلته التي قام بها لدول اسيا الشرقية في بدايات القرن العشرين تحت عنوان (عالم الاسلام) ثم اشتهرت الرحلة باسم (تتاري في اليابان) وهو عنوان الترجمة الفرنسية للرحلة.

وأضاف أن ابراهيم كان كثير الترحال الى مدن وبلدان كثيرة منها اسطنبول والصين ومصر وفلسطين وايطاليا وفرنسا وألمانيا والنمسا وسنغافورة وهونج كونج والهند ثم عاد الى اليابان للمرة الثانية عام 1933 وظل بها الى أن توفي عام 1944 حيث كرس نضاله في رحلاته من أجل التوعية بفكرة "الشرق للشرقيين" التي يماثل فيها سيرة جمال الدين الافغاني. بحسب رويترز.

وعلق قائلا ان الرحلة بالنسبة لابراهيم والافغاني لم تكن غاية في حد ذاتها "بل وسيلة لنشر وتركيز فكر الوحدة وتحرير العالم الاسلامي من كوابيس الاستعمار ومواجهة الغرب وخاصة بريطانيا التي يعتبرها أكبر عدو للاسلام."

وشارك بنحادة ببحث عنوانه (تتاري في اليابان) في (ندوة الرحالة العرب والمسلمين.. اكتشاف الذات والاخر) التي اختتمت الاحد الماضي في الرباط واستمرت جلساتها ثلاثة أيام بمشاركة نحو 50 باحثا وتهدف الى اعادة الاعتبار الى أدب الرحلة.

والندوة التي نظمها (المركز العربي للادب الجغرافي-ارتياد الافاق) ومقره أبوظبي ولندن تعقد سنويا في بلد عربي أو أجنبي كما تمنح سنويا جائزة ابن بطوطة بهدف تشجيع أعمال التحقيق والتأليف والبحث في أدب السفر والرحلات في خمسة فروع هي ( تحقيق الرحلات) و/الرحلة المعاصرة/ و/الرحلة الصحفية/ و/اليوميات/ و (الدراسات في أدب الرحلة).

وقال بنحادة ان هجوم السفن اليابانية "بدون سابق انذار" على الاسطول الروسي عام 1904 وتحقيقها أول نصر عسكري لقوة شرقية على قوة أوروبية منذ زمن بعيد كانت له أصداء عالمية وبخاصة في الدول المستعمرة ومنها البلاد الاسلامية التي تفاعلت مع النصر بل "رأى المسلمون في اليابانيين نموذجا يحتذى في الوطنية" وتعلقت امالهم باليابانيين لمعرفة سر تقدمهم.

وأضاف أن بعض المسلمين رأوا في اليابانيين "مسلمين بالفطرة لم يفطنوا بعد الى سر القوة الخارقة وذهب اخرون الى القول بأن اليابانيين عليهم أن يعتنقوا الاسلام اذا ما أرادوا استثمار تقدمهم سياسيا" وكان ابراهيم ممن اهتموا بأمر اليابانيين.

وابراهيم تركي من أصول سيبيرية وولد في منتصف القرن التاسع عشر بمدينة طارا لاسرة وفدت من بخارى.

وروى بنحادة كيفية تعرفه على ابراهيم حين كان يعمل في احدى الجامعات اليابانية حيث توجه في يوم عطلة الى حيث يذهب يابانيون الى مقابر أسلافهم في طوكيو ووجد بينهم رجلا يبدو من ثيابه أنه مسلم فتبعه الى أن ذهب الى مقبرة كان صاحبها ابراهيم الذي درس الفقه في المدينة المنورة ثم عاد الى روسيا عام 1885 حيث عمل بالتدريس وكان يتقن التركية والعربية والفارسية والروسية وسرعان ما أصبح ذا مكانة بارزة في المشهدين الثقافي والسياسي في روسيا حيث شغل عام 1892 منصب رئيس المجلس الروسي لمسلمي روسيا.

