أطفالنا بين لُعَب السلاح وثقافة السلام

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: مع حلول فصل الصيف بدأت حركة الناس وأنشطتهم تتزايد خارج البيوت ومنهم وربما أكثرهم الاطفال الذين أخذوا يملؤون الشوارع والازقة وساحات اللعب وهم يقومون بشتى الألعاب التي تناسب أعمارهم، ولا يفوت المراقب والمتابع من الآباء وغيرهم أن يرصد ويميز كيفية قضاء الاطفال لساعات النهار الطويلة وسط فقدان الكهرباء وقلة اماكن الترفيه الخاصة بهم، ومما يلفت النظر حقا انتشار ظاهرة لُعَب السلاح التي أخذت تغزوا المحال والمتاجر في المدن والاقضية والاحياء وغيرها لتنتقل من اسواق الجملة الى المفرد ثم الى ايدي الاطفال وفق آلية متقنة وكأن الاقتصاد العراقي يقوم على مثل هذه العمليات التجارية الواسعة والمتقنة حقا !!.

ولذلك سنجد ان ساحة او زقاقا واحدا في أحد الأحياء السكنية يغصّ بعشرات الاطفال وكلهم ممن يحملون أنواعا مختلفة من الاسلحة تبدأ من (المسدس بأنواعه الكاتم وغيره) ولا تنتهي بالقناصة أو الـ بي جي سي او غيرها، وسنلاحظ حالة الاطلاق المتبادل بين الاطفال بالكرات البلاستيكية الصغيرة التي تنطلق من أفواه عشرات البنادق والمسدسات  فتصيب (العدو المفترض) وقد تؤذيه أحيانا كما حدث لأحد أطفال الحي الذي أسكنه حيث أطلق احد الاطفال من رشاشته إطلاقة بلاستيكية صغيرة عن قرب على احد الاطفال فأصاب احدى عينيه ونُقل على اثرها الى المستشفى، فتحول اللعب بالسلاح الى ساحة حرب حقيقية، ولعل الخبر الذي نقلته وسائل الاعلام قبل شهور عن الطفل العراقي ذي السنوات الست الذي قتل اخته ذات السنوات الثلاث بمسدس ابيه اثناء العبث به لا يزال قائما في اذهاننا حتى الآن.

والآن نتساءل ألم تكفِنا سنوات بل عقود الحروب التي دمرت العراق والعراقيين واستنزفتهم اقتصاديا ونفسيا وحصدت منهم ملايين الارواح؟ وألم يحِن الوقت كي نربي أطفالنا على لغة السلام ونشيع بينهم اجواء المحبة والتسامح والذكاء حتى لو تعلق الامر بألعابهم وقضاء فراغهم، فلماذا هذا الاصرار العجيب على تدمير حاضر ومستقبل اطفالنا؟ ومن هو المستفيد من إشاعة لغة الحرب والسلاح بين اهم شريحة تشكل الأساس الذي يتشكل عليه مستقبل الشعب؟، واذا كان ثمة مبرر اقتصادي يقف وراء ترويج مثل هذه البضاعات، فهل يا ترى ان الدول المنتجة لهذه الألعاب (كالصين مثلا) تشيع في بلدانها وبين اطفالها مثل هذه الألعاب أم أنها معدة للتصدير الى غيرها فقط ؟؟.

ثم لماذا يُستهدف الطفل العراقي بمثل هذه الألعاب وهل يعي التاجر او منظومة العرض والطلب نتائج نشرها بين اوساط الاطفال، وهل يعرف هذا التاجر او ذاك من الذين يشتركون في عملية الترويج لهذه الاسلحة بأن اطفالهم مستهدفين بها ايضا؟!.

إن المشكلة الكبيرة في هذا المجال تتمثل بلا مبالاة الناس التامة في النظر الى هذه الظاهرة على انها مجرد قتل لفراغ الاطفال، كما انهم يعتقدون بأنها وسائل ترفيه وتلهية عادية للاطفال في اوقات فراغهم، غير ان الامر يختلف كثيرا عن هذا التصور الساذج، لأن المسألة تتعلق بتأسيس وتنمية نسق ثقافي سيظل قائما مع الطفل حتى نهايات العمر، فمن يشبّ على شيء شاب عليه، وان الطفل الذي يفتح عينيه على السلاح ويتعامل معه على انه لعبة ويتثقف في أوائل عمره على لغة السلاح سيكون طفلا وشابا وكهلا وشيخا (حربيا دمويا) اذا جاز القول حتى نهاية عمره، وهنا تكمن خطورة تعامل الاطفال مع السلاح حتى لو كان لعبة يقضي بها اوقات فراغه.

إن المطلوب حقا أن نتنبه جميعا الى مكافحة هذه الظاهرة ولا ينحصر الامر بالجهات الرسمية، بل ينبغي ان تكون هناك حملات جماعية يشترك في الآباء والامهات والتجار ومؤسسات الدولة ووسائل الاعلام وفق خطط مبرمجة خصيصا لمكافحة هذه الظاهرة مع تقديم البدائل المناسبة للاطفال للقضاء على اوقات الفراغ، كما ينبغي ان تشعر طبقة التجار بمسؤولياتها الهامة في هذا المجال حيث الانتقاء الأفضل لانواع الدمى واللعُب وما شابه بما يتناسب مع الاطفال وينمي فيهم ثقافة مدنية قائمة على نبذ السلاح والعنف وما شابه، ويمكن ان نقترح في هذا الصدد بعض النقاط المساعدة منها:

1-  المباشرة فورا من لدن الجهات التشريعية والقضائية بسن قانون يمنع استيراد مثل هذه الألعاب الضارة قطعيا تحت اي مبرر كان ومعاملتها معاملة المخدرات وماشابه وليس ثمة غلو في هذا الطرح لأننا بينا خطورته في متن المقال.

2-  أن تتظافر الجهود كافة رسمية واهلية متخصصة او غيرها لمحاربة هذه الظاهرة وفق خطط تُعدّ من قبل لجان مختصة وقابلة للتطبيق الفوري.

3-  أن يُنظر لهذه الظاهرة ووجوب القضاء عليها بعين المسؤولية الاخلاقية والانسانية قبل غيرها كونها تشكل مصدر خطور على حياة الطفل والمجتمع آنيا ومستقبليا.

4-  أن نعمل جميعا وبقوة وباسلوب البرمجة والتخطيط المسبق على اشاعة ثقافة السلام والمحبة والتسامح والتنافس الايجابي لدى الاطفال.

5-  أن تقوم الجهات المعنية من الحكومة بدورها في هذا الجانب خاصة بتوفير اماكن اللهو والترفيه وتطوير مهارات ومواهب الاطفال في الدور والمنظامات الخاصة بمثل هذه النشاطات.

6-  أن يأخذ الاعلام بأنواعه كافة دوره في التوعية والتصدي لهذه الظاهرة وتأشير مكامن الخلل لدى المؤسسات والدوائر المختصة بتنمية قدرات الاطفال ومواهبهم.

وخلاصة القول علينا ان نغادر اللامبالاة التي تشكل جزءا كبيرا من نظرتنا الى الظواهر الخطيرة كالتي نتحدث عنها الآن، ومن غير الصعب أبدا أن نعرف خطورة ما يتعرض له اطفالنا وما تفرضه علينا المسؤولية الأبوية او الاجتماعية والدينية والاخلاقية والحكومية ايضا، لكي نقف الى جانب أطفالنا، فنقف بذلك الى جانب أنفسنا حتما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 30/حزيران/2009 - 7/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م