وقال ان ابراهيم انخرط في التيار التجديدي وسجل رؤاه الاصلاحية في كتابه (عالم الاسلام) وانه ناضل من أجل أن يتمتع المسلمون الروس بحقوقهم السياسية والاجتماعية "واليه يعود الفضل في كتابة أول بيان سياسي لمسلمي روسيا يستنكر فيه القمع والاضطهاد ويفضح البعثات التبشيرية الارثوذكسية" حيث أدى نشاطه السياسي الى سجنه في أوديسا عام 1904 .

واستعرض بنحادة السياق السياسي الذي شهد جانبا من رحلات ابراهيم حيث انتقل للاقامة في تركيا بعد الثورة البلشفية عام 1917 وسرعان ما فوجيء بالغاء الخلافة واعلان الجمهورية على يد مصطفى كمال أتاتورك. وهذه الظروف الجديدة "جعلت عبد الرشيد (ابراهيم) ينزوي في كونيا (قونية") الى أن جاءته من الملحق العسكري للسفارة اليابانية دعوة يرى فيها باحثون توجها استراتيجيا جديدا في السياسة اليابانية يهدف الى التعاون مع العالم الاسلامي عقب "طرد" اليابان من عصبة الامم عام 1933 .

وقال بنحادة ان ابراهيم وصل عام 1933 الى اليابان -التي زارها في العقد الاول من القرن العشرين- وأنه "استقبل استقبالا رسميا" ثم ركز جهوده على دعم العلاقات بين العالم الاسلامي واليابان "وتصحيح سوء فهم الاسلام في الاوساط اليابانية التي تستعمل الوساطة الاوروبية لمعرفة الاسلام" وتحقيقا لهذا الهدف وضع ابراهيم أول ترجمة للقران الى اللغة اليابانية.

وأضاف أن كتاباته في الصحف اليابانية تركزت على تعريف اليابانيين بالدين الاسلامي والعالم الاسلامي وأن كتابه (عالم الاسلام) كان تعريفا للعالم الاسلامي باليابان حيث وصف فيه أخلاق اليابانيين وتقاليدهم ونشر الكتاب بمجرد عودته الى اسطنبول عام 1910 كما ترجم بعض الاعمال اليابانية الى التركية ففي عام 1912 نشر في اسطنبول كتاب (اسيا في خطر) وفي ثلاثينيات القرن العشرين كان ينشر مقالات في مجلة شهرية في روسيا بهدف تقديم صورة عن اليابان لمسلمي روسيا.

وسجل بنحادة أن ابراهيم كتب في مقال أن عصبة الامم التي طردت اليابان "ما هي الا فخ وضعه الغرب للحيلولة دون لعب اليابان دورها في تحرير الشعوب الشرقية من الاستعمار الغربي."

وقال انه كان موضع حفاوة اليابانيين وأنه كان غزير الانتاج وان ظل كتاب ( عالم الاسلام) أبرز اثاره حيث يضم أسباب رحلته الى بلدان اسيا الشرقية وانطباعاته عن رحلاته اضافة الى ارائه السياسية.

وتابع أن ابراهيم كان يرى أن "الدين الانسب لليابانيين لا يمكن أن يكون سوى الاسلام نظرا للتقارب بين الاخلاق اليابانية والاخلاق الاسلامية" وأن اعتناق اليابانيين للاسلام من شأنه تعزيز النفوذ السياسي لليابان في الشرق الاقصى.

وأضاف أن ابراهيم شدد على أن اليابانيين لم يبلغوا ما بلغوه الا بتمسكهم بهويتهم واعتزازهم بثقافتهم الوطنية ناقلا عن سكرتير البرلمان الياباني الذي استقبل ابراهيم قائلا له "لا أنتظر أي شيء من الغرب للشرق فحياتنا نحن الشرقيين مرتبطة بالشرق والشرقيين وبدون ضياع الوقت يجب أن نبذل قصارى جهدنا للتعارف على بعضنا البعض."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 1/تموز/2009 - 8/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م